خالد الدخيل
خالد الدخيل
كاتب و محلل سياسي سعودي

أوباما أمام عاصفة أميركية!

الأحد ١٩ يوليو ٢٠١٥

بعد لحظات من توقيع الاتفاق النووي بين الدول 5+1 وإيران يوم الثلثاء الماضي انفجر جدل واسع، حاد أحياناً، داخل الولايات المتحدة بين مؤيد ومعارض. وبات من الواضح أن إدارة أوباما كانت تتوقع أن الاتفاق، بالصيغة التي انتهى إليها، سيكون موضوعاً لجدل حاد سينقسم الرأي العام إزاءه في شكل قد يؤثر سلباً في مآله في الكونغرس. لذلك، سارع الرئيس باراك أوباما إلى استباق الحدث بأن أعطى أولاً حديثاً مطولاً لصحيفة الـ «نيويورك تايمز» المؤيدة في اليوم نفسه، وبعد ساعات من إعلان الاتفاق. ثم في اليوم التالي، عقد مؤتمراً صحافياً طويلاً لتقديم مرافعة مفصلة عن الاتفاق كإنجاز كبير لمصلحة الأمن القومي الأميركي. وكان من الواضح في حملة الرئيس الإعلامية أن جانب الإنجاز الذي يشير إليه يتمحور حول مسألة واحدة، وهي أن الاتفاق يمنع إيران من إمكان امتلاك سلاح نووي. لم يفاجأ الرئيس ولا إدارته بكمّ الانتقادات التي وجهت للاتفاق، ولا للاستراتيجية التفاوضية التي اعتمدها، وبالتالي لأداء فريقه التفاوضي، منذ اللحظات الأولى التي أعقبت إعلان الاتفاق. لكن يبدو أن الرئيس فوجئ بحدة المعارضة أحياناً لما يعتبره هو إنجازاً ديبلوماسياً. وبرز ذلك في المواجهة التي حصلت في المؤتمر الصحافي بينه وبين مندوب محطة CBS الشهيرة ميجور غاريت، إذ اتهم غاريت الرئيس بأنه يحتفل بالاتفاق هنا في واشنطن غير آبه بمصير أربعة صحافيين أميركيين في…

ماذا بعد سعود الفيصل؟

الأحد ١٢ يوليو ٢٠١٥

تمثل وفاة الأمير سعود الفيصل علامة فارقة بالنسبة إلى السعودية. برحيل وزير الخارجية السابق تكون المملكة خسرت صوتاً كان يتمتع إقليمياً ودولياً بقبول واسع، واحترام كبير، وكسب ذلك ليس لأنه كان يمثل دولة إقليمية كبيرة فحسب، بل بشخصيته التي تميز بها، إذ عُرف عن سعود الفيصل ثلاثة أمور: تهذيب يتداخل مع ذكاء لماح، وصلابة موقف تعكس قناعة متجذرة، وقاموس يخلو من اللغو حتى في أصعب اللحظات. في عام 2009 تحدث سعود الفيصل من مكتبه في الرياض إلى صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، حينها كان أكمل 35 سنة في وزارة الخارجية. وقال عن هذه السنين للصحيفة الأميركية: «لم نعرف في كل ذلك الوقت لحظة فرح واحدة، كل ما رأيناه حتى الآن لحظات أزمات، ولحظات صراع». ثم أضاف: «كيف يمكن أن ترى لحظة سعادة في أي شيء يحدث حولك، ولديك شعب مثل الشعب الفلسطيني يعيش كما هي حالهم الآن». قال ذلك قبل ما يقرب من السنتين من انفجار الانتفاضات الشعبية في خمس دول عربية، وانزلاقها إلى حروب أهلية، وانهيار دول، واهتزاز عروش وأنظمة. خلال 40 سنة من العمل الدبلوماسي كان من نصيب سعود الفيصل أن يعمل في أكثر المنعطفات التاريخية دقة وخطورة من تاريخ المنطقة، بدأ عمله في الخارجية بعد أقل من ثلاثة أشهر من انفجار الحرب الأهلية اللبنانية صيف 1975. ثم توالت…

