عاود صندوق النقد الدولي الدعوة إلى تبني إجراءات حاسمة تجاه التحديات الاقتصادية التي تواجه منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وخلال الجلسة الأخيرة التي عقدها الصندوق في واشنطن قبل أسبوعين، ردَّ التأخر في التعافي الاقتصادي للبلدان المستوردة للنفط إلى حالة عدم اليقين السياسي وتزايد الضغوط السياسية والصراع الإقليمي، كاشفاً عن معدل نمو متوسط لم يتجاوز 2% في النصف الأول من العام الحالي 2013م.
ثلاث أولويات
واتفق المجتمعون على ثلاث أولويات تتصدر حلول الأزمة الاقتصادية الراهنة لدول المنطقة، تمثلت في توفير الوظائف لتيسير استمرار التحول الاجتماعي والسياسي، وتطبيق سياسة مالية عامة أكثر عدالة وكفاءة، والشروع عاجلاً في تنفيذ جدول أعمال الإصلاحات الهيكلية الجريئة التي تكفل تحسين مناخ الأعمال، وإصلاح سوق العمل، ودعم جهود تحسين الحوكمة، وتعزيز العدالة. وتوقع الصندوق تحسناً نسبياً مع تعافي الطلب العالمي على النفط في نهاية العام الحالي وارتفاع الإنتاج النفطي في المملكة العربية السعودية والعراق وليبيا.
إجراءات عاجلة للإصلاح
ودعا الصندوق، في تقريره عن آفاق الاقتصاد العالمي الصادر في شهر أكتوبر الماضي، حكومات البلدان المصدرة للنفط في المنطقة إلى بحث السبل الممكنة لكبح النفقات الجارية التي يصعب التراجع عنها كالأجور والدعم، مع استهداف الاستثمارات الرأسمالية والبرامج الاجتماعية عالية الجودة، مشدداً على ضرورة إجراء إصلاحات هيكلية لدعم نمو القطاع الخاص وتنويع الاقتصاد وخلق الوظائف. واستحسن الصندوق، في هذا الصدد، تطبيق عدد من العناصر الأساسية لإصلاح الدعم الحكومي الذي يستهلك جانباً كبيراً من موارد دول المنطقة، كان من أهمها وضع خطة شاملة لإصلاح قطاع الطاقة، بحيث تتضمن أهدافاً واضحة طويلة الأجل وتحليلاً لتأثير الإصلاحات وتشاوراً مع الأطراف المعنية، وإجراء زيادات سعرية تدريجية بالشكل الملائم بحيث يمكن تسلسلها لكل منتج من منتجات الطاقة، ورفع كفاءة المؤسسات المملوكة للدولة بغية تخفيض الاعتماد على الدعم، واتخاذ تدابير موجهة للمستحقين لحماية الفقراء، وإجراء الإصلاحات المؤسسية التي تهدف إلى إبعاد تسعير الطاقة عن الاعتبارات السياسية.
التقشف ومرونة الصرف
ونصح الصندوق بتطبيق سياسة التقشف المالي وزيادة مرونة أسعار الصرف، مع العمل على إيجاد طرق أكثر فاعلية لحماية الفقراء، في ظل انخفاض الأرصدة المالية والاحتياطية الوقائية، على المدى القصير، مع استخدام الموارد العامة لدعم مصداقية التدابير وقدرتها على الاستمرار. والتزم الصندوق بتوفير أكثر من 8.6 مليار دولار أمريكي من موارده في هيئة اتفاقات تمويل مع الأردن والمغرب واليمن. ومع اقتراب السنة المالية من نهايتها، كان الصندوق يجري المناقشات بشأن عقد اتفاق محتمل مع مصر واتفاق برامجي ثانٍ مع اليمن، إلى جانب المناقشات مع تونس التي أدت إلى موافقة المجلس التنفيذي على اتفاق للاستعداد الائتماني بمبلغ 1.74 مليار دولار أمريكي بعد ذلك بفترة قصيرة.
