عميد الدراسات العليا بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية - أبوظبي
انتشر مؤخراً خبر العرض الإيراني للتحاوُر مع دول مجلس التعاون الخليجي، وأنّ ثلاث دول قبلتْه ورفضتْه ثلاث. وفهمنا أن الجهات التي رفضته، أرادت أن تسبق التفاوُض إجراءات لبناء الثقة حيث الاعتداء الإيراني صريح لا خافية فيه؛ ومنه ارتهان لبنان برئاسته واستقراره، والتدخل في اليمن بدون داعٍ أو مسوِّغ، والاعتداءات على البحرين.
الدول الثلاث الراضية بالحوار دون شروط، لها أسبابها بالطبع، وقد يكون في هذه الأسباب ما يوضّح وجهة النظر التي تريد الذهاب إلى التفاوض مباشرةً. هم يقولون إن هناك وجهاً جديداً لإيران بدأ يبرز في تصرفات مسؤوليها، ولا بأس باستكشاف الأمر بالحضور على الطاولة وتقاسُم المصالح والأدوار، فلعلَّ وعسى أن يصغي الإيرانيون لأسلوب الدبلوماسية الفاعلة، التي تؤثر على الأرض، وليس في كواليس العلاقات الدولية فقط. إنّ هذا النمط من التفاوض أدَّى لحلّ بعض المشاكل، وإن يكن قد وصل لجمود في حالات أُخرى. وقد توصلت عُمان مع إيران إلى ترسيم للحدود البحرية قبل شهور. وكانت عُمان بطلبٍ من المملكة قد حاولت التوسط مع إيران قبل روحاني وبعده، لكنّ الإيرانيين ما أبدوا تجاوُباً.
أما قطر فكانت لها علاقات وثيقة بإيران والنظام السوري قبل 2011، ثم افترقت السُبُل حول الأزمة السورية، واختارت قطر الذهاب باتجاه تركيا، بينما حمل عليها الإيرانيون ونظام الأسد حملات شعواء بحجة دعم الإرهاب! ومنذ عام ونيف هناك مُهادنة حصلت بين الطرفين، بدليل توسط قطر في إطلاق وتبادل أسرى بين إيران والثوار السوريين وبين «حزب الله» والثوار. ويبدو أنّ العلاقات صارت من السلاسة بحيث يعتبر «ظريف» أنّ قطر صارت مؤهَّلةً للوساطة.
مبادرة الوساطة قدمتْها قطر، ورحّبت بها عُمان، ويقال إنّ الكويت بدت أقرب للترحيب. ووضع الكويت مع إيران حسّاس من حيث وجود أقلية شيعية قوية، لكنها مشهورة بالموالاة للأُسرة الحاكمة. بيد أن إيران ما غفرت للكويت وقوفها مع العراق في حرب الثماني سنوات، والتي «كوفئت» عليها الكويت بالغزو من جانب صدّام عام 1990! وعلى أي حال، ظلت الكويت طوال العقدين الماضيين تتقي شر عراق المالكي وإيران، وظلَّ المسؤولون الإيرانيون يأتون إليها. لكن رغم شدة هدوء الكويت بالداخل ومع إيران إنّ الإيرانيين ما توقفوا عن دعم نشاطات سرية إرهابية بالداخل الكويتي.
إن ما تريده دول الخليج الرافضة للحوار بدون شروط، أن تبدي إيران استعداداً حقيقياً لتغيير سياساتها التدخلية والعدوانية تجاه دول الخليج، وتجاه عرب المشرق واليمن. وهذا أمر ما حصل بعد، ويبدو أنه لن يحصل قريباً. والأدلة على ذلك لا تكاد تُحصى، ومنها: التفجيرات بالبحرين عندما كان «ظريف» ما يزال بالكويت وقطر يعرض علاقات حسن الجوار وعدم التدخل! والتنظيم السري بالكويت عندما كان ظريف يطلب تعاوُناً في مواجهة الإرهاب! واستمرار دعم الحوثيين في اليمن رغم أن مغامراتهم ظهر فشلُها المحتَّم، ثم المجازفات المفزعة في سوريا والعراق.
لابد من الخلاص من أَوهام اتقاء الشر، وأَوهام إظهار الضعف وانعدام الحيلة لكي تُشفقَ علينا إيران. التفاوض ضروري ولا نهاية للمصائب بدونه. لكن لابد من توافر الشروط التي ترجّح نجاحه.. فلا أحد يرأف بأحد لا يحترم نفسه وشعبه واستقلاله، وما دون ذلك أوهام في أَوهام!
المصدر: الاتحاد