عالمة سعودية
كان يوم الإثنين الماضي يوماً مختلفاً لمرشح الحزب الجمهوري وحاكم ولاية أوهايو جون كيسك، عندما وقع في زخم حماسه أثناء حديثه لناخبيه وداعميه في زلة لسان كلفته الكثير.
لم تكن زلة اللسان تلك عن حدث سياسي، وإنما كانت عن المرأة، فقد قال لناخبيه سعيداً بحضورهم: «يوجد لدينا حشد كبير من الداعمين، وحتى النساء تركن مطابخهن ليأتين للتصويت لي».
بعد هذه الجملة قامت إحدى النساء وقاطعته قائلة: «على رغم أنني أتيت للتصويت لك، إلا أنني لم آتِ من المطبخ كما ذكرت».
حاول كيسك تدارك خطأ مغزى جملته بطريقة دبلوماسية والخروج بأقل الأضرار، إلا أن منظمات الدفاع عن حقوق المرأة في أميركا، أقامت الدنيا ولم تقعدها، وأصبحت جملة كيسك، التي اعتبرت أنها تتضمن عنصرية مغلّفة ضد المرأة خبراً عاجلاً، انتشر على معظم القنوات التلفزيونية الأميركية، وغطته كبرى وسائل الإعلام تحليلاً ونقداً، ما دفع كيسك إلى الاعتذار بشكل صريح عن جملته، وأوضح أنه لم يكن يقصد أبداً الإساءة للمرأة أو التقليل من شأنها من قريب أو من بعيد.
مما لا شك فيه، أن ما حدث ينطوي على دلالات عدة وأهمها: أن العنصرية ضد المرأة أو اختزال دورها ومعاناتها المستمرة في الوصول إلى حقوقها كاملة، أمرٌ باقٍ ومتأصل في أكثر المجتمعات وبين العديد من الأطياف. وإن كانت تعتقد العديد من الدول المتقدمة أنها تجاوزته من خلال سنّ القوانين المدنية الحديثة التي تضمن القضاء على العنصرية وضمان معاملة عادلة للمرأة.
هذا على الأقل من الظاهر، أما في حقيقة الأمر فالمرأة مازالت تعاني حتى في أكثر المجتمعات تقدماً ومازالت تواجه تحديات متواصلة للقضاء على الصورة النمطية والنظرة الدونية لها. وهذا شيء تعلمه وتقرُّه كل امرأة وصلت إلى مراحل قيادية لديهم.
على سبيل المثال، في أكثر المجالات انفتاحاً على مشاركة المرأة وهو مجال العلم والطب، ما زال يعتلي المرأة سقف زجاجي وضعه المجتمع العلمي فوقها، وقلة هن تلك النساء اللاتي تمكن من تهشيم ذلك السقف.
العديد من العالمات والباحثات في المجال العلمي في أميركا اعترفن أنهن في بداية مشوارهن العلمي اضطررن لنشر أبحاثهن العلمية تحت أسمائهن العائلية الأخيرة، والحرف الأول من أسمائهن الأولى، حتى لا يستدل عليهن بأنهن نساء، لأن نسبة الرفض للبحث العلمي بعد التدقيق تزيد عندما تكون رئيسة الفريق العلمي امرأة.
لكن بعد أن تصل أبحاثهن إلى مستوى عالمي يبدأن بالإفصاح عن أسمائهن كاملة.
قد يعتقد البعض أني أبالغ، ولكن اعترافات تلك العالمات موثقة في مجلات علمية عدة. ويطالبن تلك العالمات اللاتي استطعن تهشيم السقف الزجاجي، بأن يُنظر للبحث العلمي نظرة مجردة، خالية من العنصرية ضد المرأة.
أيضاً في مجال الطب لديهم، تجد أن متطلبات وصول المرأة إلى كرسي رئاسة أحد الأقسام الطبية تعني جهداً مضاعفاً وسنوات طويلة من الخبرة قد تصل إلى ضعف سنوات الخبرة المطلوبة من الرجل، ناهيك عن التفاوت الكبير في الأجر الذي تتقاضاه المرأة للقيام بالعمل نفسه الذي يؤديه نظيرها. ما جعل السيدة هيلاري كلنتون تضع أحد شعارات حملتها الانتخابية هي المساواة في الأجر (الراتب الشهري) بين الرجل والمرأة.
المشكلة الحقيقية أن هذا التمييز ضد المرأة لا يقتصر على الرجل فقط، وإنما يمتد للمرأة ذاتها، فقد تجد العديد من النساء ينظرن لأنفسهن بنظرة تفتقد للثقة، وقد تصل إلى أن المرأة تحارب المرأة عوضاً من أن تقف بجانب بنات جنسها وتدفعهن للتقدم، وهذا ما دعا مادلين أولبرايت لإطلاق مقولتها الشهيرة: «إن هناك مكاناً في جهنم لكل امرأة لا تساعد امرأة أخرى».
ديننا الإسلامي كرّم المرأة، ورفع مكانتها، وآمن بمقدرتها، وأقرّها قبل أن تقرّها الدول المتقدمة.
كيف لا وهو الذي ساواها في الثواب والعقاب مع الرجل. كيف نُشكك في قدرة المرأة على القيادة واتخاذ القرار ولنا مثال رائع عن دور المرأة مع بزوغ رسالة الإسلام، فالسيدة خديجة كانت سيدة أعمال من الطراز الأول واستطاعت بحكمة رأيها ورجاحة عقلها أن تساند دعوة المصطفى صلى الله عليه وسلم، بمالها وإيمانها برسالته.
زخم الأمثلة على ذكاء وفطنة ورجاحة العقل لدى نساء العرب والمسلمين تحتاج إلى كتب كثيرة، لإنصاف أدوارهن القيادية، وما نراه اليوم من بعض القاصرين فكرياً والمنحرفين نفسياً من تنصيب أنفسهم مسؤولين عن المحافظة على الفضيلة عند المرأة، أمرٌ يجب ألا نتوقف عنده كثيراً، لأن هؤلاء لا يشكلون أغلبية في المجتمع المسلم النبيل، الذي يؤمن بمكانة المرأة كأمٍّ وأخت وابنة وزوجة، وينادي بتفعيل دورها القيادي في المجتمع.
أختم بسؤال وجَّهَهُ لي أحد المثقفين الحاملين لدرجة الدكتوراه: «أنتي امرأة فلما تكتبين في الشأن السياسي ولا تتفرغين للشأن الاجتماعي؟». انتهى السؤال وأترك لكم مغزى السؤال والإجابة عنه!!
المؤكد أن العنصرية ضد المرأة موجودة في معظم المجتمعات، وأشبهها بالمرض الفايروسي الكامن، الذي تتفاوت ظهور أعراضه بحسب قدرة القوانين الصارمة في علاج تلك الأعراض. وكلما قلَّت جرعة العلاج، كلما ظهرت الأعراض بصورة أشد وأقوى!
المصدر: صحيفة الحياة