غسان شربل
غسان شربل
رئيس تحرير جريدة الشرق الأوسط

الحوثيون والدور المفخخ

الإثنين ٢٤ يناير ٢٠٢٢

كان من الطبيعي أن تدينَ جامعة الدول العربية الاعتداءات الحوثية الأخيرة على الإمارات والسعودية. تحويل الانتهاكات العلنية لأجواء الآخرين بالصواريخ والمسيرات إلى ممارسة شائعة هو ترسيخ لسلوك إرهابي بالغ الخطورة على المنطقة واستقرارها. وإذا كانت الميليشيات نجحت في استباحة الخرائط مستفيدة من تصدع بعض الدول، فإنَّ الصواريخ والمسيرات تحاول أن تؤدي في أجواء المنطقة دوراً شبيهاً بأدوار الميليشيات على الأرض. احترام الحدود الدولية شرط من شروط الاستقرار في كل مكان. لم تخرج أوروبا من دوامة العنف والدم إلا حين اتخذت قراراً صارماً باحترام الحدود الدولية، وإحالة أي خلاف إلى المحاكم والامتناع عن استخدام القوة لتسوية الخلافات. ومن شروط الاستقرار دخول البلدان عبر بواباتها الشرعية وبمعرفة سلطاتها، والامتناع عن ضخ الأسلحة والأموال في عروق مجموعات موتورة تبحث عن فرصة للانفجار بمجتمعاتها أو الانقلاب على توازنات راسخة. لا شيء يعطي أي دولة الحق في انتهاك الحدود الدولية، والتسرب إلى المعادلة الداخلية في دولة أخرى بذريعة عرقية أو مذهبية أو آيديولوجية. لا خلاف في العلن حول المبادئ التي يفترض أن تحكم الاستقرار في العالم. تبدأ المشكلة من غياب المؤسسات التي تستطيع السهر على احترام المبادئ وردع من يسوّل لنفسه الخروج عليها. وتتحوّل المشكلة إلى مأساة حين تتعمد دولة إقليمية بارزة أو دولة كبرى إطلاق رياح زعزعة الاستقرار متذرعة بوجود مظالم أو مخاوف أو…

فلاديمير الكبير والملعب الأوكراني

الإثنين ٢٠ ديسمبر ٢٠٢١

القصة ليست أوكرانيا وحدها. إنها أبعد وأخطر. على روسيا تصفية حساباتها في الوقت المناسب. والوقت المناسب يعني وجود قائد استثنائي يصلح للقيادة الخطرة عند المنعطفات. لا يتعلق الأمر بأوكرانيا وحدها. يتعلق أيضاً بحلم أوروبي قديم بترويض روسيا وتحجيمها. بحلم غربي بإرغام روسيا الكامنة تحت الثلج على فتح دفاترها واعتناق وصفات الغرب التي تزعم الانتصار. مبارزة حضارية وثقافية تختلط فيها الأسلحة بالمخاوف والمصالح وشراهة الأدوار. أوكرانيا دولة مصابة بلعنة الجغرافيا. بين أهلها من يحلم بالالتحاق بالحديقة الأوروبية وترك السهوب الروسية لأهلها. وبينهم من يسلّم بالمصير المشترك للبلدين وكأنهما «شعب واحد في دولتين». الجغرافيا ظلم دائم. أوكرانيا تعرف هذه القصة تماماً كبلدان كثيرة في غابة العالم. القصة ليست أوكرانيا وحدها. إنها فرصة لهز صورة أميركا بايدن بعد اهتزازها لدى مغادرة أفغانستان. فرصة لوضع أميركا المنشغلة بـ«الخطر الصيني» أمام امتحان لا يمكن كسبه. لن تغامر واشنطن بإشعال حرب عالمية من أجل أوكرانيا. كل التهديدات الغربية تتحدث عن «عواقب وخيمة» في حال اجتاحت القوات الروسية أوكرانيا. وهذه العواقب تعني عقوبات اقتصادية ودبلوماسية. والقيصر لا يخاف وإنْ كان من المرجح أن يسقط أوكرانيا من الداخل بدلاً من الاضطرار إلى غزوها. يلعب بأعصاب الزعماء الغربيين وجنرالات «الناتو». يحرك قواته على الحدود ويوقظ المخاوف. ثم يقدم شروطاً قاسية. كأنه يريد حرمان دول حلف الأطلسي من المكاسب التي…

