منذ عقدين تقريباً، كتب مهتمون بالهجرات البشرية والنزوح، تقارير لصالح مراكز أبحاث ودراسات موثوقة، جاء فيها على نحو متواتر، أن الهجرات الأوروبية المقبلة، سوف تكون وجهتها بلدان آسيا، وبنسبة أقل إلى بلدان أفريقيا، حيث الموارد الطبيعية في هاتين القارتين لا تزال غنيّة، ولم يجر استغلال بعضها حتى اليوم، إضافة إلى إمكانية وجود ازدهار اقتصادي وتجاري فيما بين بلدانها، مما يوفر الكثير من فرص العمل المغرية، وإذا سارت التوقعات على نحو متفائل، فإن الأسواق ستحتفظ بنمو مطّرد، برغم أن أغلب البلدان في القارتين – الآسيوية منها تحديداً – ليس بين مواردها الطبيعية طاقة كالنفط والغاز بما في ذلك الفحم الحجري.
وعزا الباحثون السبب وراء الهجرات الأوروبية المتوقعة في المستقبل القريب، إلى أن القارة الأوروبية أصبحت قديمة، وهرمة، وتفتقر إلى عامل الحيوية الذي يجددها ويضخ في عروقها دماء جديدة، وهو عنصر الشباب الذي له انعكاسات ودلالات مباشرة في مجالي الإنتاج والتنمية الشاملة على وجه الخصوص.
هذا هو الحال الذي تعيشه المجتمعات الأوروبية في الوقت الراهن، فكما هو واضح، هي لا تستطيع، أن تقوم بجراحة ضرورية لتتدارك مسيرتها المتباطئة وتعالج ما يمكن علاجه بشكل طارئ، فالوقت والجزر لا ينتظران أحداً كما يقال، لن تقدر على استعادة القدرة على المواكبة الحضارية، ولا أن تلبي الحاجات المباشرة والملحة لمجتمعاتها، التي تزداد يوماً بعد آخر، فذلك يحتاج إلى معجزة.
والهجرة الأوروبية المتوقعة – التي يبدو أن سرعتها تزداد – هي ليست الأولى في التاريخ، فما بين العام 1815 وحتى العام 1932 غادر 60 مليون شخص أوروبا إلى مناطق في أمريكا الشمالية والجنوبية واستراليا ونيوزيلندا وسيبيريا، وفي عشية الحرب العالمية الأولى، كان 38٪ من إجمالي سكان العالم من أصول أوروبية. حتى في الفترة ما بين 1871 و 1960 استقبلت أمريكا الشمالية 27 مليون أوروبي، وأمريكا الجنوبية ما يزيد على 13 مليوناً منهم، ناهيك عمن اتجه إلى استراليا ونيوزيلندا.
إن الشتات الأوربي المقبل وهو إذ يتبلور ببطء شيئاً فشيئاً، فإنه يتأهب لإعادة انتشاره مرة أخرى لكن صوب الشرق؛ قلب آسيا وأطرافها بشكل مركز وكثيف، وهذه المرة لن يكون اختيار الأماكن عشوائياً، إنما البلدان ذات الموارد الغنية بينها الطاقة، هي التي ستحظى بالأولوية، هي الهدف. وهذه المرة أيضاً لن يكون (التشتت) بالسفر عبر البحر، بتأشيرات تؤمن لهم قبيل ركوب السفن، بل هذه المرة سيأتون عبر الجو على متون الطائرات، أو عبر البر بسياراتهم الفارهة؛ لا بوابات يقفون أمامها للتدقيق والاستئذان للدخول، فكل شيء سيكون مفتوحاً وسالكاً حتى الاستضافة الابتدائية مضمونة، بعدها لن يكون البحث عن فرصة عمل مضنياً.
في العام 2018 صدر تقرير عن (المركز العالمي للدراسات التنموية) مقره لندن بعنوان (عام التحولات الكبرى في العالم)، جاء فيه ميزان القوة الاقتصادية سيميل لصالح الدول الناشئة كدول شرق آسيا التي ستنتج اقتصاداتها أغلب السلع والخدمات في العالم بما نسبته 55٪. في حين تقل نسبة مساهمة الدول المتقدمة بالمقارنة، لتصل إلى 45 ٪. وإذا ما أضيفت الهند والصين إلى دول شرق آسيا، فسيرتفع نصيبهم إلى 75 ٪ من النمو الاقتصادي العالمي، وستتحكم دينامية الأسواق الآسيوية بالأسواق العالمية.
هل يستحق أن نفرد مساحة للتحدث عن أزمة أوكرانيا وروسيا؟ لا يُعتقد.
المصدر: البيان