كاتب وسياسي يمني عمل سفيراً لليمن في عدة عواصم كان آخرها مدريد
جاء حادث الاعتداء الجنوني على وزارة الدفاع، أهم مؤسسة أمنية في البلاد، دليل رخوة في الاستعداد، في وقت يعلم فيه الجميع مدى تغلغل العناصر الإرهابية في مفاصل المؤسسات المعنية بأمن الوطن، وكذا التهديدات من أطراف مسلحة كثيرة تريد إثبات وجودها، ولم يعد من المفيد بل صار معيبا استنساخ البيانات المثيرة للسخرية للحديث عن المؤامرة واستخدام مفردات الإدانة والتهديد باليد الحديدية.. هذه المرة تمت إضافة جديدة هي التلميح بأن هذه العمليات تهدف إلى عرقلة ما يجري في الـ«موفنبيك».
محاولة اقتحام وزارة الدفاع تأتي بعد أيام من اغتيال عبد الكريم جدبان، أحد قادة الحوثيين، أمام بوابة مسجد بعد صلاة العشاء، ثم اغتيال خبير عسكري روسي في وضح النهار، وقبل أشهر محاولة اقتحام مبنى الأمن القومي ومحاصرته، وقبلها حادثة اقتحام المعسكرات في شبوة وحضرموت. ومن المعيب أن التحقيقات فيها جميعا لم تصل إلى نتيجة مفيدة ولا إلى تغيير في أسلوب إدارة العملية الأمنية. فهل نحن أمام عمليات اغتيال واعتداءات على المؤسسات الأمنية لإحداث فراغ كامل يستطيعون من خلاله السيطرة على العاصمة لينطلقوا منها لتحقيق أهداف لن تزيد عن إثارة الرعب والفوضى؟ العملية الأخيرة تذكرني بحادثة اقتحام الكلية الفنية العسكرية منتصف السبعينات، والتي تزعمها شكري مصطفى، ولعلها تحمل نفس بصماتها وأسلوبها.
لا يتوقع أحد من الحكومة أن تقدم أكثر من بيان هزيل يدين ويشجب، لكن لا ينتظر منها فعل يعيد الطمأنينة إلى نفوس المواطنين الذين أنهكهم انفلات الأمن والخدمات والأحوال المعيشية، ويحدث كل هذا في حين لا تتوقف هي عن إثبات فشلها في تحقيق أي إنجاز طيلة عامين كاملين أصيب خلالهما الناس بالإحباط والمزيد من فقدان الأمل فيها. ولا يمكن أن نسمع عن وزير يمني عرف قدر نفسه وتنحى عن عمله لعجز في الأداء ينال من سمعته السياسية ويفقده الثقة المطلوبة في أي مسؤول.
في الجانب الآخر من العاصمة ما زالت التصريحات تنهمر على مسامعنا من الـ«موفنبيك» وعلى لسان عدد من المستشارين الذين تتلون مواقفهم باختلاف مواقعهم وتغير سادتهم، ونجد أنفسنا أمام مشهد لا ينبئ بمستقبل تمناه من خرجوا إلى ساحات التغيير على امتداد رقعة اليمن، بل إننا نلاحظ حالة من الحيرة تنتاب أذهان الجميع ولا يدري أحد من الذين آلت الأمور إليهم ما هي المخارج التي ينبغي البحث عنها وسبل الوصول إليها بأقل الخسائر. ومن المحزن أن جميع هؤلاء صاروا ينتظرون قدوم المبعوث الدولي كمن ينتظرون عودة المهدي المنتظر من غيبته ليهديهم سواء السبيل.
بعد أقل من 75 يوما تنتهي نظريا المرحلة الانتقالية، والتي تمت صياغة ملحق لوثيقتها الأصلية تحت اسم «الآلية التنفيذية المزمنة للمبادرة الخليجية»، والتي تعني لغويا أنها مرتبطة بزمن محدد، لكن الأحزاب التي وقعت عليهما بدأت تعلن أن المقصود بالمزمنة ليس الوقت ولكن تنفيذ مهام، وهو في نظري تلاعب بالألفاظ احتاجته الأحزاب لتبرير استمرار تقاسم السلطة كما كان الحال عليه منذ ديسمبر (كانون الأول) 2011 حين تشكلت ما سميت بحكومة الوفاق الوطني. أتفق مع الرأي القائل بأن البلاد يجب أن تحكم عبر التوافق الوطني بين القوى الرئيسة، لكن العامين الماضيين أثبتا فشل هذه الصيغة لأنها انشغلت بترتيب أوضاع خاصة لا علاقة لها بالمصلحة الوطنية والأوضاع العامة، ويكفي أن نوجه البصر إلى أي زاوية في البلاد لنكتشف مدى الانهيار في الخدمات الأساسية والغياب الفاضح في الأمن العام والذي تجلى في أبشع مظاهره باختطاف نجل أحد أبناء أكبر البيوتات التجارية في اليمن من أمام منزله وانتقال خاطفيه بالضحية لأكثر من 400 كيلومتر متجاوزين حواجز أمنية. ومن المثير للشفقة أن الحكومة اكتفت ببيان تنديد وتعاملت مع الأمر كطرف محايد في القضية.
