ريادة الأعمال: ربيع الشباب العربي! – سميح عبد الرحمن طوقان

أخبار

نسمع كثيرا هذه الأيام في الوطن العربي عن ريادة الأعمال “Entrepreneurship” وعن رواد الأعمال “Entrepreneurs” وعن مشاريع وأفكار كثيرة بدأت تظهر،منها ما يرى النور ويكبر ليصبح شركات ناجحة، ومنها ما يختفي عن شبكة رادار الأعمال بسرعة كبيرة وكأنه لم يكن. هل هي مجرد كلمات عابرة وفقاعة آنية لن تؤدي إلى نتيجة تذكر أم هي ثورة وربيع شباب عربي طموح يتطلع لمستقبل أفضل.

 هي بالتأكيد ليست فقاعة عابرة وكلمات بدون معنى وهي أيضا لم ترقى لتصل لثورة مجتمعية وربيع شبابي عربي مزدهر، لكنها بداية ونقطة إنطلاق قد تتحول إلى ثورة اقتصادية وعلمية تشكل حلولاً لمشاكل البطالة ولمستقبل أكثر ازدهاراً للشباب العربي، لكن بطبيعة الحال هي لن تصل إلى تلك المرحلة المتقدمة الا إذا تلقت الدعم اللازم والكافي من الجميع.

إن الوطن العربي بحاجة لخلق أكثر من ٢٢ ألف وظيفة يوميا لمواجهة بطالة الملايين خصوصا ضمن فئة الشباب الذين يشكلون الفئة الرئيسة والكبيرة من مكونات المجتمع. ما هي الحلول ؟ هل ستنجح حلول توظيف الشباب ضمن أجهزة الدولة المتضخمة أصلا أم سيستطيع القطاع الخاص التقليدي استيعاب هذه الأرقام المهولة؟  نحن بحاجة إلى حلول غير تقليدية وهذا ما توفره ريادة الأعمال والشركات الناشئة والصغيرة.

 إن أحد أهم أسباب نجاح الولايات المتحدة الأمريكية إقتصاديا وخلقها لملايين الوظائف هي دعمها لريادة الأعمال والشركات الصغيرة والمتوسطة فالشركات الناشئة والصغيرة في الولايات المتحدة توظف أكثر من نصف القوى العاملة هناك. أضف إلى ذلك فإن أهم موارد الإبداع والإختراعات هي الشركات الناشئة وخير أمثلة على ذلك شركات الانترنت مثل جوجل وأمازون وفيسبوك وغيرها والتي تحولت الى شركات عملاقة توظف عشرات الالاف من العاملين.

 إن سياسة الولايات المتحدة بفتح الباب أمام الشباب الأجانب للهجرة وبناء شركاتهم على أرض الولايات المتحدة مقابل ميزات قد تصل إلى منحهم الجنسية الأمريكية أثبتت نجاحها. هذه الإستراتيجية والإنفتاح الأمريكي نحو المهاجرين أدى إلى نتيجة مهمة حيث تبين الإحصائات أن ٢٥٪ من الشركات الأمريكية في مجال التكنولوجيا بين سنة ١٩٩٥ و ٢٠٠٥ تم إنشائها من قبل مهاجرين ولدوا خارج أمريكا وأن هذه الشركات حققت مبيعات بلغت ٥٢ بليون دولار ووظفت ٤٥٠ ألف موظف في سنة ٢٠٠٥ فقط. أضف إلى ما سبق أن أحد الحلول المطروحة لسد العجز في الوظائف الأمريكية اليوم هو فكرة السماح ل١٠٠ ألف طالب ومهاجر أجنبي جديد بالبقاء وإنشاء شركاتهم في أمريكا مما سيوفر أكثر من ٨ ملايين فرصة عمل أي بمعدل ٨٠ وظيفة لكل شركة.

والولايات المتحدة الأمريكية ليست المثال الوحيد في العالم فالنجاح الاقتصادي الكبير للبرازيل وتركيا يعود جزء كبير منه للشركات الناشئة والصغيرة والمتوسطة فمثلا في البرازيل توظف هذه الشركات ما نسبته ٩٦٪ من عدد العاملين الإجمالي. أما تركيا والتي وصل إقتصادها الى المرتبة ال١٦ عالميا فهناك إهتمام كبير بريادة الأعمال سواء من الشباب الذين يشكلون نسبة كبيرة من المجتمع أو من سياسات الحكومة الداعمة وتمويلها لرواد الأعمال أو من التعليم الجامعي في مجال ريادة الأعمال.

