الثلاثاء ١٨ يونيو ٢٠١٩
حتى نفهم قرارات إيران والوضع الذي آلت إليه الأمور علينا أن نفهم كيف تفكر طهران، وكيف تتخذ القرارات. ولأن المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، هو صاحب القرار الأخير في الأوقات الخطيرة، لابد انه يرأس اجتماعات تضم القيادات العسكرية والحرس الثوري، والسياسيين مثل الرئيس حسن روحاني ووزراء مثل المالية والنفط. هذا تصوري لحوار الاجتماعات المغلقة. تبدأ باستعراض الوضع النفطي والمالي والسياسي. باتت الصورة واضحة أمامهم، لقد فشلت رحلات المسؤولين إلى الهند، والصين، وروسيا، واليابان، وكوريا، وأوروبا لإقناع حكوماتها بشراء النفط. روحاني: كلها رفضت خشية من العقوبات على شركاتها أو إفساد علاقاتها مع واشنطن. وزير النفط: هناك مشترون في وسط البحر إلا أن الكميات صغيرة، وبخصومات عالية. وعبر التهريب من حدود العراق وأفغانستان، أيضاً بكميات محدودة وسعر مخفض. وزير المالية يحذر: مداخيل الدولة ستهبط أكثر من ستين في المائة، عجز لا نستطيع مواجهته، ولا توجد بنوك خارجية تمنحنا القروض، نفقات الحكومة 113 مليار دولار، مداخيلنا لن تصل خمسين ملياراً. روحاني: الخطر عظيم إن امتد الحصار عامين. لابد أن نخفض. قاسم سليماني، قائد الحروب الخارجية: أحذر من وقف دعم التنظيمات، حزب الله وحماس والحوثي، هذه لن تصمد طويلاً. وإسرائيل قد تنفذ هجوماً على حزب الله في لبنان فتهدم في ليلة كل ما بنيناه. رئيس الحرس الثوري، اللواء حسين سلامي: لابد من فك…
السبت ١٥ يونيو ٢٠١٩
خياراتنا محدودة أمام هجمات إيران التي استهدفت، في أقل من شهر، ست ناقلات نفط ومنتجاته. تعمدت تفجير سفن مقبلة من موانئ سعودية وإماراتية من خلال جمع المعلومات والتجسس على حركة الملاحة. هل الحل في شن حرب شاملة على إيران، أو الهجوم على أهداف منتقاة، مثل مرافق إيرانية مهمة، أو رفع مستوى الحماية ضد أي هجمات جديدة؟ الخيار الثالث هو الأرجح في المرحلة الأولى المقبلة، وأتوقع أننا سنعود لسيناريو ناقلات النفط الكويتية إبان الحرب العراقية - الإيرانية، فنحن نعيش أجواء خطيرة مماثلة لما عرفتها مياه الخليج والمنطقة إبان تلك الفترة؛ فإيران أرادت الردّ على هجمات العراق على مرافقها النفطية باستهداف الكويت، وتحديداً ناقلاتها النفطية. بعد فشل الوساطات، لجأت الكويت إلى الرئيس الأميركي، حينها، رونالد ريغان، الذي وافق على منح الحماية، وانخرطت واشنطن في عملية عسكرية كبيرة ضد نشاطات إيران الملاحية في مياه الخليج. ولأن القانون الأميركي يمنع قيام القوات الأميركية بحماية سفن أجنبية، جرت إعادة تسجيل السفن الكويتية ورفع العلم الأميركي عليها. بين عامي 1987 و1988، حيث كانت الناقلات الكويتية تبحر بمرافقة القوات البحرية الأميركية، دارت معارك في تلك المنطقة، أغرقت فيها قوارب إيرانية ونفذت عمليات سرية في عرض البحر ضد مواقع إيرانية تولت مهام زرع الألغام البحرية، ووصل التوتر إلى مرحلة أن أسقطت خطأ طائرة إيرانية مدنية فوق مياه الخليج،…
