تنتشر الأزمات الاقتصادية في الدول المتاخمة لإسرائيل، وهو ما يزيد احتمالية حدوث سلسلة ردود أفعال من الحرب مع حماس، وقد يؤدي ذلك إلى تدهور الوضع المالي في مصر والأردن ولبنان، وسيخلق مشكلات أبعد من ذلك بكثير.
تواجه الدول الثلاث ضغوطا اقتصادية عدة، الأمر الذي دفع صندوق النقد الدولي إلى التحذير في تقريره الصادر في سبتمبر الماضي من أنها قد تفقد “استقرارها الاجتماعي والسياسي”.
جاء هذا التحذير قبل فترة وجيزة من هجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر، ما أدى لنشوب حرب قد تتسبب بسهولة في فوضى اقتصادية من المرجح أن يحتاج الرئيس جو بايدن والاتحاد الأوروبي إلى معالجتها. بدأ زعماء العالم ومحللو السياسات يدركون التداعيات المحتملة.
إدارة بايدن ملتزمة بمنع اتساع نطاق الحرب بين إسرائيل وحماس، لكن الصراع قد يؤدي لتضخيم الضغوط الاقتصادية وربما يتسبب في انهيار حكومات.
إذا استمرت الفوضى دون رادع، قد تنتشر عبر منطقة حيوية لإمدادات النفط العالمية، وسيؤثر ذلك على جميع أنحاء العالم.
وقال كريستوفر سويفت، المحامي الدولي والمسؤول السابق في وزارة الخزانة الأمريكية، “كلما زادت الأمور غير المستقرة اقتصاديا، كلما كان من الأسهل على الجهات الفاعلة السيئة في المنطقة إثارة الوضع. فكرة فصل السياسة عن الاقتصاد فكرة بعيدة المنال إلى حد ما، بل وقصيرة النظر، وساذجة، فالسياسة والاقتصاد والأمن أمور تسير جنبا إلى جنب بشكل وثيق للغاية.”
حذر رئيس البنك الدولي، أجاي بانغا، في مؤتمر عقد بالسعودية هذا الأسبوع من أن الحرب تضع التنمية الاقتصادية في “منعطف خطير”.
الوضع المالي خطير لدرجة أن شارل ميشيل، رئيس المجلس الأوروبي، التقى مسؤولي صندوق النقد الدولي، يوم “الخميس” الماضي، وأخبرهم أنهم بحاجة لبذل المزيد من الجهد لدعم الحكومة المصرية، التي قال إنها تتعرض لضغوط بسبب احتمال تدفق المهاجرين عليها القادمين من قطاع غزة، وكذلك الفارين من الحرب الأهلية في السودان.
وقال ميشيل للصحفيين بعد ذلك “دعونا ندعم مصر، فإنها بحاجة لدعمنا، ونحن بحاجة لدعمها.”
يرفض الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي استقبال أي لاجئين فلسطينيين خشية رغبة إسرائيل في طرد الفلسطينيين من أرضهم بشكل دائم، وإلغاء المطالب الفلسطينية بإقامة دولة.
وقال الرئيس المصري إن النزوح الجماعي لسكان غزة قد يؤدي لخطر جلب المسلحين إلى شبه جزيرة سيناء.
نزح أكثر من مليون شخص بالفعل داخل غزة، ويلوح خطر تصعيد الحرب في الأفق مع الاشتباكات الدائرة على طول الحدود اللبنانية-الإسرائيلية بين الجيش الإسرائيلي ومسلحي حزب الله.
خلص صندوق النقد الدولي في إبريل الماضي إلى أن احتياجات مصر التمويلية لهذا العام تساوي 35 بالمائة من ناتجها المحلي الإجمالي.
خفضت وكالة (موديز) تصنيف الديون المصرية – التي كانت في وضع مزر بالفعل- في الخامس من أكتوبر الجاري.
جاء هذا التخفيض في ظل فشل جهود سابقة لمساعدة الاقتصاد المصري، والذي كان مثقلا بديون تبلغ نحو 160 مليار دولار حتى نهاية العام الماضي.
من الانتكاسات الكبرى المحتملة لمصر والناجمة عن الحرب بين إسرائيل وحماس هي فقدان السياح الذين يسعون لاستكشاف الأهرامات وتاريخ البلاد الفرعوني.
السياحة أحد القطاعات الاقتصادية الرائدة في مصر، وتوفر – إلى جانب الاستثمار الأجنبي إمكانية الوصول إلى بقية الاقتصاد العالمي.
بينما يواجه الأردن صعوبات بسبب تباطؤ نموه الاقتصادي، وانخفاض الاستثمار الأجنبي هناك، بحسب صندوق النقد الدولي.
لكن توقعات ديون الأردن أفضل من مصر، ومعدلات البطالة هناك تتحاوز 10 بالمائة، حسبما تقول شركة (فاكت ست) المزودة للبيانات المالية.
وقال البنك الدولي إن حجم الاقتصاد اللبناني انكمش بأكثر من النصف في الفترة من 2019 إلى 2021.
ترتبط العملة اللبنانية بالدولار الأمريكي منذ عام 1997، وكان الدولار الواحد يبلغ 1500 ليرة لبنانية، لكنه يتداول الآن بحوالي 90 ألف ليرة.
في حين لجأت العديد من الشركات لفرض رسوم بالدولار، شهد الموظفون العموميون الذين ما زالوا يتقاضون أجورهم بالليرة وانهيار قوتهم الشرائية، حيث يعتمد الكثيرون الآن على التحويلات المالية من أقاربهم في الخارج.
وتوصل قادة لبنان إلى اتفاق مبدئي مع صندوق النقد الدولي في أبريل عام 2022 بشأن حزمة إنقاذ، لكنهم لم ينفذوا معظم الإصلاحات المطلوبة لوضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق.
وحذر صندوق النقد في تقرير هذا العام من أنه بدون هذه الإصلاحات، قد يصل الدين العام في لبنان إلى ما يقرب من 550 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي.
قبل الحرب الدائرة بين إسرائيل وحماس، أشار بعض المسؤولين إلى انتعاش صناعة السياحة في لبنان باعتبارها شريان الحياة الاقتصادي.
لكن مع تهديد امتداد الصراع إلى كافة انحاء لبنان، مع وقوع اشتباكات منتظمة صغيرة بين حزب الله والقوات الإسرائيلية على الحدود الجنوبية للبلاد، وحذرت سفارات أجنبية مواطنيها من السفر للبنان وألغت شركات طيران رحلاتها إلى هناك.
المصدر: البيان