الجمعة ٠٥ ديسمبر ٢٠١٤
تجري عدة أمور سلبية وعلى أصعدة مختلفة في سوريا. وأبرز هذه التطورات وآخِرها ما صار يُعرف بمبادرة دي مستورا للتهدئة في مناطق أولها حلب. لكن هناك أيضا تقدم النظام البطيء في بعض المناطق بريف دمشق والغوطة بمساندة من حزب الله. وهناك الحركة الروسية الغامضة باتجاه «جنيف 3» أو «موسكو - 1». وهناك استمرار الجدل الأميركي - التركي بشأن المنطقة الآمنة بشمال سوريا. وهناك أخيرا وليس آخرا تقدم جبهة النصرة على فصائل المعارضة الأخرى خارج مناطق «داعش». وهذا تطور سلبي لا ينبغي تجاهله ولا شك! أول المشاهد أو التطورات غير الواعدة ولا شك هو ازدياد فظائع النظام بالبراميل المتفجرة وبصواريخ سكود، وبعودة المذابح ضد المدنيين. فحتى عندما تقصف طائرات النظام «داعش» بالرقة أو دير الزور تتعمد أو لا تتعمد إصابة المدنيين، فالذين يقتلون من «داعش» بقصف النظام قليلون، وهو قصف بدأ قبل 5 أشهر فقط. وعدم إصابة «داعش» قد لا تكون متعمدة باعتبار أن التنظيم صار يخفي مراكزه بعناية خوفا من ضربات قوات التحالف الدولي. إنما الطريف هو تطور الموقف إلى حد أن النظام صار يقاتل بالطائرات في المناطق ذاتها التي تقاتل فيها طائرات التحالف الدولي، دونما احتجاج أو اعتراض من جانبهم. وكان الجميع قد ظنوا بعد بدء الهجمة على «داعش» في سوريا، أن حرب الطيران من جانب النظام قد انتهت.…
الأحد ٢٣ نوفمبر ٢٠١٤
جاء بيان الملك عبد الله بن عبد العزيز كاشفاً لجوانب ما جرى الاتفاق عليه في قمة الرياض، فقد أكد الملك على ثلاثة أمور: أن الاتفاق يتضمن تجاوُز كل الخلافات، وأنه يشكّل بداية جديدة في العمل على تجاوُز تردّيات الوضع العربي، وأن الشقيقة مصر شريك رئيسي في هذا الاتفاق وللجهتين: لجهة اعتبار أمنها واستقرارها أَولوية، ولجهة الانطلاق معاً بالاتجاه الجديد البنّاء. إن اختصاص مصر بالذكر يدل على أن الخلاف حول السياسات تجاه مصر بعد 30 يونيو 2013 بين دول مجلس التعاون، ظل بنداً رئيسياً في التجاذبات التي حصلت، والتي أدت إلى سحب سفراء السعودية والإمارات والبحرين من الدوحة، وكأن جلالة الملك عبد الله أراد من مصر إبداءَ الرأي في مجريات الاتفاق وتفاصيله، وقد أجابت مصر على الفور بالترحيب، وأنها بيتٌ لكل العرب، وأنها تقدِّر للملك عبد الله، وللأشقاء في الخليج العربي وقفتهم معها، وستظل معهم وبهم ولهم، وردة الفعل المصرية الإيجابية مُشعرة بالثقة والاطمئنان إلى موقف المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات ومملكة البحرين، ولذا يمكن القول، إن الضمانة السعودية والإماراتية والبحرينية صحّحت الاختلال الحاصل. ولنلتفت إلى التحديات التي تعرضت لها الأمة العربية خلال السنتين الأخيرتين خصوصاً، وكان من أسبابها الخلاف الخليجي، ولنبدأْ مرةً أخرى بمصر دون أن نُبالغَ فنصلَ إلى أنّ الخلاف المذكور كان علةً لها. هناك الإعاقات الأمنية المستجدة بالداخل…
الجمعة ٢١ نوفمبر ٢٠١٤
