المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي في حوار قديم أجراه د. سليمان الهتلان
ونشر بصحيفة الرياض في العام 2001

مقابلات

أجري هذا الحوار مع المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي، أهم معارض في الولايات المتحدة الأمريكية واستاذ اللسانيات الشهير في معهد MIT، قبل احداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001. في هذا الحوار يشرح تشومسكي وهو أهم من ينتقد نفاق وسائل الإعلام الأمريكي الرئيسية، كيف يلعب إعلام النخبة في الولايات المتحدة في تغييب المجتمع الأمريكي عن قضايا ملحة تعكس ازدواجية المعايير في السياسات الأمريكية وتدعم ترابط شبكات قوية من قوى الإعلام والمال والسياسة تصب في خندق واحد يخدم شركات كبرى تملك وسائل الإعلام وتجعلها أداة لخدمة مصالحها.*

في تقديمه لكتاب عن تشومسكي (The Chomsky Reader) كتب جيمس بيك: “ان تواجه عقلاً غيّر رؤيتنا للعالم فأنت أمام تجربة قلقة لكنها من شدة إثارتها وقوة تأثيرها تجربة تحررك” انها تجربة كما يصفها بيك مقلقة لأنها تزعزع مسلمات ترسخت طويلاً في عقولنا وهي تحرر العقل لأنها تكشف ما يجب ان تراه بتجرد.

وبدأت حواري مع نعوم تشومسكي بهذا السؤال:

* عندما وصلت إلى الولايات المتحدة كنت أتوقع ان يكون نعوم تشومسكي معروفاً في أمريكا مثلما هو معروف لنا نحن في الشرق الأوسط.. وقد دهشت حينما وجدت أنهم أقلية وسط طبقة المثقفين أو في وسائل الإعلام الذين يتحدثون عن نعوم تشومسكي.. لماذا؟

انهم لا يفضلون الحديث عني.. انت لا تتحدث عن المعارضين.. انه خطأ.. لماذا تروج لهم إعلامياً؟ أعني انهم لا يريدون سماع ما أقوله. انهم لا يحبذون ذلك.

* في الولايات المتحدة الأمريكية، وسائل الإعلام تخدم أجندة سياسية معينة؟

بالتأكيد.. هذا شأن وسائل الإعلام في كل مكان.

* أي نوع من الأجندة تخدمها هذه الوسائل؟

في الولايات المتحدة وسائل الإعلام عبارة عن شركات كبيرة ولهذا فإن هدفها الأساسي خدمة مصالح هذه الشركات.. انها ذات صلة وثيقة بالحكومة. وسائل الإعلام ببساطة جزء من النظام، توجد شبكة قوية من المصالح والقوى الخاصة تخدم أهدافاً مشتركة ترتبط بمصالح خاصة مع مصالح الدولة ويشمل ذلك مراكز التعليم النخبوية وكلها تخدم بعضها بعضاً. واحدى وظائف الإعلام الرئيسية هنا هي أن تحجب الحقائق عن الجمهور بالنسبة للأشياء التي يعرفون بأن الجمهور يعارضها.. على سبيل المثال دعنا نأخذ مشكلة الشرق الأوسط انهم يعرفون جيداً ان الشعب الأمريكي يعارض بشدة متى ما عرف بأن (اسرائيل) بدأت تستخدم المروحيات في تنفيذ هجمات على أهداف مدنية.. لقد قامت ادارة كلنتون بإبرام أضخم صفقة خلال هذا العقد عندما ارسلت مروحيات هجومية لإسرائيل وحيث ان كل محرر في الصحافة الأمريكية يعرف بأن الشعب لن يوافق على ذلك لذا فإنهم لم ينشروا شيئاً عن هذا الموضوع.. أو لنأخذ مثالاً آخر عالمي الصبغة وهو ما يسمى باتفاقيات التجارة والتي هي في الأساس اتفاقيات حقوق المستثمرين مثل نافتا أيضاً انهم يعرفون ان الشعب يعارضها بشدة ولهذا جرت مناقشتها في جو من السرية وكذلك تم تطبيقها سراً ولا يمكن طرحها للتصويت عليها.هذا الأمر يستدعي عملاً كثيراً اعني ان يظل الجمهور جاهلاً بالأشياء التي ليست من صميم اختصاصه لأنها ستتم بواسطة الأثرياء والمنتفعين من أجل تحقيق مصالحهم.. صحف مثل (نيويورك تايمز) و(بوسطن غلوب) لن تعطيني الفرصة لإثارة مثل هذه القضايا عبر صفحاتها لأنها إن فعلت ذلك فإنها تؤثر على مصالحها هي في المقام الأول.

* هناك نوع من التشويش.. فقد قرأت على سبيل المثال ان صحيفة (نيويورك تايمز) كانت وصفتك (بأهم مفكر على قيد الحياة اليوم)؟

لا.. ولكن انظر للجملة التي أتت بعد ذلك.. عليك ان لا تصدق الأشياء التي تأتي من مكاتب العلاقات العامة والتي يبدو انك استقيت منها معلوماتك. حقيقة هناك جملة وردت بعد ذلك جاء فيها.. ولكن كيف له ان يكتب أشياء فظيعة عن الولايات المتحدة وسياستها الخارجية؟ أو نحو ذلك اعني يمكن ان يذكروا اسمي أحياناً. على سبيل المثال قبل يومين على وجه التحديد (2001/5/16م) وهو أول ذكر لي في صحيفة (نيويورك تايمز) منذ زمن طويل.. كانت هناك انتخابات في الهند وفاز بها حزب البنغال الغربية الشيوعي وعلى ما اعتقد للمرة السادسة أو السابعة على التوالي.. وقد ساء ذلك (التايمز) وقد وصفت الحزب الشيوعي بأنه نوع من الحزب الديمقراطي الاشتراكي وللدلالة على سوء هذا الحزب أشارت الصحيفة إلى ان زعيمه يبدي اهتماماً بأعمال نعوم تشومسكي.. انظر كيف يسيئون إليّ. ان ذلك يظهر أيضاً كم هؤلاء في (نيويورك تايمز) سيئون.