ملامح الأزمة «عربياً»
وبالرغم مما رصده تقرير للصندوق عن بعض مظاهر التحسن في دول التحول العربية، فقد اعتبر الصندوق أن النمو الاقتصادي مازال مكبوحاً، مع ضعف الاستثمار الخاص والهوامش الوقائية من الاحتياطيات الخارجية، وتناقص أرصدة المالية العامة. وناشد الصندوق دول التحول العربية بالتحول من قائمة الإصلاحات الهيكلية المألوفة إلى إجراءات أكثر عملية، كإعادة تعريف القطاع الخاص بما يلائم مصالح تلك الدول، والتركيز على المشاريع الصغيرة والمتوسطة، مع إجراء إصلاحات جوهرية في التعليم في إطار تجديد المهارات في أسواق العمل بالمنطقة. ورأت مصادر مالية أن نتاج النظام التعليمي لا يتوافق مع احتياجات القطاع الخاص، وأن على الحكومات أن تعمل مع مجتمع الأعمال والمجتمع المدني والشركاء الماليين لمعالجة هذه القضية. وكشفت المصادر عن أن المنطقة لا تفتقر إلى الموارد المالية، ولكنها تعاني من علاقة مفقودة بين التمويل والابتكارات.
مرحلة ركود جديدة
وفي السياق ذاته، حذر الصندوق من فشل صانعي السياسات، خاصة لدى أوروبا والولايات المتحدة، في التعامل مع أزمات التوظيف، وتجاوز أزمة الديون السيادية، أو في منع تفاقم هشاشة القطاع المصرفي، ما سيدفع بالاقتصاد الدولي إلى مرحلة جديدة من الركود، ما يعني ضمنياً حدوث انخفاض في متوسط دخل الفرد على مستوى العالم. وأكد الصندوق أن أغلب الاقتصادات المتقدمة مازالت تعاني من بقايا الأزمات المالية الدولية، كما تسود توقعات باستمرار تأثر الاقتصادات النامية والاقتصادات المارَّة بمرحلة تحول، في التأثر بالأوضاع الاقتصادية لدى الاقتصادات المتقدمة. وبيَّن تقرير الصندوق أن الدول النامية مازالت تواجه تحديات رئيسة تتمثل في ارتفاع معدلات العمالة غير الموظفة، التي تحصل على أجور متدنية، وتعاني من أوضاع وظيفية حرجة، وعدم توافر أي صورة من صور الضمان الاجتماعي، بالتزامن مع استمرار ارتفاع معدلات البطالة المفتوحة بنسب تتعدى 10 % لدى المناطق الحضرية، فضلاً عن تزايد معدلات البطالة طويلة الأمد لدى الدول النامية.
عجز الوظائف يفاقم الأزمة
ودعا الصندوق إلى ضرورة التعامل مع العجز الدولي في توافر الوظائف الذي قدر عام 2011 بنحو 64 مليون وظيفة، حتى يمكن الرجوع إلى مستويات توظيف ما قبل الأزمة ولاستيعاب الوافدين حديثاً على سوق العمل، حيث يتوقع أن يزيد هذا العجز بنهاية العام الحالي إلى 71 مليون وظيفة، منها 17 مليون وظيفة ستكون داخل الدول المتقدمة. وتعيق معدلات البطالة المزمنة نمو الأجور ونمو الطلب الاستهلاكي على المستوى الدولي، كما تساهم في زيادة معدلات العجز عن الوفاء بالتزامات سداد أقساط الديون العقارية في الولايات المتحدة الأمريكية. ويؤدي تزامن البطالة المزمنة مع استمرار حالة الهشاشة المالية لدى الاقتصادات المتقدمة إلى خفض الطلب على الاستثمار وانخفاض في ثقة قطاع الأعمال، الأمر الذي يؤدي بالتالي إلى مزيد من التأخر في الانتعاش الاقتصادي. ويؤكد الصندوق أن الإصلاحات المالية المبذولة مازالت غير كافية لاحتواء المخاطر المتعلقة بالمنظومة الدولية، حيث يجري تفعيلها على فترة زمنية طويلة الأمد، ما جعل تأثيرها على الوضع الاقتصادي والمالي القائم حالياً محدوداً.
أربعة مظاهر للضعف
ورصد الصندوق أربعة مظاهر للضعف تعاني منها الاقتصاديات المتقدمة، ولعل أبرزها ما يسميه بـ «عدوى أزمة الديون السيادية» التي رأى أنها قد تسفر عن أزمة دولية في الائتمان، وبالتالي تؤدي إلى انتشار عجز مُعْدٍ وغير منظم عن الوفاء بالتزامات الديون لدى عديد من الدول، الأمر الذي من شأنه التسبب في تداعيات كبيرة لاقتصادات المنطقة وخارج حدودها. وحذر الصندوق من أن انتشار عدوى أزمة الديون السيادية إلى اقتصادات أكبر سيؤدي بلا شك إلى أزمة دولية في الائتمان، وإلى انهيار أسواق المال في إطار تصور يذكرنا بشهر سبتمبر 2008 عندما انهارت مؤسسة ليمن براذرز الأمريكية. وبيَّن أن حدوث مثل هذا الانهيار المالي من شأنه أن
يؤدي إلى انكماش حاد، ليس فقط لدى الاقتصادات التي تعاني من ضائقة الديون السيادية، وإنما أيضاً لدى آفة الاقتصادات الرئيسة في منطقة اليورو، مع احتمال أن تكون كثافة الانكماش في نفس حدة الانكماش الذي شهده العالم خلال أواخر عام 2008 وأوائل عام 2009.