لا تزال الولايات المتحدة هي سيدة الموقف في الشرقين الأوسط والأدنى؛ هي سيدة الموقف بسبب قوتها العسكرية الأسطورية، وهي سيدة الموقف بسبب أمر آخر وهو أن سائر الأطراف بالمنطقة ومن حولها يريدون وساطتها ويريدون تدخلها سلما أو حربا أو الأمرين معا! وتتساوى في ذلك سائر الملفات العالقة: من قضية فلسطين، وإلى قضية الإرهاب، فإلى الملف النووي الإيراني، فإلى سائر المسائل المتعلقة بالاستقرار في هذه المنطقة المضطربة، ليس منذ الآن، بل منذ نهايات الحرب العالمية الثانية! منذ عام 2004 أقدمت الولايات المتحدة على نقل الملف النووي الإيراني من الوكالة الدولية للطاقة إلى مجلس الأمن. ومنذ ذلك الحين ظلت التوترات من حول الملف تتصاعد، وقرارات العقوبات والحظورات تتوالى إلى أن بلغت أربعة وأكثر، دون أن يبدو منفذ أو مخرج كما دون أن يبدو خلاف ظاهر في المسألة بين الولايات المتحدة وحليفاتها من جهة، وروسيا والصين من جهة أخرى! ومع مجيء الرئيس أوباما للسلطة في الولايات المتحدة، طرأ تعديل جذري على سائر السياسات الأميركية في منطقتنا، ومن ضمنها الملف النووي الإيراني. فكما أظهر الرئيس أوباما استماتة في السعي لإنهاء الحروب والنزاعات التي أثارتها إدارة بوش الابن عندنا ومن حولنا، وفي التوسط بين إسرائيل والفلسطينيين، أظهر أيضا حرصا كبيرا جدا على تغيير علاقات الآفاق المسدودة على مدى ثلاثين عاما وأكثر بين الولايات المتحدة وإيران.…
الجمعة ٠٧ نوفمبر ٢٠١٤
شهدت مدننا العربية يوم الثلاثاء الماضي، ومن بغداد والنجف وكربلاء إلى دمشق، وبيروت، وصنعاء، والكويت، والبحرين، بل وإلى حي الجمالية بالقاهرة بجوار الحسين والأزهر، البعض من شاطبي الرؤوس وضاربي الصدور، بمناسبة عاشوراء، ذكرى استشهاد الإمام الحسين بجوار الكوفة بالعراق في مواجهة عسكر أموي، عام 61 هـ/ 680 - 681 م. والشيعة يحتفون بذكرى المأساة منذ القرن الرابع الهجري. وقد استجدت «الشعائر الحسينية» على الشيعة اللبنانيين في أربعينات وخمسينات القرن العشرين مستوردة من إيران والعراق. وبسبب علاقتها برمزيات المذهب واستمراره؛ فإنها ما كانت تثير سخط أحد أو استنكاره، باستثناء كبار علماء المذهب الجعفري، الذين كانوا، ولا يزالون، ينكرون على العامة والمهيجين التطبير (ضرب الرؤوس بالفؤوس) وتمزيق الثياب، وإدماء الصدور. ولكي لا نطيل في التفاصيل التاريخية والدلالات، نقول إن الأمر تغير بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003، فتحت الإشراف والتشكيل الإيراني، وإعادة التنشئة والتوجيه حتى لزيدية اليمن، صارت الميليشيات باسم آل البيت والعاشورائيات صناعة للانقسامات داخل المجتمعات العربية بين الشيعة والسنة، كما صارت - في هذا العام والأعوام السابقة - احتفالات بانتصارات (يعني الخامنئي وميليشياته المنشورة في العالم العربي) على الخصوم المسلمين الآخرين وبزعم الثأر للحسين! ففي الوقت الذي كنا نشهد فيه حشود عاشوراء في أحياء دمشق الداخلية (وليس بينهم سوري واحد، بل هم ممن أتوا «للثأر» من الشعب السوري واستقدمهم رئيسه!)،…
الجمعة ٢٤ أكتوبر ٢٠١٤
