السبت ١٢ نوفمبر ٢٠١٦
يعيش اليمنيون لحظات حيرة وخوف بعد أيام من إعلان المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ عن «خريطة طريق» للبدء في عملية إعادة الهدوء إلى البلاد، فقد اعترض عليها طرفا الحرب الأهلية «الشرعي والانقلابي» وقدم كل منهما مبرراته التي لم ترق إلى المستوى الأخلاقي والوطني الذي تحتمه المأساة الإنسانية التي يعيش فيها أكثر من ٨٠٪ من المواطنين، وقد أعدت الحديث مرارا أن اليمني الذي لا يجد قوت أسرته وأطفاله ما عاد مهتما بما يقدمه المتحاربون من مبررات لا تتعدى حدود البحث عن مواقع في السلطة القادمة أو التشبث بما تحت أيديهم الآن. ارتبط مصير اليمنيين منذ شهر نوفمبر ٢٠١١ بما يمليه عليهم مجلس الأمن حين وقعوا على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وصارت إدارة البلاد محكومة بمصالح دولية انتزعت السيادة الوطنية وتم تسليمها للمجتمع الدولي ولعل في القرار الشهير ٢٢١٦ ما يذكر اليمنيين بأن قرارهم لم يعد داخليا إلا إذا تم التوجه نحو مصالحة وطنية تخفف من القبضة الخارجية والتدخل الإيراني في شؤونه. في نهاية ٢٠١١ نصب مجلس الأمن الدولي السيد جمال بن عمر المبعوث الأممي السابق لليمن حاكما غير معلن وصار المرجع الأول والأخير لكل القضايا الداخلية وكان مقره قبلة لكل قادة الأحزاب والسياسيين الذين قدموا له الولاء والطاعة وتقربوا له باعتباره حامي الشرعية الدولية والوصي على تنفيذ قرارات مجلس الأمن، ثم…
السبت ٠٥ نوفمبر ٢٠١٦
تعرض المبعوث الأممي السيد إسماعيل ولد الشيخ لانتقادات، وجوبهت خطته لإيقاف الحرب اليمنية برفض غير مبرر من كافة الأطراف المعنية، واتخذ تجاهها كل فريق موقفا سلبيا منها جاء تعبيرا فاضحا عن سوء تقدير للمعاناة الإنسانية التي تسبب فيها صراعهما حول السلطة. المبعوث الأممي لم يطرح (خارطة الطريق) إلا بعد ماراثون طويل من زيارات لكل العواصم المعنية إقليميا ودوليا ولقاءات مع كل المعنيين في الحكومة الشرعية المقيمة في الرياض والانقلابيين المسيطرين على العاصمة صنعاء، ولم تخرج أفكار مشروعه الذي حظي بترحيب إقليمي ودولي في مجلس الأمن عن القرارات التي أصدرتها الأمم المتحدة وكذا الاعتماد على مقررات الحوار الوطني والمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ولكن الأساس الذي بنى عليه السيد ولد الشيخ رؤية الحل، كان مستندا إلى تفاهمات ما يعرف بالرباعية (المملكة العربية السعودية، دولة الإمارات العربية، الولايات المتحدة وبريطانيا). لقد انتقدت المشروع الأممي لحل الأزمة اليمنية ووضع حد لسيل الدماء والدمار؛ لأنه أغفل المتغيرات التي حدثت على الأرض ونشوء قيادات لا تسيطر عليها الشرعية أو الانقلابيون، كما أنه لم يطرح تصورا واضحا لما ستؤول إليه الأمور بعد حسم قضية اقتسام السلطة التي تؤرق قيادات المحاربين وتحرك غرائزهم، لكنني أدرك أن المبعوث الأممي ليس معنيا بتحفيز المسؤولية الأخلاقية لديهم، ولا يملك قدرات خارقة لاستنفار مشاعرهم الإنسانية تجاه الأوضاع الكارثية التي صعقت تفاصيلها كل…