تأثير الكساد الأورو أمريكي
وحذر الصندوق من أن حدوث كساد اقتصادي لدى أي من الولايات المتحدة أو أوروبا سيؤدي إلى حدوث حالة كساد على المستوى الدولي، متوقعاً أن ينكمش الاقتصاد الأوروبي إلى معدل نمو 1.5% سنوياً، وأن ينكمش الاقتصاد الأمريكي إلى معدل نمو 0.8 % سنوياً، معتبراً أن ذلك سيشكل ضربة كبيرة لكل من الاقتصادات النامية والاقتصادات المارة بمرحلة تحول. وستتفاوت الآثار وفقاً لمدى ارتباط تلك الاقتصادات مالياً واقتصادياً مع الاقتصادات المتقدمة، وسيكون على كافة الاقتصادات الناشئة التعامل مع صدمات مالية كبيرة، بما في ذلك انتشار عدوى البيع في أسواقها للأسهم، مع حركة عكسية للتدفقات الرأسمالية، وخسائر مالية مباشرة بسبب تدهور قيمة حيازات السندات الأوروبية والأمريكية السيادية، التي من شأنها التأثير على حيازات الاحتياطيات الرسمية وعلى أصول القطاع الخاص.
توقعات بتعافٍ جزئي
وكان تقرير صندوق النقد الدولي للسنة المالية 2013/2012 أشار إلى تحسن نسبي في الأوضاع المالية مع انتهاء السنة المالية 2013 متوقعاً استمرار التعافي الشامل والمتين على المستوى العالمي محفوفاً بالعقبات. وبينما تصدت إجراءات السياسات لأشد المخاطر على المدى القصير، لم تتغير توقعات النمو المستقبلية تغيراً يذكر بنهاية شهر أبريل 2013، كما لم يسفر تحسن الأوضاع المالية في أنحاء العالم عن تحقيق مستويات نمو متساوية، أو كانت هناك عوامل أخرى تكبح تقدمه. وأشار التقرير إلى أن الإجراءات القوية التي اتخذها صناع السياسات في أوروبا ساعدت على منع وقوع مخاطر جسيمة نتيجة للانحدار المالي في منطقة اليورو والولايات المتحدة، كما اعتمدت اليابان سياسات اقتصادية كلية أكثر توسعاً، بما في ذلك إجراء تغييرات طموحة في إطار السياسة النقدية، وساهم تيسير السياسات في اقتصادات الأسواق الناشئة الرئيسة في مساندة الطلب الداخلي، لكن الصندوق طالب بإيجاد حلول دائمة لمكافحة المخاطر الكامنة.
تراجع مخاطر السوق والسيولة
وأشار التقرير الأممي، إلى أن الاستقرار المالي اكتسب قوة إضافية مع تراجع المخاطر السوقية ومخاطر السيولة، حيث انخفضت تقلبات الأسواق وارتفعت أسعار الأصول، ما حقق مكاسب كبيرة للاقتصادات المتقدمة واقتصادات الأسواق الناشئة على حد سواء اعتباراً من منتصف عام 2012. ومع ذلك، فقد ظلت مستويات الثقة هشة، واتجهت الأسواق غالباً نحو تحقيق نمو أسرع من الاقتصاد العيني، وفي هذا الصدد، ظل التعافي غير متوازن. وبلغ النمو العالمي مرحلة القاع بمعدل 2.25 % تقريباً في الربع الثاني من عام 2012، لكنه انتعش في النصف الثاني من العام، ليصل إلى 2.75 %. وفي بداية عام 2013 أشارت المؤشرات المبكرة إلى تزايد سرعة النشاط؛ فيما أشارت التنبؤات إلى أن معدل نمو إجمالي الناتج المحلي سيصل إلى 4% في 2014، لكن تلك التنبؤات توقعت استمرار حالة الركود في منطقة اليورو في نهاية 2013، مع تعرض عديد من اقتصاداتها لاستمرار التصحيح المالي، ومشكلات التنافسية، والاختلافات أو التشتت في الأوضاع المالية بصفة مستمرة، والضغوط الخافضة لنسب الرفع المالي النابعة من فرط مديونية القطاع الخاص، بما في ذلك القطاع المصرفي.