لماذا انفجرت الطائفية؟

الأحد ١٤ يونيو ٢٠١٥

يتأسس السؤال في عنوان هذه المقالة على ثلاث فرضيات. الأولى أن هناك طائفية يعترف بها الجميع. الثانية أن هذه الطائفية كانت ولا تزال جزءاً من البنية الاجتماعية والثقافية للمجتمعات العربية لقرون. من هنا يأتي السؤال: كيف ولماذا انفجرت الآن؟ وليس لماذا ظهرت أو نشأت؟ الثالثة أن بروز الطوائف عملية طبيعية في سياق تاريخ الأديان، وهي تعبر عن التعددية باعتبارها تقع في صلب التكوين الطبيعي للمجتمع الإنساني. ظهور الطوائف بهذا المعنى تعبير عن اختلاف في الرؤية والتصور والمصالح والقناعات ومستويات الفهم... إلخ، بين أبناء المجتمع الواحد. عندما ننظر إلى الموضوع من هذه الزاوية، نجد أن العوامل المسؤولة عن انفجار الطائفية في العالم العربي متعددة، ولا تتساوى في حجمها ووزن تأثيرها. لا يمكن والحال كذلك تناول كل هذه العوامل. ما هو ممكن تناول أهمها وأكثرها تأثيراً، وهي ثلاثة عوامل متداخلة: عامل الموروث والتأسيس، وقابلية الواقع العربي للتفجير، وأخيراً العامل الإيراني. ينتمي العامل الأول إلى المرحلة التأسيسية في تاريخ الإسلام، ويتبدى في أنه أسس للبنية الطائفية في المجتمعات العربية والإسلامية. لم يكن هذا هو الهدف، لكن هكذا جاءت النتيجة في نهاية المطاف. كانت البداية في السقيفة، حيث كان الخلاف السياسي الأول في الإسلام حول من يحق له أن يخلف الرسول في رئاسة الدولة والأمة الجديدة. حول هذا السؤال بدأ الخلاف بين الأنصار والمهاجرين،…

قلق مصري مثير للقلق

الأحد ٠٧ يونيو ٢٠١٥

حدث يوم الأحد الماضي أمر لافت في العلاقات السعودية- المصرية. في ذلك اليوم نشرت صحف سعودية ومصرية تقارير متشابهة التقت على تأكيد معنى واحد، وهو أنه لا يوجد خلاف بين الرياض والقاهرة في ما يتعلق باليمن وسورية. على العكس، هناك تطابق في رؤى ومواقف البلدين تجاه قضايا المنطقة. هذا ما جاء في صحيفة «الحياة»، و «المصري اليوم»، و «الشرق الأوسط». صحيفة «الأهرام» المصرية انتظرت إلى اليوم التالي (الإثنين) لتنشر تقريراً مشابهاً. على رغم اختلاف صيغ الخبر بين صحيفة وأخرى، إلا أن المصدر بدا واحداً، هو مؤتمر صحافي لوزير الخارجية السعودي عادل الجبير، مع نظيره، ومضيفه المصري سامح شكري في القاهرة. إلى هنا والأمر لم يخرج عن المألوف عربياً. لكن في اليوم نفسه خرجت صحيفة «الشروق» المصرية عن المألوف ونشرت تقريراً مغايراً تماماً لما جاء في تقارير الصحف المشار إليها. يقول عنوان التقرير «تصاعد التوتر المكتوم بين القاهرة والرياض بسبب إخوان اليمن وسورية». وفي عنوان جانبي، تقول الصحيفة: «إن السعودية تفتح الباب أمام وصول الإخوان للسلطة في اليمن... ومصر تعتبر ذلك خطاً أحمر». في التفاصيل تنقل «الشروق» عن «مصادر مصرية رسمية أن القاهرة أبلغت الرياض خشيتها من أن ما تصفه مصر بـ (المبالغة) في الانفتاح على أذرع جماعة الإخوان المسلمين في الدول العربية و «محاولة الاعتماد عليها لإنهاء الأزمة» في اليمن…

الطائفية تملأ فراغ المنطقة!

