الأحد ١٦ نوفمبر ٢٠١٤
يتعرض اليمن منذ ثلاث سنوات لعملية نهب منظمة لدور الدولة وتدمير ما تبقى من بنيتها الاجتماعية والسياسية والإدارية، وشارك الكل بحسب قدراتهم في اللهث وراء اقتسام ما توهموا أنه تركة نظام رحل وتصوروا أن وجوده قد انتهى أو تقلص داخل هياكل المؤسسات القائمة، وساهم في خلق هذا السراب اندفاع، من دون تردد ولا كلل، من المجتمع الدولي لتأييد النظام الجديد وإغراقه بالوعود التي انتهت إلى كلمات لا تشبع جائعا ولا تعالج مريضا.. كتبت على هذه الصفحة قبل أكثر من عام أن الرئيس هادي لن ينجح، إلا إذا استمر المجتمع الدولي ومجلس التعاون متعاونين لإنجاح التحولات التي يتمناها اليمنيون، ولكن الأمر للأسف لم يكن كذلك فتوارى دور المجلس وضعف تأثيره على الأحداث، مما أتاح الفرصة لإخراج دوله من دائرة التأثير الذي هو - حكما - ليس شأنا داخليا يمنيا صرفا، بل تتعدى تبعات تدهور الأوضاع فيه إلى خارج حدوده وإلى جعله ساحة صراع إقليمي لا يستفيد منها، بل على العكس سيدفع فاتورته منفردا، وسيبقى مثخنا بجراح هذه المعارك دون أن يكون له فيها ناقة ولا جمل. بعد أيام، سيكون على الحكومة الجديدة تقديم برنامج عملها إلى مجلس النواب، ومن المؤكد أنها ستحصل على ثقته، إذ لن يكون مقبولا ولا معقولا حجبها، مما يؤدي إلى استمرار الدوران في حلقة مفرغة نتيجة جشع…
الأحد ٠٩ نوفمبر ٢٠١٤
نبأ اغتيال الدكتور محمد عبد الملك المتوكل يوم الأحد الماضي كان صادما ومفجعا لي على المستوى الشخصي، ولكل يمني كان يحلم بأن مشروع الدولة المدنية التي نادى بها وعمل من أجلها ودفع حياته ثمنا لها، سيرى النور. وأراد قاتلوه أن ينال محمد ما يستحقه من عقاب جزاء اعتداله ودفاعه عن الحق أيا كان مستحقه وتنديده بالظلم أيا كان متلقيه وإصراره على أن بناء الدولة يسبق كل حديث.. وكان الرئيس السابق علي عبد الله صالح دائما ما يمازحه عند اعتراضه على آرائه، ويقول له ساخرا – حسبما كان يقول لي - إن ما تلقاه في طفولته من أفكار حول الحرية والعدالة والمساواة على يد الأستاذ أحمد محمد النعمان بمدينة حجة في بداية الأربعينات من القرن الماضي ما زال عالقا في ذاكرته و«معشعشا في دماغه». ليس من حقي الحديث هنا عن الجهة التي تقف وراء اغتياله وإنهاء صوته النزيه، المعتدل، الرزين، المنفتح على الآخر، والخالي من العقد النفسية التي صارت تتحكم بأفعال ساسة اليمن اليوم.. لم يكن محملا بالثارات القديمة التي تملأ صدور الحاكمين، ولم يكن مولعا بالأضواء ولا السعي إلى موقع رسمي، وقتل وهو يتشبث بحبه الدائم للحياة البسيطة القريبة من قلوب الناس.. لكن من حقي أن أقول إن غيابه سيجعل نفرا غير قليل يتنفس الصعداء؛ لأن الساحة لم يتبقَ فيها…
الأحد ٠٢ نوفمبر ٢٠١٤