* هل تعتقد بأن التقنية الحديثة مثل الانترنت سوف تساعد الجمهور في الولايات المتحدة على فهم أكبر للعالم؟

هذا ليس فقط في الولايات المتحدة لوحدها.. اعني ان الولايات المتحدة مختلفة نوعاً ما عن بقية الدول ولكنها ظاهرة مألوفة.. بالتأكيد فعلت الانترنت الشيء الكثير لنأخذ (اتفاقيات حقوق المستثمرين) على سبيل المثال والتي تدعى باتفاقيات التجارة فالمعلومات عنها لم تأت من وسائل الإعلام بل أتت من مصادر أخرى: جزء منها الانترنت وجزء منها المنظمات الإعلامية البديلة التي تتبع لأشخاص مهتمين بهذه الأشياء ولديهم منشوراتهم ومطبوعاتهم الخاصة بهم. ولكن الانترنت لعبت دوراً مهماً في الالتفات حول سيطرة وسائل الإعلام على المعلومات، ونعلم بأن الاحتجاجات التي صاحبت قمتي سياتل وكويبك وغيرها قد تم تنظيمها عبر الانترنت وهذه ليست ظاهرة أمريكية على وجه التحديد.. ولنأخذ مثالاً آخرَ من اندونيسيا والاطاحة بسوهارتو وحكومته والتي لعب فيها الطلاب دوراً اساسياً لا يمكن تنظيم هذه الحركة ضد الرئيس المخلوع من خلال وسائل الإعلام العامة بل تم تنظيمها عبر الانترنت. وقبل عام على وجه التحديد كانت هناك حركة احتجاج كبرى من قبل المزارعين في بوليفيا وذلك عندما قامت الحكومة بتخصيص نظام الري في البلاد بناء على أوامر من البنك الدولي وبدأت في فرض رسوم على استخدام الري. لأشرح لك ماذا يعني فرض رسوم على المياه في بلد فقير لابد من القول انها تعني موت الناس.. البنك لا يهمه ذلك ولكن شيء طبيعي ان يحتج المزارعون ولقد كان الاحتجاج بالقوة بمكان مما دفع الحكومة لفرض الأحكام العرفية (الطوارئ) وقامت القوات بقتل الناس في الشوارع وأفعال من هذا القبيل ولن يحدث شيء أكثر من ذلك في بلد فقير ينتمي للعالم الثالث ويمكن للنظام الحاكم أن ينجو بفعلته ولكن من خلال استخدام الانترنت قام بعض الناشطين بتنظيم احتجاج عالمي ضد الشركة المستفيدة من تخصيص نظام الري في بوليفيا وقد امتد هذا الاحتجاج إلى ان أجبرت هذه الشركة على الانسحاب من الصفقة.

* هل ترون نوعاً من النشاط العالمي ضد حركة العولمة؟ وما هي الدروس والعبر المستفادة منها؟

