يدرك المتابع للأوضاع في الداخل الإيراني أن الشعب الإيراني المولع تاريخيا بالثورة على حكامه، ينتظر شرارة ليثور ضد النظام الحاكم، خصوصا أنه يعيش حالة من تذمر ومعاناة شديدتين، نتيجة لما يعانيه من مشاكل على المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
وكذلك فإن الأقليات العرقية التي تقطن محافظات تحيط بهضبة إيران من جميع الجهات تقريبا، تشترك في مطالبات عديدة لم تستجب لها الحكومة المركزية في طهران بعد.
ومثل هذه المطالبات قد تحرج الحكومة الإيرانية، علاوة على مطالبات الشباب الإيراني في المدن الكبرى مثل طهران وأصفهان وتبريز ونحو ذلك.
إلا أن الشارع الإيراني لن يتحرك ضد النظام الحاكم ويسعى إلى الإطاحة به، إلا إذا تهيأت كل السبل لإنجاح هذا التحرك لأن ثمن تجربة 2009 بعد إعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد رئيسا للبلاد والإطاحة بأنصار «الحركة الخضراء» الإصلاحية، كان باهظا جدا.
خطوة محسوبة
لذا فإن أي خطوة مقبلة ستكون محسوبة بشكل دقيق جدا، بحيث يفشل النظام في إجهاضها.
باختصار شديد، الشباب الإيراني المتذمر لا يزال «جمرا تحت الرماد» ويبحث عن الفرصة المناسبة لينقض فيها، ويكتب صفحة جديدة في تاريخ الثورات والانقلابات في إيران.
والسؤال الذي يفرض نفسه في ظل الصراع السياسي داخل النظام الحالي من جانب ورغبة الشارع الإيراني في التخلص من حكم الملالي والسياسة التي تتخذ من الدين مطية لها لقمع معارضيها من جانب آخر، هو: ماذا سيكون مستقبل قيادات وزعماء النظام الحالي في حال حدوث انقلاب عسكري أو ثورة شعبية تطيح بالنظام؟ ما هي الدولة التي سيفكر هؤلاء الزعماء في اللجوء إليها والهروب من قبضة الشعب، لكيلا يكون مصيرهم مشابها لما تعرض له على سبيل المثال معظم رموز النظام الشاهنشاهي بعد انتصار الثورة في 1979، أو مصير الرئيس الليبي السابق معمر القذافي؟ هل تستقبلهم الدول الغربية أو روسيا أو الصين؟ كل هذه الأسئلة ستتم الإجابة عليها عندما يتحقق المسبب لطرحها ولكل حادث حديث.
تاريخ الثورات
والحديث عن انتفاضة بإيران ليس افتراضيا أو متخيلا، لأن شعبها يعد واحدا من الشعوب الثورية في طبيعتها.
فالمتتبع لماضي إيران سواء في عصرها الأسطوري أو التاريخي، يلاحظ العدد الكبير للثورات والانقلابات المتعاقبة، وقد سطر الفردوسي بعض من تلك الثورات في ملحمة الشاهنامة مثل «ثورة كاوه الحداد ضد الضحاك» وغيرها مما نقرأ أخباره وتفاصيله في كتب التاريخ.
ولو تجاوزنا الفترة الأسطورية والعصور التاريخية المتقدمة إلى العصر الساساني، لوجدنا عددا كبيرا من الثورات والقتال على السلطة داخل البيت الساساني ذاته أو المقربين من السلطة كقادة الجيوش ونحو ذلك.
ويظهر ذلك جليا في العقود الأخيرة من عمر هذه السلسلة قبل انقراضها على يد الفاتحين المسلمين في منتصف القرن السابع الميلادي.
فلقد أثرت الحروب الطاحنة بين الفرس والروم على قوة البلاد وتلاحمها، وما إن اغتيل خسرو الثاني (كسرى الثاني) حتى عمت الفوضى البلاد واستمرت لما يقارب 13 عاما تعاقب خلالها على السلطة عدد كبير من الملوك والملكات.
تعاقب الحكام
فخلال عامين فقط (630-631) تعاقب على حكم الإمبراطورية الساسانية المتهالكة، أكثر من 10 ملوك تقريبا.
