عبدالله الشويخ
عبدالله الشويخ
كاتب إماراتي

«طويل العمر..!»

آراء

تجلس إلى جواره، وتخاطبه بقولك: يا طويل العمر القضية أن كذا وكذا، فيجيبك: ولكن يا طويل العمر كان الأصل أن تفعل كذا وكذا، يستمر الحوار، أنت تقول طويل العمر، وهو يقول طويل العمر، تخرج من عنده سعيداً منشرحاً، تقول للناس إنهم يحبون أن نحدثهم كما يحدثوننا، وإنهم مستمعون جيدون، بعدها بساعات تصل إلى مكتبك، تتصل بك ذات الرداء الأسود، تقول لك إن الموظف الفلاني يريد مقابلتك لأمر يخصه، تقول لها عبارتك المعتادة: «إنتي ما تفهمين ولا شو؟»، تحاول تقليد خالد صالح في فيلمه الشهير، وترفع نبرة صوتك قائلاً: «هي فوضى؟ خليه يراجع مديره المباشر أول، وهذا الثور يرفعها لمدير الإدارة وبعدين حولولي الموضوع!».

في اليوم التالي تلتقي طويل العمر في فعالية ما، تقول له بأدب: مرحبا يا سيدي، فيرد عليك: يا سيدي لا تعرف كم السعادة التي أشعر بها حين أراك، تتبادلان أطراف الحديث، وبعد انقضائه تحاول تقبيل رأسه، فيرفع هامته لكي تتواجها، تصلك الرسالة تقول لزملائك الذين ينتظرون في الخارج إن «الحاجة مقضية»، وتحدثهم سعيداً عن تواضعه، وكيف أنه يعطيك الشعور بأن الجميع سواسية، تعود إلى الحي، يمر بك جارك الآسيوي يسلم عليك، تبدأ بالقلق! يعيد سلامه فتبدأ بالنرفزة، يريدني أن أرد عليه السلام! حتماً هناك وراءه شيء سيطلب مني التوسط لوظيفة لأخيه أو يطلب مني الحديث مع موظف البلدية لأمر يخصه، أنا أعرف هذه الألاعيب جيداً، لن أرد السلام عليه، إنه حتى لا سيتحق!

بعد أيام تذهب إلى مجلس طويل العمر يستقبلك القائمون عليه بالابتسامات والقهوة والهيل، تسلم عليه، يبتسم في وجهك ويخاطبك باسمك المجرد، تصلك الرسالة لنترك التعقيدات ونبسط الأمور، تنشرح معه، تحدثه عن همومك، يقول لك: لا تخش شيئاً، خير الله كثير، تخرج من المجلس ولم يستغرق مشوارك أكثر من دقائق، تعود إلى المكتب، تخبرك ذات الرداء الأسود بأن هناك مراجعاً ينتظرك، تقول لها: «جيد خليه ينتظر..!»، فأنت تعلم بأن هؤلاء الدهماء «ما ينعطون ويه»، يجب عليهم الانتظار قليلاً، بل كثيراً، ففن الإذلال له نتائج جميلة في تحطيم شخصياتهم حينما يأتون لطلباتهم المقرفة، هل يعتقد المراجعون أن لدينا معيناً لا ينضب من الموارد! يدخل المراجع، تتركه واقفاً، تكنيك أنا هنا وأنت هناك مهم جداً، عليك ألا تنسى أيضاً عبارة «هذي أوامر الحكومة»، ففيها إيحاءات قوية تصل إلى المراجعين بشكل واضح.

تتسوق في المساء، فتصادف مرور طويل العمر، يبتسم، ويلقي في أذنيك الكثير من العبارات الجميلة، ويسألك عن أبنائك واحداً واحداً، وعن أمك وجيرانك، تحمد الله على نعمته إذ رزقنا بهم، تفتح جوالك بعد قليل، تسب هذا، وتطعن في عرض هذا، وتسفّه رأي هذا، ثم تقول: كم أحب طويل العمر!

* * *

إذا كنا نحبهم فعلاً، كما نقول ونكرر دائماً، فلنتشبه بهم!

… هل هذا كثير؟

المصدر: الإمارات اليوم