 نعم، فإن ريادة الأعمال وتشجيع الشباب على إنشاء شركاتهم قد يساهم بشكل كبير في خلق الآلاف بل الملايين من فرص العمل في الوطن العربي.  نحن لا تنقصنا الأموال لكن ما ينقصنا هو توجيه هذه الأموال نحو إستراتيجيات وحلول غير تقليدية لخلق فرص العمل ودعم الشباب.  لو تم فرضيا تخصيص ١٪ فقط من الميزانيات العربية نحو إنشاء صناديق تمويل لرواد الأعمال في قطاعات التكنولوجيا والقطاعات الأخرى لرأينا تحولا جذريا ً مهماً، وإزدياداً لأعداد الشركات الناشئة وبالتالي فرص العمل.

 إن تجربتي بانشاء شركة مكتوب مع شريكي حسام خوري في سنة ٢٠٠٠ وبيعها لشركة ياهوو العالمية في سنة ٢٠٠٩، لم تكن تجربة سهلة وأخذت من الجهد والوقت والمال الكثير حتى تم جني ثمارها بعد أكثر من عشر سنوات. لقد كانت التجربة مهمة جدا سواء لنا ولفريق العمل أو بالنسبة للشباب العربي عامةً، وخصوصا في مجال الأنترنت وتكنولوجيا المعلومات وذلك للأسباب التالية:

 -كان التمويل لمثل هذه المشاريع في تلك الأيام أمرا صعبا جدا ونجاح قصة مكتوب وعوائد الاستثمار عليها شجع الكثير من المستثمرين على زيادة الإستثمار في هذا القطاع في السنوات التي تلت الصفقة وبتقديري الشخصي فإن حجم التمويل لشركات التكنولوجيا الناشئة بين سنة ٢٠١٠ و ٢٠١٢ تعدى ٢٠٠ مليون دولار وهو رقم أعلى بعدة أضعاف من حجم الإستثمار خلال العشرة سنوات السابقة.

 -قامت شركة مكتوب بتوظيف أكثر من ٢٥٠ موظفاً وانبثق عنها عدة شركات حيث خرج منها موظفون وانشأوا شركات أخرى ويقدر عدد الموظفين الذين كان لهم علاقة بشركة مكتوب أو إحدى الشركات المنبثقة عنها أكثر من ١٥٠٠ موظف.

 -تمكنت شركة مكتوب من خلق منتج عربي وجلب استثمار أجنبي بملايين الدولارات تلاه استثمارات أجنبية بأكثر من ١٠٠ مليون دولار في الشركات المنبثقة عنها ومنها مجموعة جبار للإنترنت وشركة سوق.كوم على سبيل المثال.

 -لا يعتبر صغر حجم الدولة واقتصادها عائقا أمام رواد الأعمال.فالإنترنت تمكن رواد الأعمال في الدول الصغيرة من الوصول لأسواق أكبرسواء في المنطقة العربية أو العالم. وشركة مكتوب مثال واحد فقط على شركة نشأت في الأردن، والذي يعد صغير نسبيا من حيث عدد السكان وحجم الإقتصاد،  لكن تقدمه ملحوظ عربيا في مجال تكنولوجيا المعلومات ويقدم نموذجاً جيدا لإحتضان الشركات في هذا المجال قبل انطلاقها باتجاه الأسواق العربية والعالمية.

 -أخيراً وليس آخراً أعطت الصفقة دفعة معنوية هائلة للشباب العربي الطامح بتحويل أفكاره الى شركات تخلق وظائف عمل وتحقق الأرباح.

 ماذا نحتاج وكيف بإمكاننا تحويل نقطة الإنطلاق هذه إلى ثورة مجتمعية وربيع شباب عربي حقيقي ينقلنا من حقبة تسودها نسب بطالة مرتفعة إلى حقبة إيجابية يسودها الإبداع والنمو وخلق فرص العمل ؟

تاليا بعض الأفكار التي قد تساعد على تحقيق ذلك الهدف:

 الحكومات

 أولا : على الحكومات أن تعي أهمية دعم ريادة الأعمال ودعم الشركات الصغيرة وأن هذه الإستراتيجية هي من أهم حلول مشكلة البطالة ودفع عجلة الإقتصاد والإبداع.

 ثانيا : توفير التمويل اللازم ودعم إنشاء صناديق التمويل العامة والخاصة.  ما زال عدد هذه الصناديق في الوطن العربي قليل جدا وهي تتركز على دعم الشركات الناجحة أصلا لغرض تكبير أعمالها.

 ثالثا : توفير بيئة عمل وتشريعات تسهل انشاء الشركات ونموها وربما أفضل ما تستطيع الحكومات عمله هو عدم تدخلها ومراقبتها أو تقليل هذا التدخل إلى الحد الأدنى المطلوب.

