جمال خاشقجي
جمال خاشقجي
كاتب سعودي ويشغل حالياً منصب مدير قناة "العرب" الإخبارية

يوميات الحج والعمرة

آراء

في معرض «الحج قلب الإسلام» الذي نظم في المتحف البريطاني قبيل الصيف وقد كتبت عنه هنا من قبل، لفت انتباهي جزء مخصص ليوميات الحج كتبها بأشكال مختلفة حجاج أسعدهم الله بزيارة مكة والمدينة، بعضهم تحولت يومياته إلى كتاب ومرجع تاريخي يوثق لمرحلة،

مثل البيجوم نواب إسكندر التي كانت حاكمة لولاية في الهند، وقد حجّت قبل نحو 150 عاماً «1863»، وثمة مسألة عائلية تهمني في تاريخ هذه السيدة، وهي أنها أرسلت تعميداً بإعفاء جد للعائلة من خدمة رعايا إمارتها، ولم يكن ذلك شكوى منها، وإنما لأنه كان يخدم آلاف الحجاج من الهند ورأت أن ذلك فوق طاقته، وأرادت معاملة خاصة لرعاياها، فكلفت السيد أحمد أبو الجود بذلك، وأعفت الجد عبدالقادر خاشقجي رحمهما الله، ولا أعرف فيما إذا بقيا أصدقاء بعد ذلك، ولكن لا تزال العائلتان موجودتين في المدينة وبينهما صهر ورحم، ولا يزال بعض أبنائهما يخدم زوار المدينة الهنود من خلال المؤسسة الأهلية للأدلاء، و«الأدلاء» هنا نظير «المطوفين» في مكة، فوكلاء الحجيج في مكة يطلق عليهم مطوفون وفي المدينة أدلاء.

هذه الوثيقة كانت معروضة في المعرض وقد كتبت بخط عربي أنيق ومذهبة، ما يدل على ثراء تلك السيدة التي تتأنق حتى في خطاباتها الرسمية، أما كتابُها فلا أعرف فيما إذا ترجم للعربية ولكنه يستحق الترجمة، ولمن يقرأ بالإنجليزية فالكتاب متوافر في موقع «أمازون».

اليوميات الأخرى المهمة في المعرض لمالكوم إكس، المناضل الشهير عن حقوق السود في الستينات والذي غير الحج مسار حياته، عرضوا هناك دفتر كتب فيه يومياته خلال الحج، وبالتحديد الصفحة التي كتب فيها: «هناك عشرات الآلاف من الحجاج، من كل أنحاء العالم، من كل لون، من الأشقر ذي العيون الزرقاء إلى الأفريقي ذي البشرة السوداء، ولكن كنا جميعاً نتشارك في نفس العبادات، نظهر بها روحاً من الوحدة والأخوة، لقد جعلتني تجربتي في أمريكا أؤمن باستحالة حصول ذلك».

لكي نفهم عمق عبارة مالكوم إكس يجب أن نستحضر أجواء ومشاعر الفصل العنصري القبيح الذي ساد أمريكا في الستينات، كيف اهتزت مشاعره وهو في الحرم يحتك كتفه الأسود العاري بكتف مسلم أبيض ثم يتناظران ويسلم أحدهما على الآخر، ما كان ليتخيل ذلك في بلاده التي تفصل بين الأسود والأبيض في مقاعد الدراسة والنقل العام، بل كانت هناك حمامات خاصة للبيض يمنع منها السود، في مكة لم يرَ بالتأكيد شيئاً من هذا فعاد إلى أمريكا متخلياً عن أفكار «جماعة الإسلام» العنصرية وتحول إلى داعية للإسلام الحقيقي الذي أُوحي لمحمد عليه الصلاة والسلام.

في دولاب بالمعرض رأيت دفتر مذكراته ومظلة ومصحفاً قديماً وسجادة، تخيلت مالكوم إكس في منى وقد أسند ظهره إلى عامود خيمة، يكتب بدهشة عن سماحة الإسلام كما وجدها في مكة المكرمة عام 1964، كان ذلك خيراً له فبعد أعوام قليلة اغتاله اثنان من «إخوانه» السابقين في الجماعة التي تخلى عنها من أجل إسلام صحيح، فمات شهيداً بإذن الله.

عندما تحج سجل مذكراتك أو خواطرك، ستفاجأ عندما تقرأها لاحقاً، هناك من يفعلون ذلك صفحانهم على الفيسبوك وفي مدوناتهم، فقط ابحث في جوجل «ذكريات حاج» واستمتع.

المصدر: مجلة روتانا