السبت ٢٩ أكتوبر ٢٠١٦
أعلن مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أنه سلم في صنعاء «خريطة طريق» لممثلي المؤتمر الشعبي العام وجماعة أنصار الله، ستؤدي في حال قبولها منهم ومن الحكومة اليمنية إلى العودة لمباحثات حول تفاصيل تنفيذها والتغلب على الشكوك وانعدام الثقة بين الأطراف اليمنية المتحاربة. بنود «الخريطة» و«تزمينها» لم يتجاوز مضمونها ما تمت مناقشته في جولات التفاوض / المشاورات السابقة من جنيف إلى بييل وانتهاء بالكويت، كما أن أطرها القانونية ستكون ملتزمة بالقرارات الصادرة من مجلس الأمن وما نتج عن لقاءات الموفينبيك الشهيرة وصارت تعرف بمخرجات الحوار الوطني، وكذلك المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية. الواقع أن هذه التوليفة التي خرجت بها الأمم المتحدة ليست أكثر من إعادة صياغة لخرائط الطريق التي رسمتها لإنهاء النزاعات في مناطق أخرى من العالم العربي وخارجه، ولابد من إعادة التذكير بخريطة الطريق الأشهر التي وضعتها الرباعية لحل النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي، وفي نهاية الأمر لم يتم تنفيذ أي منها لسبب جلي وبسيط: أن الصراع في هذه الدول (عدا فلسطين) ليس صراعا حول برامج تخدم الأوطان ولكنه من أجل التشبث بالسلطة ولو كانت الكلفة هي دماء الأبرياء ودمار المجتمع. لم يبرهن قادة طرفي الحرب الأهلية على أي رغبة حقيقية لوقف الحرب، واستمروا في تبادل الاتهامات حول المتسبب في إطالتها ومن المحزن أنهم لم يفكروا مطلقا بالحالة الإنسانية…
السبت ٢٢ أكتوبر ٢٠١٦
أدت سهولة انتشار وسائل التواصل الاجتماعي إلى أن تصبح في متناول عدد غير قليل من الشباب، وأغلب هؤلاء يتبعون أحزابا وجهات رسمية وغير رسمية ويقتصر عملهم على إغراق صفحات الإنترنت المختلفة بأخبار تكون أغلبها غير دقيقة، وفي أحيان كثيرة كاذبة بغرض خلق الارتباك في توجهات الرأي العام. قد يبدو الأمر ظاهرياً غير ذي أهمية، ولكن خطورته تتجلى في محتوى مقالات لكتاب مرموقين وتقارير عدد غير قليل من مراكز الدراسات والأبحاث الذين يستقون معلوماتهم من هذه المواقع، ولا يكلفون أنفسهم عناء التدقيق في تفاصيل ما ينشر، وتصبح تحليلات هؤلاء مصدرا لتوجهات أصحاب القرار، وتصير المعلومة المغلوطة أساسا لتحليل سيكون حتما غير سليم، وتخرج منها استنتاجات خاطئة وتوصيات لا علاقة لها بالواقع، الأمر الذي تنتج عنه قرارات تؤدي إلى تشكيل واقع لم يكن هو الذي يتوخاه صاحب القرار النهائي. خلال الأيام الماضية حدثت طفرة كبيرة في التحليلات حول الكيفية التي ستطبق فيها الهدنة وتبادلت الأطراف الشكوك والمخاوف من عدم الالتزام بها كما حدث في مرات سابقة، ومرد هذه السلبية إلى الطريقة التي تمت بها دون وجود رقابة إقليمية أو دولية تتيح المجال للتيقن من مكامن الخلل وتفاديها في المرات التالية، لكن أغلب الأخبار التي انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي بدأت بكيل الاتهامات دونما حاجة للانتظار ولو لساعات قليلة بعد بدئها. صار اليمنيون…
