الجزء الثاني من حوار قديم مع المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي: صدام الحضارات مزحة.. والمثقفون عملاء للسلطة! حوار د. سليمان الهتلان

مقابلات

* نتابع مع الجزء الثاني من الحوار مع المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي:

*في المستقبل القريب، هل ترى أي اختلاف في الدور الذي يمكن أن يلعبه المثقفون في الولايات المتحدة للمشاركة في تشكيل السياسة الخارجية للولايات المتحدة؟

 إنهم يلعبون دوراً كبيراً إنهم يثبتونه إن دورهم هو تثبيت وحشية الدولة فإذا ما قررت الولايات المتحدة قصف صربيا فإن عمل المثقفين الغربيين هو أن يقولوا إن هذا اسهام رائع للسلام والعدل في التاريخ وهذا ليس فقط خاصاً بمثقفي الولايات المتحدة.* لماذا ذلك؟ هل أصبحوا جزءاً من النظام؟ لم (يصبحوا) انهم كذلك.. في الحقيقة إذا أمكنك اكتشاف استثناء لهذا عبر التاريخ فبودي أن أسمع عنه ولتعد للخلف لسجلات التاريخ المبكرة وسوف نأخذ على سبيل المثال اليونان القديم فمن كان يشرب شراب الشوكران (السام) في اليونان القديم؟ هل كان شخصاً يمتدح القوة؟ لا بل كان شخصاً يسأل أسئلة محرجة.. خذ سجلات الانجيل ففيه الأنبياء.فمثلاً (ايسا/ ايزيكيل وجيرميه وهكذا فجميعهم مثقفون لقد كانوا يقومون بتحليلات جيوسياسية وكانوا يحذرون الحكام من عواقب ما يفعلونه إنهم يعطون دروساً في الأخلاق وكان يمثلون من يمكننا تسميتهم بالمثقفين فهل عاملهم الناس بلطف؟ كلا وبعد مئات من السنين تم احترامهم ولكن ليس في نفس الوقت لأنه في وقتهم تم سجنهم وشتتوا في الصحراء وتمت معارضتهم ومحاكمتهم، وكان الناس المكرمون في وقتهم هم المداحون والمتملقون وإذا ما نظرت إلى التاريخ فإنه لم يتغير كثيراً وما الجديد فهو لم يكن بالمفاجأة أعني أنك لن تتوقع نظاماً للقوة يحترم ويرفع من قدر الناس الذين يحاولون التقليل من القدر فهل تفعل ذلك؟ سوف تكون مفاجأة في الحق.ومن جهة أخرى، بما أن المثقفين هم الذين يكتبون التاريخ فهم بالطبع يفضلون صورة مميزة لأنفسهم لذلك فإن ما تقرأه في كتب التاريخ ربما بدا لك مختلفاً، ولا أريد أن أقول عنه أنه لباس خاص أو أعمم فهناك استثناءات وهم الناس الشجعان الذين وقفوا في مواجهة القوة فمثلاً خذ السنوات الأخيرة ففي وسط أمريكا كانت هناك حرب كبيرة في 1980 وكانت حرباً واسعة ضد الكنيسة الكاثولوكية. فالناس الذين يعتقدون بأن الولايات المتحدة ضد الإسلام لا يفهمون فالولايات المتحدة عالمياً ضد أي شخص يحاول الوقوف في وجه القوة. في أمريكا الوسطى حدث وان كانت الكنيسة الكاثولوكية ثم بدأ عقد الثمانينات واغتيل أحد القساوسة وانتهى الأمر باغتيال ستة من المثقفين اليسوعيين وتم تفجير رؤوسهم بواسطة قوات مسلحة ومدربة من قبل الولايات المتحدة، هذا ما حدث للمثقفين وبالطبع فالأمر معروف هنا سأريك بعض الصور.. هذا نوع من اختبار روشاك.انني مهتم بأن أعرف إذا كان الناس يعرفون ما هو حسن، كل شخص في أمريكا اللاتينية يعرف ما هو… هذا هو قسيس روميرا، وهؤلاء هم اليسوعيون المثقفون الستة والذين اغتيلوا عام 1989م وهذا هو خادمهم وابنته، أي شخص في أمريكا اللاتينية يعرف ذلك على الفور، ولا أحد من الولايات المتحدة يعرف ما هو وفي بعض المناسبات بعض الأشخاص في أوروبا يعرفون ذلك ولكن لماذا علينا أن نعرف؟ إنهم فقط مثقفون قمنا باغتيالهم. إن ذلك ليس مهماً. نعم هناك مثقفون مثل هؤلاء، فالأشخاص الذين تم ذبحهم ثم تفجير أدمغتهم بواسطة نخبة مقاتلين دربتهم الولايات المتحدة، نعم هم مثقفون أيضاً لا أحد يعرفهم ولا أحد يقرأ كلمة مما يقولون ولا يمكن لأحد أن يعرف حتى كيفية ايجاد كتاب الفوه لأنهم كانوا في الاتجاه المعاكس فهم يسوعيون مثقفون يعملون من أجل الفقراء.. الجانب الخطأ..!*