الأحد ٣١ مايو ٢٠١٥

تعرّض السعودية لتفجيرين إرهابيين خلال أقل من أسبوع، وفي هذه الأيام تحديداً، يغري بالتساؤل إن كانت وتيرة العودة لاستهدافها مباشرة قد بدأت. كانت السعودية هدفاً للإرهاب منذ منتصف تسعينات القرن الماضي. وحققت أجهزتها الأمنية نجاحاً باهراً في إفشال هذا الاستهداف. كيف تمكّن الإرهابيون هذه المرة من تفادي عيون الأمن السعودي؟ كان من أهم علامات نجاح هذا الأمن توجيه ضربات استباقية للخلايا الإرهابية قبل تمكنها من تنفيذ مخططاتها. لماذا لم يحصل الاستباق هذه المرة؟ هناك سؤال آخر: من حيث أن تفجيري القديح والدمام حصلا في المنطقة الشرقية، واستهدفا مواطنين شيعة تحديداً، فهل يعني هذا أن موجة التفجيرات الجديدة ستقتصر على المنطقة الشرقية؟ في الماضي القريب كان إرهاب «القاعدة»، أو الموجة الأولى، يتركز في المنطقة الوسطى، ويستهدف بشكل أساسي رجال الأمن والمؤسسات الأمنية. حصلت حينها تفجيرات ومحاولات تفجير في المنطقة الشرقية، لكنها جميعاً اقتصرت على المنشآت النفطية، ومواقع الأميركيين. هذا يتكامل مع الأول. الآن يبدو أن المواطنين الشيعة هم الهدف. ومع أن من المبكر استبعاد استهداف المنشآت النفطية مجدداً، أو تمدد الإرهاب إلى مناطق أخرى من السعودية، فإن هذه البداية تشير الى تحول في الظاهرة بين تسعينات القرن الماضي (الموجة الأولى) وبداية الألفية الثانية في المنطقة مع الغزو الأميركي للعراق (الموجة الثانية). أن تكون الدولة هي هدف الموجة الأولى، يشير إلى الجذر…

المشكلة في واشنطن وليس طهران!

الأحد ١٠ مايو ٢٠١٥

بما أن القمة الخليجية - الأميركية الأربعاء المقبل عن كل شيء يتعلق بإيران والخليج العربي، وامتداد ذلك في المشرق العربي، فلماذا أصبحت واشنطن، وليس الخليج العربي الرياض مثلاً، هي مكان انعقادها؟ انعقادها في واشنطن ينطوي على الرسالة التقليدية إياها: ليس من السهل ألا تكون الدولة الأعظم، صاحبة المظلة التي تحاول أن تجمع تحتها آمال ومخاوف دول المنطقة، بما في ذلك إيران، هي مكان لقمة. أما انعقادها في الرياض فكان سينطوي على رسالة مختلفة توازي في رمزيتها وآثارها التغيير الكبير الذي يطمح الرئيس باراك أوباما إلى إحداثه في السياسة الأميركية تجاه المنطقة. أترك هذه الملاحظة لأنتقل إلى موضوع القمة وقد تقرر انعقادها في العاصمة الأميركية. الرئيس أوباما هو الذي دعا إليها. ما الذي يطمح إلى تحقيقه منها؟ أن يبيع إلى دول الخليج اتفاقه النووي المتوقع مع إيران. لهذا السبب طغى على التغطية الإعلامية تركيز إدارة أوباما على أن القمة هي لطمأنة دول الخليج. لا ينبغي أن ينحصر الموقف الخليجي في القمة بموضوع التطمينات. مشكلة الخليج ليست في الاتفاق النووي، وإنما في السياسة التي تحاول إدارة أوباما تدشينها تجاه المنطقة انطلاقاً من هذا الاتفاق. هدف التنازلات التي قدمها أوباما لتسهيل الاتفاق والتأسيس لعلاقة مختلفة مع إيران. وكجزء من ذلك الاعتراف بدور إقليمي لإيران ضمن إطار تفاهم أميركي إيراني جديد - قديم. السؤال…