السبت ١٥ أكتوبر ٢٠١٦
تهامة اليمن هي أخصب أراضي اليمن وأكثرها إنتاجا، وأهلها هم أكثر الناس هدوءا وسلاما وقناعة. عانوا الاضطهاد والإهمال في كل العهود قبل سبتمبر ١٩٦٢ وبعدها. لم تهتم بهم الحكومات المتعاقبة إلا حين كان المسؤولون يرغبون في نهب أراضيها الخصبة أو الهروب من شتاء المناطق الجبلية. نُهبت أراضيها وتوزعها المتنفذون عسكرا ومدنيين، فتهامة لم تكن تسبب قلقا للمسؤولين اليمنيين لأن أهلها كما وصفهم الرسول بأنهم (أرق أفئدة وألين قلوبا)، فهم لا يحتجون إلا بقلوبهم ولا يبدون غضبا لجحود اليمنيين تجاه عطائهم. قبل أسابيع ظهرت صور تعبر عن مواضيع أخرى الحسين بريء من المتطرفين فضاعة ما يجري هناك. أطفال لم يعد الجلد إلا غطاء رقيقا يخفي عظامهم النحيلة. أوجه الأطفال الجائعة المنهكة المريضة لم تفارقها الابتسامة التي هي سمة كل أبناء تلك المنطقة التي تجود بعطائها لليمن كافة. تهامة بها أكبر موانئ اليمن، لكنها قبل ذلك بها أهم مدرسة للمذهب الشافعي في زبيد. ما من مسؤول يمني حالي أو سابق إلا وله قطعة أرض منهوبة هناك، لكنهم لا يهتمون بمصير جيرانهم من أبناء الحديدة ولا يكترثون بحزنهم وغضبهم المكتوم، ولكن هؤلاء المسؤولين لا يَرَوْن فيها إلا بقرة حلوب وظيفتها الوحيدة أن تدر عليهم الخير حتى وإن كان ضرعها قد جف. بعد أن انتشرت صور أطفال تهامة اليمن وفضحت الأثر البشع للحرب الأهلية…
السبت ٠٨ أكتوبر ٢٠١٦
أدلى الكولومبيون يوم الأحد الماضي بأصواتهم في استفتاء حول اتفاق السلام الذي توصلت إليه الحكومة مع المتمردين بعد ٤ سنوات من المفاوضات. كان موضوع الاستفتاء: هل تدعم الاتفاق النهائي لوضع حد للنزاع وبناء سلام دائم وثابت؟. كانت النتيجة مفاجئة للجميع فصار السـؤال: لماذا يرفض المواطنون اتفاق سلام ينهي خمسة عقود من الحرب الأهلية؟ اقتربت حركة المتمردين FARC من الأعمال التجارية في تهريب المخدرات وصار من الصعب التمييز بين عمل حركة التمرد الأصلية وبين العصابات الإجرامية وتجار المخدرات الذين استغلوا حالة الاضطراب الأمني داخل البلاد لتوسيع مواضيع أخرى سماحة العرب في القرون الأولى وانتكاسة المتأخرين نشاطاتهم. من الجانب الآخر فإن التعامل الحكومي مع الحرب كان غاية في القسوة، فساهم الطرفان في اتساع الشروخ الاجتماعية وزادت الانقسامات المرتبطة بالانتماء الجغرافي والطبقي. استخدم الطرفان في صراعهما الدامي الطويل كافة الوسائل من اغتيالات وتشكيل فرق للموت في محاولة يائسة وباهظة الكلفة الإنسانية لكسب الحرب. لم يتمكن المتحاربون من تحقيق انتصار حاسم، واقتربت كولومبيا من حافة البلدان الفاشلة، وذهب أكثر من ربع مليون قتيل ضحية للحرب، ونزح داخليا ما يقارب الثمانية ملايين مواطن، ولم ينجُ إلا قلة من المواطنين من آثارها، وسمح ذلك بتدخل خارجي شاركت فيه الولايات المتحدة من جانب وفنزويلا شافيز من جانب آخر، وأدى ذلك إلى اتساع مساحات العنف لكنه لم يحل…
