الجمعة ٠٣ يناير ٢٠١٤
طوال الأشهر الثلاثة الماضية، كان الدكتور محمد شطح شديد القلق. وما كان ذلك بسبب خوف من جانبه من الاغتيال، إذ لم يخطر على باله مطلقا أنه مهدد أو مستهدف. بل كان قلقه لثلاثة أسباب: الدمار الهائل الحاصل في سوريا على الإنسان والعمران، وامتداده حكما وتخطيطا وليس مصادفة إلى العراق ولبنان واليمن. والتوافق الأميركي - الروسي على إعطاء الأولوية لمسألة مكافحة الإرهاب في العراق وسوريا ولبنان، واستخدام إيران في ذلك إن تعذر الاستمرار في استخدام إسرائيل والأسد أيضا. ومحاصرة أو محاولة حصار المقاومة العربية لهذا الدمار الأسطوري باعتبار العرب الذين يحاولون مساعدة البلدان العربية المنكوبة حلفاء للإرهاب، وعلى رأسهم للإنذار والتهديد المملكة العربية السعودية! ولأن الأمر يتعلق في القسم الأكبر منه بالولايات المتحدة وسياساتها في الشرق الأوسط، وشطح كان أكبر المتخصصين الذين أعرفهم في ذلك، فقد حادثته طويلا في المسألة ذات الشعبتين: التقدير القائل بحسب الصحافيين الأميركيين الكبار، إن الإرهاب هو الخطر الأول على مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، والادعاء القائل إن السعودية (وليس إيران مثلا!) مستفيدة من الإرهاب أو متحالفة معه! وكان رأي شطح أنه ليس من المهم ماذا يعتقد أوباما أو كيري أو المخابرات الأميركية، بل المهم ما يراد إقناع الرأي العام الأميركي به لمصلحة عليا يقدرونها. وهذا الذي كان عليه الأمر عندما غزوا العراق عام 2003 بزعم…
الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠١٣
قبل أسبوعين، كنت أقرأُ دراسة لباحث أميركي، ترجمها مركز الإمارات للدراسات الاستراتيجية عام 2010. والدراسة تنظر في مآلات النزاعات الداخلية في الدول، بآسيا، وإفريقيا، وأميركا اللاتينية. وهي تعالج الفكرة التي صارت مألوفةَ الطرح في هذه الأيام: كيف يمكن الخروج من النزاعات الإثنية والسياسية التي يكاد يكون متعذراً في خضمّ العنف والدم، التفكير في حل تفاوضي لها؟ هناك بحسب الباحث أحد ثلاثة حلول: الإصرار على المعالجة السياسية بإشراك المتمردين في النظام السياسي بطرائق أفضل وأنجع. أو اللجوء إلى التقسيم إذا كان المتمردون في مناطق جغرافية خالصة لهم. أو اللجوء للامركزية الموسَّعة أو الفيدراليات. ثم انفجر النزاع في جنوب السودان، وتجلّى عن انقسام قَبَلي وإثني عميق. فقد كان جون جرنج الذي تزعم الحركة الثورية في جنوب السودان منذ عام 1984 من قبيلة الدينكا، وكان له نائبان أحدهما من قبيلة النوير والآخر من قبيلة الشُلُك. وعندما قُتل فرنق في حادث تحطم طائرة، تزعم الحركة نائبه سلفاكير من قبيلة الدينكا أيضاً. وقد تمرد الآن نائبه رياك مشار من النوير، وما يزال موقف نائبه الآخر من الشُلُك غير واضح. ومع أنّ مشار هذا لا يطالب ظاهراً حتى الآن إلا بإطلاق سراح المعتقلين من النوير والشلك؛ فإن التقارير من تلك المنطقة التي تحضُرُ فيها قوات للأمم المتحدة، تذهب إلى أن النزاع هناك عميق، لأنّ وجهاء قبيلتي…
الجمعة ٢٧ ديسمبر ٢٠١٣