 من خلال تجربتي في هارفارد، سمعت الكثير عن الخوف من الإسلام (وصدام الحضارات) للبروفيسور هنتنغتون وقد أشار البروفيسور علي المزروعي مرة أن الغرب يشعر بالذعر حينما يذكر الإسلام وذلك استناداً إلى ادراك غير عقلاني للإسلام.. ما تعليقكم على هذه القضايا؟

 هل كان الغرب يشعر بالرعب قبل الكنيسة الكاثوليكية خلال فترة الثمانينات وأعني انه عندما تطورت نظرية التحرير في أمريكا اللاتينية، فقد شعرت الولايات المتحدة بالذعر بل دخلت في حروب كبرى وكانت الدكتاتوريات العسكرية في أمريكا الجنوبية تحظى بدعم من الولايات المتحدة، كما كانت موجهة جزئياً ضد الكنيسة التي كانت حولت مهمتها التقليدية وظلت الكنيسة دوماً كنيسة للأغنياء، وفي فترة الستينات تولت الكنيسة ما كان يسمى الخيار المفضل للفقراء حيث بدأ الأساقفة والراهبات ورجال القانون يعملون مع الفلاحين اضافة الى تكوين المنظمات، وقد تعرض هؤلاء لردود أفعال حيث تعرضوا للذبح، وفي حقيقة الأمر، فإن الحروب التي نشبت خلال الثمانينات في السلفادور وغواتيمالا كانت موجهة ضد الكنيسة بدرجة كبيرة وكان أي شخص يقف عقبة في هذا الطريق يعتبر من الأعداء.فيما يتعلق بالإسلام، فإن موقف الولايات المتحدة يتسم بالتفاوت، ففي خلال الفترة الممتدة بين الثمانينات إلى التسعينات، كان أكثر الأصوليين الإسلاميين تشددا في أي مكان في العالم من حلفاء أمريكا المقربين، وفي حقيقة الأمر فإن هذه المجموعات كانت تتلقى التدريب من قبل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية من أجل الحرب في أفغانستان. وقد تلقى أسامة بن لادن تدريباً على يد هذه الوكالة وكانت هذه المجموعة تقوم بشيء يحظى بقبول من الولايات المتحدة لذلك فقد كانوا مقربين من الولايات المتحدة. وتعد اندونيسيا أكبر دولة إسلامية في العالم وحينما كان يحكمها سوهارتو بكل جبروته ووحشيته خلال 30عاماً فقد كان كما أطلق عليه الرئيس الأمريكي السابق كلنتون صديقاً لأمريكا، طالما يقوم بعمله بغض النظر عن شخصيته.من الصحيح أن الإسلام ربما يكون عدواً لأنه يعتبر بمثابة قوة مستقلة علاوة على ذلك فإنني لا أتفق مع القائلين بأن عداء أمريكا للإسلام لا عقلاني فإذا كنت تريد حكم العالم فإن أي قوة مستقلة تعد عدواً محتملاً، لذلك فمن المنطقي أن يكون المرء قلقاً حول مثل هذه القوة. ومن المنطقي أيضاً تحريك الهستيريا والخوف حول مثل هذه القوة، وتلك هي الطريقة التي تتحكم بها على سكان العالم. إن أفضل طريقة للسيطرة على السكان يتمثل في تخويفهم، الأمر الذي سيقوله أي حاكم دكتاتوري. وعندما يتم تخويف الناس وإدخال الرعب في قلوبهم يمكنك القيام بأي شيء ترغب فيه، لذلك فإنك في حاجة لأعداء لإشعار الآخرين بالخوف ولفترة طويلة، كان بالوسع التظاهر بأن الروس قادمون أو الصينيين قادمون أو ما شابه ذلك ولم يعد بوسعك القيام بذلك، لذلك فهناك الإرهابيون الدوليون والعرب المتشددون ومروجو المخدرات وعصابات الإجرام أي ينبغي وجود شيء من هذا القبيل.