أنا لا اسمي هذا النشاط ضد العولمة.. اعني لا أحد يعارض العولمة.. أنا لا أعارض حقيقة امكانية حضورك إلى هنا واجرائنا لهذا الحديث ولكن السؤال: أي نوع من العولمة.. هناك شكل محدد (عولمة حقوق المستثمرين) وهو ما يعارضه سكان العالم وبشدة وقد تركزت هذه المعارضة في العالم الثالث ثم امتدت للدول الأغنى وعندما تمتد للدول الأغنى لا يمكن تجاهل هذه المعارضة أعني انه يمكن تجاهل الاحتجاجات في البرازيل ولكن من الصعب تجاهلها في سياتل أو كويبك ولهذا تبدو أكثر وضوحاً الآن ولكن هذه المرحلة الأحدث في الاحتجاجات التي تمت على نطاق واسع وتركز معظمها في العالم الثالث وبالطبع كان لهذه الاحتجاجات تأثير كبير وهذا واحد من الأسباب التي دفعت لعقد الاجتماع القادم لمنظمة التجارة العالمية في قطر. انهم يعتقدون بأنهم سوف يمنعون الناس من الوصول إلى قطر. ربما يعقدون الاجتماع الذي يليه.. في سفينة للفضاء (يضحك) انهم يعرفون ان السكان هم العدو ولهذا يجب ان يبعدوهم ولكن من الواضح ان الجمهور سيعارضهم في كل بلد.حتى موعد انعقاد اجتماعات كويبك.. لعلك تابعت أحداثه.. فحتى بعد الاجتماعات لم ينشروا بياناً بما تم في تلك الاجتماعات. كانوا يرددون مناطق التجارة الحرة لشمال مناطق أمريكا.. لم يكن هناك الكثير حول “تجارة حرة”.. انها شعارات للدعاية فقط. حتى في الانتخابات الأخيرة.. لم يرد ذكر لهذا لأن القيادة السياسية هنا تعرف ان عالم الأعمال في جهة والشعب في جهة أخرى ولأن الإعلام يتبع الأعمال والحكومة فلم يجرؤ أحد في الإعلام على ذكر أي شيء يضعف موقف أهل المصالح العليا. انهم يريدون تعميق جهالة الناس بالقضايا الملحة فيسهل التحكم بها. انهم يريدون للجميع ألا يكونوا على علم بما يجري.. ولكن مهما فعلوا فإن المعلومات تتسرب وتتداول عبر مصادر أخرى وتقود إلى تنظيم الناس وإلى تنظيم احتجاجاتهم.. قبل عام كان هناك اجتماع رئيسي في هافانا اطلقوا عليه اسم قمة الجنوب وهو تجمع ما سمي بمجموعة السبعة والسبعين G_77 والآن صارت 133حكومة أي ما يشكل 80% من سكان العالم. وهو في الواقع اجتماع لحكومات محافظة. حكومات ليست بنفس نشاط مواطنيها ولكنه كان اجتماع كبير حضره رؤساء دول أطلق عليه “إعلان قمة الجنوب” وأعلن ذلك الاجتماع رفضاً قوياً للعولمة المفروضة على العالم الثالث. ولم ينشر ذلك في وسائل الإعلام الأمريكية.ولا يمكن أن نقول للناس في الولايات المتحدة ان الحكومات اليمينية لثمانين بالمائة من سكان العالم تعارض بشدة (الايس كريم) ولهذا لم يتم نشر هذا الاعلان.ودعنا نتحدث مرة أخرى عن كويبك ليس لأن هناك شيئاً مختلفاً ولكن لأنه الاجتماع الأحدث وبالتالي يعطي المثال الأحدث فعندما كان جورج بوش يتحدث في مؤتمر كويبك امتدح نافتا (اتفاقية التجارة الحرة لدول أمريكا الشمالية) كنموذج لمنطقة التجارة الحرة في دول امريكا الشمالية لأنها أتت بنتائج طيبة في تحسين النمو الاقتصادي والرفاهية والحقوق وغيرها وقد تلقى كل مكتب تحرير في الولايات المتحدة بمطبوعتين احدهما من قبل منظمة حقوق الإنسان (هيومان رايتس وتش) والأخرى من قبل معهد السياسة الاقتصادية في واشنطون وهو معهد متخصص في التحليلات الاقتصادية وكلا المطبوعتين تناولت تأثيرات اتفاقيات (نافتا) وقد اهتمت منظمة مراقبة حقوق الإنسان بتأثيرات نافتا على حقوق العمال وخلصت إلى تأثيرها الضار على هؤلاء العمال وإلى رفض الحكومات الموقعة عليها على تطبيق الحقوق الخاصة بالعمال خاصة حكومة الولايات المتحدة.وعلى الجانب الآخر نجد أن معهد السياسة الاقتصادية قام بتحليل الاتفاقيات وخلص هو الآخر إلى أن العمال في المكسيك وكندا والولايات المتحدة وهم يشكلون الغالبية العظمى للسكان هناك قد تأثروا سلباً باتفاقيات نافتا في الوقت الذي راح فيه الرئيس الأمريكي يسرد عجائبها ويمتدح تأثيراتها المقيدة. هناك مآس تسببت بها نافتا للعمال في أمريكا وكندا والمكسيك. هل تسمع عنها في الإعلام الأمريكي؟ عندي صديق وجد عبر خدمة Lexis)Nexus (برنامج بحث خاص بالبحث عن مقالات صحفية) مقالاً وحيداً. هذا ما لا تود ان يعرفه الناس إذا كنت من أهل الأعمال. هناك مثال آخر: منظمة مراقبة حقوق الإنسان في أحد تقاريرها (أبريل الماضي) أصدرت تقريراً ينتقد بشدة ممارسات (إسرائيل) ضد الفلسطينيين.وأمريكا لم تعره أي اهتمام على رغم ان الاستيطان يتعارض مع كل القرارات والاتفاقات الدولية ومع ذلك فإن أمريكا تصوت دائماً ضد الحقوق الواضحة للفلسطينيين. وكأن العالم كله في كفة وأمريكا وحدها في كفة أخرى. الكل يعرف أن مجلس الأمن والأمم المتحدة غير قادرتين على الفعل. أيام الحرب الباردة كان هناك من يعتقد ان السبب هو ان الاتحاد السوفياتي يعرقل الأمم المتحدة. أنت في هارفارد. اعمل استفتاء في نادي هيئة أعضاء التدريس.. سيقولون لك ذلك الواقع ان الأمم المتحدة ومجلس الأمن أداة أمريكية فقط. عد إلى الخمسينات وما بعدها ستجد أن تسلط الولايات المتحدة على مجلس الأمن والأمم المتحدة يزداد.ولكن عندما يصوت أحد ضد أمريكا فإن هناك في أمريكا من يردد على طول ان العالم كله ضد أمريكا ولهذا فإنهم يعتقدون ان هناك خطأ ما في هذا العالم. وكأن العالم ضد أمريكا لسبب غير معروف. انهم يعتقدون ان أمريكا هي الصح وبقية العالم خطأ. وبالتالي فإن أي تصويت ضد أمريكا سببه كما يرددون يعود الى ان العالم كله سيء وأمريكا وحدها على حق.

لنعد الى سؤالك. نعم وسائل الإعلام تعمل لمصلحة من تمثل. إنها ليست هنا لتخدم الحقيقة. ولا لتثقيف الناس. انها تعمل لتقييد الحقائق.. لتشويهها. وإنه واجب المثقفين أن يقولوا الحقائق. ولكن، وهذا ينطبق على المجتمعات الأخرى، وعبر التاريخ، فإن المثقفين هم خدام السلطة. ولكن ثمة أحياناً مثقفين معارضين، يعاملون في الغالب بسوء، أحياناً تقطع رؤوسهم وأحياناً يعذبون أو يُتجاهلون لكن في كل الأحوال لا يقدّرون. إن هذا ليس فقط في أمريكا.. إنه في كل مكان. خذ مثلاً الحرب العالمية الأولى. من غير الممكن ان الكل كان يحارب لسبب نبيل. ولكن أنظر إلى مواقف المثقفين في البلدان المتحاربة وقتها. لقد اصطفوا كل يدافع عن دولته. وكان ذلك بعيداً عن مواقفهم السياسية. في ألمانيا، يمين ويسار، دعموا الحرب الألمانية. في انكلترا وأمريكا، يمين ويسار، دعموا الحرب الأنغلو أمريكية. كان هناك قلة معارضة انتهت في السجون في أمريكا وبريطانيا. برنارد راسل في بريطانيا دخل السجن وكذلك إيفان دبز انتهى في السجن في أمريكا لأنه سأل أسئلة عن الحرب. والذين لم يدخلوا السجن همّشوا تماماً. وبالطبع فهذه هي الحياة الطبيعية للمثقفين الملتزمين.. بالطبع المثقفون يكتبون التاريخ. إنهم مؤلفو التاريخ. ولهذا فإنهم يرسمون صورة أخرى للتاريخ. ولكن عليك أنت ان تنظر بدقة: ستجد أن تلك هي الحقيقة.