كشفت الأسابيع القليلة الماضية هشاشة السلطة، التي أوصلت البلاد إلى مرحلة تهاوت فيها هياكل الدولة بفعل أفراد وأحزاب جشعة، وكان الأداء السياسي فاضحا بعجزه عن التعامل مع الواقع، وعدم قدرته على استشراف المستقبل، وخاملا في بذل الجهد لتحسين سلوكياته المتردية، لذلك لم يكن مفاجئا ولا مستغربا أن تصبح السلطة الحالية حبيسة المفاهيم والأساليب والسلوكيات نفسها التي كانت سمة عهد الرئيس السابق، وأن تستخدم نفس الشخوص والآليات، وصار واجبا طرح السؤال: ما الذي تحقق منذ رحل صالح؟كان صالح يدير السلطة بعيدا عن المؤسسات الدستورية، مكتفيا بدائرة صغيرة من أقارب ومقربين ومستشارين ما زال أغلبهم متصدرا المشهد اليوم، وإنْ في مواقع مختلفة، وكانت طريقة صنع القرار تتخذ الطابع الشخصي المعتمد على الهوى والظرف الزمني الملتصق بالحدث الملح أو الحاجة الآنية، ولم يكن القرار يمر عبر دوائر تمحصه وتقدم المشورة والنصح الواجبين، وفي أغلب الأحوال كانت الأجهزة المعنية تفاجأ بقرارات دونما تفسير.الواقع الحالي لم يختلف كثيرا.كان الجميع يدرك مدى الوهن الذي أصاب عمل المؤسسات، والفساد الذي صار أمرا طبيعيا لا يستوجب المحاسبة والمساءلة، وصار الصمت والاكتفاء بالامتعاض على استحياء صفة مميزة للمحيطين بالرئيس السابق، إما لتورطهم أو ليأسهم من صلاح الأمور، لكن الناس توقعوا تغييرا في أسلوب وتفكير مكونات السلطة الجديدة مصاحبا للتحول الذي وقع في قمتها.. ولكن ما حدث منذ اليوم الأول…
الأحد ٢٦ أكتوبر ٢٠١٤
التقيت، خلال المشاركة في «منتدى أبوظبي الاستراتيجي» الذي دعا إليه «مركز الإمارات للسياسات»، بعدد من المتابعين للشأن اليمني، ودارت نقاشات حول مجريات الأوضاع ومحاولات فهم كيفية تدهورها وانزلاقها بسرعة فائقة نحو هاوية سحيقة، واستشراف القادم وموجهاته. وكان الجامع المشترك، هو القلق من الامتداد الجغرافي الذي وصلت إليه جماعة «أنصار الله - الحوثيين»، والتساؤل عن الحدود التي سيقفون عندها، وما حقيقة أهدافهم، وكيف كان يسيرا عليهم تجاوز كل الخطوط الوهمية التي كانت تفصل، حتى وقت قصير مضى، بين المكونات المذهبية في اليمن. وواقع الحال أن الإجابة ببساطة عن كل ما سبق هي أن كامل كيان الدولة تهاوى، وسقطت قيمتها المعنوية والمادية أمام الضربات المتلاحقة من المتضررين لخروجهم من المشهد السياسي والراغبين في استعادة أدوارهم، وكذلك من ضعف القابعين حاليا على قمتها، وأيضا رغبات وجشع القوى السياسية وابتعادها عن المصلحة الوطنية. وليس مستغربا تواري ما تبقى من مؤسسات الحكم المتهالكة أصلا بعد عقود من التهميش لدورها وضرب قواعدها. وزاد الأوضاع سوءا ارتباك الحكم الجديد ومحاولاته الخجولة للوقوف على الحياد والسعي لإبعاد شبح الحرب الأهلية، فبدا الأمر كما لو كان ما نشاهده اليوم مناورات بالذخيرة الحية بين حلفاء تجمعهم أهداف مشتركة. في البدء؛ البداية كانت الهدف المعلن والثابت لـ«أنصار الله – الحوثيين» في أذهان الناس، وهو إنهاء ما قالوا إنها المظلومية التي لحقت…
الأحد ١٩ أكتوبر ٢٠١٤