الثلاثاء ١١ يونيو ٢٠١٩
هناك تاريخان غيَّرا المشهد السياسي الجديد في السودان: اليوم الأول من يناير (كانون الثاني) هذا العام، عندما اتفقت أربعة تكتلات سودانية على حراك مدني جديد، وسمَّت نفسها «إعلان الحرية والتغيير»، والآخر يوم 11 أبريل (نيسان) عندما خاطرت قيادات في الجيش وعزلت الرئيس المتسلط عمر البشير بعد ثلاثة عقود من الحكم. التاريخان يجعلان الجانبين شركاء، ومن دونهما ربما ما كان يمكن إنجاز التغيير التاريخي شعبياً وسلمياً معاً. حتى الحادي عشر من أبريل الماضي، كان الهدف واضحاً، وبالإجماع، وهو إقصاء البشير، ثم أصبح الوضع بعد ذلك منقسماً ومعقداً. وبالطبع المخاض الانتقالي صعب، والأمر ليس مفاجئاً ولا غريباً على الثورات، ولهذا يرجو الجميع أن ترسو سفينة التغيير في السودان على بر الأمان، الذي يتطلب حكمة وبصيرة، وأمره يهم أولاً الشعب السوداني، ويؤثر تباعاً على استقرار المنطقة. ولا يحتاج تكرار القول عن المخاطر والخصوم، فالساحة هناك كانت تحكم من فريق واحد هيمن بشكل كامل على كل مفاصل الدولة والمجتمع، واقتلاعه لن يمر بسهولة إلى بضع سنوات. فالاتفاق كان بين المنتصرين على التغيير، وبعد ذلك ليست للطريق خريطة واضحة، أو متفق عليها. وفي أعقاب الصدام الأخير مع المعتصمين، أعلن المجلس الانتقالي الاحتكام إلى الانتخابات بعد تسعة أشهر، حتى يقرر الشعب السوداني من يريده أن يحكم، والتراجع عما طرح سابقاً من إجراء الانتخابات بعد عامين أو…
الأربعاء ٢٩ مايو ٢٠١٩
وزيرا الخارجية والدفاع الإيرانيان كررا القول علانية داعيين إلى اتفاقية عدم اعتداء بين إيران من جهة، والسعودية والإمارات من جهة. وقد اعتبره البعض تطوراً لافتاً من طهران، وأنه يعبر عن فرصة ثمينة لنزع التوتر الخطير، وإنهاء حالة النزاع المستديمة منذ عقود. وهو بالفعل كذلك لو كان العرض صادقاً. لكنه يذكرنا بما حدث عام 1989، عندما بادر الرئيس العراقي حينها صدام حسين مقترحا على الملك فهد رحمه الله أن يوقع اتفاقية عدم اعتداء مع السعودية. يروي الملك فهد، أنه ذهل لأنه لم يكن هناك مبرر ولا مقدمات سبقته، وكان العراق للتو قد انتهى من حربه مع إيران. وبالفعل وقع الجانبان الاتفاق ليكتشف الملك فهد بعد غزو صدام الكويت، في العام التالي، أن الاتفاقية كانت محاولة من صدام لتحييد موقف السعودية. أولاً، لو كانت إيران جادة في رغبتها في سلام مع جارتيها، لكانت قدمت عرضاً واضحاً عبر القنوات والوسطاء الدبلوماسيين وليس عبر الوسائل الإعلامية؛ إلا أن تصريح وزير الخارجية، جواد ظريف، وتلاه وزير الدفاع، مصطفى نجار، الموجه للإعلام، يوحيان بأن ذلك ليس سوى محاولة لشق صف الرأي العام في المنطقة، وإقناع العرب بأن إيران تريد السلام، وأن الجانب الأميركي هو من يريد الحرب. والاعتداء هنا بمفهومه العام، أن تشن إيران حرباً أو هجمات على السعودية والإمارات والعكس. لكن المشكلة مع إيران أنها…
الإثنين ٢٧ مايو ٢٠١٩
