كاتب وسياسي يمني عمل سفيراً لليمن في عدة عواصم كان آخرها مدريد
تعز هي أكبر حاضرة يمنية ينتشر أبناؤها في كل مدن وقرى اليمن وبها أكبر نسبة للمتعلمين ورجال الأعمال والصناعيين والحرفيين وموظفي الدولة والقطاع الخاص ودافعي الضرائب، وهي الأقل تواجدا في القطاعات العسكرية والأمنية، وكان من النادر مشاهدة السلاح في شوارعها وقراها، لكنها تحولت إلى ساحات قتال في كل ركن فيها، وتنازل الكثير من شبابها وكهولها عن أحلامهم وتفرغوا إما للبحث عن مورد للحياة أو الفرار من اقتتال أبناء الوطن الواحد، أو للمشاركة في الحرب العبثية التي فرضت عليهم.
عرضت محطة الـBBC أخيرا فيلما وثائقيا بعنوان (تعز بين المطرقة والسندان) وكان الصاعق فيه المشاهد المفزعة للأوضاع الإنسانية المزرية في المدينة وانهيار كافة المؤسسات الطبية وتوقف العمل في المدارس وانعدام موارد المياه، وأظهرت بعض اللقطات كيف صارت تعز التي يحلو لأبنائها تسميتها بـ(الحالمة) مدينة تسكنها الأشباح والمقاتلون.
منذ أكثر من 10 أشهر تستنجد تعز بالجميع لتجنيبها الاقتتال ثم لإنقاذها من الحصار الذي فرض عليها، وكان الجواب حينها أن استعادة عدن هو الخطوة الأولى للتحرك صوب تعز، وطال الانتظار وتمسك أبناؤها بالأمل الذي صار يبتعد عنهم، وكما في كل الحروب تشكلت مصالح لأفراد قليلين يرون فيها مصدرا للإثراء تصبح إطالة أمدها فرصة لن تتكرر.
قبل أسابيع كتبت هنا أن تعز هي المدخل لمصالحة وطنية، وما زلت مقتنعا أن رفع الحصار عنها سيفتح باب أمل ورجاء لهذه الدعوة، وليس من الإنسانية في شيء أن تتحول (الحالمة) التي تشكل الرافعة الوطنية شمالا وجنوبا إلى ورقة ابتزاز ومساومة، وما من تبرير لمثل هذا العمل اللا أخلاقي الذي يمارسه أبناء وطن واحد على شركائهم فيه.
اختارت صفاء الأحمد معدة الفيلم الوثائقي عنوانا له (تعز بين المطرقة والسندان) وهي الجملة التي صرخ بها أحد الأطباء الذين أصروا على البقاء تحت القصف لإنقاذ الجرحى من كل أطراف القتال وكان تعبيره محزنا حد البكاء، ولعل ما قاله حارس المستشفى عن رفضه القتال يشير إلى جانب آخر من حقيقة ما يجري في المدينة فعبر عن رفضه المشاركة فيه مرة أخرى لأن المواطنين – حسب قوله – صاروا وقودا لصراع لا علاقة له باستعادة السلام في تعز.
يشعر المرء بالحزن والقهر حين يدعو أبناء وطنه لرفع الحصار عن أشقائهم وكلنا نعلم أنه لن يدوم إلى الأبد ولكنه عمق جراحا لن يكون من السهل مداواتها، وسينشأ جيل لن يتذكر إلا منظر الدماء والدمار وحينها لن يجرؤ أحد على التفكير في وطن واحد ومواطنين أشقاء.
المصدر: صحيفة عكاظ