قالت الدكتورة ابتسام الكتبي، رئيسة مركز الإمارات للسياسات، في كلمتها الافتتاحية «لملتقى أبوظبي الاستراتيجي الأول» (19 و20 أكتوبر/ تشرين الأول 2014)، إنَّ السنوات الثلاث الأخيرة شهدت «تداخُلَ الثورات مع التحولات الدولية والمشاريع الجيوسياسية، وانفجار الجغرافيا السياسية الناجمة عن تفكك الإمبراطورية العثمانية والهندسة الاستعمارية الأوروبية (سايكس - بيكو)، ودخول بعض القوى الإقليمية مثل إيران وتركيا لاعبًا داخليًا فاعلًا في المنطقة ومؤثرًا في أزماتها وتوازناتها، ودخول المنطقة في حرب طائفية طويلة. وتجذر فاعلية التطرف الديني في مرحلة الانتقال السياسي الذي عرفته الدول التي شهدت ثورات..». هناك إذن 4 ظواهر؛ اثنتان خاصتان بالانفجارات الدينية والطائفية، واثنتان خاصتان بالتفكك الجيوسياسي، والتدخل الإقليمي على وقع ذلك التفكك الجيوسياسي. وهكذا فإنَّ الواقع الراهن لا يمكن فهمه ومحاولة التصرف إزاءه إلا بفهم التداخل بين هذه العناصر الأربع. والواقع أنَّ هذه الظواهر المترابطة والتي يتشارك كلٌّ منها في صنع الآخر، يجب لوضعها في سياقاتها الحالية التنبيه إلى أمرين آخرين هما اللذان أطلقا هذه الديناميات: هجمة «القاعدة» على الولايات المتحدة عام 2001 في وقتٍ كانت فيه الهيمنة الأميركية قد وصلت إلى ذروتها. وردَّ الولايات المتحدة على ذلك بإطلاق الحرب العالمية على الإرهاب، وغزو أفغانستان والعراق (2001، 2003). لقد اعتبرتُ الحركية الدينية والطائفية الهائلة انفجارًا، بينما اعتبرتُ الظواهر الجيوسياسية المتمثلة في انهيار كيانات الدول وفشلها تفككًا؛ إذ إن الثورة الإيرانية…
الجمعة ٢٦ سبتمبر ٢٠١٤
عندما انطلقت حركات التغيير العربية عام 2011 ووصلت إلى سوريا، دُعيتُ إلى ندوة للحديث عن حركات التغيير تلك في مركزٍ على طرف الضاحية الجنوبية لبيروت. وما اهتمّ أحدٌ من جمهور «حزب الله» الحاضر لما قلتُه من أنّ الناس يريدون التغيير في عدة بلدانٍ عربية مثلما حصل في إيران عام 1978 - 1979. توجَّه معظم الحضور إلى نائب «حزب الله» الذي تحدّث بعدي، والذي كانت وجهة نظره أنّ «الثورات» مراحل، وهذه المرحلة ليست لإيران، لكنّ المرحلة الثانية أو الثالثة لها من دون شكّ. وجَّه الحاضرون عدة أسئلة إلى نائب الحزب، وكان منها: لماذا شبان العرب هؤلاء المتظاهرون في الشوارع علمانيون، وليس لديهم رائحة إسلامية واضحة؟ ثم لماذا يعتبر بعض هؤلاء تركيا نموذجًا ولا يعتبرون إيران وثورتها النموذج؟ فهم يسمُّون تحركاتهم ثورات، ومصطلح الثورة وممارساتها لا تنطبق على تحركاتهم! وظهر الإخوان المسلمون بمصر ومعهم السلفيون، وصارت الشعارات الإسلامية أكثر من الهمّ على القلب، لكنّ نائب الحزب والاثنين أو الثلاثة الذين أعرفهم من حاضري ندوة سبتمبر (أيلول) 2011 ظلُّوا مصرين على علمانية الثوار أو على الأقلّ «لا إسلاميتهم». وقلتُ للنائب: يا رجل، هؤلاء السائرون في الشوارع، ويحملون الشعارات أو يهتفون بها، وسواء أكانوا مدنيين أم علمانيين أم إسلاميين، كثرتُهُم الساحقة من السنة، وليس عندهم شيء ضد إيران (ما كان «حزب الله» قد تدخل…