لقد أدى اختناق مسيرة لقاءات الـ«موفنبيك» إلى تعطل كل محاور العمل، ولا يمكن الاعتداد بما يعلنه الفريق الإداري من إنجازات ليبرهن عن كفاءته وقدراته، فليس الدليل عدد الأوراق والوثائق التي تمت طباعتها، ولا يعلم أحد إن كان من الممكن الاستفادة منها أم لا في ظل الركود الواقع في أهم محور كان من الواجب تناوله بقدر أكبر من المسؤولية ومن دون الحاجة لاستخدام سياسات شراء الولاءات وتشتيت الجهود التي اعتاد أن يمارسها العهد السابق ولم يجن منها أي إيجابية. ومن المؤسف أن المستشارين الذين كانوا يروجون لهذه السياسات هم أنفسهم الذي يبررون ما يحدث الآن، بل ويبالغون في الحديث عن أهميتها.
حين أعلن السيد محمد علي أحمد انسحابه مع الجزء الأكبر من مكون الحراك الجنوبي، دخلت لقاءات الـ«موفنبيك» في حالة سبات عميق لا تقطعه إلا اجتماعات لجنة التوفيق التي تواصل أعمالها لتضيف وثائق وأوراقا ونصوصا لا أشك في أهميتها لكنها ستصبح عديمة الجدوى إذا لم يتم تدارك الانهيار – الذي كان متوقعا – في أعمال فريق القضية الجنوبية والذي جازف كثير من أعضائه بالمشاركة في لقاءات الـ«موفنبيك» وتعرضوا إلى الاتهامات من الشارع الجنوبي من جانب، وإلى الضغوط والإغراء في آن لقبول ما يريده المركز المقدس. وفي ظل هذه الأجواء المرتبكة بدأت بعض السفارات الغربية البحث عن صيغ لتحالفات مستقبلية بين أحزاب فرق الدهر بينها ولم يعد من الممكن استعادة الثقة بينها خصوصا أن الفجوة لا يمكن ردمها بحسن النوايا والتفاؤل.
في ظل هذه المشاهد المرعبة والمرتبكة، أخشى أن يتوهم البعض أن الأحداث الإرهابية الأخيرة والتدهور في الأوضاع المعيشية والاقتصادية يمكن مواجهة تحدياتها بالتمديد تحت أي يافطة، ويجب ألا تصبح تفسيرات المجتهدين الانتهازيين لما نصت عليه الآلية التنفيذية «المزمنة» خارجة عن النصوص الصريحة لها، ومن هنا يجب العودة إلى الدستور القائم ونصوصه والابتعاد عن الإعلانات الدستورية التي لا يجوز التعامل معها إلا في حالة الكوارث الوطنية، وإذا كان ذلك هو الحال الذي يراه الراغبون فما عليهم إلا الاعتراف بعجزهم طيلة عامين عن تحسين الأوضاع.
الارتباك الذي يعيشه المشهد السياسي ناتج عن حيرة الساسة الفاعلين.. فهم واقعون بين سندان الرغبة في استمرار الشراكة الحالية في الحكومة والاستفادة من ضرعها الجاف، ومطرقة حقائق الواقع التي أثبتت عدم قدرتهم على إنتاج أي فعل إيجابي.
في ظل كل هذا الارتباك والحيرة ما زال الرئيس هادي قادرا – حتى الآن – على استعادة توازن الأوضاع الداخلية، ولا شك أنه يدرك أين تكمن الخطوة الأولى التي يجب عليه اتخاذها، ويعلم أن استمرار العمل بالدستور القائم هو المدخل لتناول الحلول وتثبيت الأوضاع.. حينها ستتأسس مشروعيته الشعبية التي بها يستطيع مواجهة الانتهازيين الذين يعرفهم جيدا.
المصدر: الشرق الأوسط