تحليل: صناعة فيلم “وجدة” _ بقلم: هيفاء المنصور

ورلد بوليسي جورنال

الرياض، المملكة العربية السعودية – أثار فيلم “وجدة”، أول فيلم روائي طويل يتم تصويره بالكامل داخل المملكة العربية السعودية وتخرجه إمرأة، عدداً من التحديات الفريدة التي صاحبت إنتاج فيلم سينمائي في بلد غير مسموح فيه أصلاً ببناء دور للسينما أو عرض الفنون بشكل علني، وحيث يتم تهميش المرأة، وتطبيق الفصل بين الجنسين بصرامة، وحيث تقف الجماعات القبلية والأصولية بحزم ضد أي شئ تشعر أنه قد يهدد القيم التي تؤمن بها.

يركز الفيلم على المملكة العربية السعودية كمكان قد يكون من الصعب على المرأة أن تعيش فيه، فهو يحكي قصة فتاة جريئة من مدينة الرياض تبلغ من العمر 10 سنوات، وتشارك في مسابقة دينية لحفظ أجزاء من القرآن الكريم لكي تحصل على مبلغ من المال يكفي لشراء الدراجة التي تحلم بها. الدراجة كناية عن حرية الحركة التي لا تتمتع بها النساء أو الفتيات في المملكة العربية السعودية؛ فأنا كإمرأة يتعين على الحصول على إذن قبل الذهاب إلى أي مكان، ولا يمكنني قيادة سيارة أو السير في شوارع المدينة الرئيسة، أو حتى ركوب القطار من دون إذن عائلتي. ولكن فيلمي لا يهدف إلى الشكوى أو كيل الاتهامات، وإنما بالأحرى إلى استعراض ما يمكننا القيام به للمضي قدماً، ولإحداث التغيير في العالم من حولنا، ولخلق مساحة إيجابية على المستوى الشخصي الداخلي.

لقد نشأت من مدينة صغيرة في المملكة العربية السعودية حيث العديد من الفتيات مثل وجدة لديهن أحلام كبيرة، ولديهن شخصيات قوية، ويمتلكن الكثير من الإمكانات الواعدة. لقد بادرت بأن أحكي قصصهن بأصوات محلية أصيلة وبفريق تمثيل سعودي بالكامل ومن قلب مدينة الرياض.

لم يكن الطريق سهلاً في معظم الأحيان، ولكن هدفي كان واضحاً. وفي هذا المقال، أحاول أن أستعرض المراحل المتعددة التي اجتزناها عبر هذا الطريق وحتى الإنتاج النهائي للفيلم، مع التطرق للمشكلات المتعلقة بالجنس والنوع، وكذلك السياسات والسياق الاجتماعي لهذا المشروع الذي يبدو أنه لامس حياة الكثيرين في مختلف أنحاء العالم.

لقد عملت على النص لسنوات عديدة عبر ورش عمل في مختبرات عالمية متخصصة في كتابة السيناريو، وذلك لصقل بناء الفيلم وتقريب أفكاره بقدر الإمكان للمشاهدين على اختلاف ثقافتهم. كان أكبر مخاوفي أن يجد المشاهد العالمي صعوبة في أن يجد له رابط ما بهذا العالم الغريب المستتر الذي أدعوه وطني. بعد اكتمال النص، سافرت حول العالم لعدة سنوات بحثاً عن الشركاء والممولين المناسبين.

تصوير الفيلم في الرياض كان أيضاً تحدياً كبيراً. فقد اضطررت إلى تصوير الكثير من المشاهد الخارجية من داخل شاحنة حيث أن الاختلاط بين الجنسين ممنوع في المملكة، ولا يجب أن تعمل المرأة جنباً إلى جنب مع الرجال بصورة علنية. لم يمكن أمراً سهلاً أن أكون بعيدة عن موقع التصوير، ولكن ذلك جعلني أجتهد أكثر في عملي. في النهاية، فإن جميع الصعوبات التي واجهناها كانت تستحق العناء الذي لاقيناه.