الجمعة ١٩ سبتمبر ٢٠١٤
ما كانت الضغوط على الإسلام السني وعلى الدول العربية قليلةً قبل ظهور «القاعدة» وبعدها. وهي الضغوط التي كانت وراء المسارعة بالدخول في الحرب العالمية على الإرهاب عندما وقعت الواقعة. ومع ذلك فإنّ المراقبين العرب والمسلمين، كما انصرفوا مذهولين إلى تتبُّع أسباب جاذبية «القاعدة»، ينصرفون اليومَ من جديد إلى تعليل أسباب جاذبية «داعش» لدى فئاتٍ من الشبان بمشارق العرب ومغاربهم. لقد كانت أبسط حُجج أعداء «القاعدة» القول إنها استجابةٌ لطبيعة الإسلام الأصلية. وهذا معنى مقولة الخطر الأخضر وصدام الحضارات. وبالطبع أمكن ويمكن لأصحاب هذه المقولة أن يجدوا وقائع من الماضي والحاضر. بيد أنه إلى جانب الأصل الديني المُدَّعى؛ فقد كانت هناك تلك «الثقافة» الناشئة عبر أكثر من قرنٍ ونصف القرن في الحض على كراهية الغرب ومُعاداته. ولا فرق في ذلك بين اليمين واليسار والإسلاميين والقوميين! إنّ الكراهية الأصلية لأسباب دينيةٍ وتاريخيةٍ ونفسية هي التي تُعلِّل - في نظر هؤلاء - ردّة الفعل غير العادية، من جانب فئاتٍ من شبان العرب والمسلمين، على طرائق عيش الغربيين، وطرائق تصرفهم في ديار العرب والمسلمين طوال أكثر من قرنين. فالاستعمار ما نال من العرب (والمسلمين) فقط؛ بل نال بشواظه شعوب آسيا الكبرى وأفريقيا وأميركا اللاتينية. ومع ذلك فإنَّ أحدًا ما فكر من تلك الشعوب، بشنّ حربٍ أو حروبٍ عشوائية على المدنيين الغربيين لأن أسلافهم استعمروا…
الجمعة ٠٥ سبتمبر ٢٠١٤
لقي خطاب المفتي الجديد الشيخ عبد اللطيف دريان بدار الفتوى في بيروت، بعد انتخابه للمنصب بتاريخ 10-8-2014، ترحابا كبيرا من سائر الفئات الدينية والسياسية. وقد لفت المعلِّقين والإعلاميين والسياسيين في الخطاب عدةُ أمور؛ من مثل دعوته والتزامه بإصلاح الجهاز الديني والمؤسسة الدينية واستعادة هيبتها وحجيتها، وحملته على التشدد والتعصب، وتأييده دعوة الملك عبد الله بن عبد العزيز لمكافحة الإرهاب، ومخاطبته السنة والشيعة ودعوته إياهم لكفّ أمارات الفتنة والحفاظ على وحدة المسلمين، وحملته القاسية على المتطرفين الذين هجَّروا مسيحيي العراق من ديارهم، والأقليات الدينية والقومية الأخرى، وقوله إن للمسيحيين وغيرهم حقوقا في الدين والحرية والكرامة والعيش المشترك والواحد. بيد أن أحدا ما التفت إلى الفقرة ما قبل الأخيرة في خطابه ذاك، التي ذكر فيها المعاناة الخاصة التي عاشها المسلمون السنة في لبنان منذ أواخر الأربعينات. قال المفتي دريان إن المسلمين تحملوا في مناطقهم بالبلاد العبء الأكبر للجوء الفلسطيني في أعوام 1948 و1967 و1970 - ويتحملون في السنوات الأخيرة العبء الأكبر للنزوح للسوري. وفيما بين هذين النزوحين تحملوا الاغتيالات وأعمال القتل والتهجير من جانب مواطنيهم وجيرانهم لزعمائهم وشيوخهم وسياسييهم وأهل الرأي فيهم. ومع ذلك، فإنهم ظلُّوا أهلَ الجماعة والوفاق والمودة والتواصل، وأهل الدولة والعيش المشترك. وما ذكر المفتي دريان سببا أو نتيجة لما أورده، ولا شكا إلى أحد مما كان ويكون. وإنما…