«أوميكرون»… كما يتفقد القاتل مسرح الجريمة

الإثنين ٢٩ نوفمبر ٢٠٢١

ظهورُ متحورٍ جديدٍ من «كورونا» لم يكنْ مستغرباً. سبقَ للعلماء أنْ حذَّروا من ذلك. واستخدموا هذه الذريعةَ في محاولة إقناع الخائفين والمترددين والتائهين الذين يعتبرون دفعَهم إلى تلقِّي اللقاح نيلاً من حريتهم. وموقف الفئةِ الأخيرة فظيعٌ ومريعٌ. وإذا كانَ من حق المرء ألا يهتمّ بسلامتِه الشخصية فالأكيدُ أنْ ليس من حقه الإقدام على أي ممارسة تهدِّد سلامة الآخرين ومنها الامتناع عن تلقي اللقاح. كان ظهورُ المتحور وارداً أو متوقعاً، لكن لم يتوقع أحد أن يمتلكَ هذه القدرة الكبيرة على إقلاق الأفراد والدول. ها نحن الآن أمام طبعة جديدة ومنقَّحة من الوباء تحمل اسم «أوميكرون». وإذا كان لا بدَّ من بعض الوقت للتعرف من كثب على الزائر الجديد، فإنَّ المعلومات الأولية أوحت بأنَّه أكثرُ شراسة وقدرة على الانتشار السريع من الطبعات السابقة من الوباء. في الشهور الماضية بدا العالم في صورة من تمكَّن من الخروج من تحت وطأة الضربة التي شكَّلها ظهورُ الوباء. استعاد الاقتصاد شيئاً من عافيته وتفرَّغ لإحصاء خسائره والتفكير في أفضل السبل لمواجهتها. كان الأمرُ بحجم نكبة كاملة قيمتها تريليونات الدولارات، وإصابات بالغة في قطاعات عدة بينها السياحة والطيران، فضلاً عن خسائر هائلة في موضوع التعليم. وعلى رغم قسوة الأرقام استرجع العالم قدراً من حيويته وثقته بقدرته، خصوصاً مع ارتفاع نسب التلقيح والحديث عن حبوب تقترب من الأسواق.…

الخرائط المريضة وذاكرة النسيان

الإثنين ٠٤ أكتوبر ٢٠٢١

العالم آلةٌ هائلةٌ لا تتوقَّف عند التفاصيل. ذاكرته انتقائيةٌ وتتقن النسيان. لا يستطيع قطار الحياة انتظارَ الدول المريضة لتستكمل رقصة فصائلها. لا يستطيع أيضاً التعاملَ مع القواميس القديمة لميليشياتها. قدر القطار أن يتابعَ رحلته. الدول المريضة تبقى على الهامش. تفقد استقرارها ودورها وفرصها. لا يستطيع الخارج أن ينوبَ عن الأبناء في إبرام التسويات والحلول وبناء المؤسسات. هذه مسؤولية أبناء الخرائط أنفسهم مهما تصاعدت كراهياتهم ولمعت خناجرهم. المشاعر الوطنية مشبوبة بطبيعتها. نرضع مع الحليب هذا الميلَ المفرطَ إلى المبالغة. ربما تحاول الدول الصغيرة أحياناً أن تعوّض بالأناشيد افتقارها إلى الثروات التي تستحق التسمية. هكذا تستحكم الأوهام في علاقاتنا ببلداننا وعلاقاتنا بالعالم. بلدنا فريد ومميز. حاجة داخلية وإقليمية ودولية. منارة ومنبر حوار. موعد بين الحضارات والثقافات وفرصة تلاقٍ. إنَّه رسالة أكثر منه دولة. جذوره ضاربة في أعماق التاريخ وإشعاعاته تشير إلى طريق المستقبل. لن يسمح العالم بهز استقراره أو انهياره. لا أريدُ جرحَ مشاعر أي قارئ. لهذا أبدأ بلبنان. توهّم اللبنانيون أنَّ الخريطة الصغيرة حاجة ماسة للآخرين. عوَّلوا على مظلات بدت مثقوبة وحمايات تبدَّت غيرَ موجودة. صدَّقوا ابتسامات السفراء وعبارات المبعوثين. أين لبنان؟ موت هذا البلد لا يقلق العالم. لا ينام على ترسانة نووية أو على سلعة استراتيجية. وإذا سلَّمنا جدلاً بأنَّه كان حاجة ذات يوم فهو لم يعد كذلك. لقد فرَّط…

ما أقسى الدرس الألماني!

