إعلامي سعودي وكاتب صحفي
الحقيقة أن التحذيرات بدأت مبكراً، والإرهاصات كانت أبكر بكثير، لكن الواضح أن الحزب الحاكم في جمهورية مصر العربية، حزب الحرية والعدالة الإخواني، فشل في تحقيق ما يشفع له أو يسمح بالتعاطف أو حتى الوقوف على الحياد من قبل الجمهور العادي، ناهيك عن رجال الفكر والسياسة والأحزاب والدين والإعلام والثقافة والفن والرياضة ليس في مصر العروبة فقط، بل في كل العالم العربي، لم يسبق أن أجمع الناس بهذا التنوع وبهذه الكثافة في معارضة حزب حاكم كما يحدث في مصر، وكم أشفق على الواجهة، أقصد الرئيس مرسي، أشفق عليه وله.
وفيما مصر تواجه إخفاقات اقتصادية وسياسية وأمنية يتحدث الحزب الحاكم عن مؤامرة تحاك ضده، بحيث يوسم كل كشف أو نقد أو فكاهة أو سخرية على الواقع، أو مطالب أو معارضة بأنها جزء من مؤامرة وأصابع خارجية وداخلية.
هذا التفسير العاجز يؤكد أن الإخوان أضعف من كل التحديات، بل أقل قدرة على استيعاب الواقع، بعد أن فقدوا كل الفرص التي منحت لهم، وخاب ظن من صدق الوعود الإخوانية التي لم يتحقق منها حتى الحد الأدنى، حتى الميزة الوحيدة التي تميز بها الخطاب الإخواني الفصيح الرنان الكاذب، فصاحة الخطابة واللغة، ذهب بريقها ومفعوله عند دخوله في جزئيات تثبت انفصاله، انفصال لا يختلف كثيراً عن الخطابات الثلاثة الأخيرة للرئيس السابق حسني مبارك، الاختلاف الوحيد أن خلف مرسي حزب سياسي ديني يسيطر عليه مرشد وأعوانه الذين يشاركون في صياغة وتشكيل هذه الخطابات الفارغة التي تصلح لفرح جماعة في قرية نائية وليس لأمة. بل إن القوى المصرية المختلفة تؤكد أن خطاب مرسي الذي ألقاه الأربعاء الماضي، سيزيد حالة الاحتشاد المناهضة له اليوم.. فهل تآمر على نفسه أيضاً؟
اشتباكات الإخوان مع الجميع لم تتوقف، من كل المجالات والثقافات والاختصاصات والإدارات، والخصومة السياسية وصلت للقطيعة من وقت مبكر، إلا أن الإخوان وأعضاءهم والمنتمين لا يزالون يتحدثون عن المؤامرة..!
مصر تغلي والمواطن العادي نزل الشارع، والملايين وقّعوا بأسمائهم لحملة تمرد لمطالبة الرئيس بالرحيل، منهم عمّال وصنّاع وكل فئة من المجتمع المصري يمكن أن نفكّر بها، إلا أن الإخوان وأعوانهم ما زالوا يتخيّلون المؤامرة.
الجيش نزل الشوارع لتأمين المناطق الحيوية، والناس حملت ملابسها وخيامها وطعامها البسيط إلى ميدان التحرير قبل يومين من اليوم المحدد، والإخوان وأغبياؤهم يهلوسون عن مؤامرة تحاك ضد مصر..!
ما يحدث في مصر وبعد سنة من حكم الإخوان ورئاسة محمد مرسي للجمهورية هي أكثر من فشل، هي أخطار كبيرة، تنذر بحرب أهلية!
وقد تسببت الاشتباكات ذات الصلة بالاضطرابات السياسية في مقتل خمسة أشخاص وإصابة العشرات خلال الأيام القليلة الماضية. فيما يقدر عدد من سقطوا في المواجهات المختلفة منذ تولي مرسي للرئاسة نحو 100 قتيل!
أكتب المقال وقد بدأ آلاف المتظاهرين من القوى والأحزاب السياسية المناوئة لمرسي يتوافدون على ميدان التحرير، وعلت صيحات المتظاهرين بهتافات تطالب بسقوط حكم الإخوان وأشهروا الكروت الحمراء في إشارة لضرورة رحيل الرئيس وجماعته. وارتفعت أعداد خيام المعتصمين بمحيط مبنى وزارة الدفاع للمطالبة برحيل مرسي وإسقاط جماعة الإخوان.. لكن كل هؤلاء المصريون يتآمرون على مصر، إلا الجماعة إياها.
إن كان التآمر على حكم الإخوان فهذا صحيح 100%، مصر تنتفض اليوم ضد طغيان الإخوان وجهلهم السياسي وإخفاقهم الإداري وخيانتهم وأخونتهم للدولة.
وإن كانت المؤامرة على مصر فالحقيقة المتفق عليها اليوم هي أن هذا النظام الحالي – الإخواني – يعرض الأمن القومي المصري للخطر، ويكدّر السلم الأهلي الداخلي، ويكرّس الانقسام والاقتتال بين المصريين، بل ويعرض الأمن العربي ومصالحه للخطر..!
المصدر: الجزيرة السعوجية