ميسون عزام: ابتسامتي تُسرق مني أحياناً

مقابلات

حينما تجتمع الرقة مع القوة.. النعومة مع الصلابة.. مشاعر الأمومة مع مزاج الكاتب وصاحب الرأي.. وتتشابك إطلالة المذيعة النجمة مع حضور الأستاذة الجامعية.. كل هذه الملامح تتشارك لترسم شخصية ميسون عزام المذيعة بقناة «العربية» والتي تلعب في حياتها أدواراً متعددة وبذات الكفاءة، ولا تمنعها أجندتها اليومية المكدسة بالمهام والمسؤوليات أن تبحث عن الأفضل، فتقدم شكلاً إنسانياً من نشرة الأخبار في «الخامسة»، وتجتهد كأم وهي ترى نجاحها في نجاح أبنائها، بل اهتمامها بهم يحتل المرتبة الأولى في قائمة أولوياتها. إلى ميسون عزام اقتربنا محاولين أن نتعرف إلى جوانب أكثر من شخصيتها في هذا الحوار..

} «نشرة الخامسة»، ظهرت بشكل جديد ولكن كيف يختلف مضمونها؟

يمكن وصف «الخامسة» بأنها المرحلة الفاصلة ما بين الطبق الاقتصادي الدسم في نهار «العربية» والسياسي في مسائها، و تتميز بأنها تجمع الاثنين معاً. «الخامسة» تُبرز في عناوينها الجانب الإنساني بكل تفاصيله حتى تلك التي تعتبر «تابوهات» مغلقة تحرمها لا القوانين وإنما الأعراف والتقاليد. نتلمس المعاناة و«نؤنسن» القصة لتخترق الواقع في عقولنا وتكسر حواجز اللاوعي الكامنة في مكنوناتنا. أحب «الخامسة» لأنها تحول الأرقام إلى أسماء وصور تجسد واقعنا الأليم، ففي كل يوم لدينا إيلان كردي جديد تختلف أوجاعه وآلامه، يجمع الظلم والقهر والاضطهاد، فهو الغريق أو المغتصب أو المعتقل، هو أنا وأنت لو كنا هناك حيث الوجع. دون خجل أقولها، «الخامسة» لم ولن تكون حيادية، فهي مثلي منحازة للإنسانية بشكل كامل وتحمل في طياتها هموم الإنسان العربي وآراءه وهواجسه.

} الإمارات، لبنان، لندن، فلسطين.. انتماءات مختلفة في حياتك ولكل منها قصته، كيف تنظرين إلى كل منها وكيف تجدين معنى الوطن؟

فلسطين هي الحقيقة التي لم أتلمسها، هي وطن أنتمي إليه بالروح دون الجسد، وهويتي التي لا أملك أوراقها الثبوتية.. هي ذاكرة عائلتي التي سيتوارثها أبنائي دون كتابة وصية. هي حق لا بد له أن يرجع. ولكن حتى ذلك الوقت أعتبر نفسي من اللاجئين المحظوظين حيث توفرت لي دولة تحتضنني، أعود لأحط الرحال فيها مهما غبت أو تغربت، فالإمارات هي بيتي، ولدت فيه وكبرت وكبرت معه أحلامي. الإمارات كانت لي الداعم والدافع للتقدم والعزم والإرادة، ولا شك أن نجاحها في تطوير مدن المستقبل قد عزز من تفاؤلي بمستقبل أفضل، خاصة في ظل المآسي التي مرت وتمر بها المنطقة. كنت أتمنى أن يعاملني لبنان وهو بلد اللجوء الأول كما عاملتني الإمارات، لكنه أصر أن يختزل نفسه كنقطة عبور في تغريبتي ولا أبالغ إن قلت أنه عزز من شتاتنا في ظل حرماننا كفلسطينيين من أبسط حقوقنا المدنية، كالتعليم والعلاج والعمل. شردتنا سياساته أكثر وأكثر حتى أصبحنا نبحث جميعاً عن لجوء ثان وثالث ورابع. لكن، كما يقولون، رب ضارة نافعة، وقد تكون التغريبة رغم قساوتها نافعة، فمنها تعلمت البحث عن الحرية خارج حدود لبنان، غادرته إلى لندن وحصلت منها على إنسانيتي المسلوبة، منها كسرت قيود وثيقة سفر اللاجئين لأتحول فجأة بفضل جواز سفر بريطاني إلى إنسانة معترف بها دولياً.

} ماذا كنت لتكوني لو لم تدرسي الإعلام؟

الإعلام كان حلماً أحمد الله أنه تحقق لا بل وفاق الحقيقة والحلم بأشواط، فلم أكن أتوقع أن أصل إلى ما وصلت إليه في ظل رفض والدي رحمه الله القاطع أن أدرس الإعلام، فكان يصر أن أتخصص في إدارة الأعمال بسبب تجربته المريرة التي مر بها كمحام. فالوالد رحمه الله درس المحاماة في لبنان ولكنه كلاجئ فلسطيني هناك لم يستطع ممارسة المهنة، وبالتالي كان يطمح أن أدخل مجالاً أستطيع العمل به بسهولة. لم يكن هناك أي مجال لإقناعه، وبعد عجزي ووالدتي، حفظها الله، عن تعديل قراره، درست الإعلام دون علمه ولم يعرف بالحقيقة إلا عند تخرجي. دعمتني والدتي كثيراً وشجعتني في اختيار ما أريد وباركت خطوتي وهذا ما أتمنى أن أفعله مع أبنائي. لوالدتي الفضل فيما أنا فيه وعليه الآن، فلطالما كانت الأم والأب والأخت. بعد التخرج وعندما لم يعد بالإمكان العودة إلى الوراء قدم لي الوالد كل الدعم الممكن لتصويب مساري.