مواجهة الخطاب المذهبي

الأحد ٠٣ مايو ٢٠١٥

نجحت إيران في فرض خطاب مذهبي على المنطقة. كانت البداية بتبنيها مشروعاً مذهبياً، وتبعاً لذلك وتكاملاً معه تبني آلية الميليشيا المذهبية ذراعاً للمشروع. كلاهما، المشروع والآلية، أساس دور إيران الإقليمي. على الناحية الأخرى، وكما هو متوقع، استفز تمدد هذا الدور الطرف الآخر مذهبياً، فتكامل الفعل ورد الفعل في تناسل الميليشيات كبديل للدولة، وتفشي الخطاب المذهبي كبديل لخطاب الدولة. السؤال: لماذا نجحت إيران في فرض هذا الواقع المظلم على المنطقة؟ سأعود إلى هذا السؤال لاحقاً. قبل ذلك لا بد من تناول سؤال مهم طرحه داود الشريان يوم الأربعاء الماضي من وحي الواقع المظلم. يقول السؤال: هل نستمر (أمام هذا الواقع) في النقاش المذهبي أم نتوقف؟ هناك إجابتان وفق الشريان: الأولى تقول إن «الخوض في الصراع المذهبي هو خدمة لدول وأحزاب تدير الصراع بشعارات دينية»، وبالتالي المفترض «تفويت هذه الفرصة عليها، ولجم هذا النوع من النقاش». الإجابة الثانية ترى أن «المسيطرين على الساحات طائفيون، والتعفف عن الخوض في هذا النقاش ليس هو الحل. لا بد من تعرية القضية لدى الجانبين وصولاً إلى محاربتها ببديل». بمقارنته بين الإجابتين ينتهي الشريان إلى أن الإجابة الأولى هي الأفضل والأجدى. لماذا؟ لأننا «أمام عنفوان وسطوة أحزاب وجماعات وتيارات تقف خلفها دول وأجهزة استخبارات تسعى منذ عقود إلى تكريس الحس المذهبي والطائفي بين أبناء هذه المنطقة»، ولذلك…

إيران: التكفير المباشر والتكفير المستتر

الأحد ٢٦ أبريل ٢٠١٥

هناك تنظيمات سلفية جهادية مثل تنظيم الدولة (داعش) تتبنى نهج التكفير، وتعلن ذلك جهاراً نهاراً في حق المخالفين لها، سنة وشيعة. هذا بات معروفاً. ما ليس معروفاً تماماً هو ادعاء إيران أنها تحارب هؤلاء التكفيريين، ومعها يردد الأمين العام لـ «حزب الله» اللبناني، حسن نصر الله، أن حزبه منخرط في الحرب ذاتها. السؤال: ماذا لو أن الذي يدعي محاربة التكفيريين هو تكفيري أيضاً، وربما أشد وأغلظ في نهجه التكفيري، ويدير الحرب بآلية التفكير ذاتها؟ إيران وأذرعها، مثل نصر الله، تريد إقناع الرأي العام بعكس ذلك، لكن كل المعطيات المتوافرة تؤكد أنه إلى جانب تنظيمات السلفية الجهادية وغيرها من التنظيمات السنية، هناك في المقابل في ساحات الصراع ذاتها، مثل العراق وسورية ولبنان، تنظيمات شيعية، وكل منها يواجه الآخر من منطلقات مذهبية. ومن المعطيات أيضاً أن الدولة الإيرانية هي التي تتبنى الميليشيات الشيعية رسمياً، توجهها عقائدياً، وتديرها سياسياً، وتمولها مالياً، وتمدها وتدربها عسكرياً. وإذا كانت المذهبية والاصطفاف المذهبي الناجم عنها، إنما يعبران عن رؤية تكفيرية لدى جانب في الصراع (التنظيمات السنية)، فما الذي يمنع أن تعبر عن الشيء ذاته لدى الجانب الآخر (التنظيمات الشيعية)؟ المفترض أن الإجابة عن مثل هذا السؤال واضحة ولا تحتاج إلى كبير عناء لمعرفتها، لكن كما ذكرت في مقالة الأسبوع الماضي، يعتمد الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن…