أخيراً، انتهت سياسة معاداة السودان لمصر، التي دامت لأكثر من 20 عاماً. خلالها عاشت علاقات القاهرة والخرطوم جفاءً، وسادت خلافات، وكانت كل عاصمة في محور ضد الأخرى. زيارة رئيس المجلس الانتقالي عبد الفتاح البرهان للقاهرة تطور سياسي مهم نحو ترتيبات إيجابية، ستعيد ترتيبات المنطقة. السودان تحت حكم البشير اصطف مع قطر وإيران وميليشيات ليبيا. وإن كان شارك في الحرب في اليمن ضمن ترتيبات أمّنت للخرطوم والبشير دوراً إقليمياً إضافياً. بالنسبة لمصر، حكم البشير أسوأ ما مرَّ على علاقات البلدين منذ استقلال البلدين. البشير وحزب «الإخوان»؛ «القومي الإسلامي»، جعل من الخرطوم منافسة لدمشق كعاصمة للمنظمات المتطرفة. وكانت مصر ترتاب في دورها في العمليات الإرهابية التي ضربت مصر في موجات متعددة. عزل عمر البشير برغبة شعبية عارمة غيّر المعادلة الإقليمية، وزيارة الرئيس البرهان إلى القاهرة عززت التوقعات بتغيير سياسة المعزول، والتي سبقتها إشارات كثيرة، من بينها رفض استقبال وزير خارجية قطر، وعوضاً عنه استقبال وزير الخارجية البحريني، والأهم من ذلك تصريح الرئيس نفسه بأن السودان لن يتبنى سياسات معادية لجيرانه. ويبدو من الخطوات التي خطاها المجلس العسكري الانتقالي أنه يريد التخلص من إرث البشير السياسي، وإنهاء العداوات الشديدة التي انخرط فيها. المصالحات الخارجية والداخلية، وآخرها السماح بعودة المعارض ياسر عرمان، الذي كيلت له تهم خطيرة عندما قرر خوض الانتخابات الرئاسية. وقد تأخذ…
الثلاثاء ٢١ مايو ٢٠١٩
كل يوم يمر إيران تنزف خسائر هائلة، تفقد أكثر من نصف ما كانت تحصل عليه قبل عام بسبب تطبيق العقوبات عليها. ولو استمرت بمثل هذا النزف، فإن النظام مهدد بالسقوط، لهذا نحن فعلاً في وسط حرب دون أن نرى رصاصاً. وكأي حرب موجعة، وفي الوقت نفسه، الوضع الحالي يجعل من في إيران نمراً جريحاً ومستعداً للدخول في أي معركة، على غير عادته، لأن وضعه صار خطيراً. هذا ما يدفع كل الأطراف المواجهة لإيران للتحسب لما قد ترتكبه إيران، أو ميليشياتها في المنطقة، كما فعلت الأسبوع الماضي عندما نفذت هجومين على الإمارات والسعودية. هذه المرة، المواجهة ليست حرباً دعائية، بل معركة بقاء حقيقية، بخلاف المرات الماضية التي كانت جزءاً من لعبة المساومات والضغوط والحصول على اتفاقات مناسبة. ردود فعل طهران، قد تكون أكثر شراسة، نتيجة نزفها اليومي. كما أننا لا ننسى أن على السلطة الإيرانية استحقاقات لا تستطيع المفاضلة بينها، كلها مهمة لبقائها، وتمويل نشاطاتها الداخلية، ودفع رواتب موظفيها، ولا ننسى أنها تمول كل السلع الرئيسية بمبالغ طائلة، إضافة إلى مليارات الدولارات تدفعها سنوياً لميليشياتها التي تحارب في سوريا ولبنان واليمن وغيرها. بسبب الحصار الخانق لم يعد ممكناً أن تفي بدفع فواتيرها الأساسية، وفي الوقت نفسه تستمر المظاهرات في أنحاء البلاد، وترافق ظهورها منذ العام الماضي مع بدء العقوبات، احتجاجاً على…