* أين إذن ميراث الحرب الفيتنامية فيما يتعلق بدور المفكرين الأمريكيين فيما يحدث في أمريكا… أو هل كان هناك ميراث لفيتنام؟ وهل مات اليسار في الولايات المتحدة أم أنه لم يعد فعالاً كما كان؟

انه أقوى من أي وقت كان ولكن المثقفين لم يكونوا في واجهة الحركة المعارضة للحرب وفي الواقع فإن غالبية هؤلاء كانوا ضدها وكان موقف التيار الرئيسي للمثقفين شبيهاً تماماً بما هو عليه عالم الأعمال، أعني أن عالم الأعمال ايضاً لم يكن يحبذ الحرب، لقد كانت مكلفة جداً وكانت مضيعة للوقت: وكانت مسببة للركود الاقتصادي ولم يكن لديهم أي مصلحة خاصة فيها، وكان المثقفون تقريباً متشابهين وبحلول العام 1968وبعد العنف الفيتنامي عاد الاقتصاد العالمي أكثر قوة في مواجهة الحرب، لأنه كان من الواضح بأنها كانت ستستمر لوقت طويل، فلا يوجد المزيد من الانتصارات السريعة فكانت الحرب تتسبب في اضطراب اقتصادي، بالإضافة إلى الفوضى الشعبية، فكان الناس في هياج عام ولم يكونوا يريدون أن تستمر أكثر من اللازم لذلك كان هناك حقيقةً نوع من القوة الفاعلة تلعب دورها، فقام وفد من قادة الشركات والمصرفيين والمحامين، وآخرين بالتوجه إلى واشنطن وأمروا بشكل مباشر الرئيس بوقف الحرب.وأعلن فوراً انه لا ينوي ترشيح نفسه للانتخابات. ودخل في مفاوضات وأوقف قصف الشمال بالقنابل وكان ذلك مؤشراً على نجاح استخدام القوة في محلها وبعد عام أو عامين من ذلك بدأ المثقفون في معارضة الحرب ثم قام انطوني لويس من (نيويورك تايمز) وهو أفضل من تتوقعه في النقد وبعد عام تمكن عالم الأعمال وبشكل جوهري من الطلب من ليندون جونسون وقف الحرب، بدأ في كتابه بعض الانتقادات الحقيقية حول كم كانت الحرب مكلفة وفي الحقيقة وتحت ضغط معارضي الحرب كان هناك بعض الدراسات المشابهة لهذا، وكان رأي المثقفين طاغياً نوعاً ما على رأي الجانب المعارض حيث كان السبب في ذلك التكلفة العالية للحرب في الغالب هي مكلفة بالنسبة لنا ويقول البعض حسناً انها مكلفة جداً للفيتناميين لقد أصبحت أكثر دموية ولكن المعارضة الجادة للحرب كان يجب أن تكون على نفس الخلفيات التي عارضوا بسببها الغزو الروسي لتشيكوسلوفاكيا فالجميع عارض ذلك ولكن ليس لأنها كانت دموية جداً، ولأنها لم تقتل الكثير من الناس لم تكن مكلفة جداً، فهي لم تكلفهم شيئاً يذكر ولذلك لم يكن ذلك هو السبب.انت تعارض ذلك لأن استخدام العنف خاطئ ولكن حقيقة لم يعارض أحد الحرب الأمريكية بناء على تلك الخلفيات ولم يكن أحد من المثقفين القى نظرة على الكتب المليئة وعلى مدى أربعين عاماً بكتب الأدب عن هذا الموضوع. ألق نظرة وحاول ان تجد جملة في الولايات المتحدة تهاجم جنوب فيتنام حسناً فسوف تجدها في الأشياء التي كتبتها أنا، بإمكاني ان أسمي نصف دستة لأشخاص آخرين حيث يمكن أن تجد ذلك ولكن ذلك بعيد جداً عن الأحاسيس بحيث انك لو ذهبت الى ادارة الجامعة فلن يعلموا عما تتحدث ولكن ذلك قد حدث بالتأكيد منذ أربعين عاماً أرسل جون كيندي قوة الطيران الأمريكي للبدء في قصف المدنيين في جنوب فيتنام. لقد صرحوا باستخدام قنابل النابالم الحارقة، وبدأوا في تدمير المحاصيل في محاولة لتشتيت السكان الذين كانوا يساندون المقاومة، ولقد حاولوا تجميع الملايين من الناس في معسكرات اعتقال سميت (استراتيجية هاملت) لم يكن هناك فيتناميون شماليون ولم يكن هناك روس وليس هناك صينيون، لقد كان هناك فيتناميون جنوبيون واستمرت الحرب كذلك. وأخيراً أصبح هناك جدل كبير بخصوص بوب كيري ولكن ألق ظرة عن قرب على ما كان يفعله. كان ذلك في 1969وليس 1960فبعد ثماني سنوات من الحرب الأمريكية ضد جنوب فيتنام وبلاشك تشرب الجنود الذين تحت امرته الوحشية والفظاعة.لقد كان الأمر مثل الملاحظات لقد أرسل ليقوم بهذا العمل في دلتا (ماكونغ) في عمق الجنوب وهو الجزء الأكثر كثافة سكانية في جنوب فيتنام ومرة أخرى لا يوجد روسيا ولا الصين وفي الحقيقة لا يوجد فيتناميون شماليون حتى بالنظر وحتى اذا ما اتفقت بأن الفيتناميين الشماليين بشكل أو بآخر ليس لهم الحق بأن يكونوا في وطنهم لقد كان فقط هناك فيتناميون جنوبيون. وكان يعمل فيما يسمى (منطقة اطلاق نار حرة) وهي تعبير عن جريمة حرب يعاقب مرتكبها بالشنق في محاكم (نيورمبرغ) فقد أمر بالذهاب إلى هناك وسحق قادة المقاومة المدنيين فماذا كنا نسمي ذلك عندما كان يفعلها النازيون؟ وفقط الشيء الذي يعتبر جريمة أنهم كانوا يقتلون النساء والأطفال وحتى ولو لم يؤذ ذلك شخصاً واحداً فقد كانت جريمة فظيعة وهي الشيء الأكثر حضورا للعمليات حسنا هؤلاء هم المثقفون ومن جهة أخرى فتعداد السكان مختلف جداً لقد كان هناك انتخابات اعتيادية للأوضاع الشعبية على مدى أكثر من ثلاثين عاماً وكانت نوعاً من الإضراب فعندما تسأل الناس (ما هو رأيك في الحرب الفيتنامية) وتعطيهم سلسلة من الاختيارات فإن نسبة كبيرة وما يقارب 70% يختارون أساسات خاطئة وغير أخلاقية، وليست خطأ وغالبا لا يوجد من المثقفين من قال ذلك والآن ماذا يقصد الناس بالضبط عندما يقولون ذلك انه شيء من الصعب فهمه لأنه لا احد مطلقا فكر في ذلك ليكتب الحقيقة ولكني أعتقد بأن بإمكانك التخمين ولا أظن بأن هناك أي شيء غير عادي بخصوص الموضوع، فالدول المنتصرة صاحبة القوة ليس لديها مسؤوليات أخلاقية وإذا ما هزمت فعليك مسؤوليات أخلاقية تأخذها بالاعتبار لجرائمك، فهل تعرف دولة منتصرة تضع اعتباراً لجرائمها؟ لم نسمع بذلك بعد، ولا يوجد أي شيء من المسؤوليات الأخلاقية لديها. ففي فيتنام وبعكس ما تقول الدعايات فقد انتصرت أمريكا بشكل تام.ففي 1970م كانت الولايات المتحدة قد كسبت الحرب، فكانت البلاد قد دمرت، فكيف لدولة صغيرة ألا تُهزم من قبل الولايات المتحدة، إن ذلك سخيف ولم يكن للولايات المتحدة مسؤوليات فعندما وقف الرئيس كارتر قائلا (نحن مدينون لفيتنام بلاشك وذلك لأن الدمار كان مشتركا) لم يضحك احد ولم ينتقده أحد. اما أنا فقد انتقدته، ولكنك ربما تعرف خمسة أشخاص آخرين انتقدوه.. ربما، وعندما وقف جورج بوش الأب ليقول (على الفيتناميين ان يعلموا بأننا لم نطالب بتعويضات مقابل الجرائم التي ارتكبوها ضدنا، ولكننا نريد نظرة عادلة لهذه الجرائم) ولم يرتعب أحد ولو قال الألمان ذلك عن اليهود فسيكون الناس أقل قلقاً ولكن هذه هي الولايات المتحدة، نحن منتصرون، نحن الأقوى والولايات المتحدة لم تتعرض للتهديد منذ 1812م وانكلترا تقريبا لها نفس الوضع، وكانتا تحت التهديد لأوقات قليلة، ولكنهما كسبتا كل حرب، فعندما تكون الدول منتصرة فهي تضرب الآخرين في الوجه وليس لديها التزامات ولا مسؤوليات أخلاقية، وخذ على سبيل المثال افريقيا الآن، فالكارثة الديمقراطية الكبيرة تتنامى في افريقيا حالياً وعشرات الملايين من الناس سوف يموتون من المرض، وكان هناك بعض الحديث عما إذا كان على الغرب دفع القليل من المال في محاولة للمساعدة، وكان أن قدم جورج بوش فقط مبلغ 200مليون دولار، إن ذلك قليل جداً وهو كمية لا يمكنك حتى أن تجدها إنها إهانة وقد اعتبر هذا شيئاً جميلاً. فقط اسأل نفسك ألق نظرة ثم اسأل كم من الناس يقول إن على أوروبا والولايات المتحدة أن تقدم مساعدات كبيرة جداً لأفريقيا وبعد كل ذلك وحول هذه الحالة ليس أوروبا فقط ولكن أيضاً الولايات المتحدة قامت بتدمير القارة على مدى مئات السنين، حسنا هذا سبب لإعادة البناء إنك لا تتخيل أن يتحدث شخص عن أنه على أوروبا والولايات المتحدة أن تقدما مساعدات لإعادة البناء لأفريقيا بسبب ما فعلتاه بها لا أحد سيفهم. نفرض أنك ذهبت إلى باريس وقلت انظروا لا يجب أن تتلقوا أي مساعدات يجب عليكم دفع تعويضات لأفريقيا لقاء ما اقترفتموه أو حتى انكلترا أو ألمانيا أو بلجيكا أو الولايات المتحدة عن الرق، هل ممكن أن يفهم أحد ؟..الجواب.. لا انه ليس المفهوم الموجود فإذا كنت غالباً فأنت الأقوى وليس لديك مسؤوليات وليس لديك حسابات إنك تتحدث فقط عن جرائم الغير وهو الأمر الأسهل فكل شخص يستطيع التحدث عن جرائم الغير ف استالين يمكن أن يتحدث بكل سرور عن جرائم الولايات المتحدة وهذا ما يعنيه ان تكون مثقفاً حسن السلوك انك ترى ذلك في كل مكان حولك.