الإثنين ٢٧ سبتمبر ٢٠٢١

كان الحديث عن السودان والثمن الذي يدفعه بسبب تحول رئيسه عمر البشير مطلوباً لدى المحكمة الدولية. غلبتني البراءة فقلت يكفي أن يستقيل البشير حتى لو لم يسلم نفسه فمصلحة الشعب السوداني يجب أن تتقدم. ابتسم الرئيس جلال طالباني، وأجاب: «إقامتك في لندن أنستك أننا في الشرق الأوسط. هنا يغادر الشعب لا الحاكم». ما أصعبَ أن تكون صحافياً في الشرق الأوسط. وما أفظع أن تكون من لبنان. تستغرب وجود حكومات تعمل من دون احتقار الدستور. وتستهجن وجود مسؤول لا يستبيح المال العام. تحسد الدول التي تنجب قامات تصلح جسوراً إلى الاستقرار أو مظلات له. لقد استحكمت الرداءة وشاع الإسفاف وسقط القرار في أيدي الخبراء في تفكيك الدول وإتلاف المدن. صرنا لا نصدق أن رئيساً يختار التقاعد بإرادته من دون أن يطرده الشعب من مقره أو يلف الحبل حول عنقه. والحقيقة هي أنه لولا ذلك النهار لما كان لهذه القصة أن تكتب. اليوم الذي شهد سقوط الجدار وغير مصير ألمانيا وأوروبا وتلك الفتاة التي تفوقت في ألمانيا الشرقية في مادتي الرياضيات واللغة الروسية. لولا ذلك اليوم لكانت متقاعدة بعد عمل طويل في الأبحاث بعد نيلها الدكتوراه في علوم الفيزياء. وكان من الصعب توقع مستقبل سياسي لها في بلاد إريش هونيكر. صمتها لم يكن من النوع الجذاب للحزب الشيوعي الحاكم والأوصياء الروس عليه.…

البيت الأبيض في عهد «كورونا»

الإثنين ١٨ يناير ٢٠٢١

هذا أسبوع المشاهد بامتياز. ولا تكون المشاهد طاغية ولامعة إلا إذا كانت أميركية. هذا على الأقل ما يحدث حتى الآن. لم ندخل بعد زمن المشاهد الصينية على رغم التكهنات باقترابه. الأكيد أنَّه سيكون مختلفاً في حال حدوثه. أميركا شرفة مفتوحة وبلا أسرار. الصين قلعة صارمة والغموض فيها من حراس الهيبة. في الأولى يجرؤ صحافي على نشر الغسيل غير الناصع لمراكز القرار من دون أن تصدمَه سيارة مسرعة أو تدفعه تقلبات عاطفية إلى القفز من الطبقة العاشرة. وعلى رغم وقوع الكرملين منذ بداية القرن الحالي في قبضة رجل بارع في تركيب المشاهد وصناعة الصورة ورعايتها وتحريك البيادق والأرقام، فإنَّ العالم لا يزال أسيرَ المشاهد الأميركية. سيكون بعد غدٍ يوم المشاهد بامتياز. الرجل الذي ملأ الدنيا وشغل الناس الذين انقسموا بشدة حوله سيغادر البيت الأبيض. هذه أميركا وهكذا يقول الدستور. في العشرين من الجاري ينتهي التفويض الذي كان الشعب منحه لدونالد ترمب ليقود البلاد التي يمكن القول، مع شيء من التحفظ، إنَّها تقود العالم. لقد فوّض الأميركيون، عبر انتخابات رفضت المحاكم التشكيك في صدقيتها، رجلاً اسمه جو بايدن بقيادة السفينة في الأعوام المقبلة. والدستور واضح وعنيف ولا يتسامح. لا يحق لقبطان السفينة السابق تأخير موعد مغادرته تحت أي ذريعة. هذه أميركا لا تقبل فكرة الرئيس الخالد التاريخي المقيم إلى الأبد. يمكن للرئيس…

