بينما كانت لجنة القضايا الخارجية في مجلس النواب في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا منعقدة لسماع شهادة عن العلاقة بين الولايات المتحدة وقطر، كان وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، ووزير خارجية قطر محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، يبتسمان أمام الكاميرات، قبل اجتماعهما في وزارة الخارجية. وفي الوقت ذاته الذي كان تيلرسون وآل ثاني يتصافحان بسعادة، كان «الكونغرس» الأميركي يضع تقييماً لدور قطر متعددة الوجوه في الشرق الأوسط.
قطر تقوض القاعدة الأساسية التي تؤكد على «المصالح المشتركة» بين الولايات المتحدة و55 دولة ذات غالبية إسلامية خاطبها الرئيس ترامب خلال زيارته للرياض في مايو الماضي.
يسهم الدعم القطري للجماعات الإرهابية في تقويض الدول المجاورة وتخويفها، وتسميم عقول الأجيال القادمة من الشباب العربي، ويمنع قيام أي اعتدال فلسطيني، ويقلل احتمال رؤية السلام وقد تحقق بين إسرائيل والدول المجاورة لها.
تشكل علاقات قطر مع إيران عقبة في وجه الجهود الأميركية لتقليص النفوذ الإيراني، وكبح جماح عدوان الملالي الإيرانيين في المنطقة، ومنع حصولهم على السلاح النووي.
وإذا كان هذا العرض للأحداث غير كافٍ، فيمكننا القول إنه في ذات اليوم استأجرت قطر شركة «افينيو ستراتيجيز غلوبال»، وهي شركة تعمل في مجال البحث عن النفوذ، وقام بتأسيسها المدير السابق لحملة الرئيس ترامب الانتخابية، كوري ليواندوفسكي (استقال ليواندوفسكي من الشركة في مايو، أي بعد ستة أشهر من تأسيس الشركة)، وذكرت صحيفة «نيويورك بوست»، الأسبوع الماضي، أنه حسب وثائق وزارة العدل، فإن الشركة تم تأسيسها من أجل «تقديم الأبحاث والعلاقات الحكومية وخدمات الاستشارات الاستراتيجية»، مقابل 150 ألف دولار شهرياً «يمكن أن تتضمن الاتصالات مع أعضاء (الكونغرس)، والموظفين فيه، ومسؤوليه التنفيذيين، ووسائل الإعلام، وأشخاص آخرين»، وبالتأكيد فإن قطر لها مصلحة في دفع الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتغيير لهجة كلامه بشأن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية، والأزمة القطرية، وأن يبعد دعمه عن المجموعة التي تقودها السعودية، والتي تقاطع قطر.
وفي شهر يونيو، أطلق ترامب تغريدة، قال فيها «خلال رحلتي الأخيرة إلى الشرق الأوسط، أكدت أنه لا يمكن أن يكون هناك تمويل للمتطرفين والإرهابيين، لكن قادة الدول الذين حضروا الاجتماع أشاروا جميعهم إلى قطر، فهي التي تقوم بذلك»، وتأمل قطر أن تتمكن من إقناع مستشاري الرئيس، والعاملين حوله، إضافة إلى أعضاء «الكونغرس»، بإعادة النظر في مواقفهم إزاء هذه الإمارة الصغيرة والثرية. وعندما اندلعت أزمة الخليج في الخامس من يونيو الماضي، ظلت تتأجج، حتى أصبحت شبيهة بالحرب الباردة، وليس هناك أي بوادر للتوصل إلى حل لها حتى الآن. ويصر جميع أطراف الأزمة على مواقفهم، حتى أنهم نقلوا زخم هذه الأزمة إلى خارج الشرق الأوسط، ووصلت إلى واشنطن. وهي تقدم مثالاً آخر، يظهر كيف أن إدارة ترامب باتت في خضم حرب حول العديد من القضايا المتعلقة بالسياسة الخارجية، والتي تتضمن إيران وإسرائيل وقطر.
وكانت عضو مجلس النواب، رئيسة اللجنة عن لجنة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في «الكونغرس» الأميركي، إيلينا روز ليهتينين، خلال جلسة اللجنة، بأن «نزاع قطر كان مناسبة قوية للحديث عن البيئة المتسامحة لهذه الإمارة الخليجية لتمويل الإرهاب، والعلاقات مع المجموعات الإسلامية المتطرفة».