خلال السنوات العشر الماضية، أي منذ الغزو الأميركي للعراق، دارت وتدور حرب شعواء على العرب: في الأرض والانتماء والسيادة. وتشارك فيها عدة أطراف: بعضها من أجل الثأر والانتقام، وبعضها من أجل الحصول على ما يمكن وما لا يمكن من الغنائم، وبعضها بسبب الخوف والاستضعاف، وبعضها الرابع لأنها تملك أو تتوهم أنها تملك مشروعات بديلة لحاضر العرب ومستقبلهم. أما الطرف الأول، أي طرف الذين يشنون الحرب على العرب من أجل الثأر والانتقام، فتقع على رأسه الولايات المتحدة الأميركية، وعدد من حلفائها الغربيين؛ فقد أوقعت الأصوليات الإسلامية المقاتلة ضررا ما أمكن رأب صدوعه في الهيمنة الأميركية، سواء في هجوم «القاعدة» عليها بأميركا وغيرها، أو في صراعها معها عندما استولت على العراق. وقد قاتلتها الولايات المتحدة وحليفاتها في الحرب العالمية على الإرهاب التي ما تزال مستمرة، كما قاتلتها بالعراق مباشرة، وهي بعد انكسار الهيمنة لهذا السبب ولأسباب أخرى دولية وعالمية، تحاول كل الوقت مقاتلتها بالواسطة من طريق استدراج عروض سواء من نظام بشار الأسد أو من جانب النظام الإيراني. بيد أن الأسلوب الآخر لمصارعة «الإرهابيين الجهاديين» فيتمثل عند الأميركيين (والبريطانيين والألمان) في إشراك أطراف دولية أخرى في تحمل مسؤولية المكافحة، إلى جانب الأسلوب المعتمد من الجميع في اختراق هؤلاء الانتحاريين، وإعادة توجيههم بحيث يقتل بعضهم بعضا، أو يقتلون العرب الآخرين. أما الطرف الثاني…
الأحد ٢٢ ديسمبر ٢٠١٣
صدر لي في عام 2005 كتابٌ عنوانه «الصراع على الإسلام». وفكرتُهُ الرئيسية أنّ هناك صراعاً مَهولا على الدين الإسلامي للقبض على روحه أو على نقاط القوة والتماسُكِ فيه، والجهات الرئيسيةُ المشاركةُ فيه ثلاث هي: الأصوليون الانشقاقيون الذين سمَّوا أنفُسَهُمْ: السلفية الجهادية. والجهةُ الثانيةُ هم الدَوليون، وبخاصة الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون، وقد انضمّ إليهم الروسُ والصينيون والهنود. والجهة الثالثةُ أنظمةُ الحكم السائدة في العالمين العربي والإسلامي. وتختلفُ أهدافُ الجهات الثلاث، لكنّ النتائج واحدة، وهي المزيد من شرذمة هذه الكُتَل الضخمة والهائلة والتي يبلُغُ عددُها اليوم ملياراً وخمسمائة وخمسين مليوناً. فهذه المجموعات الضخمة والحشود الهائلة تسيطر على شبابها منذ عدة عقود ما يمكن تسميتُه بالتشاؤمية الثقافية. ذلك أن هؤلاء يحسُّون بضيق وانقباض في هذا العالم المحيط بهم، ويعبرون عن هذا القلق الكبير بأساليب مختلفة منها العنف ومنها التديُّنُ الشديد المنقبض، ومنها اللامبالاة والإحساس بانعدام الهدف. لكننا عندما نتجاوزُ الأمر الثقافي أو الديني إلى الأمر الاستراتيجي، فإننا ندخل في مجال مختلف تماماً. فالأمر الاستراتيجي يرتبط فيه الثقافي والسياسي بالجغرافية أولا وبالدول وسيادتها ثانياً. ولذلك فقد أدركْتُ ومنذ عام 2006 أنّ المتجسِّد على الأرض، رغم مظاهره المتكاثرة، هو بالدرجة الأولى صراعٌ على العرب وليس على الإسلام. ما كان في العراق أصوليون ولا «قاعدة». لكنّ الأميركيين غَزَوهُ مباشرةً عام 2003 بعد غزوهم لأفغانستان عام 2002.…