السنة الوباء… ذهبت فلتذهبْ

الإثنين ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٠

الكومبيوتر أفضلُ من الإنسان. يستطيع أنْ يمحوَ جملة أو مقالة، ومن دون أن تخلّفَ أي أثر. يشطبُها نهائياً من ذاكرته وملفاته. تمنَّيت لو أنَّ الإنسانَ يمتلك هذه القدرة الذهبية. كأنْ يستدعي هذه البقعة المعتمة ويشطبُها إلى غير رجعة من عمره وذكرياته. ولا بأس أن تضيعَ سنة من رصيد يبقى متواضعاً مهما طال، فهذه السنة - التهمة لا تستحق غير مقابر النسيان. وتنتابُ المرءَ أحياناً صورٌ لا تستحقُّ النشر. كأنْ يحلم باستدعاء هذه الجريمة المتمادية شهراً شهراً، ويطلق عليها النار تباعاً لإفراغ هذه الرغبة العميقة في الثأر من قاتل خاطبنا بالجثث فور وصوله. في مثل هذه الأيام من السنوات السابقة كنَّا نعاتب الأيام لأنَّها تفرُّ من بين أصابعنا. وكنَّا نحاول اعتقال الوقت الهارب بالمواعيد الجميلة وساعات الودّ والسهر وتبادل الهدايا. وكان الوقت يتَّسع للعناق والتعبير عن الأشواق والتحلُّق حول الموائد والضحكات. والحقيقة هي أنَّنا لم نكن نقدّر نعمة العيش العادي حقَّ قدرها. العيش بلا الكمامات والمطهرات وسهام الشك في كل بشري يقترب. لم نعرف متعة العيش العادي إلا حين دفعنا الزائر القاتل إلى حوافّ الجحيم. لم نجرب مثل هذه القسوة المتمادية من قبل. البريطانيون الذين ذاقوا أهوال الحرب العالمية الثانية يقولون إنها أقل وحشية من هذه السنة التي أنشبت أظافرها في أعناقنا وأرواحنا. يروون أنَّ المشاعر الوطنية والقومية والإصرار على مواجهة…

هل تغيرت قواعد اللعبة؟

الإثنين ٠٧ ديسمبر ٢٠٢٠

هل اصطدمَ برنامج «الانقلاب الكبير» الذي أطلقته إيران الثورة قبل أربعة عقود بصخور الواقع الدولي والإقليمي؟ وهل يتحتَّم على النظام الإيراني الحالي تجرُّع مرارة إعادة النظر في الأحلام الكبيرة التي هندسها وروج لها؟ وهل تستطيع طهران تقبل واقع أنَّ الأوراق التي تستطيع تحريكها اليوم أقل من الأوراق التي كانت في حوزتها قبل سنوات؟ وهل عليها الاعتراف بأنَّ سنوات دونالد ترمب أحدثت تغييراً لا يمكن إنكاره في الملفات المتعلقة بها؟ الشرق الأوسط حقلُ أسئلة لا تعثر دائماً على إجابات. هل يمكن أن نستيقظ ذات صباح على نبأ انغماس انتحاري مؤيد لإيران في سفارة أميركية أو موقع أميركي والتسبب بسقوط عشرات الضحايا على غرار ما حدث سابقاً على أرض لبنان؟ وهل تستطيع إيران تحمّل تبعات ممارسة من هذا النوع نجحت في تمرير شبيه لها سابقاً؟ وهل يمكن القول إنَّ اللغة التي اعتمدها ترمب في مخاطبة إيران حرمتها من القدرة على توجيه مثل هذه الضربات إلى أميركا حتى لو غاب ترمب؟ تبدو معادلات القوة في ختام ولاية ترمب غير ما كانت عليه قبل دخوله المكتب البيضاوي. هل تغير شيء ما أم أنَّ قواعد اللعبة تغيرت؟ هل تستطيع إيران إطلاق صواريخها على ميناء حيفا، وهل يستطيع حلفاؤها احتمال عواقب ذلك؟ واضح أنَّ الوضع في المنطقة اليوم يختلف تماماً عن الظرف الذي أتاح لإيران تفجير…