إصلاحات تنظيمية مطلوبة
ورغم التقدم في تحسين التنظيم المالي على المستويين الوطني والعالمي، فلا يزال هناك مزيد من العمل المهم الذي ينبغي القيام به في الفترة القادمة. وقد أكد عدد أبريل 2013 من تقرير الاستقرار المالي العالمي على ضرورة إجراء مزيد من أعمال إصلاح الخلل المالي واتخاذ مزيد من الإجراءات لاستكمال بنود جدول أعمال الإصلاحات التنظيمية، ألا وهي مشكلة المؤسسات التي تعد «أكبر من أن تفشل» والمؤسسات المالية غير المصرفية، وتنظيم صيرفة الظل، فكان من الضروري تنفيذ جدول أعمال الإصلاح على نحو عاجل ومتسق، بما في ذلك متطلبات اتفاقية بازل الثالثة، لتحقيق الاستقرار المالي في المستقبل وتعزيز تدفق الائتمان إلى الاقتصاد العيني. وكان التصور السائد أن وقف التشتت المالي في منطقة اليورو، مثلاً، له أهمية قصوى في دعم النمو، كذلك كان بوسع السياسات المالية المحسنة المساعدة في انتقال آثار السياسة النقدية.
تحسن الأسواق الناشئة
وفي المقابل، ينتظر أن يشهد النشاط في اليابان ارتداداً إيجابياً في نهاية العام الحالي، على أثر الدفعة التنشيطية المالية والنقدية. وفي اقتصادات الأسواق الناشئة والبلدان النامية يتوقع أن يصبح التوسع في الناتج أوسع نطاقاً وأن تتسارع وتيرته بانتظام، حيث ينتظر أن تصل وتيرة النشاط إلى 5.3% في نهاية العام الحالي بعد تراجعه إلى 5.1 % في عام 2012، لترتد إيجابياً بعد ذلك إلى 5.7 % في عام 2014. وتمثلت الأهداف الرئيسة للإصلاحات في هذه الأسواق في تعزيز هوامش الأمان الوقائية التي توفرها السياسات والوقاية من التجاوزات المالية. وفي هذا السياق، بدا من الملائم تقييد بعض السياسات على المدى المتوسط. وأينما كان الاستقرار المالي مهدداً بالمخاطر، كان بالإمكان اتخاذ تدابير احترازية لدعم تعديل السياسة الاقتصادية الكلية، وفي بعض الأحوال، الاستفادة من تدابير إدارة التدفقات الرأسمالية. وقد نُصِح صناع السياسات أيضاً، بمجرد أن تسمح الظروف، بإعادة أرصدة المالية العامة إلى المستويات التي توفر حيزاً كبيراً لمعالجة الصدمات المستقبلية. فإذا ظهرت مشكلات هيكلية كاختناقات البنية التحتية وسوق العمل أو الثغرات التنظيمية وأعاقت النمو، كان من الضروري بذل الجهود لإزالة هذه العقبات.
مؤشرات الاستثمار الأجنبي المباشر في 2012:
بلغ إجمالي الاستثمار الوارد 1.35 تريليون دولار وبلغ الصادر 1.39 تريليون دولار.
ينتظر تزايد التدفقات الواردة في 2014 إلى 1.6 تريليون دولار.
بلغ عدد المعاهدات الاستثمارية في الوقت الراهن 2857 معاهدة.
تستوفي أكثر من 1300 معاهدة استثمار ثنائية شرط الفسخ بنهاية 2013.
زادت الشركات عبر الوطنية المملوكة للدول إلى 845 في 2012.
لم يتجاوز الاستثمار الأجنبي المباشر لصناديق الثروة السيادية مبلغ 20 مليار دولار.
مقارنات بين الدول النامية والمتقدمة:
بلغ نصيب البلدان النامية من الاستثمار 52% بواقع 703 مليارات دولار.
انخفض نصيب الدول المتقدمة من الاستثمار إلى 42% بواقع 561 مليار دولار.
وصلت تدفقات الاستثمار الصادرة عن الدول المتقدمة إلى 909 مليارات دولار.
بلغت تدفقات الاستثمار الصادرة عن الدول النامية 426 مليار دولار.
نالت بلدان مجموعة بريكس 10% من الاستثمار بواقع 145 مليار دولار.
انخفضت التدفقات الاستثمارية إلى الدول المتقدمة لأدنى مستوى منذ 10 أعوام.
المصدر: صحيفة الشرق