الأربعاء ١٥ مايو ٢٠١٩
عمد عدد من المهتمين بالشأن السياسي إلى التشكيك في الوقوف ضد إيران في الأزمة الحالية، بعضهم يرى في طهران صديقاً، وبعضهم من بلدان خارج دائرة الصراع، ولا يشعرون بالخطر. الأصوات المتشككة أقلية حتى الآن، على اعتبار أن المواجهة العسكرية مع إيران غير محسومة بعد. من بين هؤلاء وزير خارجية قطر السابق، حمد بن جاسم. فقد غرد في «تويتر» ضد مواجهة إيران، وأن الأميركيين والإسرائيليين سيتفقون على حساب مصالح العرب، وأن دافع التصعيد وجود إيران في سوريا، وسيفعل الرئيس دونالد ترمب ما فعله الرئيس الذي سبقه، باراك أوباما، في اتفاقه النووي مع إيران، وأن دول الخليج سبق أن أيدته. رأي حمد يعكس، ويخدم فقط، موقف حكومته المعادي لدول الخليج الأخرى، وحكومة قطر صارت صديقة لإيران. عدا عن ذلك، فهو، أيضاً، يلعب على الشك. ولو لعبنا على الوتر نفسه، لكان الأجدر بحكومة قطر ألا تستضيف القاعدتين العسكريتين الأميركيتين، اللتين تدفع ثمنهما غالياً أيضاً! بالنسبة للموقف من إيران فإن دول الخليج، كلها بلا استثناء، نستطيع القول إنها لا تريد حرباً معها، ولا مواجهة، ولا حتى توترات سياسية. إنما إيران لم تترك لها خياراً كهذا. سعي إيران الدؤوب للتمدد والسيطرة يتمحور حول تطويق السعودية وبقية دول شبه الجزيرة العربية، العراق شمالاً واليمن جنوباً. وتمويلها لنشاطات عسكرية وإرهابية مسلحة مخطط ضد هذه الدول لم تتوقف…
الثلاثاء ٠٧ مايو ٢٠١٩
أجرى جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني، هجمة إعلامية في الولايات المتحدة يسوّقُ لسياسة بلاده، مستغلاً وجودَه ضمن نشاط الأمم المتحدة، وهذه بعض النقاط التي طرحها وتستحق أن نناقشها! > ظريف: لدينا علاقة رسمية مع «طالبان»... - هنا ظريف يعترف بعلاقتهم بـ«طالبان»، ونحن نعرف أيضاً أن لإيران، بخلاف ما تدّعيه، علاقات بالتنظيمات الإرهابية. فهي تستضيف قيادات «القاعدة» على أرضها، وترعى «الحوثي» اليمني و«حزب الله» اللبناني وغيرها. > ظريف: السعودية قدمت 75 مليار دولار لصدام حسين لكي يحاربنا، ولكن ماذا فعل لهم؟ - عادةً يروي المسؤولون الإيرانيون التاريخ مشوَّهاً. للتذكير صدام ذهب آنذاك للحرب وحيداً، وصدام مثل الخميني، كان يهدد الخليج. إيران شنّت حرباً بحرية على الكويت دفعتها إلى الاستعانة بالولايات المتحدة فيما عُرف بحرب الناقلات، واضطر الخليج إلى مساندته ضد طهران، لكن الخليج، مع ذلك، لم يطلق رصاصة واحدة باتجاه حدود إيران لا في حربه مع صدام ولا بعدها. > ظريف: على أميركا أن تغيّر سياستها حيال إيران، كانت هناك ثورة ضد هيمنة أميركا، وانتهت. حالياً، أميركا تتدخل في إيران لمصلحة فريق (ب) (السعودية والإمارات وإسرائيل)، الذي يدفع بسياسة أميركا إلى كارثة. - بمقدور نظام طهران أن ينهي تدخل أميركا ببساطة، بوقف تسلحه النووي ونشاطه العسكري الإقليمي. > ظريف: يقولون إن إيران تدعم الحوثي، ونحن نرفض ذلك، نحن لا نفجّر في…
السبت ٠٤ مايو ٢٠١٩
جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني، كان في نيويورك، بحجة اجتماعات الأمم المتحدة، ليستغل تأشيرته ووجوده ويطوف على وسائل الإعلام الأميركية ومؤسساتها الفكرية والبحثية، يحاول استمالة النخب هناك إلى موقف بلاده. الحقيقة أن ظريف، في هذه الزيارة، كان يحتاجها لإصلاح صورته المكسورة في داخل إيران نفسها، بأنه «التاجر الشاطر» يستطيع أن يبيع الغربيين أي شيء، كما فعل مع الاتحاد الأوروبي وإدارة باراك أوباما الأميركية آنذاك. لكن، هذه المرة، بوجود شخصيات جمهورية قوية، لن يستطيع أن ينجح من دون تقديم تنازلات حقيقية. من حواراته المتعددة اخترت مناقشة لقائه في جمعية «آسيا سوسايتي» في نيويورك، والمقابلة موجودة على «يوتيوب». وفيه، ليس عسيراً أن نستكشف دوافع حملته الدعائية في أميركا، فالجمهورية الإسلامية المتطرفة تمر بمرحلة خطيرة في تاريخها، نتيجة العقوبات الاقتصادية الأميركية القاسية، مع تصاعد واستمرار الاحتجاجات الداخلية ضد الحروب والفقر. حديثه طويل، وسأناقشه تباعاً على حلقات لأنه بالفعل جزء من الدعاية التي تسوقها طهران في منطقتنا والغرب. أمام الحضور، ادعى وزير الخارجية أن هناك مؤامرة على طهران من قادة يسميهم مجموعة «ب»؛ «محمد بن سلمان، ومحمد بن زايد، وبيبي نتنياهو، وبولتون» مستشار ترمب للأمن القومي، وأنهم يدبرون مكيدة ما ضد بلاده قبل انتخابات الرئاسة الأميركية (ربما حتى يفوز). ويظن ظريف أنه بإشاعة الشك والريبة قادر على شقِّ التكتل المؤيد لسياسة ترمب والتحريض عليه.…
السبت ٢٠ أبريل ٢٠١٩
سقوط نظام عمر البشير، رئيس الثلاثين عاماً للسودان، وقبله عزل عبد العزيز بوتفليقة، الرئيس الجزائري الذي لم يكن يحكم فعلياً، وبين الحدثين المهمين، ها هي الخريطة تتغير في ليبيا، أيضاً. فقد انطلقت قوات الجيش الوطني الليبي نحو العاصمة طرابلس وحاصرتها، تعتزم تحريرها، رغماً عن رئاسة الحكومة التي هي مجرد واجهة لميليشيات مسلحة متطرفة. المشترك بين الأحداث الثلاثة أن كل المعزولين محسوبون على الدوحة، التي تصف نفسها بعاصمة القرار والتغيير، ونحن نتهمها بأنها ليست إلا عاصمة جماعة «الإخوان المسلمين». ويضاف إلى خسائر الدوحة فشل القوى المحسوبة عليها في إريتريا وإثيوبيا، وكذلك لا ننسى هزائم حليفها الرئيس التركي، الطيب رجب إردوغان، الذي لم يشفَ بعد من صدمة خسائره الجماعية في المدن الرئيسية في بلاده، التي ستهدد سنوات حكمه الباقية. طبعاً، هذه الدول وهذه النزاعات فعلياً لا ترتبط بقطر بشيء سوى رغبة الدوحة في فرض التغيير لتنسجم مع رؤيتها السياسية للمنطقة، ولتنفيذها فهي تمتطي التنظيم المهزوم والمطارد، تنظيم «الإخوان المسلمين» العالمي، الذي تمتد نشاطاته إلى كل مكان مفتوح في العالم. ولسوء حظ الدوحة و«الإخوان» معاً أن في البيت الأبيض رئيساً لا يتفق معهم في شيء، رغم المحاولات المتكررة لإرضائه. فقد خسروا تأييد واشنطن منذ انتهاء فترة الرئيس السابق باراك أوباما، الذي أعطى جماعة «الإخوان» الفرصة، إلا أن حكومتهم في مصر لم تفلح داخلياً…