* وما هو تعليقك على عبارة (صدام الحضارات)؟

انها مزحة، أعني أنه يمكن أن يكون هناك شيء من صدام فلا توجد أي فكرة دعائية إلا ولها أساس. إن هناك نوعاً من الصراع بين الأورثوذكس والكاثوليك الغربية، أي أنه صراع الحضارات وأعني أن الإسلام يختلف عن الغرب وهناك أنواع أخرى من الصراع، غير أن الأمور تتقاطع لكافة أنواع الوسائل لقد كانت الحرب الباردة اداة دعائية بارعة، وفي حقيقة الأمر فإن الحرب الباردة لم تكن لها علاقة تذكر مع كل ما كان يجري على أرض الواقع فإذا كنت تريد قتل الكهنة في السلفادور، فقد كان بوسعك القول بأن الروس كانوا قادمين، لذلك فإن ذلك يعد حرباً باردة، وكما تدرك تماماً فليس بوسعك اللجوء الى تلك الفكرة لاسيما وقد انهار جدار برلين. ويمكنك التنبؤ بنوع من اليقين بأن المفكرين الغربيين سيجدون نوعاً من المواجهة الجديدة التي يمكن استخدامها لبلورة النموذج لتبرير التسلط العسكري والعنف والكبت وما الى ذلك. لذلك فإذا تناولت موضوع (صراع الحضارات) فإنه لا يعتبر خرافة كما لم تكن الحرب الباردة خرافة أيضاً كذلك، لم يكن خوف هتلر من اليهود خرافة. هناك عادة عنصر من الصحة خلف بلورة أي دعاية، وإلاّ فلم يكن بوسعك استخدامها.

* دعنا نعود إلى قضية إسرائيل والعرب، ففي العالم العربي، نعتقد بأن موقف أمريكا تجاه المنطقة ربما مصدره سلطة اللوبي الإسرائيلي القوي في الولايات المتحدة وقد سمعتك تقول رأياً مغايراً حول هذه المسألة.

 تلك خرافة تقريباً أعني نعم، إن ذلك صحيح وهو ما يرغب العالم العربي في تصديقه.إن الاهتمام الأساسي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط يكمن في السيطرة على الإمدادات النفطية، وهو أمر لا يعتبر سراً كبيراً، حيث توجد بالمملكة أكبر احتياطات الطاقة على المستوى العالمي وفي نهاية الحرب العالمية الثانية اقدمت الولايات المتحدة على اخراج فرنسا من المنطقة ثم بدأت في تحويل انكلترا الى شريك صغير وكانت انكلترا تدير في السابق معظم هذه المنطقة ثم تطلعت الى الاستفراد بها وفي حقيقة الأمر عملت انكلترا على اتباع الإطار البريطاني للسيطرة على المنطقة ويمكنك الرجوع إلى المكتب البريطاني للسجلات الاستعمارية في الحرب العالمية الأولى وعندما أدرك المسؤولون البريطانيون عدم قدرتهم على السيطرة بالقوة لذلك فقد جاء اقتراح لبلورة ما اطلق عليه (الواجهة العربية) أي دول عربية ضعيفة بحيث تتولى انكلترا الحكم خلف ستار من الدويلات الحاجزة والدول التابعة اضافة الى كلمات أخرى رنانة.لذلك فقد استمرت انكلترا في السيطرة حتى تمكنت الولايات المتحدة من الاضطلاع بتلك المهمة. وينعكس ذلك في تركيا وإيران تحت حكم الشاه ويشكل (إسرائيل) جزءاً منه كما كانت الباكستان جزءاً منه لفترة طويلة وهي كما أطلقت عليه ادارة نكسون (الشرطة المحلية) فإذا نظرت إلى علاقات أمريكا مع (إسرائيل) فإنها تتوافق أساساً مع دور (إسرائيل) في هذا النظام لذلك وحتى العام 1967كانت أمريكا داعمة لإسرائيل غير أن العلاقة بينهما لم تكن وثيقة وفي العام 1956أمر ايزنهاور (إسرائيل) بالانسحاب من سيناء على رغم وجود اللوبي اليهودي الذي لم يستطع القيام بأي شيء، بل لم يقم بأي محاولة في هذا الاتجاه لأنه لم يكن قادرا على مقاومة القوة الأمريكية. وعندما كانت (إسرائيل) متلهفة لبيع التقنية المتقدمة الى الصين خلال العام الماضي فإن ذلك ارتبط بصورة وثيقة بالبرنامج الاقتصادي حيث تدخلت ادارة كلينتون واعترضت على هذه الصفقة وتراجعت (إسرائيل) وبرغم ذلك لم يقل اللوبي اليهودي شيئاً حيث هناك القوة الأمريكية التي لا يستطيع اللوبي اليهودي التدخل في مثل هذه الجوانب، لقد قدمت (إسرائيل) خدمة كبرى عام 1967م عندما دمرت جيوش عبدالناصر الذي كان يشكل العدو الرئيسي لأمريكا متمثلاً في القومية العربية المستقلة وفي 1970 قامت (إسرائيل) بتحركات بطلب من أمريكا لإعاقة سورية من دخول الأردن وحماية الفلسطينيين الذين كانوا يتعرضون للقتل. وتزايدات المساعدات الأمريكية لإسرائيل بمعدل اربعة اضعاف وهي مستمرة حتى الآن. وتشكل (إسرائيل) قاعدة للقوة الأمريكية في المنطقة وأصبحت (إسرائيل) حالياً فرعاً لأمريكا كما بدأت تشبه كثيراً الولايات المتحدة من حيث المستويات العالية من التفاوت وتفكك النظام الاجتماعي والاقتصاد المستند الى العوامل العسكرية. وأصبحت (إسرائيل) قاعدة للقوة الأمريكية تماما مثل تركيا. نعم إن للوبي اليهودي تأثيراً ولكنه تأثير هامشي وإذا حاول هذا اللوبي مقاومة القوة الأمريكية فإنه سوف يتفكك ببساطة على النحو الذي يحدث له في كل وقت يبرز فيه نزاع ما.