لم تكن سيطرة «أنصار الله - الحوثيين» على صنعاء مفاجأة إلا من حيث السرعة المذهلة التي اختفت خلالها كل مقاومة إلا لفترة قصيرة انهارت بعدها واستسلم الجميع إثرها لأمر واقع جديد تحولت فيه سلطات الدولة إلى أثر بعد عين، وتمكنت القوة الجديدة الشابة الصاعدة من إحكام قبضتها على مجريات الشأن العام، وتحولت بقية القوى السياسية إلى متابع حصيف لا يتعدى نشاطاتها إصدار البيانات المملوءة بلغو الكلام الذي لا ينافسها إلا مفردات السفراء الغربيين والبيانات التي تصدرها ما تسمى مجموعة السفراء العشرة في صنعاء، وحين سقطت العاصمة بعد عمران واختفى الحديث عن الخطوط الحمراء بدأ الكل يتساءل عن الهدف التالي وما إذا كان «أنصار الله - الحوثيون» سيولون وجوههم خارج خطوط الجغرافيا الزيدية، وما هدفهم النهائي، وماذا يخططون للبلاد، وأين ستقف طموحاتهم بعد أن اكتشفوا متأخرين وهن الأجهزة الأمنية وغياب القيادات المتمكنة وعدم الإيمان بعقيدة عسكرية تجعل الولاء للوطن همها الأول؟! خلال الأيام الماضية استمعت وشاركت في حوارات كثيرة مع عدد من الساسة اليمنيين والناشطين الشباب، ووجدت حديثا مزيجا لعوامل مختلفة منها الموضوعي ومنها الذاتي.. في الحالتين اتفق الجميع على أن اليمن الموحد سيكون الثمن الذي سيدفعه الجميع، فقد استولت فكرة الانتقام على التسامح، وترسخت فكرة الطاعة الكاملة على نزاهة الشراكة في الوطن، وانزلق الجميع نحو صراع عبثي نزفت فيه دماء…
الأحد ١٢ أكتوبر ٢٠١٤
انشغل اليمنيون خلال الأيام الماضية بقضية تكليف الرئيس هادي لمساعده الرئيسي الدكتور أحمد بن مبارك بتشكيل الحكومة، وهو أمر لم يعتادوا عليه خلال سنوات، فقد جرت العادة أن يجري الأمر دون ضجة ولا لغط، لكن الأمر اختلف وتراجع الرئيس عن قرار بهذه الأهمية لأول مرة في تاريخ الجمهورية، وصار واضحا أن المحيطين به ليسوا أكثر من مجموعة انتهازية لا تتجرأ على إبداء رأي صادق مفضلين الصمت في أفضل الأحوال، وتناثرت التعليقات والتحليلات وتناقضت الاستنتاجات بحسب الهوى والانتماء السياسي والمذهبي والمناطقي، لكن الجامع لها أنها أظهرت عمق الأزمة التي تمر بها البلاد منذ ثلاث سنوات وإن كانت مشاهدها قد اختلفت وتعددت أنماطها، فظل المواطن أسيرا لتناحرات الساسة والحزبيين، وعزوف المستشارين الجدد والقدامى عن شجاعة المواجهة الصريحة، واكتفى جميع هؤلاء بالهمس وتفادي الظهور بصورة مغايرة لأهواء الحاكم طمعا في استمرار رضاه وطلبا للاحتماء بالقرب منه. في ظل الأزمات المتلاحقة ظهر «أنصار الله - الحوثيون» كلاعب جديد قوي على الساحة السياسية متحررين من القيود التي كبلت كل الموجودين بالقرب من الحاكم، وجعلت حركتهم أكثر مرونة وقدرة على التحكم في خيوطها، فقد جاءت قياداتهم من خارج الأطر التقليدية التي اعتاد عليها المواطن، وبحيوية وحماسة فقدها كل من يديرون المشهد بجوار الرئيس، وعلى الرغم من كل الأخطاء التي ارتكبتها الجماعة والممارسات القاسية التي أثارت انزعاجا…
الأحد ٠٥ أكتوبر ٢٠١٤