إيران وغياب الخطوط الحمر

الإثنين ٣٠ نوفمبر ٢٠٢٠

ساعةَ تلقيه نبأَ قتلِ العالمِ فخري زاده، «الصندوق الأسود» للبرنامج النووي، وجدَ المرشد الإيراني علي خامنئي نفسَه في وضع شبيه تقريباً بذلك الوقت الذي تلقى فيه نبأ قتل قاسم سليماني، على رغم الفوارق بين الرجلين. كان سليماني الأقرب إلى قلب المرشد، وكان حارس حلم «تصدير الثورة» إلى الإقليم. وثمة من يعتقد أن فخري زاده كان «سليماني الحلم النووي». وما يربط بين الحدثين هو أنَّ الأول تمَّ بأمر من دونالد ترمب، والثاني يُعتقد أنَّه نُفّذ بأمر من بنيامين نتنياهو، مستفيداً من «أسابيع الجمر» التي تفصلنا عن موعد انتقال البيت الأبيض إلى سيّده الجديد جو بايدن. المبالغة تقليد عريق في منطقتنا. نضخّم حجم الأحداث ونروح نتكهن حول الردود والأثمان. ومنطقتنا تساعد على ذلك. إنَّها منطقة العداوات التي لا تنتهي. والخناجر التي تتظاهر بالاستكانة، لكن من دون أن تتقاعد. منطقة ضربات وأخطار لم تتعلم من ولائمها الدموية القديمة والحديثة. لنترك الإفراط في المبالغات. يمكن العثور على بديل لأي رجل مهما كان لامعاً. يمكن إعادة إعمار أي منشأة مهما كانت حساسة. الأصعب هو معالجة الجروح التي تصيب الصورة. صورة النظام أو سيده أو الآلة الممسكة بخيوطه. ولا مبالغة في القول إنَّ إيران تتَّجه إلى ختام السَّنةِ الحالية مصابةً بجرحين كبيرين. الأول افتتحت به السَّنة وهو الهجوم الأميركي الذي قتل في بغداد الجنرال سليماني الذي…

تواقيع جديدة في عالم تغير

الإثنين ١٤ سبتمبر ٢٠٢٠

في تاريخ الجهود المبذولة لإنهاء النزاع العربي - الإسرائيلي صورٌ علقت بأذهان المتابعين من أهل الشرق الأوسط. صورة الرئيس أنور السادات يخطب في الكنيست الإسرائيلي، وبعدها صور توقيع اتفاقات كامب ديفيد حين تصافح السادات ومناحيم بيغن، وبدا بينهما الرئيس جيمي كارتر. ولم تكن الصور بسيطة، ولا الوصول إليها سهلاً. ثم صور ياسر عرفات يصافح في حديقة البيت الأبيض إسحاق رابين وشمعون بيريز، برعاية الرئيس بيل كلينتون. وهذه الصور كانت تعتبر قبل وقت قصير من حدوثها بمثابة صور مستحيلة. لقد فعل كل طرف أقصى ما يستطيع آملاً في شطب الآخر، لكن ذلك تعذر، فكان لا بدَّ من تبادل الاعتراف والتوقيع برعاية الوسيط الأميركي وضمانته. وفي باب الصور أيضاً، صور الملك حسين وإسحاق رابين، وبينهما بيل كلينتون، وبعدها صور التوقيع في وادي عربة. وفي الطريق إلى الصور لم تكن المفاوضات سهلة، ولم يكن تطبيق الاتفاقات سهلاً أيضاً. لكن بعد مرور عقود لا تزال معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية قائمة، والأمر نفسه بالنسبة إلى المعاهدة الأردنية - الإسرائيلية، على رغم العواصف العاتية التي شهدتها المنطقة والشكوى من أسلوب إسرائيل في التعامل مع الاتفاقات وتفسيرها؛ خصوصاً لجهة علاقتها بالسلام الشامل في المنطقة. غداً سيلتفت أهل الشرق الأوسط مجدداً، وعلى اختلاف مواقفهم، إلى واشنطن، وتحديداً إلى البيت الأبيض، لأنَّ صوراً جديدة ستضاف إلى الصور السابقة،…