الأحد ١٥ ديسمبر ٢٠١٣
من جديد كثرت في الآونة الأخيرة رؤى وآراء ونظرات في الأوضاع الثقافية والحضارية العربية الإسلامية. والدوافع لهذا الفوران من جديد الفوضى التي حدثت بعد حركات التغيير العربية. وقد اقترنت التخلخلات بثلاث ظواهر: عودة الجهاديات والتنظيمات المسلَّحة للفعالية بشكلٍ عام. وعجز النُخَب المدنية التي بدأت الثورات عن إنشاء أنظمة حكمٍ جديدة، وظهور الإسلام السياسي على السطح في كل مكان. وتفاقُم التدخل الإقليمي والدولي في الدول العربية التي شاعت فيها الفوضى. ومن وراء تلك الظواهر، عاد الحديث من جديد عن الأحوال الثقافية والحضارية عند العرب، والأوضاع الدينية السائدة بما في ذلك الثقافة والممارسة باسم الدين. وعادت إلى السطح مع هذه الظواهر والرؤى الانطباعات التي تُعبّر عن سياساتٍ خفيةٍ وظاهرة، مثل الطبيعة العنيفة للإسلام أو للثقافة الدينية. ومدى تأهُّل العرب ثقافياً وتنظيمياً للديمقراطية أو إنشاء أنظمة الحكم الصالح. هذا الحديث ليس جديداً، وهو يعود في المرحلة المعاصرة إلى أواخر الثمانينيات من القرن الماضي. ووقتها كان الاتحاد السوفييتي ينهار، والبحث يبدأُ عن الأخطار المحتملة على الغرب وأنظمته وثقافته بعد انقضاء العهد والمحور السوفييتي. والطريف أنّ الاستراتيجيين تلمَّسوا يومها أخطاراً من جهتين تتعلَّقان بالإسلام: جهة أبناء وبنات الجاليات الإسلامية في أوروبا وجهة الخطر القادم من الجهاد الأفغاني بعد انسحاب الاتحاد السوفيتي من أفغانستان. وما كان شبان المهاجرين يمارسون وقتها أعمالاً عنيفةً أو أنّ العنف…
الجمعة ١٣ ديسمبر ٢٠١٣
دخل «الإخوان المسلمون» في مصر في الموجة الرابعة من «زحوفهم» لتخريب الأزهر. كانت الموجة الأولى عشية سقوط حسني مبارك، باعتبار أن شيخ الأزهر ما كان موقفه واضحا من ثورة 25 يناير (كانون الثاني)، وقد تأخر كثيرا في تأييدها. وهذا كأن «الإخوان» أنفسهم كانوا هم صناع الثورة أو أول المتحمسين لها! وعلى أي حال فقد كنا نرى طلابا متأخونين من حول مشيخة الأزهر ينادون بالويل والثبور وعظائم الأمور إن لم يترك الشيخ الدار. وجاءت الموجة الثانية خلال الصراع على الدستور. وقد كانوا وقتها يعانون من التنافس مع السلفيين الذين كانوا يعتبرون مشيخة الأزهر «قليلة» الحماس لبرنامجهم في أسلمة الدولة والمجتمع. وهكذا فقد اندفعوا هم أيضا لشخصنة الصراع لأن الشيخ يوسف القرضاوي (الذي عاد حماسه لحكم الإخوان للاشتداد) رأى أن الأزهر سيظل ضد «الإخوان» سواء أكانوا في السلطة أم في المعارضة! إنما بسبب المزايدة بينهم وبين السلفيين على من هو الأكثر حرصا على الإسلام وتطبيق الشريعة، جرى تثبيت استقلالية الأزهر! وجاءت الموجة الثالثة (وكانت أكثر حدة من الأوليين) بعد وصول مرسي للرئاسة، والاشتباك بين «إخوان مصر» ودول الخليج لسببين: إنشاء تنظيمات إخوانية في دول الخليج، ومحاولات «الإخوان» المستميتة لتغيير سياسات مصر الاستراتيجية فيما يتعلق بإيران وتركيا والقضية الفلسطينية. وما وافق مصريون كثيرون بينهم شيخ الأزهر على هذه التوجهات للضياع والتضييع. ولذلك وعندما…