} «نحن المذيعات ماكياج فقط؟» عنوان مقال قمت بكتابته منذ سنوات استنكرت فيه نظرة المشاهد العربي إلى المذيعة كشكل بدون مضمون.. ألم يتغير شيء طوال هذه السنوات؟

لا شك أن نظرة البعض لم تتغير فمازلت أتلمسها أكثر فأكثر من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يقوم البعض بتقييم المذيعة بناءً على شكلها وعمرها لا مضمونها. هذا لا يعني أبداً أن البعض الآخر لم يغير نظرته، فالانفتاح على العالم من خلال التكنولوجيا الحديثة لا شك ساعد في تطوير مفاهيم بعض الرجال الضيقة والعنصرية لقدرات المرأة كما أنها عملت على توسيع قاعدة المشاهد الذكي القادر على التمييز بين ما هو مجمل وما هو جميل بشكله ومضمونه. المشكلة الأكبر الآن أن مفاهيم كثيرة في ذات السياق تغيرت وانقلبت لتخرج لنا تطرفاً لا يقتصر على الدين، بل تطرف لا أخلاقي، ولا إنساني طغى على عقول أبنائنا فتحولوا إلى وحوش تكفر وتنحر وتحرق. أتساءل إن كان جيلنا الذي عاش حياة طيبة مقارنة بغيره أفرز «داعش»، فماذا تركنا ل«داعش» كي تفرز؟ علينا أن نبدأ وبسرعة ثورة ثقافية تنقي خلايا عقولنا من فيروسات التطرف والحقد التي ظهرت بربيع عربي جله خريف، كشف عيوبنا وأسقط ورقة التوت عن عورة طائفيتنا وعنصريتنا وتطرفنا.

} كتاباتك الصحفية تتميز بالعمق واللمسة الإنسانية، منها عن زيارتك لفلسطين «رحلة في ذاكرة لا أمتلكها»، لماذا نادراً ما تكتبين؟

أعترف دائما أنني مقصرة في الكتابة رغم حبي لها، خاصة وأنها تجعلني أعيش الواقع والتجربة بتفاصيلها، ولكن إن كان ضيق الوقت عاملاً سلبياً يسلبني القلم، فلحسن حظي أننا في عصر وسائل التواصل الاجتماعي والتي لا أتردد في إعطائها شهادة تقدير وامتنان، لأنها مكنتني من إيصال فكرتي إلى أكبر عدد من الناس وب 140 حرفاً فقط، وقدمت لي فرصة الاطلاع على الآراء والتعليقات أكثر من ذي قبل. ليس الكم وإنما الطريقة هي الأهم للوصول إلى عقول وقلوب متابعينا. ما دمت استطعت طرح فكرتي فلا يهم عدد الأحرف التي أكتبها.
} ما الذي يميز مذيعة أخبار عن غيرها؟
مذيعة الأخبار المهنية لا يمكنها أن تتميز إلا إذا تابعت التطورات لحظة بلحظة، وتشربت تفاصيل الأحداث بدون انقطاع. وفي ظل التغطيات المباشرة، أعتقد أن حجم الخلفية المعلوماتية التي تحظى بها المذيعة خلال الحدث، هو الذي يحدد حجم متابعيها. المعلومات متوفرة على الإنترنت وبالتالي يسقط عرشك إذا لم تمتلكها لتقدمها للمشاهد بصورة مهنية ومتقنة.

} هل يؤثر العمل في الإعلام وكمذيعة بالتحديد على حياتك الخاصة وعلاقاتك الشخصية؟
عندما يقرر أي إنسان أن يصبح شخصية عامة، فهذا يعني أنه وافق أن يقف تحت الشمس دون حماية، وبالتالي عليه أن يتحمل تبعات قراره هذا. عليه أن يغطي جسده كاملاً بجلد التمساح حتى يتحمل ما لا يحتمل في كثير من الأحيان. إذا أردت أن أدخل بيوت الناس فعليّ أن أسعدهم بوجودي لأصبح جزءاً من يومهم لا أن أنفرهم. رغم هذا أعيش حياة طبيعية مع عائلتي، وأمارس دوري كأم وأخت وخالة بكل حرية ودون أي تحفظات. أسرتي لها الأولوية دائماً وسعيدة بوجود أختي رنا وابنة أختي رحمها الله رين في الإمارات، مما يجعل عطلة نهاية الأسبوع عائلية بامتياز.

