الأحد ٠١ سبتمبر ٢٠١٣
يأبى مراقبون كثيرون طرح السؤال عن أسباب استخدام النظام السوري للكيماوي بهذه الكثافة والهول في الأسبوع الماضي. فمن وجهة نظر هذا الفريق، فإن أفعال النظام الأخرى طوال عامين ونصف العام لا تقل هولًا وفظاعة وإجراماً. ومع ذلك، ما الذي دفعه -وهو في حالة مقبولة خلال الشهور الأخيرة- إلى الضرب بالكيماوي الآن، وبخاصة أن وسائله الأخرى ليست أقل هولاً ونجاعة. وإذا كان الرهان على قتل أكبر عدد ممكن من الناس في مساحة محددة، فإن النتيجة هذه (1300-1400 قتيل) كان يمكن تحقيقها بدون الكيماوي في أربعة أو خمسة أيام! ويذكر مراقبون آخرون، عرب وأجانب، لذلك عدة احتمالات تتجاوز التعجب والاستغراب. وأول هذه الاحتمالات عجز النظام السوري وداعميه من «حزب الله» والعراقيين والإيرانيين عن إنجاز تقدم حقيقي في ريفي دمشق الشرقي والغربي. إذ خلال الشهور الأربعة الماضية أحرز النظام تقدماً في ريف حمص، وفي حمص نفسها، وفي وادي النصارى المُحاذي والمتداخل مع الساحل العلوي. لكنه ما استطاع التقدم في ريف دمشق رغم الجهود الجبارة. فحتى حي القابون والسيدة زينب، وفيهما من المقاتلين ألوف وألوف من سوريا ولبنان والعراق واليمن (الحوثيين) ما أمكن لهؤلاء جميعاً التقدم فيهما. والمعروف أن ريف دمشق الشرقي مُحاذ للحدود اللبنانية، وكذلك جزء من الغربي. وهذا يعني أن الإمداد سهل، وأن المقاتلين عندهم دوافع دينية وحوافز. فقد زعم لهم الأمين…
الجمعة ٣٠ أغسطس ٢٠١٣
عقدت مؤسسة آل البيت للفكر الإسلامي بالأردن مؤتمرها لهذا العام حول «مشروع دولة إسلامية حديثة قابلة للاستمرار ومستدامة». وقد حضره مائة عالم من 33 دولة عربية وإسلامية، إضافة لعلماء مسلمين من ديار غير إسلامية، وألقي فيه زهاء الأربعين بحثا ودراسة، حاول فيها المنتدون تحديد معالم الدولة الإسلامية الحديثة القابلة للاستمرار. وفضلا عن العنوان الذي يليق بمؤتمر للتنمية المستدامة، وليس بالدولة (الإسلامية) المستدامة، هناك التلخيص لبحوث المؤتمر الذي وضعته سكرتارية المؤتمر ووزعته على الأعضاء المشاركين، والذي يحمل العناوين التالية: الدولة في الإسلام «مدنية» (التي يحكم فيها المؤتمنون من أهل الاختصاص) - ورفض الادعاء باحتكار الدين - ورفض الفتنة المذهبية والطائفية - ودور المؤسسات الدينية في تحقيق الوئام - ورفض التكفير – ونبذ العنف - ودور منظمات المجتمع الأهلي ومساعدة اللاجئين. والواقع أن هذه الموضوعات جميعا ذات معنى اجتماعي وثقافي جيد وودود ولائق. إنما لا علاقة لها بموضوع المؤتمر باستثناء العنوان المقرر أن الدولة في الإسلام مدنية، بيد أن الاشتراطات التي أحاطت به أضاعت معناه تماما. فهناك القول إن المؤتمنين على الحكم فيها هم أهل الاختصاص كل في مجاله بالاعتماد على الدستور واحترام القانون والمساواة بين المواطنين من كل الأطياف العرقية والدينية، بما لا ينافي المبادئ العامة للدين الإسلامي! ثم إن الأمة هي مصدر السلطات إنما «بإذن الله»، و«لا يحدها إلا المصلحة…
الأحد ٢٥ أغسطس ٢٠١٣