فبداية من نهاية حكم أردشير الثالث الذي قتل على يد قائد جيشه شهربراز (عرف بعد ذلك بخسرو برويز) ثم نصب الأخير نفسه ملكا رغم أنه لم يكن من العائلة الحاكمة.
ولكن حكمه لم يستمر أكثر من بضعة أشهر حيث قتل في يوليو عام 630 على يد الأمراء الساسانيين.
تلى ذلك عدد من الانقلابات، منها انقلابات الابن على أبيه، والأخ على أخيه، وقائد الجيش على الملك.
وتزامنت معظم هذه الأحداث مع بعثة نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم.
ولعله من المناسب هنا أن نذكر قصة لها علاقة بهذه الانقلابات: بعد أن أرسل النبي رسله إلى ملوك العالم، ومن بينهم كسرى فارس، قام كسرى بمكاتبة «باذان» ملك اليمن (كانت اليمن حينها تحت نفوذ الإمبراطورية الساسانية) يأمره بتقصي أمر الرجل الذي ظهر في جزيرة العرب ويدعي النبوة.
وما إن وصلت «باذان» رسالة سيده كسرى، حتى انتدب رجلين من خيرة رجاله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحمَّلهما رسالةً له يأمره فيها بأن ينصرف معهما إلى لقاء كِسرى دون إبطاء، وطلب إلى الرجلين أن يقفا على خبر النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يستقصيا أمره.
فخرج الرجلان إلى المدينة ولما دخلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبراه بسبب مجيئهما، فقال لهما: ارجعا إلى رحالكما اليوم وائتيا غدا، فلما عادا إليه صبيحة اليوم التالي قالا له: هل أعددتَ نفسك للمُضِيِّ معنا إلى لقاء كسرى؟ فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: إن ربي قتل ربكما الليلة.
فاستعجبا من ذلك وعادا أدراجهما وأخبرا الملك «باذان» بالقصة، وأكد لهما صحة ذلك، حيث قال: لقد قامت ثورة كبيرة ضد كسرى من داخل بيته بعد أن لاقى جنوده هزيمة منكرة أمام جنود قيصر، فقد قام شيرويه بن كسرى على أبيه فقتله، وأخذ الملك لنفسه واستلم حكمه.
فحسبوا الليلة التي قتل فيها، فإذا هي الليلة التي أخبر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكانت هذه القصة سببا في إسلام ملك اليمن، وفقا لما ذكرته المصادر التاريخية.
إفشارية خراسان
وفي العصر الحديث وتحديدا في القرن الثامن عشر (1736-1769م)، نشأت الحكومة الإفشارية بقيادة نادر شاه في أقليم خراسان (مشهد) حيث أقام دولته في 1736، بعد خروجه على الدولة الصفوية.
وتسبب فرضه ضرائب باهظة على الشعب، بعدة ثورات في 1745 وانتهت باغتياله في 1746 على يد اثنين من المقربين منه، فنجم عن ذلك حرب أهلية استمرت لفترة من الزمن.
وقد خلف نادر شاه في الحكم ابن أخيه، ويدعى عليقلي الذي أصدر أوامره بإعدام جميع أبناء وأحفاد نادر شاه، ما عدا طفلا كان في الثالثة عشر من عمره ويدعى شاهرخ بن رضاقلي بن نادرشاه.
هزات الشاه ووصول الخميني
شهد القرن العشرين، ثورة مختلفة نوعا ما عن الثورات السابقة، وهي الثورة الدستورية ما بين 1906 و1911، التي شهدت نزاعا أشبه بالحرب الأهلية.
ورغم أنها نجحت في تشكيل برلمان يعد الأول من نوعه في تاريخ إيران، إلا أنه تم حله أكثر من مرة وشهدت الفترة اغتيالات سياسية ونفي لعدد من رموز هذه الثورة.
وما هي إلا فترة قصيرة بعد الثورة الدستورية، حتى شهدنا انقلابا عسكريا على يد القائد العسكري رضا خان وبتخطيط من قبل الحكومة البريطانية، إذ تحرك في عام 1921 بجيشه المتمركز في قزوين متجها نحو العاصمة طهران ودخلها دون مقاومة تذكر من القوات المساندة لآخر ملوك القاجار أحمد شاه قاجار (1898-1930).