يحدوني الأمل أن يشجع فيلم وجدة النساء على سرد قصصهن وعلى اقتناص الفرص المتاحة. لم تكن صناعة فيلم “وجدة” أمراً هيناً، ولكن ردود الفعل الإيجابية من مختلف أنحاء العالم يجب أن تشكل مصدر إلهام للمرأة السعودية لتتحدث عن نفسها وتثبت جدارتها، فالأمر يستحق الكفاح من أجله.

حقيقة إنتاج فيلم وجدة توضح أن المجتمع السعودي آخذ في الانفتاح بشكل كبير على فكرة إنتاج الأفلام، وحتى على فكرة مشاركة المرأة في المجتمع بصورة أكثر انفتاحاً. على الرغم من أن الكثير مازالوا يعارضون فكرة فتح دور للسينما في المملكة، إلا أن لهجة النقاش قد تغيرت، ويوجد شعور سائد بأن هناك تغييرات قادمة لا محالة. لقد حدثت لدينا أعمال شغب في السبعينات من القرن الماضي بعد دخول التلفزيون حين كان المطاوعة يطلقون النار على أطباق الأقمار الاصطناعية من على أسطح البيوت. ولكن الواقع في القرن الحادي والعشرين قد طغى على مسألة التلفزيون، وأصبح من الصعب الآن التحكم على نحو فعال في الكم الهائل للمعلومات الذي يتدفق إلى داخل المملكة.

تتمتع صناعة الأفلام في منطقة الخليج حالياً بزخم كبير، فهناك العديد من المهرجانات ومصادر التمويل لدعم الأصوات المحلية. ولدينا ملايين الشباب السعوديين الذين يقومون بنشر مقاطع الفيديو والتعليقات على شبكة الإنترنت، وعشرات السينمائيين الشباب الذين يقومون بإنتاج أفلامهم الخاصة. إني أتطلع لأن أكون جزءاً من هذ الحراك وأن أقوم بتصوير فيلم آخر داخل المملكة. إنها بيئة جاهزة تماماً للأعمال الدرامية، وهناك العديد من القصص التي تصلح أن تكون مواضيع للكثير من الأفلام. إن التفاعل ما بين التقليد والحداثة يخلق ذلك القدر المناسب من التوتر الذي يصلح لبناء قصص رائعة.
————————————————————————————————————-
*هيفاء المنصور مخرجة سينمائية من المملكة العربية السعودية فاز فيلمها الروائي الطويل الأول “وجدة” بالعديد من الجوائز. الفيلم الذي وزعته شركة سوني كلاسيك، يعد أول فيلم يتم تصويره في المملكة العربية السعودية وأول فيلم تخرجه إمرأة.

* نشأت قصة الفيلم نتيجة للإحباط الناجم عن الأمور التي تواجه المرأة في المملكة العربية السعودية ومن بينها:

محدودية الحركة / عدم وجود سبل للتعبير الفني / وصاية الذكور / خلط القبلية بالدين / محدودية الأنشطة خارج المنزل بالنسبة للنساء / ارتفاع معدلات وفيات المرأة في حوادث السيارات بسبب قلة خبرة السائقين وسوء حالة الطرق

* قمت بمقارنة هذه الموضوعات مع موضوعات عدد من الأفلام التي تأثرت بها من مختلف أنحاء العالم مثل:

فيلم تسلل (جعفر بناهي) / فيلم سارق الدراجة (فيتوريو دي سيكا) / فيلم روزيتا (للأخوين داردين)

* كانت النتيجة قصة مأساوية /غاضبة/ قاتمة عن المرأة السعودية كضحية. ومن هناك، عملت على القصة خلال العديد من ورش العمل في عدد من مختبرات الأفلام العالمية. وفي كل مختبر، كنت أضيف عناصر جديدة للقصة:

شخصية رئيسة يحدوها الأمل / شخصية رئيسة أقوى / شخصيات نسائية محافظة / شخصية تمتلك مصيرها

قبل ساعات من المسابقة التي تمنح أكبر جائزة نقدية في العالم للأفلام قيد التنفيذ (منحة الشاشة التي يقدمها مؤتمر «ذي سيركل» ولجنة أبوظبي للأفلام)، قمت بتغيير نهاية الفيلم من نهاية مأساوية (موت الأم) إلى نهاية مليئة بالأمل (الأم تشتري الدراجة لابنتها).