* في المستقبل القريب، هل ترى أي اختلاف في الدور الذي يمكن أن يلعبه المثقفون في الولايات المتحدة للمشاركة في تشكيل السياسة الخارجية للولايات

المتحدة؟

إنهم يلعبون دوراً كبيراً إنهم يثبتونه إن دورهم هو تثبيت وحشية الدولة فإذا ما قررت الولايات المتحدة قصف صربيا فإن عمل المثقفين الغربيين هو أن يقولوا إن هذا اسهام رائع للسلام والعدل في التاريخ وهذا ليس فقط خاصاً بمثقفي الولايات المتحدة.*

لماذا ذلك؟ هل أصبحوا جزءاً من النظام؟

لم (يصبحوا) انهم كذلك.. في الحقيقة إذا أمكنك اكتشاف استثناء لهذا عبر التاريخ فبودي أن أسمع عنه ولتعد للخلف لسجلات التاريخ المبكرة وسوف نأخذ على سبيل المثال اليونان القديم فمن كان يشرب شراب الشوكران (السام) في اليونان القديم؟ هل كان شخصاً يمتدح القوة؟ لا بل كان شخصاً يسأل أسئلة محرجة.. خذ سجلات الانجيل ففيه الأنبياء.فمثلاً (ايسا/ ايزيكيل وجيرميه وهكذا فجميعهم مثقفون لقد كانوا يقومون بتحليلات جيوسياسية وكانوا يحذرون الحكام من عواقب ما يفعلونه إنهم يعطون دروساً في الأخلاق وكان يمثلون من يمكننا تسميتهم بالمثقفين فهل عاملهم الناس بلطف؟ كلا وبعد مئات من السنين تم احترامهم ولكن ليس في نفس الوقت لأنه في وقتهم تم سجنهم وشتتوا في الصحراء وتمت معارضتهم ومحاكمتهم، وكان الناس المكرمون في وقتهم هم المداحون والمتملقون وإذا ما نظرت إلى التاريخ فإنه لم يتغير كثيراً وما الجديد فهو لم يكن بالمفاجأة أعني أنك لن تتوقع نظاماً للقوة يحترم ويرفع من قدر الناس الذين يحاولون التقليل من القدر فهل تفعل ذلك؟ سوف تكون مفاجأة في الحق.ومن جهة أخرى، بما أن المثقفين هم الذين يكتبون التاريخ فهم بالطبع يفضلون صورة مميزة لأنفسهم لذلك فإن ما تقرأه في كتب التاريخ ربما بدا لك مختلفاً، ولا أريد أن أقول عنه أنه لباس خاص أو أعمم فهناك استثناءات وهم الناس الشجعان الذين وقفوا في مواجهة القوة فمثلاً خذ السنوات الأخيرة ففي وسط أمريكا كانت هناك حرب كبيرة في 1980وكانت حرباً واسعة ضد الكنيسة الكاثولوكية. فالناس الذين يعتقدون بأن الولايات المتحدة ضد الإسلام لا يفهمون فالولايات المتحدة عالمياً ضد أي شخص يحاول الوقوف في وجه القوة في أمريكا الوسطى حدث وان كانت الكنيسة الكاثولوكية ثم بدأ عقد الثمانينات واغتيل أحد القساوسة وانتهى الأمر باغتيال ستة من المثقفين اليسوعيين وتم تفجير رؤوسهم بواسطة قوات مسلحة ومدربة من قبل الولايات المتحدة، هذا ما حدث للمثقفين وبالطبع فالأمر معروف هنا سأريك بعض الصور.. هذا نوع من اختبار روشاك.انني مهتم بأن أعرف إذا كان الناس يعرفون ما هو حسن، كل شخص في أمريكا اللاتينية يعرف ما هو… هذا هو قسيس روميرا، وهؤلاء هم اليسوعيون المثقفون الستة والذين اغتيلوا عام 1989م وهذا هو خادمهم وابنته، أي شخص في أمريكا اللاتينية يعرف ذلك على الفور، ولا أحد من الولايات المتحدة يعرف ما هو وفي بعض المناسبات بعض الأشخاص في أوروبا يعرفون ذلك ولكن لماذا علينا أن نعرف؟ إنهم فقط مثقفون قمنا باغتيالهم. إن ذلك ليس مهماً. نعم هناك مثقفون مثل هؤلاء، فالأشخاص الذين تم ذبحهم ثم تفجير أدمغتهم بواسطة نخبة مقاتلين دربتهم الولايات المتحدة، نعم هم مثقفون أيضاً لا أحد يعرفهم ولا أحد يقرأ كلمة مما يقولون ولا يمكن لأحد أن يعرف حتى كيفية ايجاد كتاب الفوه لأنهم كانوا في الاتجاه المعاكس فهم يسوعيون مثقفون يعملون من أجل الفقراء.. الجانب الخطأ..!