} خضت تجربة التدريس كأستاذ جامعي غير متفرغ بكلية الإعلام بالجامعة الأمريكية بدبي، كيف تقيمين هذه التجربة؟

التعليم بنظري هو أسمى درجات العطاء في أي عمل مهني. هو خلاصة ما اختبره الإنسان في حياته، وتجربتي بالتدريس كانت ثرية ومفيدة للطرفين، أعطتني الفرصة لنقل خبرتي وتجربتي للغير لتكون حافزاً لهم في الحياة، وألا تكون مختزلة في شخصي فقط، وقد أجزم أنه في ظل توافر المعلومات كافة على الإنترنت، لم يعد بإمكانك التميّز إن لم يكن عطاؤك مبني على ما قدمت. التعليم لم يعد كتاب وأستاذ، ولّى عهد احتكار المعلومة وأصبحت متاحة للجميع، وبالتالي أمام المعلم تحد جديد وكبير يتمثل في تقديم كل ما هو مميز. التعليم كان متعة بالنسبة إلي لكنه يحتاج إلى تفرغ حتى ولو لم تكن متفرغاً. حزنت عندما تلمست الرقيب الذاتي في كتابات بعض تلامذتي رغم أنني حاولت جاهدة أن أبعدهم عن التحيز لجهة دون غيرها. لا أعلم إن كان الرقيب جزءاً من جيناتنا وموروثاتنا، لكنني أتمنى أن نكسر قيوده فنحرر عقولنا ونتقبل الآخر.

} كانت لك تجربة فريدة على شاشة «العربية» عندما كنت تظهرين خلال فترة الحمل لنتابع تطوراتك أسبوعياً حتى الولادة.. كيف تقيمين هذه التجربة؟

أعتقد أن يومياتي وأنا حامل استطاعت وبكل نجاح وفخر كسر الشكل التقليدي لمذيعة الأخبار. فلا شك أن طرح قضايا المرأة العاملة الحامل من خلال تجربة مذيعة تعنى بأخبار العالم، أحدث ثورة في نظرة المجتمع إلى الإعلاميات بصورة خاصة، وسلط الأضواء على معاناة المرأة العاملة الحامل بصورة أوضح. تجربة يجب أن تستمر إلى أن نصل كنساء وأمهات إلى ما نصبو إليه من حقوق ستنعكس على أجيال بأكملها. لقد رسمنا الخطوات من خلال تجربتي وعلى الباقي أن يتبعها.

} حدثينا عن أهمية الأسرة في حياتك؟

أسرتي هي الأمان والحب والأمل والعطاء وكل ما هو جميل في هذه الدنيا. هي امتداد لحب أمي وعطائها وأتمنى أن يستمر إلى أجيال قادمة. جنى (10 أعوام) وريان (13 عاماً) أولويتي في الحياة، ووجودهما يعطيني دافعاً أكبر للعطاء.

} وما أهم الأحداث وأخطر المواقف التي تعرضت لها أثناء العمل الميداني؟ وماذا أضافت لشخصيتك؟

– ليس هناك ما هو مهم وما هو أهم في عالمنا العربي، إذ أصبحت المآسي تتساوى بقسوتها وبالتالي أشعر في بعض الأحيان أن ابتسامتي سرقت مني بعد أن تجردت بعض الأنظمة من الإنسانية. أخطر ما واجهته، عندما كنت في فلسطين أقوم بتغطية اشتباكات مع الاحتلال الإسرائيلي في الضفة، وبدأ جنود الاحتلال بإطلاق القنابل المسيلة للدموع باتجاهنا. كانت تجربتي الميدانية الأولى ولكن للحقيقة، لم أشعر بخطورتها إلا عندما انتهت، أما خلال التغطية فقد تحليت بشجاعة وقوة لا إرادية كانت تحركني ولم أعرف إن كان وراء ذلك خلفيتي الصحفية والتعطش لنقل الحدث مهما كانت الظروف، أو لأنني فلسطينية معنية بنقل قضيتنا إلى العالم. تجربتي الإعلامية علمتني الصبر والنضوج فكرياً، وعززت في داخلي حب الناس والوطن.

} بما أنك تتعرضين بشكل دائم ويومي لأخبار العنف والصراعات داخل الوطن العربي، هل يؤثر ذلك في مزاجك الشخصي أو يعرضك أحياناً للتأثر على الهواء؟

نحن لا نتعرض فقط للأخبار التي تظهر على الشاشة، ولكن عملنا يحتم علينا أن نتابع بالتفاصيل صوراً وأخباراً تتجاوز حدود المعقول واللغة. لا أخفي عليك أن متابعة التطورات بهذه الطريقة تعرضنا لخبرات أليمة تفوق الطاقة الاحتمالية لأي إنسان فما بالك بامرأة وأم. نحن نسمع ونشاهد ونشعر بمضمون الخبر والصورة فنعيش واقع حروبنا. ليس للحرب وجه جميل، هي قبيحة في كل تفاصيلها، لكنني أعمل دائماً على أن أنير طريقي بتطلعات مشرقة تشعل باستمرار شعلة من الإيمان بأن الأسوأ إلى زوال والأفضل قادم لا محال.

المصدر: صحيفة الخليج