* الإعداد للفيلم كان تحدياً لأسباب عدة:

لا توجد بنية تحتية لصناعة الأفلام في المملكة العربية السعودية / الأفلام غير مصرح بها في المملكة بالأساس / المتشددون يقومون بالرقابة على الفنون والحط من شأنها / الشركاء الإقليميون يخافون من المشاركة في أفلام قد تغضب المملكة / الكثير من القضايا المهمة تعد من المحرمات ويجب عدم مناقشتها علناً.

* تقدمت بمئات الطلبات للحصول على تمويل ومنح خارجية وحصلت على دعم من الجهات الآتية:

صندوق هيوبرت بالز، مهرجان روتردام السينمائي الدولي، برنامج إنجاز، صندوق ما بعد الإنتاج، مهرجان دبي السينمائي الدولي، منحة كورت-سويدلين لصانعي الأفلام / مؤسسة دوريس ديوك (معهد ساندانس)

* بدأ الزخم الحقيقي عندما تشاركت مع شركة الإنتاج السينمائي الألمانية (رازور فيلم) التي أنتجت أفلاماً تدور في منطقة الشرق الأوسط مثل “الجنة الآن” و “رقصة فالس مع بشير”.

لقد ساعدت “رازور فيلم” في الحصول على أكثر من نصف الميزانية عبر منح ألمانية وأوربية.

رفضت جميع صناديق دعم الأفلام في المنطقة طلباتنا للحصول على الدعم، حتى قامت شركة روتانا ستوديوز (شركة الإنتاج التابعة للأمير الوليد بن طلال) بتسديد الاحتياجات.

تصوير الفيلم في الرياض كان له تحدياته الخاصة

التحدي: صناعة السينما غير قانونية.

الحل: قمنا بتقديم الطلب وفق الإجراءات المتبعة في عمليات الإنتاج التلفزيوني.

التحدي: الإعلان عن طلب ممثلات شابات يثير الانتباه بشكل كبير جدا.

الحل: الاعلان عن اختبارات الأداء بشكل شفهي. عثرنا على الممثلة الرئيسة عن طريق وكيل يقوم بتنظيم العروض الثقافية.

التحدي: وجدنا الكثير من الفتيات الرائعات، ولكن عائلاتهن تراجعت في اللحظات الأخيرة، فالتمثيل أمر غير مقبول بالنسبة للفتيات.

الحل: الاستمرار في إجراء اختبارات الأداء

التحدي: لا تستطيع المرأة العمل مع الرجل في العلن.

الحل: اضطررت إلى إخراج المشاهد الخارجية من داخل شاحنة مغلقلة.

التحدي: عواصف رملية.

الحل: التأجيل.

التحدي: متفرجون متشددون غاضبون يطاردوننا خارج أحيائهم.

الحل: المزيد من التأخير. ننتظر، ثم نعود ونستكمل الجزء المتبقي من التصوير بشكل سريع.

* بعد العرض الأول للفيلم في مهرجان البندقية للأفلام في العام 2012، فاز الفيلم بعشرين جائزة في مهرجانات ومسابقات مختلفة حول العالم. كما حصل الفيلم على أعلى تصنيف لفيلم أجنبي للعام 2013 على موقع روتن توماتوز (Rotten Tomatoes).

* أثار نجاح الفيلم الجدل حول السينما في المملكة، ودور المرأة في المجتمع السعودي. لقد أثبت نجاح الفيلم أن العالم يريد أن يرى أفلاماً لسينمائيين من منطقة الخليج. لقد منحتني التجربة مجموعة كاملة جديدة من الإحباطات لاستخدمها في فيلمي القادم!

الصور نقلاً عن موقع وورلد بوليسي جورنال

لمطالعة المقال الأصلي باللغة الإنجليزية، يرجى زيارة هذا الرابط

لمطالعة المزيد من مواد “وورلد بوليسي جورنال” المترجمة حصرياً على الهتلان بوست، يرجى زيارة هذا الرابط