السبت ٠٣ سبتمبر ٢٠١٦
يعيش اليمنيون - في الداخل والخارج - أياما عصيبة تزداد قساوتها كل نهار، وتنحسر آمالهم في عودة قريبة للحياة الطبيعية التي يتمنونها لأبنائهم بعد أن فقدوا يقينهم بـ(يمن جديد) كان شعار لقاءات «موفينبيك صنعاء» التي استمرت لما يقارب السنة وشارك فيها ٥٦٥ عضوا يمثلون فئات اجتماعية من كل القطاعات والمناطق، ولم يكن تواجدهم هناك مجانيا بل مدفوع الأجر نظير خدماتهم وانضباط أغلبهم. نعلم جميعا أن نهاية لقاءات المنتجع الأشهر في صنعاء كانت بداية انهيار الدولة ومؤسساتها التي انتهت باقتحام مدينة عمران ثم العاصمة صنعاء ولم تتوقف عند احتجاز رئيس الدولة ورئيس الحكومة وعدد من الوزراء وهروب عدد من كبار قادة الجيش، بل تواصلت بتوجه ميليشيات (أنصار الله - الحوثيين) حتى بلغت محافظات جنوب اليمن كلها، ثم القيام بمناورة عسكرية على الحدود مع المملكة العربية السعودية، ومحاصرة مجلس النواب وتشكيل لجان ثورية تقوم بمهام مؤسسات الدولة التنفيذية، وكانت كل تلك التصرفات بداية الحرب الأهلية التي مازالت تقض مضاجع اليمنيين الأبرياء ليل نهار وتفاقم من أحزانهم ودموعهم. الأسبوع الماضي أطلق وزير الخارجية الأمريكي جون كيري (بعد لقائه مع نظرائه من دول مجلس التعاون وبحضور الوزير عادل الجبير) أفكارا بدت غامضة للبعض ومربكة لآخرين، ورغم أنها كانت مبنية على نص القرار ٢٢١٦ إلا أنها أشارت إلى تسلسل يتعامل مع الأمر الواقع والمتغيرات التي…
الأربعاء ٣١ أغسطس ٢٠١٦
بات واضحا أن الإعلان عن أي اتفاق سياسي يضع حدا للكارثة الإنسانية الحاصلة في اليمن سيكون بداية الحروب الصغيرة التي ستليه والتي أفرزتها الحرب الدائرة على السلطة بين قوى سياسية وحزبية تديرها الأحقاد الشخصية ورغبات الانتقام، وانغمس الكثير من الساسة والكتاب، يمنيين وعربا، في تناول العوامل التي أشعلتها وتعرض الجميع لأسبابها كل من الزاوية التي ينطلق منها حزبيا أو فكريا أو حنقا على ضياع مصالحهم الشخصية، فأقحموا الذاتي بالموضوعي، وقلة تحدثوا بعيدا عن العاطفة والأفكار الجامدة والتأثيرات المذهبية والمناطقية، وبدون التعرض لمدى واقعية ما ذهب إليه الجميع إلا أن أحدا لم يضع يده على الحل الذي سيوقف مسيرة نزيف الدم ورحلة التيه اليمانية، ويصر الكل على أنه يمتلك الحق المطلق في طروحاته ومطالبته. إن أي حرب لا يمكن إلا أن تكون حاضنة لمآسي الكثيرين وتلحق بهم دمارا نفسيا وماديا، وتكون تبعاتها مسلسلا طويلا من مشاهد الحقد والكراهية مهما كانت محاولات تفادي هذه الأعراض، ومن المنطقي أيضا أن الحرب لا تدوم إلى الأبد لكنها قد تخرج في أغلب الأحيان بطرف منتصر وآخر منهزم خاصة في المجتمعات المتخلفة ثقافيا والتي يغيب عنها الوعي الناضج، وتسيطر عليها روايات التاريخ وأساطيره، ويغيب عن ساحتها الرجال الكبار. أفرزت الحرب عددا من المسلمات، فاليمن لن يعود كما عرفناه في طفولتنا وشبابنا، فالانقسامات الأفقية والرأسية ترسخت داخل…