* من خلال تجربتي في هارفارد، سمعت الكثير عن الخوف من الإسلام (وصدام الحضارات) للبروفيسور هنتنغتون وقد أشار البروفيسور علي المزروعي مرة أن الغرب يشعر بالذعر حينما يذكر الإسلام وذلك استناداً إلى ادراك غير عقلاني للإسلام.. ما تعليقكم على هذه القضايا؟

هل كان الغرب يشعر بالرعب قبل الكنيسة الكاثوليكية خلال فترة الثمانينات وأعني انه عندما تطورت نظرية التحرير في أمريكا اللاتينية، فقد شعرت الولايات المتحدة بالذعر بل دخلت في حروب كبرى وكانت الدكتاتوريات العسكرية في أمريكا الجنوبية تحظى بدعم من الولايات المتحدة، كما كانت موجهة جزئياً ضد الكنيسة التي كانت حولت مهمتها التقليدية وظلت الكنيسة دوماً كنيسة للأغنياء، وفي فترة الستينات تولت الكنيسة ما كان يسمى الخيار المفضل للفقراء حيث بدأ الأساقفة والراهبات ورجال القانون يعملون مع الفلاحين اضافة الى تكوين المنظمات، وقد تعرض هؤلاء لردود أفعال حيث تعرضوا للذبح، وفي حقيقة الأمر، فإن الحروب التي نشبت خلال الثمانينات في السلفادور وغواتيمالا كانت موجهة ضد الكنيسة بدرجة كبيرة وكان أي شخص يقف عقبة في هذا الطريق يعتبر من الأعداء.فيما يتعلق بالإسلام، فإن موقف الولايات المتحدة يتسم بالتفاوت، ففي خلال الفترة الممتدة بين الثمانينات إلى التسعينات، كان أكثر الأصوليين الإسلاميين تشددا في أي مكان في العالم من حلفاء أمريكا المقربين، وفي حقيقة الأمر فإن هذه المجموعات كانت تتلقى التدريب من قبل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية من أجل الحرب في أفغانستان. وقد تلقى أسامة بن لادن تدريباً على يد هذه الوكالة وكانت هذه المجموعة تقوم بشيء يحظى بقبول من الولايات المتحدة لذلك فقد كانوا مقربين من الولايات المتحدة. وتعد اندونيسيا أكبر دولة إسلامية في العالم وحينما كان يحكمها سوهارتو بكل جبروته ووحشيته خلال 30عاماً فقد كان كما أطلق عليه الرئيس الأمريكي السابق كلنتون صديقاً لأمريكا، طالما يقوم بعمله بغض النظر عن شخصيته.من الصحيح أن الإسلام ربما يكون عدواً لأنه يعتبر بمثابة قوة مستقلة علاوة على ذلك فإنني لا أتفق مع القائلين بأن عداء أمريكا للإسلام لا عقلاني فإذا كنت تريد حكم العالم فإن أي قوة مستقلة تعد عدواً محتملاً، لذلك فمن المنطقي أن يكون المرء قلقاً حول مثل هذه القوة. ومن المنطقي أيضاً تحريك الهستيريا والخوف حول مثل هذه القوة، وتلك هي الطريقة التي تتحكم بها على سكان العالم. إن أفضل طريقة للسيطرة على السكان يتمثل في تخويفهم، الأمر الذي سيقوله أي حاكم دكتاتوري. وعندما يتم تخويف الناس وإدخال الرعب في قلوبهم يمكنك القيام بأي شيء ترغب فيه، لذلك فإنك في حاجة لأعداء لإشعار الآخرين بالخوف ولفترة طويلة، كان بالوسع التظاهر بأن الروس قادمون أو الصينيين قادمون أو ما شابه ذلك ولم يعد بوسعك القيام بذلك، لذلك فهناك الإرهابيون الدوليون والعرب المتشددون ومروجو المخدرات وعصابات الإجرام أي ينبغي وجود شيء من هذا القبيل.

* وما هو تعليقك على عبارة (صدام الحضارات)؟

انها مزحة، أعني أنه يمكن أن يكون هناك شيء من صدام فلا توجد أي فكرة دعائية إلا ولها أساس. إن هناك نوعاً من الصراع بين الأورثوذكس والكاثوليك الغربية، أي أنه صراع الحضارات وأعني أن الإسلام يختلف عن الغرب وهناك أنواع أخرى من الصراع، غير أن الأمور تتقاطع لكافة أنواع الوسائل لقد كانت الحرب الباردة اداة دعائية بارعة، وفي حقيقة الأمر فإن الحرب الباردة لم تكن لها علاقة تذكر مع كل ما كان يجري على أرض الواقع فإذا كنت تريد قتل الكهنة في السلفادور، فقد كان بوسعك القول بأن الروس كانوا قادمين، لذلك فإن ذلك يعد حرباً باردة، وكما تدرك تماماً فليس بوسعك اللجوء الى تلك الفكرة لاسيما وقد انهار جدار برلين. ويمكنك التنبؤ بنوع من اليقين بأن المفكرين الغربيين سيجدون نوعاً من المواجهة الجديدة التي يمكن استخدامها لبلورة النموذج لتبرير التسلط العسكري والعنف والكبت وما الى ذلك. لذلك فإذا تناولت موضوع (صراع الحضارات) فإنه لا يعتبر خرافة كما لم تكن الحرب الباردة خرافة أيضاً كذلك، لم يكن خوف هتلر من اليهود خرافة. هناك عادة عنصر من الصحة خلف بلورة أي دعاية، وإلاّ فلم يكن بوسعك استخدامها.

* دعنا نعود إلى قضية إسرائيل والعرب، ففي العالم العربي، نعتقد بأن موقف أمريكا تجاه المنطقة ربما مصدره سلطة اللوبي الإسرائيلي القوي في الولايات المتحدة وقد سمعتك تقول رأياً مغايراً حول هذه المسألة.