الجمعة ٠٦ ديسمبر ٢٠١٣
كما ضايقتنا الأحكام التي صدرت على الفتيات الصغيرات في مصر، لأنهن تظاهرن ورمين الشرطة بالحجارة، أرعبتنا أيضا حقيقة أن التنظيم الإخواني قرر إرسال الفتيات إلى الشارع، بالزي الموحد، والحركات المتشابهة. ومن المعروف أن الأمم المتحدة دأبت في العقدين الأخيرين على إصدار تقارير سنوية عن إشراك الأطفال في الحروب، وبخاصة في أفريقيا. إنما الغريب جدا أن يلجأ «الإخوان» إلى ذلك في نزاع يعرفون أنه يمكن أن يؤدي إلى مقتل فتاة أو أكثر، قياسا على ما جرى خلال الشهور الماضية: أين الشرعية الأخلاقية والقانونية التي تبرر هذا العمل من جانب «الإخوان»، ومن جانب القضاء؟ ونحن نعرف أن مشاركة الأطفال ذكورا وإناثا في الأعمال العنيفة وشبه العنيفة تحدث كل يوم في الغرب. لكن الشرطة تكتفي بالضبط وإحضار الأهل لتسلم أطفالهم، وإن لم تجد أهلهم تسلمهم إلى إحدى الإصلاحيات دونما حاجة لإيصال الأمر للمحاكم ما لم تحدث جريمة نتيجة هذا العمل أو ذاك من أعمال الشغب التي يشارك فيها الفتيان! ليس من المستحسن ولا من المسوغ شيطنة «الإخوان» والإسلاميين الآخرين، وبخاصة أن التصريحات المعلنة بعد تقلبات الشارع والسلطة في مصر وتونس على وجه الخصوص، تعد الإسلاميين غير العنيفين فريقا سياسيا له حق المشاركة ولا جرم على أحد. إنما من جهة أخرى فإن للإسلاميين (والإخوان من بينهم) مسالك للشرعية والمشروعية لا ينبغي تجاهلها إذا أردنا…
الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠١٣
يوم الأربعاء الماضي حاول انتحاريان نسف السفارة الإيرانية في بيروت. وقد سقط نتيجة هذه الهجمة عشرات القتلى ومئات الجرحى والمُصابين. وهذه عملية انتحارية عُرفت مثائلها في كل موطن ظهر فيه أو تحرك متشددو «القاعدة»؛ وبخاصة في العراق وسوريا في السنوات الأخيرة. والمُلاحَظُ حصول «تطور» في اتجاه هذه العمليات. فقد بدأت في تسعينيات القرن الماضي من جانب «حماس» والجهاديين الآخرين ضد القوات والمؤسسات الإسرائيلية. ثم صارت تجري ضد المؤسسات والجهات الأميركية والغربية في العالم. والتطور الثالث في العقد الماضي التفجير والانتحار ضدّ المؤسسات والجهات العربية والإسلامية. أمّا هذه الموجة التي أعتبرها رابعة الموجات أو العواصف فتتجه إلى المؤسسات والجهات الشيعية المعروفة بولائها لإيران، دون أن تختفي بالطبع المظاهر والظواهر السابقة كلياً. وفي هذه المرحلة بالذات يتفرد المشهد المصري في سيناء حيث لا عمل للجهاديين غير قتل رجالات الجيش والشرطة، ومن جانب منظمة تُسمّي نفسَها بيت المقدس أو ما شابه. ولستُ أدري كيف يُسهم قتل العسكريين المصريين في تحرير القدس. لكنها كما نعلم أفاعيل الظواهري الذي أصرّ دائماً على هدْم بلده، ولم يحوِّلْهُ عن هذه العزيمة هو وأخوه العائد من إيران حتّى وصول إخوانه من «الإخوان» للسلطة بالبلاد! كيف تؤثّر الانتحاريات المتجددة على الوضع الاستراتيجي بالمنطقة العربية بعد الثورات؟ أول تلك الآثار الصراع الشيعي السني والذي يرتهن الآن بلداناً عربيةً، ويفتّت دولا…