شبَّه الأمير سعود الفيصل موقف الملك عبدالله بن عبد العزيز من مصر بعد حركة الثالث من يوليو، بموقف الملك فيصل عام 1973 عندما شارك مصر وسوريا في حربهما لتحرير الأرض المحتلة، بقطع البترول، والقيام بتحرك سياسي ودبلوماسي كبير، لاستثمار آثار التضحيات في حرب أكتوبر 1973. والمعروف أن نكسة عام 1967 ما أدت إلى احتلال سيناء والجولان والضفة الغربية والقدس، بل أدت أيضاً إلى شل قدرات الأمة العربية، وهدَّدت بالانصراف عن القضية الفلسطينية إلى محاولة تحرير الأرض في الدول العربية الثلاث. وعندما حصلت تلك الهزيمة ما كانت العلاقات السعودية المصرية على ما يُرام، بسبب النزاع الناجم عن التدخل المصري باليمن، وتهديد الحدود السعودية لهذه الناحية. على أن المملكة شأنها دائماً في مثل تلك الظروف، ما تأخّرت عن الوقوف إلى جانب الأشقاء في أزمتهم الطاحنة. وقد خاضت السعودية عمليات الدعم والتضامن عبر أمرين: فض النزاع مع مصر بشأن اليمن، وعقد مؤتمر الخرطوم الذي وضع استراتيجيةً عربيةً لاستعادة الأرض، ولإعانة كلّ المتضررين في الشأن الداخلي، وفي الجهد العسكري. ولأن الجبهة صارت واحدة، فقد كانت المملكة هي الوحيدة التي جرى إطلاعُها على مواقيت الحرب من أجل التحرير. ولمّا لم يكف الجهد الحربي في حرب أكتوبر لتحرير الأرض والإرادة، جاء موقف الملك فيصل ليصنع نقلةً جديدةً وأساسيةً في العلاقات العربية العربية، وفي العلاقات العربية الدولية.…
الجمعة ٢٣ أغسطس ٢٠١٣
ما كان البائس أيمن بن خريم الأسدي يملك غير سيفه الكليل عندما دعاه عبد الملك بن مروان ليقاتل معه «المحل» عبد الله بن الزبير، وأجابه أيمن غير متتعتع: لكن يا أمير المؤمنين هل كل العراقيين والحجازيين الذين مع ابن الزبير هم من المحلين والمرتدين؟! فقال عبد الملك: بالطبع لا! فقال الأسدي: إن سيفي هذا أعمى لا يميز بين المؤمن والكافر، فإن أردت مني مقاتلة رجل يصلي على سلطان آخر من قريش، فأعطني سيفك الذي لا يقتل غير الكفار! فغضب عبد الملك وطرد أيمن وكل بني أسد من مجلسه العامر الذي ما عاد فيه شاك واحد! هذا ما قاله الأمين العام لحزب الله في آخر خطاباته الصاعقة بعد تفجير الضاحية المهول! قال لحضور مهرجانه الحاشد (الذي ليس فيه شاك واحد) احتفالا بالنصر في «حرب تموز» المجيدة، إنه مصر على مقاتلة «التكفيريين» حتى لو اضطر للذهاب بنفسه، أما الذين لا يندفعون معه للقتال في سوريا ولبنان والعراق فهم في حكم الخونة، والقتلة والمسهلين لأعمال الإرهاب! ذهب حزب الله للقتال في سوريا منذ عام ونيف. وبشرنا أول ما بشرنا بالانتصار على التكفيريين من أهل بلدة القصير! والإعلاميون الذين أخذهم رجالاته إلى حمص قبل عدة أسابيع، قالوا إنهم لم يروا هناك غير مراكز لحزب الله والحرس الثوري الإيراني، وما رأوا مركزا واحدا لجيش بشار…
الأحد ١٨ أغسطس ٢٠١٣
تنطوي الفكرة الدينية عندما تتمترس في العالم السياسي على احتمالات كبيرة وكثيرة للعنف والإرهاب: العنف لفرض النفس رجاء التمكين، والإرهاب إذا لم يكن هناك أمل في بلوغ السلطة والسيطرة. وقد كان الأمران واضحَين بالنسبة لي منذ قتل إسلاميون مصريون الرئيس السادات عام 1981. بيد أن ما لم يكن واضحاً حتى قيام الثورات العربية عام 2011 هو مدى الافتراق الحاصل بين التنظيميين والجهاديين من الإسلاميين. فخلال متابعاتي الطويلة التي سجلتُها في ثلاثة كتب ومئات المقالات، لاحظتُ الفروق في التصرف وردود الأفعال بين الإسلاميين الحزبيين والآخرين الذين يشنون حملات الجهاد. ولأنني ما تنبهت إلى استكشاف «الخيط الناظم» بين الطرفين، وهو استخدام الدين في الصراع