السلام أولاً

آراء

نحتاج إليه لأن أشجار الحياة لا تنمو ولا تتفرع أغصانها إلا بوجود حالة استقرار الطقس وذهاب الرياح بعيداً عن مواطن الطير الذي يغرد من أجل ألفة تدفئ الخواطر وتحمي الأرواح من صفير العواصف المهلكة.

على ضفاف الخليج العربي، هناك أطفال يحلمون بصباحات مشرقة، وشمس تدلي بأهدابها على عيونهم كي ينظروا إلى الحياة من دون غبش ولا ضباب يمنع الرؤية.

السلام هو ذلك الترياق الذي يحفظ الود وينثر ورود الحب، فإذا بها وردة البنفسج تطل في الصحراء محيية الركاب، وتصفق بلطف وعطف من أجل حياة خالية من الغبار، ومن أجل أجيال يعيشون كتفاً بكتف يعمرون الرؤوس بحكايات لا تلتفت إلى الوراء ويزرعون حبة القمح كي تستمر الحياة خضراء، وتستمر جداول الفرح تسقي عروق النخيل، وتظل الغيمة تظلل رموش الجمال البشري في كل مكان.

فقط السلام وحده الذي يملك تلك القوة السحرية التي تنبت زروع السعادة، وتنثر ورود التآلف بين الناس أجمعين.

فكم من حروب دمرت وكم من معارك أهلكت وكم من ضغائن أبادت وكم من أحقاد أمسكت بذراع الحضارة وسارت بها نحو الهاوية، فالغطرسة والتعنت والتزمت لا يجني الإنسان من حصادها إلا الفقدان والخسران وضياع المصير، وفي الحروب لا أحد ينتصر إلا الدمار وضياع المستقبل.

ونحن في القرن الحادي والعشرين وقد بلغت الأمم ذروة التقدم التكنولوجي، ولكن يبقى العقل لم يزل مأزوماً بعقدة التفوق لم يزل العقل يمد أذرع الجشع والخداع البصرية إلى ما هو أبعد من الواقع، فنرى التشققات تملأ قماشة الأحلام، ونرى التمزق يحيل الحياة إلى معطف متهتك؛ لذلك فإن القوة الحقيقية للدول والأفراد تكمن في تحكيم العقل ولجمه والسيطرة عليه حتى لا يأخذ السفينة إلى أعالي التطلعات، فتغرق هناك وتصبح فريسة لأمواج الغضب.

هناك رصاصتان قاتلتان لو تحاشاهما البشر لأصبحت الحياة حقلاً رائعاً تسوده الطمأنينة هاتان الرصاصتان هنا «الجشع والغضب»، فعندما تستعر نار هاتين الرصاصتين يفقد الإنسان صوابه، ويصبح فريسة سهلة لفقدان الصواب، يصير ضحية العقل المتهور، ويكون مثل القشة على ظهر موجة تأخذه إلى حيث تسير الرياح.

فاكظم غيظك يا أخي الإنسان تنج من الهلاك، وامسك بزمام القناعة بحياة سليمة مسالمة تعش أبد الدهر عند هامات النجوم.

ليست الحروب التي صنعت الحضارات العظيمة، بل هي المشاعر الإيجابية تجاه الآخر هي تلك الابتسامة الشفيفة هي تلك النظرة الواقعية البسيطة التي رفعت الإنسان إلى ثغر الغيمة فلثم الرضاب واحتسى حلو المعشر.

فكم نحن بحاجة إلى السلام النفسي لنربح سلامنا الكوني، ونصبح في الزمان عصافير تبني أعشاشها عند القمم الشم، ونصير بين الأغصان عناقيد فرح.

المصدر: الاتحاد