 رابعا : إلغاء الضرائب على الشركات الناشئة وإيجاد آليات تحفيز لزيادة فرص العمل.

 خامسا : الانفتاح على جذب رواد الأعمال الأجانب وجذب العقول المهاجرة لفتح الشركات وتوفير فرص العمل للمواطنين والإستفادة من الخبرات الأجنبية في مجال التكنولوجيا وإدارة الأعمال . هذا وتعتبر الإمارات العربية المتحدة من أفضل الدول العربية من حيث توفير بيئة جيدة لجذب الأجانب لإنشاء الشركات.

 سادسا :  تشكل الثورة المعلوماتية والإنترنت وتطور تكنولوجيا الاتصالات فرصة كبيرة للشباب العربي لبناء شركات ومشاريع تتعدى الحدود الجغرافية وقد تصل الى السوق العالمي، وعلى الحكومات عدم وضع قوانين وعوائق تحدد من حرية تطوير المحتوى والخدمات وإبقاء الإنترنت بيئة حرة مفتوحة للتنافس والابداع.

 القطاع الخاص

أولا : زيادة الاستثمار في المشاريع الصغيرة وأفكار الشباب (Angel  Investing) وعدم وضع شروط تعجيزية لمصلحة المستثمر تحد من تحفيز الشباب وابداعهم.  وعلى المستثمر أن يعي بأن هذا النوع من الإستثمار له مخاطر فلذا عليه الإستثمار في عدة شركات والاستعداد للخسارة في بعض الاستثمارات وقد يكون الربح والتعويض من عدد قليل من الاستثمارات لكنه كافي لتعويض الخسائر الأخرى.

 ثانيا : إنشاء صناديق الاستثمار المخاطر (Venture Capital) وهذه الصناديق هي جزء مهم جدا لتطوير أعمال الشركات الناشئة وإعطائها التمويل الكافي لتكبير أعمالها ودخول أسواق جديدة وتوظيف عدد أكبر من العاملين.

 ثالثا : على الشركات الناجحة والكبيرة المسؤولية بدعم الشركات الناشئة والاستثمار مع الشباب تماما كما عليها مسؤولية دعم المجتمعات التي تحيط بها وتطويرها. وتعتبر مبادرة فادي غندور (مؤسس شركة أرامكس) “حركة المسؤولية الريادية للشركات” مبادرة مهمة جدا لدفع ثقافة دعم الشركات والمؤسسات لمبدأ الريادة من أجل خلق فرص عمل.

 رابعا : على رجال الأعمال والمستثمرين مشاركة العاملين في الشركات من خلال إعطاءهم أسهما أو حقوق للحصول على أسهم (Stock Options). هذه الشراكة تساعد على الإبداع وشعور الموظف بأنه صاحب عمل ويملك أسهما في الشركة. وكانت شركة مكتوب من أوائل الشركات التي طبقت هذه الاستراتيجية مما أدى إلى حصول الموظفيين على عدة ملايين من الدولارات كعائد عند بيع الشركة.

 الشباب والمجتمع

 أولا : على الشباب تجاوز حاجز الخوف والبدأ بتحقيق أحلامهم وتحويلها إلى شركات ومؤسسات وعدم الخوف من الفشل.  الفشل يكسب الخبرة ومن يفشل فعليه القيام مرة أخرى والبدأ من جديد حتى تحقيق النجاح.

 ثانيا : على الأهل والأقارب والأصدقاء تشجيع الشباب نحو ريادة الأعمال وعدم تخويفهم من الفشل ودعمهم معنويا وماليا إن أمكن.

 ثالثا : على الشباب أن يعوا أن ريادة الأعمال ليس بالطريق السهل بل هو طريق صعب يحتاج الكثير من العمل والمثابرة حتى الوصول إلى الهدف.

 رابعا : على الشباب أن يعملوا بروح الفريق وأن يبنوا شركات لا تعتمد على شخصهم بل مؤسسات مبنية على فرق عمل وكفاءات وإجراءات علمية وحوكمة وشفافية .

 خامسا : على الشباب أن لا يعيدوا بناء العجلة ويستفيدوا من خبرات من سبقهم في مختلف المجالات  وعليهم السماع للنصائح وتطبيقها بما يوفر عليهم الكثير من الجهد والمال.

 إن مستقبل الأمة العربية يعتمد على الشباب ولن يكون هناك مستقبل مشرق ومزدهر بدون شباب واعي وطموح ومنتج. الشباب العربي لديه من الأفكار والجهد الكثير لكنه بحاجة إلى دعم متواصل منا جميعا، وتهيئة بيئة فعالة ونظيفة وشفافة له، تمكنه من العمل لإخراجنا من واقع أليم إلى ربيع جميل!

 خاص لــ (الهتلان بوست)