الجمعة ١٥ نوفمبر ٢٠١٣
لا يستطيع العنف والعنف المضاد أن ينتج مجتمعا أو نظاما، فضلا على أن ينتج أمة. وهذه ليست دروس التاريخ، بل هي أيضا دروس الحاضر. وإذا كان سهلا جدا الحديث الآن عن الحالتين الليبية والسورية باعتبارهما النموذج والدرس لما سبق ذكره أو استنتاجه، فلن ألجأ إليهما، بل سألجأ إلى الحالة اللبنانية التي تجمع لسوء الطالع كل الحالات والنماذج الأخرى. فمنذ قرابة الأسبوعين يهدد حزب الله اللبنانيين والعرب المسلمين بالويل والثبور وعظائم الأمور، والتخلي عن الشراكة التي لم يراعها من قبل على أي حال. والسبب الظاهر للموجة الجديدة من هياج الحزب ومسلحيه وحلفائه، أن تيار المستقبل قال إنه لن يدخل في الحكومة التي يراد تشكيلها مع الحزب، ما دام الحزب يقاتل في سوريا ضد الشعب السوري ومع نظام بشار الأسد القاتل! وما اقتصر الأمر على إنذارات الحزب التي نعرف من سوابقه ومناعمه أنه يستطيع تنفيذها؛ بل زاد الطين بلة أن علي عيد ورفعت عيد حليفَي الحزب والنظام السوري المتهمين في تفجير المساجد بطرابلس وقتل واحد وخمسين من المصلين يريدان التظاهر بالمدينة احتجاجا على «الظلم» الواقع بهم من جانب الجيش والأجهزة الأمنية والقضاء اللبناني! ويعتبر العيد أو العيدان الأمنيين والعسكريين الذين كشفوا عن مرتكبي جرائم التفجير جميعا خونة وإسرائيليين وقتلة للأبرياء! ومفهوم أن أهل المدينة المحاصرين بالحزب وبالنظام السوري وبالاختراقات القاتلة منذ سنوات…
الأحد ١٠ نوفمبر ٢٠١٣
قال هوشيار زيباري إنه يخشى أن تتحول الموصل والأنبار إلى أفغانستان ثانية! ولمن لا يعرف زيباري فهو وزير الخارجية في حكومة المالكي بالعراق، وهو من فريق طالباني في الحكومة العراقية. وقد غاب طالباني عن البلاد بسبب المرض لأكثر من عامين، لذلك ضعُف فريقه ليس في حكومة العراق الاتحادية فقط؛ بل وفي المنطقة الكردية أيضاً. وفي الانتخابات الأخيرة بالإقليم خسر فريق طالباني لصالح المعارضة المنشقة عن حزبه. ولمن لا يعرف أيضاً فإنّ فريق طالباني أقرب في الأصل للمالكي والحاكمين ببغداد المتنافسين على الولاء لطهران. بينما كان البارزاني يراهن على تركيا. ومن الطبيعي وقد ازداد فريق الطالباني ضعفاً أن تزداد تبعيتُهُ للفريق الذي يعمل معه. لذلك فقد تطوّر موقف زيباري من داعٍ إلى الحياد والمصالحة في الأزمة السورية، إلى داعمٍ للأسد وراغب في إشراك الميليشيات الكردية في نصرته على الحدود، تماماً مثل وظائف فصائل أبي الفضل العباس و«حزب الله» المؤتمرة بأمر إيران. لماذا هذا الاستطراد الطويل عن زيباري؟ لأنه مثل سائر العاملين ضمن «مشروع» المقاومة والممانعة، ينتقل بسرعة من «التحزب» للمشروع، إلى اتهام العرب والسنّة بالعنف والإرهاب، وهو محتاج لذلك مثل حاجة وزير الخارجية اللبناني، ووزير الخارجية السوري، أو يشكّ الجنرال سليماني في ولائه وولائهم! إنّ المفروض أنّ وزير خارجية أي بلد يحرص على سمعة البلد والحكومة التي يعمل ضمنها حتى لو…