الأحد ٠٦ مارس ٢٠١٦
تعز هي أكبر حاضرة يمنية ينتشر أبناؤها في كل مدن وقرى اليمن وبها أكبر نسبة للمتعلمين ورجال الأعمال والصناعيين والحرفيين وموظفي الدولة والقطاع الخاص ودافعي الضرائب، وهي الأقل تواجدا في القطاعات العسكرية والأمنية، وكان من النادر مشاهدة السلاح في شوارعها وقراها، لكنها تحولت إلى ساحات قتال في كل ركن فيها، وتنازل الكثير من شبابها وكهولها عن أحلامهم وتفرغوا إما للبحث عن مورد للحياة أو الفرار من اقتتال أبناء الوطن الواحد، أو للمشاركة في الحرب العبثية التي فرضت عليهم. عرضت محطة الـBBC أخيرا فيلما وثائقيا بعنوان (تعز بين المطرقة والسندان) وكان الصاعق فيه المشاهد المفزعة للأوضاع الإنسانية المزرية في المدينة وانهيار كافة المؤسسات الطبية وتوقف العمل في المدارس وانعدام موارد المياه، وأظهرت بعض اللقطات كيف صارت تعز التي يحلو لأبنائها تسميتها بـ(الحالمة) مدينة تسكنها الأشباح والمقاتلون. منذ أكثر من 10 أشهر تستنجد تعز بالجميع لتجنيبها الاقتتال ثم لإنقاذها من الحصار الذي فرض عليها، وكان الجواب حينها أن استعادة عدن هو الخطوة الأولى للتحرك صوب تعز، وطال الانتظار وتمسك أبناؤها بالأمل الذي صار يبتعد عنهم، وكما في كل الحروب تشكلت مصالح لأفراد قليلين يرون فيها مصدرا للإثراء تصبح إطالة أمدها فرصة لن تتكرر. قبل أسابيع كتبت هنا أن تعز هي المدخل لمصالحة وطنية، وما زلت مقتنعا أن رفع الحصار عنها سيفتح باب…
الأربعاء ١٠ يونيو ٢٠١٥
بعد أسابيع من اللغط والتصريحات المتناقضة من أطراف الحرب الأهلية اليمنية أفلحت الضغوط الدولية في إجبار الحكومة الشرعية الموجودة في الرياض، وكذا المتمردين الاستعداد للقاء التفاوضي الأول بينهما منذ فرار الرئيس هادي ورئيس وزرائه ثم ظهورهما في منفاهما الذي أتمنى الا يطول مع عدد كبير من مستشاريهما ووزرائهما. ويضع أغلب اليمنيين الذين لا يكترثون بمبررات صراع الطرفين الدموي والمدمر، ولكنهم يدفعون ثمنه دماً ودموعاً، أملهم بأن تتمكن الأمم المتحدة من كبح جماح المتقاتلين. ولست هنا بصدد البحث عن إلقاء الاتهامات والغوص في ما كان واجباً فعله من الذين أداروا البلاد وأوصلوها الى هذا المنزلق البشع منذ انتقال الرئاسة من صالح الى هادي، ولكني سأكرر حقيقة ثابتة لن أحيد عنها وهي ان كل القائمين على المشهد السياسي اليمني الحالي ساهموا، وإن بدرجات مختلفة، في تحويل الوطن الى كتل متصاعدة من الأحقاد والانفصام الاجتماعي وجعلوا مدن اليمن بقايا اطلال. لم تكن مقنعة الطريقة التي أديرت بها البلاد طيلة السنوات الثلاث الماضية ولم تكن مختلفة في جوهرها عن سنوات حكم الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وكانت خاتمة السوء الصمت على سقوط عمران ثم صنعاء وبعدها قدوم ما سمي «حكومة الكفاءات» التي لم تفعل شئياً أكثر من التركيز على الجانب الإعلامي، ولا بد ان تكون محصلة عوامل مجتمعة كهذه، كارثة سيظل اليمنيون يحصدون آثارها…