نصرالله وإيران وعاصفة الحزم

الأحد ١٩ أبريل ٢٠١٥

لماذا يبدو الأمين العام لـ «حزب الله» اللبناني حسن نصرالله في حال غضب مكتوم يسيطر عليه، ويتخلله قلق حاد المزاج من تحالف عاصفة الحزم؟ العاصفة تحالف عربي يعمل على وضع حد لميليشيا تريد الاستيلاء على الدولة في منطقة بعيدة من الشام. يقع الحدث في جنوب الجزيرة العربية، وعلى بعد آلاف الكيلومترات من لبنان. «حزب الله» ميليشيا أخرى في الشام. ما شأن الميليشيا بسياسات الدول وتحالفاتها؟ لماذا يبدو «حزب الله» قلقاً على مصير ميليشيا أخرى في منطقة نائية؟ ما يفرض السؤال أن الأمين العام لم يترك شيئاً يؤكد أنه في حال توتر إلا وجاء على ذكره. خلال أسبوعين ألقى خطابين متتاليين عن عاصفة الحزم تميز كل منهما بخليط من العداء للسعودية، والشتيمة لها، والكذب في سرد الأحداث وسياقاتها، ومسبباتها. من يمثل «حزب الله» بمثل هذا الموقف؟ هو لا يمثل الدولة اللبنانية، ولا غالبية الشعب اللبناني. هل يمكن أن يكون بمثل هذا الخطاب المنفلت، والموقف المنفعل لا يمثل إلا نفسه أمام تحالف دول عربية في منطقة يفترض أنها تقع خارج مصلحته كميليشيا محلية؟ هذا السؤال تحديداً يستدعي التدقيق بأمانة وصدق في ما يقوله الأمين العام كرجل دين يمتهن السياسة. يقول نصرالله أنه يقف مع الشعب اليمني ضد السعودية. هذا حقه كفرد، لكن لماذا يبدو أنه وحزبه في حال قلق؟ هل يقف «نصرالله»…

عاصفة الحزم والاتفاق النووي

الأحد ١٢ أبريل ٢٠١٥

هناك ما يشبه الإجماع على أن انطلاق عاصفة الحزم قبل أيام من إعلان الاتفاق النووي مع إيران كان خطوة استباقية محسوبة للإمساك بتداعيات هذا الاتفاق في الجزيرة العربية والخليج العربي قبل أن تفرض مفاعيلها على دول المنطقة ككل. وهذا يؤكد أن القضية المركزية في الاتفاق هي قضية سياسية قبل أن تكون قضية تقنية. لماذا؟ لأسباب ثلاثة. الأول أن الاتفاق يمنع إيران من تصنيع سلاح نووي لمدة تتراوح بين 10 و15 سنة. وهذه فسحة زمنية كافية تسمح للدول العربية بالاندفاع لتطوير البنية التحتية وامتلاك المعرفة والتكنولوجيا النووية ليس فقط لأغراض سلمية، وإنما أيضاً لامتلاك القدرة على تصنيع سلاح نووي في حال تطلب الأمر ذلك. يمكن للدول العربية الاستفادة من النموذج الياباني بأن تكون عند حافة امتلاك خيار تصنيع السلاح النووي، وهو ما بات يعرف بـ «A Nuclear –Threshold State». طبعاً بإمكان السعودية ودول الخليج القبول بدلاً من ذلك بخيار «المظلة النووية» الأميركية. لكن هذا الخيار لم يعد متاحاً كما كان عليه قبل أكثر من ثلاثة عقود، فضلاً عن أنه سيضع قيوداً على حرية الإرادة السياسية للسعودية ودول الخليج، وعلى قدرتها على المناورة خارج إطار الحسابات والمصالح الأميركية. والاستقرار على أي من هذه الخيارات يتطلب قراراً سياسياً قبل أي شيء آخر. السبب الثاني أن التهديد الأخطر الذي تمثله إيران هو مشروعها الطائفي…