الأحد ٢٤ أغسطس ٢٠١٤
أصدر صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة قانون مكافحة الجرائم الإرهابية. وهو أمرٌ قامت به من قبل دول عربية وإقليمية وعالمية. والذي أراه أن إصدار قوانين ضد الإرهاب، ومن أجل مكافحته والمعاقبة على ارتكابه، أمر مطلوب ولابد منه، وذلك لثلاثة أسباب جوهرية؛ الأول هَول الظاهرة وتعقيداتها وتداخُلاتها وتشابكاتها المحلية والإقليمية والدولية، والتي ما عاد أي قانون عادي للعقوبات يغطيها. والسبب الثاني أنه لا عقوبة إلا بنص؛ فبدلا من أن تلجأ السلطات إلى إجراءات أمنية احترازية، يأتي القانون ليجعل كل شيء واضحاً، لأن الدول المحترمة هي دول حكم القانون، الذي يتضمن ضمانات لأمن الدولة واستقرارها من جهة، ولحريات المواطنين واحترام حُرُماتهم وحقهم في الخصوصية وصون السمعة من جهة ثانية. والسبب الثالث: حق الدولة وواجبها في الدفاع عن نفسها ومواطنيها في مواجهة أي خطر، ولا طريقة لذلك غير إصدار قانون بمقتضى الحق السيادي، وبالتلاؤم مع القوانين الدولية ذات الصلة بموضوع الإرهاب. ذلك هو واجب السلطات العامة، وقد قامت وتقوم به. والحقيقة أن ظاهرة التطرف الديني بحد ذاتها تعني إفساداً للدين، بوضعه من جانب فئة مهما صغُرت في مواجهة المواطنين الآخرين ضد اعتقادهم الديني، وضد أمنهم واستقرارهم، فضلا عن إشاعة التفرقة بين أبناء الأمة بما يتجاوز حدود الدولة إلى نواح كثيرة، إسلامية وغير إسلامية. وهذا يعني…
الجمعة ٢٢ أغسطس ٢٠١٤
نُعاني نحن المسلمين في الحقبة المعاصرة من مشكلة ذات ثلاث شُعَب: شعبة التشدد والتطرف، التي وصلت إلى حدود الانشقاق بحيث صار الصراع داخليا، أي بداخل الإسلام نفسِه. وهكذا يكون على كلّ منا وهو يجاهد نفسه من أجل السكينة في أُسْرته ومجتمعه ودولته، أن يمتحن دخيلته وأفكاره وتصرفاته كلّ يومٍ، وهو يشهد عصائب التطرف باسم الدين تتحدى أولَ ما تتحدّى ما يعرفه وتربّى عليه دينا وأخلاقا وجماعة وإجماعات. والشعبة الثانية شعبة الفتنة. وهي آتية هذه المرة أيضا من داخل الدين. ففي الوقت الذي يهجُمُ عليه المتشددون والمتطرفون بحجة أنهم يعرفون من الدين ما لا نعرف، يقول لنا الإيرانيون وأعوانهم إنهم إنما يهجمون علينا لأننا مكفّرة ولأننا نتجاهل حقوق أهل البيت ومزاراتهم. ثم نجدهم لا يكافحون المتطرفين معنا، بل يعملون على شرذمة المجتمعات والدول باسم حقوق المذهب والطائفة. والشعبة الثالثة هي الشعبة الدولية أو العالمية، وهي التي أفادت من ذاك التطرف واستعملته في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، ثم ها هي الآن وقد استعصى عليها المتطرفون هؤلاء تستعين عليهم تارة بأهل الفتنة، وطورا بأهل الاستبداد والطغيان. لقد تشابكت هذه الظواهر المهولة واشتبكت بين أظهُرنا ومن فوقنا ومن تحتنا في العقد الأخير، بحيث صار الدين ذاتُهُ في خطر، وصارت أمتُنا في خطر. وأمام تكاتف الأخطار التي تخطف الأبصار والبصائر، نقف نحن العرب وسط…