أدى التهاوي السريع والمدوي للمؤسسات المنوط بها تأمين العاصمة صنعاء، وكذا انتهازية الساسة والمستشارين، بيد مسلحين تابعين لجماعة أنصار الله (الحوثيين) إلى سيل متدفق من التحليلات والتفسيرات، وكان من الطبيعي أن يستنفر كل فريق مخزون الروايات التي تسند مواقفه، والواقع أن ما حدث كان محصلة لرعونة القائمين على المشهد السياسي اليمني وعدم استيعابهم لتعقيداته وديناميكية الأرضية التي يتحرك عليها اللاعبون ومهارتهم في سرعة الانتقال من معسكر إلى آخر تحت تأثير رغبات الانتقام وإزاحة الخصوم وإضعافهم، أو بدافع مادي بحت، كما يحدث عادة في الحروب الداخلية اليمنية، ولعل الكثيرين يتذكرون كيف كانت القبائل اليمنية تنتقل بولائها من طرف إلى آخر خلال الحرب الأهلية (1962 - 1970)، وكان شعارهم «اللهم انصر الجمهورية إلى النص وانصر الملكية إلى النص»، حيث أتاح لهم ذلك فرص الارتزاق. صدم هول الحدث الكثيرين، وصار دليلا فاضحا على فشل وعجز وتقصير الأجهزة المسؤولة عن حماية البلاد والعباد.. هل يعقل، مثلا، أن الأجهزة المعنية بالأمن قد غاب عنها أن «أنصار الله» يتحركون بأعداد بلغت عشرين ألف مسلح من مختلف الأعمار غير أنصارهم الموجودين داخل العاصمة (حسب تصريح أرفع مسؤول أمني لصحيفة خليجية)؟ هل كان استمرار الإصرار على «حياد الجيش» إشارة خفية للمسلحين بعدم اكتراث الأجهزة الأمنية وأنها لن تقف عائقا أمام تحركاتهم؟ هل من المقبول أن تبدي السلطة اعتزازها…
الأحد ٢٨ سبتمبر ٢٠١٤
أجد صعوبة في تعريف ما جرى في صنعاء خلال الأيام الماضية، وما زال يحدث الآن، ولا أتذكر حالة مشابهة سيطر فيها مسلحون على عاصمة بأكملها دون مقاومة حقيقية، في وضح النهار تحت سمع وبصر السلطات، في وقت كانت قيادتهم تجري تفاوضا مع ممثلي أعلى سلطة قائمة في البلاد، بإشراف الأمم المتحدة، وترفع شعارا يحدد إسقاط الحكومة هدفا أساسيا لحركتها، وتطالب بمشاركة ممثليها أو حلفائها في تشكيلتها التالية، وكذا الدخول في كل الهيئات القائمة على كل المستويات، والحصول على حصة مقنعة في المواقع العليا للسلطة.. ورغم التوصل إلى اتفاق نقله التلفزيون الرسمي على الهواء باعتباره منجزا تاريخيا يضاف إلى سابقاته، ويعلن فيه الساسة اليمنيون عن استعدادهم، تحت الأضواء، للتوقيع على أي وثيقة حرصا على الحفاظ على مكتسبات ذاتية وطمعا في استمرارها، واستجداء لموقع في أي تركيبة حكومية قادمة، فإنه من المؤسف أن الحاضرين جميعا قبلوا الانتظار طوال نهار كامل حتى يصل ممثلو «أنصار الله» الذين بدورهم ماطلوا في التحرك من مركزهم المقدس في صعدة حتى ينتهي مسلحوهم من استكمال السيطرة على كل المنشآت الحيوية وعلى رأسها وزارة الدفاع، ووزارة الداخلية التي اختار وزيرها إعلان استسلام قواته دون قيد، وقبلهما قرر رئيس الوزراء تقديم استقالته إلى الشعب مستبقا قرار إقالته التي كانت شرطا أساسيا لإنهاء المحنة التي عاشها اليمن كما كانت مطلبا…