هل بدأ ترميم التوازنات من اليمن؟

الأحد ٢٩ مارس ٢٠١٥

إذا أردت أن تعرف وقع «عاصفة الحزم» في اليمن على من فوجئوا بها ويتخوفون منها، ومما يمكن أن تقود إليه، وما يمكن أن يتحقق بسببها في المنطقة فاستمع (لا تقرأ فقط) إلى ما قاله الأمين العام لـ «حزب الله» اللبناني، حسن نصرالله، مساء الجمعة الماضية. لا تنبع دلالة ما قاله من أهميته هو، وإنما مما يمثله كذراع إيرانية في المنطقة، وكمتحدث باسم النظام الإيراني في الشام. ثلاثة ملامح في كلمة نصرالله تعكس هذه الدلالة. الملمح الأول أن الكلمة جاءت سريعة، في اليوم الثاني من بدء العاصفة، وأن هذه العملية كانت الموضوع الوحيد لها. الملمح الثاني كان الحالة النفسية التي سيطرت على نصرالله وهو يلقي كلمته. منذ بدايتها كان يغالب بلسانه تجمع الزبد بين شفتيه، ما اضطره أكثر من مرة إلى تناول كأس الماء لـ «مقاومة وممانعة» جفاف في حلقه كان يفرض نفسه عليه. لم يحدث هذا من قبل في كل خطابات نصرالله، وهي خطابات كثيرة. أما الملمح الثالث، والأهم، فهو أن الكلمة كانت مرافعة طويلة ضد «عاصفة الحزم» وحتمية فشلها، ودفاعاً مستميتاً عن إيران، وعن براءتها. بدت إيران في كلمة الأمين العام جمعية خيرية، بل قل مكوناً فريداً من الملائكة يجوب المنطقة يحمل العسل والورد، والمن والسلوى، يوزعه على كل من هو في حاجة إليه. في المقابل تهجم نصرالله بأسلوب…

وهم الحل السياسي في سورية

الأحد ٢٢ مارس ٢٠١٥

هل هناك حل سياسي ممكن في سورية؟ السياسة هي فن الممكن، كما يقال. لكنها لا يمكن أن تكون كذلك من دون توافر شروطها ومعطياتها. هناك سؤال آخر: هل يمكن أن يكون هناك حل في سورية من دون حل في العراق؟ هذا مستحيل. فصلُ الحالين كان ممكناً بُعيد الاحتلال الأميركي للعراق ومع بدايات الثورة السورية. أما الآن فقد تداخلت وتعقدت علاقة الارتباط الشرطي بين الحالين. إيران هي اللاعب الرئيسي في العراق وسورية. تقاتل في كلا البلدين بأموالها وأسلحتها واستخباراتها وجنرالاتها. الميليشيات التي تقاتل في العراق، خصوصاً الشيعية منها، هي نفسها التي تقاتل في سورية. هدف إيران في كليهما واحد: الإبقاء على حكومة شيعية في العراق، وعلى بشار الأسد العلوي في سورية. ما يعني أن مصلحة إيران في إيجاد حل سياسي في سورية مرتبطة عضوياً بحل سياسي في العراق، والعكس صحيح. معطيات المشهد تقول أن العرب وأميركا يحاربون - بالنيابة عن إيران - الميليشيات السُنّية في العراق وسورية، ويلتزمون الصمت إزاء الميليشيات الشيعية المنتظمة في الحرب ذاتها بتوجيه وتمويل إيراني. والمدهش أنها حرب مجانية يخوضها العرب والأميركيون لتخليص إيران من ألد أعدائها في المنطقة، ويفعلون ذلك من دون أي مقابل! يتصرف العرب في المشهد من دون استراتيجية يهتدون بها. مثل باراك أوباما هم في حال ارتباك. ينتظمون في ما يسمونه «حرباً على…