كاتب وسياسي يمني عمل سفيراً لليمن في عدة عواصم كان آخرها مدريد
في كل لقاء تجتمع فيه النخب بكافة توجهاتها الفكرية، تدور حوارات ونقاشات يغلب عليها المنحى النظري، مبتعدين عما يدور على الأرض، ومرد هذا عائد بطبيعة الحال إلى مستوى الوعي عند الأغلبية الساحقة من المواطنين، لذا نجد أن ارتفاع مستويات الوعي والتعليم في الدول الغربية بالذات تجبر ممثلي الناخبين؛ سواء أكانوا في الحكومات أو المجالس النيابية، على زيارة دوائرهم الانتخابية بصورة منتظمة ويلتقون بمن منحوهم الثقة للوصول إلى المواقع التي يحتلونها والاقتراب من الواقع مباشرة دون وسطاء، ينقلون ما يريح الأعصاب لأصحاب القرار حتى إن لم يكن حقيقيا، والواقع أن تفشي قلة الوعي السياسي والتفكير المتعمق في القضايا بدون تجميل وتلمسها في منبعها يجعل الفجوة عميقة بين أغلبية المواطنين وبين المؤسسات الرسمية ويستدعي ردمها عملا جادا يشعر معه الناس بمصداقية وصدق القائمين عليها ورغبتهم في الإنجاز، ومن غير المفاجئ أن المواطنين في كل دول العالم لا يثقون كثيرا بما تقوله الحكومات بل إنهم يميلون طبيعيا لكل من ينتقدها ويشكك في إنجازاتها ــ إن وجدت، ولنقض هذه الصورة النمطية يكون من الواجب اختيار من يثق بهم الناس أولا ولم يصبهم وحل الفساد.
إن شرعية الحكومات في العالم يمكن انتزاعها عبر وسائل متعددة، فإما مشروعية وطنية تستند إلى رضا المواطنين بالحاكم ومنجزاته التاريخية عموما والاقتصادية تحديدا، وقد تكون عبر انتخابات مقنعة للناخبين، وربما يكون انتقال السلطة بوسائل غير دستورية مقبولا أيضا إذا كان الهدف هو تصحيح مسار قائم لا يسمح بتحقيق استقرار ولا إنجاز مهام وطنية، وفي العالم العربي نماذج مختلفة تنطبق عليها الصور السابقة وتزداد الفجوة اتساعا عندما يصير الحكم هدفا بحد ذاته دون رؤية تجمع الناس على الحد الأدنى من التوافق، فالمواطن العادي الذي لا يستوعب وعيه التفاصيل ولا يهتم بها يظهر احترامه وتقديره لمن يوفر له الغذاء ويمنحه أمنا مستداما، وما عدا ذلك فالمسألة عنده ليست أكثر من ترف لا يلتفت إليه ولا يقيم له وزنا عند تقييمه لأداء الجهاز الحكومي.
تجاهد الحكومات عادة لتوفير الحد الأدنى من الخدمات التي تجعل المواطنين يثقون بها ويمنحونها تقديرهم، ولا يكتفى الناس بإعلانات وتصريحات هدفها التخدير المؤقت؛ وهو أمر تلجأ اليها الأحزاب إما لكسب أصوات تختزنها لمعركة انتخابية قادمة أو للتشكيك في نزاهة وقدرة حكومة قائمة، ولا يمكن لمثل هذه الأساليب أن تنجح حتى مع تدني الوعي لأن الأمر متعلق بقضايا يتعايش معها الناس بصورة مستدامة ترتبط بحاضرهم ومستقبلهم إن تمكنوا من التفكير به.
جمعتني لقاءات بعدد من المسؤولين اليمنيين، وكان من المنطقي الحديث عن العتب الذي يبديه بعض المواطنين نتيجة ما يقدرون أنه تقصير حكومي في المناطق التي يُفترض أنها صارت تحت سيطرة الحكومة لحل معاناتهم اليومية والقصور في الخدمات، وفوق هذه وتلك عدم استلام مرتباتهم في مناطق كثيرة منذ أكثر من سبعة أشهر، وخصوصا في المحافظات التي يسيطر عليها الانقلابيون، والعدالة تقتضي القول إن جزءا من المبررات التي سمعتها يمكن الاتفاق عليها، لكن هذا الأمر لا يعني المواطن البسيط الذي لا يهمه نوعية الحكم ولا صفات الحاكم إلا بالقدر الذي ستتوافر له فيه مقومات القدرة على مواجهة متطلبات حياته وأسرته.
أعترف أنني أميل دائما إلى وجوب التمسك بالحلول التي تخفف من معاناة الناس المتفاقمة كل ساعة، حتى إن كانت تثير شكوكا حول الحكومة (الشرعية)، ولكن المطلوب منها ومن الانقلابيين إيجاد مخارج وهي كثيرة لتجنيب الغالبية العظمى من اليمنيين أثمانا باهظة يتحملونها منذ بدأت مغامرات (أنصار الله – الحوثيين) العبثية في اجتياح البلاد.
المصدر: عكاظ