قائمة مشكلات طويلة
وفي واقع الأمر، فإن قائمة المشكلات طويلة، إذ إن تمويل قطر، ودعمها لعدد كبير من الحركات الإسلامية والميليشيات، انكشف في المنطقة، وأصبح علنياً وفظيعاً ووقحاً خلال السنوات الأخيرة. ومن خلال تعاون بين عائلة آل ثاني الحاكمة في قطر وممولين قطريين أثرياء، أصبحت هذه الدولة الثرية تقدم الدعم لفروع تنظيمي «القاعدة» و«الإخوان المسلمين»، وحركتي «طالبان»، و«حماس»، إضافة إلى مجموعات أخرى سنية. وفي الوقت ذاته، فإنهم يواصلون استخدام قناة الجزيرة الإخبارية، المدعومة من قبل الحكومة، كمكبر صوت يصل صداه إلى شتى أنحاء العالم، للترويج للدعاية الإسلامية الأكثر تشدداً، حيث تروج للكراهية، والدعوة إلى إثارة عدم الاستقرار في شتى أنحاء المنطقة.
ويسهم هذا الدعم في تقويض الدول المجاورة وتخويفها، وتسميم عقول الأجيال القادمة من الشباب العربي، ويمنع قيام أي اعتدال فلسطيني، ويقلل احتمال رؤية السلام وقد تحقق بين إسرائيل والدول المجاورة لها، وهي تخدم خيارات الإسلاميين المتطرفين.
وترى الغالبية الحاكمة في الشرق الأوسط سلوك قطر الهدام باعتباره تهديداً أشد من تهديد «داعش» و«إيران». ولسوء الطالع، فإن سلوك قطر الذي يحمل وجوهاً عدة، يؤثر الآن بصورة عميقة في المنطقة. وعن طريق مشاركة إيران ووكلائها من المجموعات الشيعية، تتودد هذه الإمارة الصغيرة إلى العدو الرئيس الإقليمي، والمسبب الرئيس للقلق في العالم العربي. ونتيجة لذلك، فإن قطر تقوض القاعدة الأساسية التي تؤكد على «المصالح المشتركة» بين الولايات المتحدة و55 دولة ذات غالبية مسلمة، خاطبها الرئيس ترامب خلال زيارته للرياض في مايو الماضي.
وتشكل علاقات قطر مع إيران عقبات في وجه الجهود الأميركية لتقليص النفوذ الإيراني، وكبح جماح عدوان الملالي الإيرانيين في المنطقة، ومنع حصولهم على السلاح النووي. وتهدد الأزمة الخليجية الحالية بفك عرى مجلس التعاون الخليجي، الذي يعتبر شعلة استقرار في منطقة تتسم بالاضطرابات المتواصلة، والتي يوجد بها العديد من المصالح الأميركية.
وشكلت السعودية والإمارات العربية والبحرين وقطر والكويت وعمان مجلس التعاون الخليجي في مايو 1981 كدرع في وجه الحرب العراقية الإيرانية، وظل المجلس عقوداً عدة يمثل ما يمكن تسميته الحلفاء التقليديين لأميركا في المنطقة، وهم يعتمدون على الولايات المتحدة كضامن لأمن الخليج.
الخطر الإيراني
عندما بدأت أزمة الخليج، كان أول سؤال طرحته السعودية والإمارات مفاده ما إذا كان الخطر الذي تشكله إيران كافياً لجعل دول مجلس التعاون تتوحد في ما بينها. وكان الحفاظ على جبهة موحدة ضد نظام التوسع في طهران هو المحفز الرئيس لآراء الأطراف الذين أرادوا إنهاء الأزمة في أقرب وقت، والتركيز على القضايا الأخرى، لكن سواء أحببنا ذلك أو لم نحبه، فإن معظم حكومات الشرق الأوسط ترى وبوضوح أن سلوك قطر التخريبي هو تهديد على المدى القصير أكبر من تهديد «داعش» وإيران. وبناء عليه، سيكون من المرهق، بل ومضيعة للوقت، بذل الجهود لإقناع معظم حلفاء أميركا المحليين بأن مصالحهم ليست في مواصلة النزاع. وربما تساعد الأزمة بين دول الخليج وقطر في منح الرئيس ترامب الفرصة للضغط من أجل إحداث تغيير على طول الخطوط التي ناقشها في الرياض في مايو الماضي، لكن الأمر الأكثر أهمية هو بعث رسالة منسجمة إلى جميع أنحاء الإدارة الأميركية، والاعتراف بأن الأعمال كالمعتاد وببساطة لم تعد ملائمة في الشرق الأوسط.
المصدر: الإمارات اليوم