قسوة العيش بلا دولة

الإثنين ٢٤ أغسطس ٢٠٢٠

قسوة المَشاهد لا تحتاج إلى تفسير. شبان من الناصرية، في جنوب العراق، لم يجدوا غير الجرافات وسيلة لاقتلاع مراكز الأحزاب التي يعتقدون أنَّها تستكمل جرف بقايا الدولة العراقية لترسيخ حكم الغابة. وهو غضب مفهوم على جهات يتَّهمها المحتجون بقتل الناشطين أو خطفهم ومحو آثارهم. والحقيقة أنَّ عملية القتل الممنهجة التي مُورست في ساحات الاحتجاج في بغداد والمدن الأخرى تفوق القدرة على الاحتمال. إنَّها درجة عالية من الاستبداد والوحشية وانتهاك أبسط الحقوق مع قناعة راسخة لدى المرتكبين بالقدرة على الإفلات من العقاب. يزيد من صعوبة الوضع العراقي أنَّ بعض القوى التي لا تؤمن بالدولة العراقية ومؤسساتها وقوانينها، نجحت في التسلل إلى داخل الدولة وتنعم برواتبها وتسهيلاتها. ولأنَّ الأحزاب التي استُهدفت مقراتها هي أحزاب حليفة لإيران، ترتدي معركة استعادة حضور الدولة العراقية طابعاً داخلياً وخارجياً في آن. يريد المحتجون استعادة قرار الدولة العراقية من الفصائل العراقية المسلحة، وكذلك من الدور الإيراني الذي وفَّر لهذه الفصائل مظلة حماية دائمة. إذا كانت المَشاهد الوافدة من العراق تعبّر عن قسوة العيش بلا دولة فإنَّ مثل هذه القسوة يطل أيضاً من المشاهد اللبنانية رغم الاختلافات. سمعت عبر الشاشات شهادات شبان لبنانيين كثيرين. استوقفني عناد كثيرين منهم، وتمسكهم بحلم التغيير وإطاحة الطبقة السياسية الفاسدة، رغم ما أظهرته من براعة في الالتفاف والمخادعة والغدر لضمان استمرار سيطرتها ومصالحها.…

الخرائط المصابة بنقص المناعة

الإثنين ٢٩ يونيو ٢٠٢٠

علَّمتنا السنوات الماضية حجمَ المأساة التي تنتظر أهالي الخرائط التي تتصدَّع وتتحوَّل ملعباً للشهيات الإقليمية والإرادات الدولية. والحقيقة أنَّنا لم نتوقع، رغم معرفتنا بهذه الخرائط، أنْ تتَّصفَ بهذا القدر من الهشاشة، وأنْ تتسرَّبَ إليها الرياح سريعاً مهددة بإعادة تشكيلها بمعزل عن إرادات أبنائها. تدفعك المشاهد أحياناً إلى أسئلة غير جائزة أصلاً وبينها: هل يؤدي سقوط المستبد إلى سقوط الخريطة معه؟ وهل الخيط الأمني الصارم هو ما يحفظ وحدة البلدان المتعددة لأنَّه يمنع لهجاتها وألسنتها من التعبير عن نفسها؟ وهل سلامة الخرائط مرهونة بوجود رجل صارم وجيش لا يرحم، أكثر مما هي مرهونة بقرار قديم بالتعايش بين مَن حشرتهم صدف التاريخ والجغرافيا في بقعة معينة لا يسهل ترتيب الطلاق في حدودها؟ قبل عقد من الزمن كان زائر سوريا يشعر أنَّها دولة قوية. وكان شائعاً قبل ذلك القول إنَّ حافظ الأسد يُعدّ مفاوضاً بارعاً لأسباب عدة، في طليعتها أنَّه لم يسمح للخارج بامتلاك أوراق في الداخل السوري. وكان الزائر يخرج بانطباع أنَّ سوريا متماسكة وتلعب على أرض الآخرين، وأنَّ خريطتها باتت تتَّسم بقدر غير قليل من الحصانة. وها نحن نرى اليوم مشاهد سورية لم يتوقع أحدٌ أن يراها. في المناطق السورية التي تخضع للسيطرة التركية تترسَّخ عادات ووقائع وتقاليد جديدة. هذه المناطق تستخدم البريد التركي والإنترنت التركي وتتزود بالكهرباء من تركيا. وأسماء…