أن تأخذك شاشةٌ وعدة أزرار إلى فضاءٍ مفتوحٍ لا حدود له، لتجد فيه إجابةً لكل سؤال، وقصصاً حزينة تشبه قصصك، وشكاوى لا تختلف عن شكواك، فهذا ما يجعلك تضع كل ثقتك في الإنترنت، ليكون خيارك الأول الذي تلجأ إليه حين تنخر المعاناة في جسدك الضئيل، أو يراودك حلم الحصول على جسد مثالي لا يعاني ترهلات تثقل كاهلك أو كفة همومك.
حميات غذائية ووصفات طبية يتشاركها مرتادو الإنترنت، فيشخص كل منهم حالته بنفسه، ليؤكد الآخر معاناته من الأعراض نفسها، ويصف له الدواء الذي تناوله، فلا يتوانى الآخر عن خطف الوصفة الساحرة ليطبقها على نفسه دون اللجوء إلى طبيب مختص، ليقع ضحية لوصفة لا تناسبه، ويجد نفسه – في نهاية المطاف – بين فكي الموت.
«البيان» تواصلت مع المختصين في مجال الطب والتغذية، ليؤكدوا أن وصفات الـ «أونلاين» الصحية والطبية والحميات الغذائية قنابل موقوتة تهدد بالانفجار في أي لحظة، ليروح ضحيتها الكثيرون ممن يتبعونها بشكل أعمى.
كوارث
أكد العميد الدكتور علي سنجل، استشاري الأمراض الجلدية وعلوم الليزر ومدير إدارة الخدمات الطبية بشرطة دبي، أن وصفات الـ «أونلاين» كوارث حقيقية، لافتاً إلى أن التشخيص الذاتي مشكلة كبيرة، وقال: يستعين الكثيرون اليوم بالشبكة العنكبوتية في تشخيص حالاتهم، غير مدركين أنهم يرتكبون جريمة في حق أنفسهم، ومن خلال حصولهم على مواقع ومنتديات تتضمن حالات تحمل الأعراض نفسها، يتجهون فوراً للوصفات المعروضة على الإنترنت، اعتقاداً منهم بأنها الدواء الشافي والعلاج الذي سيخلصهم من معاناتهم.
وأضاف: للأسف، يقع الكثيرون فيما يسمى بـ«العلاج بالإيحاء» إذ تلعب مثل هذه الوصفات على عواطفهم، وتقنعهم بأنها الأفضل لهم، وخصوصاً حين تكون على هيئة مكملات غذائية، يتعاملون معها على أنها مواد طبيعية إن لم تُفِد فلن تضر.
مواقف مؤلمة
ومن خلال عمله، فوجئ الدكتور سنجل بحالات كثيرة وصلت إلى حدود الخطر، وعنها قال: فوجئت بحالات كثيرة تدهورت فيها صحة المرضى بسبب استعانتهم بوصفات الإنترنت الطبية، حتى تسبب لهم الأمر بأضرار بليغة، إذ زارتني أم مع رضيعتها وعمرها شهر واحد، وتعاني من تسلخات شديدة في منطقة الحفاظ، لدرجة لا يمكن السكوت عنها، وعلمتُ بعد ذلك أن الأم أخذت بإحدى الوصفات عبر الإنترنت واشترت لطفلتها دواءً يحتوي على الكورتيزون، ما تسبب لها بمشكلات خطرة، ووقتها قلت للأم بكل صرامة «أنتِ مجرمة ويجب أن تُطبق عليكِ عقوبة الإضرار بابنتك».
كما ذكر الدكتور سنجل موقفاً آخر، وقال: فوجئت في إحدى الفترات بتغير أسلوب زوجتي ومزاجها، ولاحظت أنها أصبحت شديدة العصبية بلا سبب، حتى سألتها ما إذا كانت تتناول أي أدوية، فاعترفت لي بأنها اشترت أحد منتجات التخسيس عبر الإنترنت على اعتبار أنه مكمل غذائي صحي يساعد على فقدان الوزن، وحين أخذتُ المنتج للتحليل، اكتشفت أنه ممنوع في الدولة لما له من آثار جانبية ومضاعفات خطرة.
90%
نصح الدكتور أشرف نظمي اختصاصي التغذية في ديوان وزارة الصحة مرتادي الإنترنت بعدم الأخذ بأي وصفة من أي موقع أو منتدى، لافتاً إلى أنها قد تتسبب في أضرار جسيمة فيما يتعلق بالصحة، وقال: للحصول على أي معلومة طبية يجب الاستعانة بالمواقع العلمية المعترف بها من قبل الحكومات أو الجامعات، لا سيما أنه من السهل اليوم أن ينشئ أي شخص موقعاً إلكترونياً وينشر من خلاله ما يريد نشره.
ولفت الدكتور نظمي إلى أن 90% من المعلومات الطبية المنشورة عبر الإنترنت يشوبها الخطأ، وأن خطورة الوصفات الطبية والحميات الغذائية قد تصل إلى ما نسبته 90%، لتهدد حياة الإنسان، وقال: يجب على من يرغب باتباع حمية غذائية أن يعي وضعه الصحي تماماً، وطبيعة جسمه ومواضع تراكم الدهون لديه، بالإضافة إلى أسلوب حياته، ومدى تناسب الحمية معه، لأن الاستخدام العشوائي لأي حمية قد يسبب مشكلات صحية كبيرة قد تصل أحياناً إلى فقدانه حياته.
وقابل الدكتور نظمي حالات صعبة كثيرة سببها الاستعانة بوصفات الـ«أونلاين»، لافتاً إلى أن الجهل وقلة الوعي هو السبب فيها.
المصدر: صحيفة البيان