الأربعاء ٠١ أغسطس ٢٠١٢
عندما سأل مذيع المحطة الأميركية «إي بي سي»، الصحافي البريطاني المخضرم روبرت فيسك، عما يحدث في مدينة حلب، أجاب بأن صديقة قالت له إن صديقة اتصلت بها من حلب، وكان صوتها يصعب أن تسمعه، ولم يكن ذلك بسبب أصوات إطلاق النار، بل لأنها كانت في مطعم وسط حلب وفيه صوت موسيقى في الخلفية. المعنى هنا أن قوات الحكومة تمسك بوسط المدينة، وأن الحياة فيها عادية، بخلاف كل الصور والتقارير وعشرات الآلاف الذين ينزحون من المدينة التي تدور فيها معارك من أعظم المعارك في تاريخ الثورة السورية. طبعا، هذا هراء لكن فيسك حر في التفتيش - كما يفعل منذ بداية الثورة - عن أعذار وأوصاف لدعم نظام الأسد، مختصرا انتفاضة السوريين بأنها بفعل جماعات سلفية و«القاعدة» وبدعم سعودي قطري. الحقيقة على الأرض أهم من شهادات صحافيين عواطفهم مع النظام السوري، وسيرى العالم أن حلب ستسقط في يد الثوار، وقوات النظام ستدحر، ثم ستلاحق وتحاصر في دمشق ثم يسقط النظام إلى غير رجعة. هذه حقائق الأرض وتطوراتها، وهي رغبة أغلبية السوريين، وليست مشروعا سعوديا أو غربيا. وما كتبه الزميل الأستاذ مشاري الذايدي، أمس عن باتريك سيل صحيح أيضا، باستثناء أن سيل يبقى مدافعا لينا عن نظام الأسد، وليس مستميتا من أجله مثل البعض الآخر. الذي حدث في منطقتنا كبير جدا، أكبر من…
الأحد ٢٩ يوليو ٢٠١٢
لا أستبعد أن بشار الأسد، في ظل ما ارتكبه من جرائم إبادة في معظم أنحاء سوريا، يتخيل أنه يستطيع غدا أن يرمي بمفتاح العاصمة، ويفر إلى اللاذقية، أو أي من مدن الشريط الساحلي المحمي بسلسلة جبلية في غرب البلاد، ويظن أنه يستطيع إقامة دويلته هناك ويستأنف نشاط. ليست مثل هذه الأفكار الحمقاء على رأس بشار الذي لم يتخذ قرارا واحدا صائبا في معالجة الثورة عليه. خطته الوحيدة كانت القوة، وبها أراد إخضاع 20 مليون سوري، وأن المدد الخارجي، الإيراني والروسي، سيحمي نظامه. بعد فشله عسكريا لم يتبق له سوى الهرب إما إلى روسيا، وإما إلى إيران، وإما إلى ما قد يعتبره ملاذه العائلي. وأمام حلمه بالملاذ العائلي المتواضع تحديان: اعتباره شخصا مطاردا سيباعد بينه وبين سكان هذه المناطق، من علويين ومسيحيين، لا يريدون تحمل أوزاره، ولا الدفاع عنه. والثاني، حتى لو كافأوه على أخطائه الشنيعة ومنحوه ملاذا ورأسوه عليهم، فكيف يمكن له أن يحمي هذه المناطق من عشرات الآلاف من الثوار الذين سيقتفون أثره ويطاردونه في أي اتجاه يذهب؟! إن ما تبقى من فلول جيشه - فضلا عن أن حرب عام ونصف العام أرهقتهم وجعلت معنوياتهم مهزومة - سيكون في موقف الضعيف أمام خصومه عددا وعدة. لقد تغيرت معادلة القوة، حتى الروس الذين كانوا يرفضون شجب استخدام القوة قبل ستة…
الثلاثاء ٢٤ يوليو ٢٠١٢
قبل الهجوم على بغداد في عام 2003 بلغ الضغط أشده على الرئيس العراقي حينها صدام حسين. كان من الواضح أن الهجوم الأميركي واقع، وهزيمة صدام أكيدة، وتقلصت خياراته إلى اثنين: الخروج أو القضاء عليه. للتاريخ، صدام اختار الأول، حيث وافق من خلال مبعوثه وسكرتيره الشخصي عبد حمود على التخلي عن الحكم وتجنيب العراق الحرب بوساطة مع القيادة الإماراتية. اجتمع القادة العرب في قمة شرم الشيخ، حيث رفض حينها الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى إدراج الحل الإماراتي، وانتفض رئيس الوفد العراقي بحجة أنه لا يمكن لصدام أن يستسلم. صدام في بغداد صار في موقف محرج وأخذته العزة، فتراجع عن الاتفاق وكان ما كان، ولو خرج لتغير تاريخ العراق من دون دماء. قبل أيام، ألقى السفير الروسي في باريس قنبلة عندما كشف عن أن الرئيس السوري بشار الأسد وافق على التنحي بصورة حضارية، ضمن اتفاق جنيف الذي طبخه المندوب الدولي كوفي أنان، إلا أن المتحدث الرسمي في دمشق سارع لينفي الرواية. ومن المؤكد أن السفير الروسي يدري الحقيقة، لأنه يعرف التفاصيل. وما سماه التنحي «بصورة حضارية»، الأرجح أنه كان يعني تذكرة سفر بلا عودة. ومن المفهوم أن ينفي بشار الرواية السر، لأن فضح الاتفاق قد يسبب انهيارا معنويا سريعا بين قواته وقياداته، إذا علموا أن الرجل الذي يدافعون عن جرائمه يخطط…