كاتب وسياسي يمني عمل سفيراً لليمن في عدة عواصم كان آخرها مدريد
نعم
يعيش الرئيس عبد ربه منصور هادي منذ 21 فبراير (شباط) 2012 تحت مظلة مخاوف وشكوك كل الأطراف السياسية دونما استثناء، بما في ذلك أحزاب اللقاء المشترك الذي كان يقف في صف المعارضة وصار جزءا أصيلا من منظومة الحكم. ثم هناك قوى الحراك الجنوبي المنقسم إلى فصائل لا يعلم إلا الله والراسخون في العلم عددها وقياداتها ومشاريعها. وأيضا «أنصار الله» (كانوا يعرفون بالحوثيين) تيمنا بـ«حزب الله»؛ إذ إنهما يحملان ذات الشعارات القادمة من طهران، وتثبت الوقائع ارتباطهم بدوائر الحكم الإيرانية.
هذه الأطراف، بالإضافة إلى ممثلي الشباب والمرأة والمجتمع المدني، هم من سيشكلون قوام مؤتمر الحوار الوطني المزمع انعقاده في 18 مارس (آذار) 2013، وهو موعد إن تم فستكون له انعكاسات ودلالات عميقة؛ إذ هو اليوم الذي سالت فيه دماء شباب ساحة التغيير عام 2011.
ليس بمقدور الرئيس أن يتحمل العبء منفردا وإن كان مسنودا برغبة دولية في استقرار اليمن؛ لأن الأوضاع شديدة التعقيد والتشابك. ولعل تجربة الرئيس السابق علي عبد الله صالح ماثلة أمامه عندما أنهى حكمه بانعزاله عن القوى السياسية الفاعلة على الساحة الداخلية، وانكفائه على خلصاء من أصحاب المصالح الذاتية.
قدرة الرئيس هادي على الحفاظ على اليمن موحدا؛ صعبة للغاية، وإن لم تصبح عصية بعد. لقد أصدر بعض القرارات للتخفيف من حدة المزاج السائد في الجنوب، وأعلم أن تنفيذها الآن قد يسهم في خلق مناخ إيجابي.
النوايا الطيبة والآليات الحالية تجاوزتها التحديات الكبرى، وفي مقدمتها الصيغة التي سيكون عليها اليمن، وتحديدا شكل النظام السياسي، وسيكون مؤتمر الحوار الوطني هو الساحة التي سيعرض الجميع فيها توجهاتهم تجاه هذه القضية.
يقف الحزب الاشتراكي – حتى هذه اللحظة – منفردا بإعلان شكل النظام السياسي الذي يأمل التوافق عليه، بينما نجد أن المؤتمر الشعبي العام يمارس نفس السياسات القديمة بعدم إبداء رأي تجاه القضايا الوطنية الهامة، موكلا أمره إلى الرئيس السابق ليقرر ما يراه مناسبا له وللبلاد.
أما حزب الإصلاح فيراوح مكانه في ممارسة السياسات الغامضة تجاه القضايا المصيرية؛ كالفيدرالية والنظام البرلماني، وإن كان يصرح بأنه ملتزم بما يقرره اللقاء المشترك، وهو ما يتناقض مع إصرار الأحزاب المنضوية تحته على اختيار ممثليها، كل على حدة.. ما يشي بأن المواقف إزاء القضايا المصيرية ليست متفقة، ولا توافق عليها حتى هذه اللحظة.
هذه الصورة تجعل مهمة الرئيس هادي شديدة الحساسية، وحسنا سيفعل بأن يترأس مؤتمر الحوار الوطني كي يتمكن من توجيه مسارات الحوار نحو آفاق أكثر إيجابية، وهو ما سيتطلب منه بذل جهود مضاعفة والدخول في مفاوضات معقدة مع كل فصيل على حدة، ليصل إلى توافق وطني حول شكل الحكم والدستور القادم.
إذا استطاع الرئيس، بما له من سند دولي غير مسبوق وتوافق وطني حول شخصه، طرح رؤيته للمواطنين، وأن يبين لهم تصوراته للمخارج، فإنني على يقين بأن ذلك سيسهل كثيرا إيجاد المخارج الآمنة للمأزق اليمني.
إن من حق المواطنين على الرئيس، ومن واجبه تجاههم، أن يبدي لهم رأيه، ويعرض عليهم تصوراته. وهو ما سيكون موجها وإطارا واجبا للمؤتمر، الذي توجد أمامه فرصة تاريخية لإبعاد شبح التفكك عن اليمن، وانتشال اليمن من الهوة السحيقة التي ينزلق إليها دون كوابح. ولكن لتحقيق ذلك يجب مصارحة الناس بحقيقة الأمر، وما هي الحلول الممكنة على المدى القصير والمدى الطويل.
إذا استطاع الرئيس هادي جمع الناس حول رأيه وموقفه فلا شك أن اليمن سيخرج أكثر تماسكا، وحتما ستنتصر الحكمة اليمانية التي كانت هي المخرج من النكبات التي حاقت بالبلاد… دونما حاجة إلى المزيد من التدخلات الخارجية التي لا تبحث إلا عن مصالحها.
لا شك أن الرئيس عبد ربه منصور هادي يحمل كثيرا من النوايا الطيبة لانتزاع اليمن من هوة بلا قرار، لكن الحكمة المأثورة تقول: «إن الطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الحسنة».
الرئيس لا يستطيع تحقيق ذلك إلا بمساندة القوى التي ما زالت تتحكم بموجهات الأمور على الأرض، عليها أن تتخلى عن أنانيتها وضيق أفقها، وأن ترتفع وتسمو فوق النزعات الذاتية المدمرة. بغير ذلك لا الرئيس هادي ولا مجلس الأمن ولا مجلس التعاون الخليجي؛ قادرون على إنهاء محنتنا.
المصدر: صحيفة الشرق الأوسط