تلك خرافة تقريباً أعني نعم، إن ذلك صحيح وهو ما يرغب العالم العربي في تصديقه.إن الاهتمام الأساسي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط يكمن في السيطرة على الإمدادات النفطية، وهو أمر لا يعتبر سراً كبيراً، حيث توجد بالمملكة أكبر احتياطات الطاقة على المستوى العالمي وفي نهاية الحرب العالمية الثانية اقدمت الولايات المتحدة على اخراج فرنسا من المنطقة ثم بدأت في تحويل انكلترا الى شريك صغير وكانت انكلترا تدير في السابق معظم هذه المنطقة ثم تطلعت الى الاستفراد بها وفي حقيقة الأمر عملت انكلترا على اتباع الإطار البريطاني للسيطرة على المنطقة ويمكنك الرجوع إلى المكتب البريطاني للسجلات الاستعمارية في الحرب العالمية الأولى وعندما أدرك المسؤولون البريطانيون عدم قدرتهم على السيطرة بالقوة لذلك فقد جاء اقتراح لبلورة ما اطلق عليه (الواجهة العربية) أي دول عربية ضعيفة بحيث تتولى انكلترا الحكم خلف ستار من الدويلات الحاجزة والدول التابعة اضافة الى كلمات أخرى رنانة.لذلك فقد استمرت انكلترا في السيطرة حتى تمكنت الولايات المتحدة من الاضطلاع بتلك المهمة.وينعكس ذلك في تركيا وإيران تحت حكم الشاه ويشكل (إسرائيل) جزءاً منه كما كانت الباكستان جزءاً منه لفترة طويلة وهي كما أطلقت عليه ادارة نكسون (الشرطة المحلية) فإذا نظرت إلى علاقات أمريكا مع (إسرائيل) فإنها تتوافق أساساً مع دور (إسرائيل) في هذا النظام لذلك وحتى العام 1967كانت أمريكا داعمة لإسرائيل غير أن العلاقة بينهما لم تكن وثيقة وفي العام 1956أمر ايزنهاور (إسرائيل) بالانسحاب من سيناء على رغم وجود اللوبي اليهودي الذي لم يستطع القيام بأي شيء، بل لم يقم بأي محاولة في هذا الاتجاه لأنه لم يكن قادرا على مقاومة القوة الأمريكية. وعندما كانت (إسرائيل) متلهفة لبيع التقنية المتقدمة الى الصين خلال العام الماضي فإن ذلك ارتبط بصورة وثيقة بالبرنامج الاقتصادي حيث تدخلت ادارة كلينتون واعترضت على هذه الصفقة وتراجعت (إسرائيل) وبرغم ذلك لم يقل اللوبي اليهودي شيئاً حيث هناك القوة الأمريكية التي لا يستطيع اللوبي اليهودي التدخل في مثل هذه الجوانب، لقد قدمت (إسرائيل) خدمة كبرى عام 1967م عندما دمرت جيوش عبدالناصر الذي كان يشكل العدو الرئيسي لأمريكا متمثلاً في القومية العربية المستقلة وفي 1970قامت (إسرائيل) بتحركات بطلب من أمريكا لإعاقة سورية من دخول الأردن وحماية الفلسطينيين الذين كانوا يتعرضون للقتل.وتزايدات المساعدات الأمريكية لإسرائيل بمعدل اربعة اضعاف وهي مستمرة حتى الآن. وتشكل (إسرائيل) قاعدة للقوة الأمريكية في المنطقة وأصبحت (إسرائيل) حالياً فرعاً لأمريكا كما بدأت تشبه كثيراً الولايات المتحدة من حيث المستويات العالية من التفاوت وتفكك النظام الاجتماعي والاقتصاد المستند الى العوامل العسكرية.وأصبحت (إسرائيل) قاعدة للقوة الأمريكية تماما مثل تركيا. نعم إن للوبي اليهودي تأثيراً ولكنه تأثير هامشي وإذا حاول هذا اللوبي مقاومة القوة الأمريكية فإنه سوف يتفكك ببساطة على النحو الذي يحدث له في كل وقت يبرز فيه نزاع ما.* ألا يخدم السلام مع الفلسطينيين المصالح الأمريكية في المنطقة؟ نعم انهم يريدون السلام كما كان يرغب فيه هتلر ايضاً كما ان كل شخص يرغب في السلام ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو أي نوع من السلام؟ فيما يتعلق بالولايات المتحدة فإن الفلسطينيين ليس لديهم شيء يساهمون به تجاه نظام السيطرة هذا حيث انه ليس لديهم أي ثروة أو أي قوة، بل انهم حقيقة الأمر يشكلون مصدر ازعاج فضلاً عن اثارتهم عوامل الاستياء في العالم العربي لذلك فإن أفضل ما يمكن فعله هو مجرد التخلص منهم بطريقة ما. بعض الإسرائيليين من رجال الأعمال يتمنى أن تقوم دولة فلسطينية تخدم مصالحهم وتستهلك بضائعهم وتوفر لهم عمالة رخيصة تماما مثل المكسيك للولايات المتحدة. إن السلام الذي ترغبه (إسرائيل) ويدعمه الغرب هو مثل السلام الذي اقترحته جنوب أفريقيا في الستينات وحاولت فرضه على الأفارقة.* سؤالي الأخير: إلى أين ترى العالم العربي يتجه؟ إنه لن يستمر طويلا. لم يبق أمام العرب، الشرق الأوسط اجمالا، غير 50عاماً للبحث الجاد في ظروفهم والعمل لأن يكونوا فاعلين ويكونوا نظاماً حراً. انهم لا يقومون بذلك. في الواقع، إنهم يفعلون العكس. عندما تنتهي الحاجة من الطاقة فإن العالم العربي سيعيش تجربة اقرب ما يمكن وصفها هو مذبحة.. لابد من تغيير الأوضاع حالا وهذا يتطلب تغيير أنظمة وحكومات. هذا يعني اعطاء الناس حريات من كل أنواع الكبت. هذا يعني إعطاء المرأة حريتها.. هناك ثورات لابد أن تقوم وتغيير اجتماعي كبير مطلوب وهذا لابد أن يتم خلال قرن واحد وإلا فإنني اصدق القول عندما أظن أن العالم العربي من غير البدء في التغيير قد لا يكون قائماً في نهاية القرن. انه يتطلب تعاوناً آسيوياً عربياً، وعربياً غربياً والمهمة صعبة جداً ولكنها ممكنة