* ألا يخدم السلام مع الفلسطينيين المصالح الأمريكية في المنطقة؟

 نعم انهم يريدون السلام كما كان يرغب فيه هتلر ايضاً كما ان كل شخص يرغب في السلام ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو أي نوع من السلام؟ فيما يتعلق بالولايات المتحدة فإن الفلسطينيين ليس لديهم شيء يساهمون به تجاه نظام السيطرة هذا حيث انه ليس لديهم أي ثروة أو أي قوة، بل انهم حقيقة الأمر يشكلون مصدر ازعاج فضلاً عن اثارتهم عوامل الاستياء في العالم العربي لذلك فإن أفضل ما يمكن فعله هو مجرد التخلص منهم بطريقة ما. بعض الإسرائيليين من رجال الأعمال يتمنى أن تقوم دولة فلسطينية تخدم مصالحهم وتستهلك بضائعهم وتوفر لهم عمالة رخيصة تماما مثل المكسيك للولايات المتحدة. إن السلام الذي ترغبه (إسرائيل) ويدعمه الغرب هو مثل السلام الذي اقترحته جنوب أفريقيا في الستينات وحاولت فرضه على الأفارقة.

* سؤالي الأخير: إلى أين ترى العالم العربي يتجه؟

 إنه لن يستمر طويلا. لم يبق أمام العرب، الشرق الأوسط اجمالا، غير 50عاماً للبحث الجاد في ظروفهم والعمل لأن يكونوا فاعلين ويكونوا نظاماً حراً. انهم لا يقومون بذلك. في الواقع، إنهم يفعلون العكس. عندما تنتهي الحاجة من الطاقة فإن العالم العربي سيعيش تجربة اقرب ما يمكن وصفها هو مذبحة.. لابد من تغيير الأوضاع حالا وهذا يتطلب تغيير أنظمة وحكومات. هذا يعني اعطاء الناس حريات من كل أنواع الكبت. هذا يعني إعطاء المرأة حريتها.. هناك ثورات لابد أن تقوم وتغيير اجتماعي كبير مطلوب وهذا لابد أن يتم خلال قرن واحد وإلا فإنني اصدق القول عندما أظن أن العالم العربي من غير البدء في التغيير قد لا يكون قائماً في نهاية القرن. انه يتطلب تعاوناً آسيوياً عربياً، وعربياً غربياً والمهمة صعبة جداً ولكنها ممكنة

إنقر هنا لمطالعة الجزء الأول من الحوار مع المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي