المفوض السامي للاجئين: ليس لدينا حل إنساني للأزمة السورية.. وحان وقت الحل السياسي

أخبار

في زيارة قصيرة إلى دافوس السويسرية، شارك مفوض الأمم المتحدة السامي للاجئين أنتونيو غوتيريس في أعمال «منتدى الاقتصاد العالمي»، حيث التقى مسؤولين سياسيين وشخصيات مشاركة في المنتدى، بهدف حصد الدعم للمفوضية السامية للاجئين التابعة للأمم المتحدة، وضمن مساعيه لجمع التمويل للاجئين خاصة السوريين منهم. وفي ما يلي أبرز ما جاء في حوار خاص مع «الشرق الأوسط» على هامش أعمال المؤتمر:

* لقد طالبتم العالم مرات عدة بدعم اللاجئين في العالم، وبشكل أخص اللاجئون السوريون.. هل حصلتم على ما تحتاجونه من مساعدات المالية لحماية اللاجئين السوريين؟

– بالنسبة للمساعدات المالية، نحو 54 في المائة من الذي طلبناه في عام 2014 لمساعدة اللاجئين السوريين إقليميا. وماذا يعني ذلك؟ أن الاحتياجات تزداد بسرعة، والميزانيات لدعم العمل الإنساني تزداد بوتيرة أبطأ بكثير. وكما بات معروفا، لدينا الآن للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية أكثر من 50 مليون نازح بسبب النزاعات حول العالم. ولكن ما يقلقنا تصعيد الأعوام القليلة الماضية. في عام 2011 هناك 14 ألف نازح أجبروا على الفرار بسبب النزاع، وفي عام 2012 زاد العدد إلى 23 ألفا، في عام 2013، نحو 32 ألفا.. وهكذا نرى التداعيات المتفاقمة لتضاعف الأزمات الجديدة والأزمة الهائلة في سوريا.. والأزمات التي لا تنتهي مثل النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي، وأفغانستان والصومال، تخلق حجما كبيرا من الحاجة لمعالجة الحماية البسيطة جدا والمساعدات لإنقاذ الأرواح للمحتاجين في العالم. ومع الأسف قابلية المجتمع الدولي في تمويل تلك المساعدات من الواضح أنها تتأخر، والفجوات في التمويل باتت مزرية. على سبيل المثال، برنامج الغذاء العالمي اضطر لقطع تزويد المساعدات في العديد من المناطق حول العالم بسبب شح التمويل. وكل الفاعلين في المجال الإنساني عليهم ضغوط هائلة ليستطيعوا الرد على احتياجات الضعفاء.

* هل هذا الشح في التمويل بسبب انعدام العزيمة السياسية للتحرك؟

– أعتقد أن المجتمع الدولي لم يفهم بعد مدى الحاجة الملحة للمساعدات الإنسانية. هناك تداعيات من التغير المناخي ونمو التعداد السكاني والكوارث الإنسانية التي تزداد في مناطق متعددة حول العالم. الحقيقية هي أنه إذا كنتم تنظرون إلى ما يصرف للمساعدات الإنسانية حول العالم من خلال القنوات المعروفة، فإنه يبلغ نحو 20 مليار دولار. لا أعلم أي مصرف متوسط الحجم تم إنقاذه من الإفلاس بمبلغ أقل من ذلك. فأعتقد أن العالم عليه أن يغير كيف يضع أولوياته، لأننا نرى معاناة هائلة أولا، وثانيا لأن الأزمات الإنسانية هي عبارة عن عارض ودليل على فشل كبير في العالم. إذا نظرنا إلى الأزمة السورية فإنها ليست فقط كارثة إنسانية، بل باتت تهديدا كبيرا للاستقرار العالمي، والعراق انغمس فيها، ولبنان في وضع حرج جدا، كما أنها باتت تهديدا للسلم والاستقرار العالمي. هناك مقاتلون من كل العالم هناك، وهم مقاتلون قد يعودون إلى دولهم ويقومون بأعمال نراها، أو يطلقون أعمالا عنيفة في أي مكان في العالم. لذا، فإن الرد على المساعدات الإنسانية ليس فقط تضامنا، بل يجب أن يكون جزءا من المصلحة الذاتية المتنورة.

* وماذا عن برامج إعادة توطين سوريين؟

– لدينا تقديرات حول اللاجئين السوريين، فهناك نحو 3.8 مليون لاجئ سوري مسجلين في دول الجوار، وهناك الكثير غير مسجلين ويطلبون المساعدة. ونقدر بأن نحو عُشر هؤلاء يجب إعادة توطينهم في دول ثالثة كالحل الأمثل في الظروف الحالية، بالطبع الحل الأمثل هو العودة إلى الوطن بسلام وكرامة عندما تسمح الأمور بذلك، لكن دائما لدينا أناس عانوا الكثير وقتل أفراد من عائلتهم أو تعرضوا للتعذيب أو كانت لديهم أزمة تصعب من عودتهم إلى بلدهم أو لديهم حالة طبية حرجة. ومن الواضح أن دور الجوار ستعاني في معالجة احتياجاتهم. لذلك، نحو عشر السوريين اللاجئين بحالة إلى إعادة توطين في بلد ثالث. مع الأسف، طلبنا المساعدة، وطالبنا بمنح 130 ألف فرصة لإعادة التوطين لأننا كنا واقعيين وعلى علم بأنه من غير المتوقع أن نحصل على الـ10 في المائة (أي 380 اأفا). حتى الآن وصلنا إلى 100 ألف فرصة مقدمة حتى نهاية عام 2016، ولكن نقوم بجهود كبيرة لتقدم دول أخرى مساعدات إنسانية وفرصا لإعادة التوطين للاجئين في الأردن ولبنان وتركيا لتمنح لهم فرصة مستقبل أفضل. لكننا أيضا نطلب من الدول تحسين برامج لم الشمل، فعل سبيل المثال سويسرا لديها برنامج مهم، أو أن تكون هناك سياسة تأشيرة دخول أكثر مرونة مثل فرنسا والبرازيل. ولكن مع الأسف عندما ننظر إلى أوروبا نجد فقط دولتين، وهما السويد وألمانيا، استجابتا لدعوتنا لتقديم المساعدة الضرورية للشعب السوري.

* لكن هناك مشكلة أساسية حتى لمن يمنح اللجوء، وهي أنه على اللاجئ أن يصل إلى البلد الثالث قبل منحه حق اللجوء، وفي الكثير من الأحيان يحدث ذلك عن طريق المهربين. وهذا الأمر ليس فقط مقصورا على السوريين والعراقيين، ولكن هناك لاجئين من كل العالم، وهم يضطرون للمخاطرة بكل شيء بهدف الحصول على اللجوء. كيف يمكن تعديل القوانين والإجراءات كي لا يكون المهربون هم المستفيدين الوحيدين من هذا الخلل في نظام منح اللجوء؟

– هذه مشكلة عامة، من الواضح أنه لا توجد طريقة لمكافحة التهريب والتحرك غير النظامي، ولا أحب أن أقول غير القانوني، من دون تزويد فرص للتحرك النظامي والقانوني لتحرك الناس. لذلك نحن نصر على أن يتم فتح جميع الحدود لتحرك السوريين في كل مكان، من المنطقة إلى دول أوروبا وغيرها من دول، بالإضافة إلى تحسين برامج إعادة التوطين للسوريين والمساعدات الإنسانية، وأن يحسن برنامج لم شمل العائلة لأن هناك جاليات سورية كبيرة حول العالم ومن خلال برنامج لم الشمل يمكننا أن نقدم الحماية. لذلك من الضروري بالنسبة للاجئين ولتنظيم الهجرة أن نفهم أن الطريقة الوحيدة لمواجهة المنظمات غير القانونية هي من خلال منح الفرص القانونية للناس. وهذا ليس أمرا جديدا. إذا كانت هناك تجارة حرة فإن التهريب يختفي، وهذا أمر طبيعي.

* مع الأزمات المتتالية في العراق، هناك أزمة نزوح ولجوء عراقية، خاصة عندما اقتحم «داعش» عددا من المدن العراقية حيث شهدنا المزيد من النزوح الجماعي.. وهناك مخاوف من مد هذه الأزمة لعقود..

– في الوقت الراهن، مثلما قلت، المشكلة العراقية الأكبر هي للنزوح الداخلي وفي ظروف صعبة جدا جدا، خاصة في وسط وجنوب العراق. في إقليم كردستان كان من الممكن أن نؤمن مواقع أكثر أمنا، وأسهل لنا أن نوزع المساعدات هنا. ولدينا أكثر من 100 ألف لاجئ عراقي جديد، وتركيا استقبلت غالبيتهم. ونحن نعاني لنجعل المجتمع الدولي يفهم أن العراقيين بحاجة إلى حماية مثل السوريين ويمرون بظروف مماثلة. ولدينا نقاشات معمقة مع الدول المضيفة ومع المجتمع الدولي لنصل إلى آلية لحماية العراقيين بطريقة أفضل، لأننا نشعر بخطر أن اللاجئين العراقيين قد يصبحون منسيين.

* هناك مخاوف من تصاعد مشاعر الخوف من الأجانب وفرضهم في دول أوروبية وغربية استقبلت تقليديا اللاجئين. هل تخشون من تأثير ذلك على استقبال اللاجئين من الشرق الأوسط المضطرب؟

– أولا الخوف من الأجانب مع الأسف مشكلة لنا في كل مكان، والأمر يقلقنا بالذات عندما يؤثر على الذين يبحثون عن الأمان ويهربون من دولهم، لأنهم لا خيار آخر لهم. لذلك أن يصبح ضحايا الخوف من الأجانب ضحايا مرتين، أولاهما من العنف والاضطهاد وبلدهم، ثم مجددا في المجتمع الذي يبحثون فيه عن المأوى. نحن قلقون جدا من التطورات، ووجود مسيرات تظهر الخوف من الأجانب، ومعاداة المسلمين خاصة في أوروبا، ونحن نواصل العمل بشكل مستمر لتدشين حملة ضد تلك المشاعر. إذا كان على أوروبا أن تفخر بأمر ما، فيجب أن تفخر بقيم التنوير، وربما هذه أفضل ما قدمته أوروبا للحضارة الدولية، قيم التسامح وتقبل الآخر. وما نراه في بعض الدول الأوروبية الآن هو نسيان للتسامح، ونرى تصرفات غير عقلانية، لأن الحقيقة هي أن أوروبا تحتاج المهاجرين مع مستويات تراجع الخصوبة في الكثير من الدول الأوروبية. الهجرة جزء من الحل وليست جزءا من المشكلة. والدتي عمرها 91 عاما، والعديد من الأشخاص يساعدونها، بالإضافة إلى العائلة، وعندما أزورها في لشبونة لا أرى برتغاليا واحدا يساعدها. والبرتغال ليست دولة غنية ولديها بطالة، لكن المهاجرين مهمون جدا لمراعاة الكبار في السن، والأمر نفسه ينطبق في كل الأرجاء. لذلك، من الضروري أن نقنع الأحزاب الرئيسية والقيادات السياسية في أوروبا بأن عليهم ألا يقلقوا من المجموعات المتطرفة الشعبوية والرافضة للأجانب، وأن عليهم أن يصروا على قيم التنوير الأوروبية ويجب التشديد عليها بأنها محورية لحماية الحضارة الأوروبية والعالمية. وما يحدث في أوروبا يحدث في مناطق أخرى في العالم، حيث نرى اللاجئين يُستهدفون.. على سبيل المثال نرى اللاجئين الصوماليين أصبحوا ضحايا العنصرية في الكثير من مناطق العالم، وهذا بالنسبة لنا مصدر قلق دائم وعلينا عمل الكثير. والمجتمع المدني له ديناميكية كبيرة لمنع معاداة الأجانب ونحن ندعمهم بذلك.

* ما أهمية مؤتمر الكويت المقبل للمانحين لدعم اللاجئين السوريين، خاصة أن التعهدات الدولية لم تلب كلها في السابق؟

– أولا، المؤتمران الأولان في الكويت كانا أساسيين بالنسبة لنا، صحيح أنه لم يتم تخصيص منح لكل ما طلبنا، لكن الكثير من الدعم وجه لنا من خلال مؤتمري الكويت، ونحن ممنونون لأمير الكويت ودولة الكويت في قيادة مبادرات لدعوة المجتمع الدولي لحماية اللاجئين السوريين ودعم الدول المجاورة لسوريا. ومؤتمر الكويت الثالث في غاية الأهمية هذه المرة، لأنه لا يركز فقط على اللاجئين السوريين بل أيضا المجتمعات المضيفة لهم، على الأردنيين واللبنانيين وغيرهم من الذين يعانون في حياتهم اليومية مع التفاقم الهائل لتعداد سكان هذه الدول، حيث زادت الصعوبة في الحصول على فرص العمل، والأسعار ترتفع، والرواتب تنقص. وهناك حاجة لدعم صلابة هذه المجتمعات، بينما تزداد احتياجات اللاجئين أنفسهم. ونحن نأمل أن مؤتمر الكويت الثالث سيخلق فرصة للكثير من الدول بالتعبير عن تضامنها، والحقيقة هي أن غالبية التعهدات التي قطعت في مؤتمري الكويت الأول والثاني تم الالتزام بها. المشكلة أن كل شيء غير كاف عندما نرى الاحتياجات المطروحة. نحن نتكلم عن الاحتياجات الأساسية، ونحو نصف الاحتياجات الأساسية للاجئين لم يتم تمويلها.

* هناك شعور باليأس مع تفاقم أعداد اللاجئين.. كيف تصد هذا الشعور؟

– الأمر بسيط، لا يوجد لدينا حل إنساني لهذه المشاكل، الحل سياسي. ما يجب أن يفعله الناس هو فرض كل الضغوط الممكنة على القيادات السياسية في دولهم للتأكد من اجتماعهم وعملهم معا لخلق ظروف تسمح بحل هذه الأزمات. إذا نظرنا إلى الوضع في سوريا، فالسوريون يقاتلون صحيح، لكنهم لم يكونوا ليواصلوا القتال لولا الدعم الخارجي، من حيث التسليح والأموال للحكومة والمعارضة. وحان الوقت لمن لديه تأثير على أطراف النزاع، الولايات المتحدة وروسيا وتركيا والسعودية وإيران وغيرها، أن يقر بأنه لا أحد ينتصر في هذه الحرب، وأنها باتت تشكل تهديدا لكل المجتمعات حول العالم. من الضروري الالتئام لخلق الظروف لإنهاء هذه الأزمة.

* ربما التهديد الأمني أكثر من التهديد الإنساني يجمع الدول ويدفعها للتحرك؟

– أحيانا أسهل أن تجعل الآخرين يفهمون مصلحتهم الأساسية بدلا من أن تدفع الناس لإظهار تضامنهم. في هذا الحال، الاثنان يصوبان بنفس الاتجاه. نحن بحاجة لإنهاء الأزمة السورية لوقف معاناة الشعب السوري والتهديد الأمني للسلم والأمن العالميين.

المصدر: دافوس (سويسرا): مينا العريبي – الشرق الأوسط