الجمعة ١٥ أغسطس ٢٠١٤
ما جاء التغيير بالعراق، بقدر ما تأمل المعارضون السياسيون والمسلحون. لكن الأميركيين رحبوا به، وكذلك السعوديون، وبعض الأطراف الإيرانية، ومعظم الأطراف العراقية. فحيدر العبادي الذي سماه رئيس جمهورية العراق فؤاد معصوم لرئاسة الحكومة الجديدة خلفا للمالكي من قادة حزب الدعوة في المنفى وبعد الغزو. ومع أنه ما أظهر خلافا مع المالكي، فالمعروف أنه ما تولى مناصب رفيعة في إدارته. ويضاف لذلك أمر آخر لصالحه، هو أنه لم يعرف بالتعاون مع الميليشيات المسلحة التي شكلها الإيرانيون لدى سائر الأطراف الشيعية منذ عام 2004. إن الطريف أن المالكي وبعض معاونيه القريبين، كانوا هم الوحيدين الذين اعترضوا، وصدقوا بأي حجة: بحجة أن معصوم خالف الدستور، بعدم اختيار المالكي، زعيم أكبر كتلة بالبرلمان! أما المالكي نفسه والذي حكم السنوات الأربع الثانية بمفرده تقريبا، فإنه بالطبع ما خرج على الدستور قيد أنملة، رغم سقوط ثلاثين ألف قتيل في تفجيرات ما استطاعت أجهزة أمنه تلافيها، ورغم بقاء أهم المرافق معطلة مع مضي عشر سنوات على الاحتلال، وثلاث على الجلاء، ورغم الخروج على كل الاتفاقيات السياسية التي أنجزت لتشكيل الحكومة بعد انتخابات عام 2010 وتولي المالكي لمعظم الوزارات غصبا عن الجميع، وأخيرا رغم انهيار الجيش العراقي المليوني أمام هجمات «داعش» خلال ساعات. وهو الانهيار الذي ما استطاع الجنرال سليماني رأب صدعه، بعشرات الألوف من الميليشيات العراقية، والآلاف…
الجمعة ٠٨ أغسطس ٢٠١٤
منذ سقوط الموصل بأيدي المسلَّحين في 10-11 يونيو (حزيران) 2014، انصرفتُ مثل كثيرين غيري إلى تعداد الحرائق التي أقبل الإيرانيون على إشعالها في العالم العربي، ردا على خسارتهم الصاعقة في العراق. ذكرتُ الحوثيين باليمن، وذكرت المصائب التي نزلت بغزة في الثوران الحماسي المفاجئ للمقاومة، وذكرْتُ استشراس النظام السوري و«حزب الله» لأخذ حلب بعد حمص، وذكرتُ إصرار الإيرانيين على النظام السوري لمواجهة «داعش» بسوريا بعد أن لم يعد استخدام «داعش» مفيدا. وما خطر لأحدٍ منا أن يحاول الإيرانيون إشعال الموقف بشرق لبنان. نحن نعلم منذ أكثر من سنتين أنّ عرسال تحولت إلى شوكةٍ في خاصرة حزب الله، بسبب موقعها على الحدود، والجرود والجبال الوعرة التي تمتدُّ فوقها على مساحة مائة كيلومتر، وأنّ عرسال تؤوي عائلات مهجَّرين سوريين ارتفعت أعدادهم لأكثر من مائة ألف؛ في حين أنّ سكان البلدة لا تزيد أعدادُهم في الأصل على الثلاثين ألفا! ما توقعتُ هذا الاشتعال لأنّ الحزب أعلن انتصاره في كل مكانٍ، وزايَدَ في ذلك على النظام السوري نفسه. ثم لأنّ بدء النزاع إن أمكن توجيهه؛ فإنّ المآلات لا يمكن ضبطها. إنما والحقُّ يقال؛ فإنّ أهل تلك المنطقة من السنة والشيعة العقلاء حذّروا وأنذروا من ذلك خلال الشهرين الماضيين. إذ خلال الأسابيع الماضية قال لنا أهالي ثلاث قرى بمنطقة بعلبك إنّ صدامات كرّ وفرّ جرت وتجري…