الثلاثاء ٢٦ مايو ٢٠١٥
قضيت أياماً عدة في الرياض؛ لأكون قريباً من أعمال «مؤتمر إنقاذ اليمن وبناء الدولة الاتحادية»، الذي استضافه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وأذهلني أن اليمنيين الذين تصدروا القاعة وأكثر الحاضرين، يمثلون غالبية من سيطروا على المشهد السياسي في البلاد طوال ثلاثة أعوام؛ عبر لقاءات منتجع موڤينبيك، وهم أنفسهم الذين فشلوا في تسيير شؤون الوطن وأوصلوه إلى هذه الخاتمة الكارثية. وبعد إعداد استمر أسابيع طويلة اجتهد خلالها المعدون، خرج الحاضرون بوثيقة موجزة لما سمي سابقاً «مخرجات الحوار الوطني»، الذي دار في صنعاء أكثر من عام، بإشراف الأمم المتحدة ممثلة بالسيد جمال بن عمر، مع عدم إغفال متغير طارئ من أجله لجأوا إلى الرياض، وهو أن طرفاً متمرداً عابثاً يبسط نفوذه المدمر على معظم الرقعة الجغرافية بمليشياته التي اجتاحت المدن اليمنية بتواطؤ بات معروفاً من بعض الحاضرين في الرياض، بدءاً من عمران وانتهاء بسقوط صنعاء، ثم مارسوا قسوةً وقتلاً وتدميراً وتنكيلاً غير مسبوق في التاريخ اليمني، وأسسوا تحالفاً وثيقاً لم يعد سراً مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح. كان الغرض الرئيس من الدعوة التي وجهها الملك سلمان، وسبقت انطلاق «عاصفة الحزم»، أنها كانت موجهة إلى جميع القوى السياسية من دون استثناء، ومنذ اليوم الأول رفض الحوثيون قبولها، فخسروا أقرب فرصة أتيحت لهم؛ للانفتاح على المملكة الجار الأقرب، والأكثر تأثيراً وتأثراً…
الأحد ١٧ مايو ٢٠١٥
تبدأ صباح اليوم (الأحد) جلسات «مؤتمر الرياض» الذي طلب الرئيس هادي، قبل خروجه من عدن ولجوئه إلى الرياض، إلى الملك سلمان بن عبد العزيز، أن تستضيفه العاصمة السعودية، وبعد أيام قليلة لحق به رئيس الوزراء خالد بحاح وعدد من الوزراء، ورغم التغير الكلي للمعادلة اليمنية على الأرض وانكشاف ميزان القوى الحقيقي، فإن الحل الذي يتمناه المواطن البسيط لا يتعدى العودة الطبيعية لحياته واستعادة الخدمات الأساسية، وهو حتمًا غير معني بتخريجات الساسة وحذلقتهم ولا يلتفت إلى مفرداتهم، فقد خبرهم لعقود طويلة لم ينتجوا فيها أي إيجابية تمنحهم حق الحديث باسمه وباسم الوطن. «مؤتمر الرياض» لن يكون ساحة حوار ولا مساحة فيه للتفاوض حول التعديلات التي صارت واجبة على كل ما نتج عن لقاءات الموفنبيك، فلا مخرجاته غدت صالحة بعد كل الدمار النفسي الذي لحق بالنسيج الاجتماعي بين الشمال والجنوب، وبين شمال جبل سمارة وجنوبه، ولم تعد العودة إلى الصيغة البالية التي تمت بها لقاءات المنتجع أمرًا ممكنًا ولا مستساغًا، وما النتائج الكارثية التي يكتوي بها المواطن اليوم إلا نزر يسير من نتاج الفهلوة التي تصدى لها جمال بنعمر والفريق الوطني الذي ساعده في عبثيته وإمعانه في الصلف. اليوم، نقف أمام مشهد يجب أن يتوارى عنه كل من ساهم في صياغته منذ 3 أعوام، ويجب أن ينسحب من الفعل السياسي أخلاقيًا ووطنيًا…