الجمعة ٠٨ نوفمبر ٢٠١٣
قد يكون من المبالغة والتجاوز الحديث عن «الأمة العربية»، باعتبار الافتراق الحاصل على مستوى السلطات في المسائل الكبرى مثل سوريا وفلسطين والعراق والجزائر والسودان، بيد أن الأمر لا يعد تجاوزا إذا لاحظنا أو تحدثنا عن الرأي العام العربي، فالرأي العام ظاهر وموحد في القضايا الكبرى المتعلقة بأنظمة الحكم، والملفات البارزة مع الإقليم والعالم، والتوجهات المستقبلية. ومن دون انتقاص من أهمية أحد أو دوره فإن الأمر مختلف الآن أيضا عنه في زمن ما قبل الثورات؛ فالتوجهات واضحة لجهة النصب والاحتيال والاستنزاف الذي يمثله الطرف الآخر الإقليمي والدولي على الساحة العربية. وبعبارة أوضح، ما عاد هناك مشروعان يتنازعان على البناء في العالم العربي، بل هناك مشروع عربي واحد هو الذي تقوده دول الخليج بزعامة السعودية. أما «المشروع الآخر» إذا صحت تسميته بذلك والذي يسود بالعراق وسوريا وعبر حزب الله بلبنان، ومعه بعض الإسلاميين السنة تبعية واختراقا، وبعض القوميين (العرب!) القدامى عمالة وقلة وعي؛ فهو مشروع إيراني، وهو يجهر بالتقسيم وتحالف الأقليات، والعداء للعرب عبر العداء لدول الخليج. ثم إنه يتظاهر بإرادة التحرير والحكم المدني، ولا شواهد له على ذلك غير سلوك النظام السوري ونظام حزب الله والنظام الديني الإيراني! وقد انضم إليهما نظام المالكي، فتوافرت لهم الإمكانيات المادية والبشرية والتسليحية لمزيد من القتل والتقسيم. ولكي يزيدوا من تضييع قضايانا (بسبب كراهيتهم للعرب…
الأحد ٠٣ نوفمبر ٢٠١٣
ما كانت واقعة «الإخوان» مع الأزهر قبل بضعة أيامٍ هي أولى وقائعهم معه، قبل الثورة المصرية وبعدها. فمنذ ثلاثينات القرن العشرين يتصارع «الإخوان» مع الأزهر حول المرجعية في الدين والمجتمع الإسلامي العام. بل يمكن القول إنّ خلافهم مع الأزهر سبق خلافَهم مع الدولة المصرية في زمني الملكية والجمهورية. فقد نظر البنّا، مؤسس «الإخوان»، إلى الأزهر باعتباره مؤسسةً تقليديةً عاجزةً عن أداء المهمات التي أوكلها المصريون والمسلمون بعامة إليها. وذلك لأن جمعية «الإخوان» والجمعيات المشابهة والتي قامت في مصر منذ مطالع القرن العشرين، كانت تعتبر نفسَها وارثةً للشرعية أو قائمةً عليها، وبخاصةٍ بعد سقوط الخلافة العثمانية وإلغائها على يد مصطفى كمال. وقد تطور هذا النوع من «الوعي» إلى الحدود القصوى بعد الحرب العالمية الثانية، لأن «الإخوان» صاروا يعتبرون أنفسهم بديلاً عن الدولة الوطنية المصرية. أما الأزهريون فظلُّوا يعتبرون أنفسهم قبل إلغاء الخلافة وبعدها قائمين على التعليم الإسلامي وعلى الفتوى وعلى الإرشاد العام، ولا يرون أن بينهم وبين السلطات القائمة منافسةً من أي نوع. بل إن كثيرين منهم اعترضوا على مطامح الملك فؤاد واستخداماته للأزهر لتسنّم منصب الخليفة الذي تخلَّى عنه الأتراك. والشيخ علي عبد الرازق، شقيق الشيخ مصطفى عبد الرازق (الذي صار عام 1945 شيخاً للأزهر) هو مؤلّف كتاب «الإسلام وأصول الحكم» الذي قال فيه إن الإسلامَ دين لا دولة، والذي…