الأحد ٢١ سبتمبر ٢٠١٤
في 9 فبراير (شباط) 2014 كتبت في هذه المساحة مقالة بعنوان «أين سيتوقف الحوثيون؟»، وأستسمح القارئ في استرجاع فقرة منها «من المبكر الحكم على التأثيرات التي ستحدثها سيطرة الحوثيين على مناطق نفوذ (حاشد)، واقتراب حشودهم المنضبطة من أبواب العاصمة، لكني أكرر ما كتبته قبل أسبوعين أن الحوثيين يضعون خطوط إقليمهم الجغرافي والمذهبي دونما حاجة إلى نصائح بنعمر وتدخلاته المربكة ولا اجتهاداته، ومن دون انتظار لما تقرره لجنة الأقاليم، فالأول مشغول بملاحقة الرئيس السابق وحول الأمر إلى خصومة شخصية، والثانية تعمل في واقع مرتبك ولن تكون قادرة على تمرير ما قد يتوافق عليه أعضاؤها لأن الأوضاع على الأرض تفرض ملامحها بما يتواءم مع رغبات القوى المحلية في كل منطقة، وما صنعه الحوثيون خلال المرحلة الماضية دليل على هذا». هل اختلف الأمر اليوم؟ لقد أدى سقوط آخر معسكر للجيش اليمني في عمران، قبل أسابيع قليلة على يد «أنصار الله - الحوثيين»، واستبدال عناصر تدين بولائها إلى القادمين من صعدة بالقوى القبلية المؤثرة هناك، إلى تشكل واقع على الأرض خطط له الحوثيون عن دراية بحقائق الأرض اليمنية واقتدار في استغلاله، في ظل غياب كامل للانسجام في قمة السلطة، وعندما انتزعوا المحافظة من سيطرة ما تبقى من سلطة ومن نفوذ «حزب الإصلاح» لم يعلنوا برنامجا سياسيا ولا أهدافا محددة، فبدت الحرب صراعا مذهبيا وإن…
الأحد ١٤ سبتمبر ٢٠١٤
في واحدة من روائع الأدب العالمي كتب صامويل بيكيت عام 1949 مسرحية «في انتظار غودو» عن شخصين يفقدان قدرتهما على التفكير والتصرف واتخاذ القرار ويقضيان الوقت في انتظار إنسان رسماه في مخيلتهما لكنه لا يحضر أبدا، وفي كل لحظة يقرران فيها الحركة تخذلهما قواهما النفسية فيمكثان في مكانيهما.. لقد كان فلاديمير واستراغون يعيان تماما حقائق المحيط الذي يعيشان فيه ويدركان قدرتهما على الاختيار لكنهما يرتعدان من النتيجة المحتملة فيصيبهما التبلد ويتوقفان عن اتخاذ القرار النهائي.. فكرة الرواية ترتكز على وجود خيارات يمكن اكتشافها بالتمعن في الحقيقة المجردة ثم اتخاذ قرار يتلاءم مع الواقع دون محاولة لتزييف أو خداع أو العيش في أوهام وسراب ودونما حاجة لـ«انتظار غودو». أعادتني قراءة الرواية إلى التفكير في الأيام الدامية التي عاشتها صنعاء، وستظل ماثلة في ذاكرة اليمنيين، وستترك آثارها على واقع تتحكم في حاضره ومستقبله قوى تصارع للحفاظ على مواقعها في جسد الدولة المتهالك، وكانت الأحداث التي استشهد فيها مواطنون يمنيون - لا يهمني ولا يعنيني انتماؤهم السياسي والمذهبي - وسالت دماؤهم ظلما وعدوانا، فاضحة لجشع الساسة الذين لا يريدون التخلي عن الحكم الذي يرونه أكبر قيمة من دماء وكرامة المواطنين، وأضحى القتل أمرا طبيعيا في حياة اليمنيين لا يحرك ضميرا ولا يثير غضبا وحتما لن يخفف من مبالغة الأحزاب في التشبث باللقمة التي…