وقد كان الملك الشاب ضعيفا من الناحية السياسية وقد مارست عليه الدول الغربية بعد الحرب العالمية الأولى كثيراً من الضغوط إلى درجة أنه لم يستطع حماية عاصمته كما أنه لم يستطع الخروج منها أيضا..كما تم إجبار الشاه على القبول بالأمر الواقع وتعيين رئيس تحرير صحيفة رعد وأحد قادة المخططين للانقلاب، سید ضیاء الدین طبطبائي، رئيساً للوزراء.واستمرت الضغوط على الشاه فتم تعيين رضا خان وزيراً للحرب.
في العام التالي غادر هذا الملك المغلوب على أمره إلى أوروبا في عام 1923، بداعي العلاج ولكنه لم يعد للبلاد منذ خروجه منها وبالتالي انتهت فترة السلسلة القاجارية التي استمرت 140 عاما تقريبا.
وما هي إلا أشهر حتى قام رضا شاه بالضغط على رئيس الوزراء الجديد فلم يكن بوسعه إلا مغادرة البلاد إلى فلسطين التي كانت حينها تحت النفوذ البريطاني.
بعد ذلك قام رضا خان بتعيين نفسه رئيسا للوزراء (1923-1925) ثم نصب نفسه ملكا لإيران في العام 1925 وأصبح يعرف منذ ذلك التاريخ برضا شاه بهلوي.
لم يكن رضا شاه بمنأى عن الضغوط الخارجية والغربية تحديداً حيث كان تعاطفه مع هتلر خلال الحرب العالمية الثانية كفيلا بالإطاحة به، إذ تسبب موقفه هذا في تدخل بريطاني- سوفيتي مزدوج فتم غزو إيران ثم تم إجبار رضا شاه على التنحي في 1941، ونفي إلى جنوب أفريقيا وعيين ابنه محمد رضا شاه خلفا له على العرش.
لم يكن الابن أفضل حظا من الأب، فقد تعرض لهزتين قويتين خلال فترة حكمه (1941-1979).
أولى هذه الهزات جاءت على يد الزعيم القومي ورئيس الوزراء الدكتور محمد مصدق الذي أعلن في عام 1951 عن خطته لتأميم النفط الإيراني وطرد شركات النفط الأجنبية (البريطانية تحديدا) التي كانت تستحوذ على النصيب الأكبر من عائدات النفط.
وقد وقف إلى جانبه في هذا المشروع الوطني والقومي كل من البرلمان وحزب «توده» الشيوعي.
وقد أظهر الملك دعمه للمشروع ولكنه لم يكن موافقا على ذلك إطلاقا لعلمه بما سيواجهه من ضغوط من بريطانيا وأمريكا.
خلاصة الأمر أن الملك لم يستطع البقاء في البلاد وغادر إلى الغرب، إلا أن الاستخبارات البريطانية والأمريكية نجحت في الإطاحة بمصدق وإعادة الملك إلى عرشه مجددا.
وعلى الرغم من أن محمد رضا شاه قد نجا من هذه الهزة، إلا أنه لم يحالفه الحظ في الهزة الثانية التي كتبت الفصل الأخير من فصول الدولة البهلوية، وأوصلت الإمام الخميني إلى السلطة وتأسيس الجمهورية الإسلامية في إيران.
والجمهورية الوليدة شهدت أحداثا مماثلة وإن كانت أقل من سابقتها..فقد تم إجبار أبو الحسن بني صدر، أول رئيس وزراء في النظام الجديد على الاستقالة بحجة عدم الكفاءة السياسية وبضعف الأداء في قيادة القوات الإيرانية في الحرب العراقية الإيرانية، إضافة إلى تهمة معاداة رجال الدين، فلم تشفع له سنوات كفاحه ضد النظام الشاهنشاهي وتعرضه للسجن والتعذيب ثم التهجير قبل أن يعود من فرنسا برفقة الخميني بعد انتصار الثورة.
لم يكتف الخميني بعزله بل تم مطاردة بني صدر وقد ظل مختبئاً لبضعة أشهر قبل أن يتمكن بتاريخ 10 يوليو 1981 وبمساعدة أحد الطيارين من الهروب إلى تركيا ومنها إلى مدينة كاتشان في فرنسا.
أما الخميني فثبت نظاما يقوم على ولاية الفقيه الذي ترتبط كل السلطات به، وخلفه بعد رحيله علي خامنئي.
المصدر: مكة أون لاين