الأحد ١٤ أبريل ٢٠١٩
التغيير المستحيل في السودان صار، ومع هذا أجد من الصعب الحكم على الأحداث من الوجوه والوعود. تشكيكي ربما مبالغ فيه، لكنه ينبع من وحي الواقع الذي نراه حولنا. فأنا لا أنسى اليوم التالي للانقلاب الذي وقع في 30 يونيو (حزيران) عام 1989 عندما تولى الحكم عميد في الجيش مغمور اسمه عمر البشير. دخلت في الصباح عند الرئيس المصري حينها، حسني مبارك، مع زميلي الأستاذ عبد اللطيف المناوي، في لقاء مرتب مسبقاً. وحضر اللقاء أيضاً أسامة الباز، مستشار الرئيس، وصفوت الشريف، وزير إعلامه. بطبيعة الحال، الانقلاب في السودان ومن خلفه كان بداية حديثنا. سألت مبارك صراحة إن كان لمصر يد في التغيير، مستدلاً بأن وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية المصرية هي أول من أذاع الخبر أمس. مع أن مبارك حول الإجابة إلى مزحة، لكنه كان متيقناً أن الانقلاب في الخرطوم محسوب عليهم، وهو نبأ سعيد، ولم يخفِ ترحيبه به! والحقيقة أن الحكومة المصرية ظلت لبضعة أيام تظن أن الانقلابيين من المحسوبين عليها. فقد كانت حكومة الصادق المهدي، التي جرى الانقلاب عليها، المنتخبة شعبياً، لا تقدر عواقب قراراتها السياسية، وارتكبت جملة أخطاء من بينها التقارب مع إيران الذي أغضب أهم ثلاثة حلفاء لها: مصر والسعودية والولايات المتحدة، إضافة إلى أنها قررت التفاوض مع الجنوبيين قبل أن تضمن ما يكفي من تأييد بين…
الإثنين ٠٨ أبريل ٢٠١٩
ليس مفاجئاً أن الليبيين يتطلعون إلى نهاية كابوس الاقتتال والفوضى الذي دام ثماني سنوات، ويتمنون دولة موحدة بحكومة مركزية واحدة وجيش واحد. هذا الحلم يبدو أقرب إلى الواقع اليوم لأول مرة مع تقدم الجيش الوطني الليبي السريع، الذي وصل إلى طرابلس، العاصمة وقلعة الميليشيات وحرر عدداً من الأطراف. وليس الليبيون فقط من يريد نهاية كابوس الحرب، والتخلص من الميليشيات، وإقامة سلطة مركزية واحدة، بل هي رغبة العالم، وتحديداً معظم القوى الإقليمية والدولية. ومع أن كل الحكومات دعت إلى الحل السلمي ووقف العمليات العسكرية، إلا أن معظمها فعلياً لا يمانع من حل عسكري حاسم بقيادة قائد الجيش خليفة حفتر. لغة البيانات السياسية التي صدرت عن باريس، وواشنطن، وموسكو، والقاهرة لم تلجأ إلى التهديد بالعقوبات، بل اعتمدت لغة تحث على الحل السياسي، الذي تعرف أنه غير قابل للتحقيق في ظل توازن القوى السابق، قبل وصول طلائع قوات الجيش إلى طرابلس. فالمفاوضات كانت ستفشل طالما أن الميليشيات مصرة على الاحتفاظ بسلاحها وبترولها ومناطق نفوذها. غسان سلامة، مبعوث الأمم المتحدة لحل الأزمة الليبية، الذي كان قد أعد طاولة الحوار، قال إنه يرفض التراجع نتيجة التطورات الجديدة، وإن التفاوض على الحل سيتم في مكانه وموعده المحددين. قال: «لن ألغيه بعد أن أمضينا عاماً حتى نصل إلى هذه المرحلة». الحقيقة يبدو أن الوقت صار أفضل للتفاوض…