الأحد ٠٧ سبتمبر ٢٠١٤
كانت الكلمة الأخيرة، التي ألقاها الرئيس عبد ربه منصور هادي، تعبيرا صادقا، وواضحا، وصريحا، عن العمق الذي وصلت إليه الأزمة التي يمر بها اليمن، ومدى السرعة التي تنزلق معها البلاد إلى أعماق مجهولة، ولا تبدو في الأفق - حتى هذه اللحظة - مؤشرات إيجابية تدفع إلى التفاؤل بخروج قريب إلى آفاق يستحقها المواطن الباحث عن الأمان والحياة الكريمة. حين جرى اتخاذ القرار برفع الدعم عن المشتقات النفطية لم تتوقف الإشادات، والتعبير عن حكمته، ومردوداته الإيجابية على الاقتصاد اليمني، وحياة الناس، ورددت قلة أن المنتفعين هم الذين سيخسرون مكاسبهم التي تراكمت بعلم كثير من المسؤولين ومشاركة بعض منهم في حصيلتها على مدى عقود طويلة، ومرة جديدة أثبتت الأحزاب المشاركة في الحكومة الانتهازية في أوضح صورها، فرغم أن القرار جرى اتخاذه في اجتماع لمجلس الوزراء ترأسه الرئيس حتى يمنح القرار دعما سياسيا قويا، فإن الأحزاب - ولم يكن ذلك مفاجئا - بدأت بعده بالتعبير عن ضرورة إجراء مراجعة للقرار ودراسة آثاره السلبية على المواطنين، بل وانتقده بعضها، وبدا الأمر كما لو كان قرارا مباغتا، وهم الذين رفعوا أيديهم تأييدا كما جرت العادة في كل قرار يتخذ في حضور الرئيس.. وانضم بعض المستشارين ليعلنوا استحالة العودة عن القرار، وحذروا من الآثار المترتبة على ذلك، لكنهم سرعان ما شاركوا في رفع أيديهم تأييدا للنكوص…
الأحد ٣١ أغسطس ٢٠١٤
اختزلت الرسائل المتبادلة بين الرئيس عبد ربه منصور هادي وزعيم حركة (أنصار الله - الحوثيون) السيد عبد الملك الحوثي، عبر الوسطاء أولا ثم عبر الوسائل الإعلامية، حقيقة الأوضاع على الأرض، ولا بد أن الأسابيع القليلة التي تلت سيطرة (أنصار الله - الحوثيون) على مدينة عمران كانت الأقسى في فترة حكم الرئيس، وبرهنت على قصر نظر من تصوروا أن الأحداث التي دارت شمال العاصمة (الاتحادية) وسيلة لاستنزاف الجميع وأنها ستصب في خانة إضعافهم عملا بمقولة (فرق تسد). ومن السذاجة اعتقاد أن هذا الاتهام يمكن توجيهه للرئيس؛ فهو أكثر من تابع هذه السياسة خلال السنوات التي عمل فيها نائبا للرئيس السابق ويدرك كارثية نتائجها، ويجب هنا الاعتراف بأن (أنصار الله - الحوثيون) عملوا بهمة وحسن تخطيط خلال سنوات الاضطراب ونأوا بأنفسهم عن صراعات السلطة، في حين كانت الأطراف الموقعة على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية (التي كانت محددة بمواعيد زمنية لولا فتاوى السيد جمال بنعمر) منشغلة بالصراع على المواقع الحكومية والاقتراب من دفء الرئاسة ومباهجها والسعي لرضاها، وبلغ الأمر حد القبول بالانقلاب على مجمل ما نتج عن لقاءات الموفنبيك قبل التهيئة الجادة، مما حدا بمبعوث الأمم المتحدة السيد جمال بنعمر إلى الاعتراف أخيرا بأن حل المشكلة اليمنية لن يكون إلا يمنيا، بعد أشهر من الإصرار على الانفراد بمنح شهادات التقدير والوطنية لمن استسلموا…