السياسي أو اعتبار الدين جزءاً أساسياً من شرعية الدول والأنظمة؛ فقد توصلتُ إلى استنتاج ترجيحي مؤداه أنّ الحزبيين تلاءموا إلى الحدود التي تسمح بمشاركتهم في الانتخابات الحرة، وفي الخضوع لنتائجها، وفي عدم اللجوء إلى العنف حتى وإن لم تتحقق آمالُهُم كلياً. وقد كان ذلك الاستنتاج ترجيحاً، لأنهم ظلوا شديدي الانتقاد للغرب وديمقراطياته، كما ظلوا غامضين في مراعاة مسألة المواطنة وحقوقها وواجباتها، وظلوا أخيراً غامضين في موقفهم من الجهاديين، حتى عندما كان الجهاديون يهاجمونهم. إنّ لدينا الآن ثلاث تجارب واضحة فيما يتعلق بالإسلاميين الحزبيين والعنف: انتخابات الجزائر 1991/1992، وانتخابات فلسطين عام 2006، وانتخابات مصر 2011/2012. وهناك فروق بالطبع بين…
الجمعة ١٦ أغسطس ٢٠١٣
قبل شهر ونيف اقترح الجنرال قاسم سليماني على صديقه المالكي رئيس وزراء العراق - أمام ظهور عجز قوات الجيش والشرطة والأمن في مواجهة الإرهاب - أن يرسل إليه عشرين ألفا من فيلق القدس، عشرة آلاف للفصل بين الأنبار وبغداد، وعشرة الآلاف الأخرى للانتشار على الحدود مع سوريا من جهة العراق! وفي العراق بإمرة المالكي منذ عام 2010 زهاء ستمائة ألف من قوات الجيش، والشرطة والأمن، بالإضافة إلى الميليشيات المسلحة من حزب الدعوة، ومما أخذه الإيرانيون من الميليشيات الشيعية (وبخاصة من عند مقتدى الصدر) ووضعوه في خدمة المالكي، ومع ذلك ما استطاعت كل هذه القوى الهائلة الوقوف في وجه عاصفة التفجيرات والهجمات في الشهور الستة الأخيرة. والسائد الآن في أوساط الإيرانيين والأميركيين وأهل النظامين العراقي والسوري الموالين لإيران أن المتطرفين يعبرون من العراق إلى سوريا فيتزودون بالأسلحة والمتفجرات ويعودون إلى العراق للقيام بأعمال إرهابية ضد نظام المالكي، وفي المناطق ذات الكثرة الشيعية! وقد زاد الطين بلة أن المناطق السنية البارزة في العراق تشهد مظاهرات حاشدة ضد المالكي وحكومته منذ أكثر من سبعة أشهر، وبذلك فهي تشكل تغطية من نوع ما لإرهاب «القاعدة»، كما أن هذا الصراع والانقسام السياسي الشديد يفتح شهية عدة أطراف على ممارسة العنف. والطريف أن أهم مطالب المتظاهرين السنة ضد المالكي: إطلاق سراح آلاف المعتقلين منذ سنوات من…
الأحد ١١ أغسطس ٢٠١٣
أخرجت الثورات العربية (2010- 2013) المنطقة العربية من الجمود والإخضاع بمفاعيل التوافق والتقاسم بين إيران وتركيا وإسرائيل برعاية الولايات المتحدة. لكن الاضطراب الشديد الذي يصل إلى حدود الفوضى المدمرة انتشر في الأجواء مجدداً، بفعل عاملَين اثنين: محاولات الانشقاقيين العرب والمسلمين الاستيلاء على نتائج الثورات أو تخريبها، واختراق إيران وتركيا والولايات المتحدة وروسيا لفصائل الإسلام السياسي والجهاديين والإفادة من ذلك في الاحتفاظ بالنفوذ، أو تخريب البلدان وقتل الناس، إن لم يكن الاحتفاظ بالنفوذ ممكناً! أصر أقطاب الدراسات الإسلامية على اعتبار وجوه القلق والاضطراب التي انتشرت في المجتمعات الإسلامية في النصف الأول من القرن العشرين صحوةً أو يقظة، تميزت بأمرين: أولهما الإقبال على تديُّن شديد ذي طابع شعائري ورمزي، وتَوق لأسلمة الحياة الفردية والاجتماعية والسياسية. والأمر الثاني رفض الأجنبي، بالمعنى العسكري والأمني والاستعماري بالطبع، وبالمعنى الثقافي والحضاري. وما سيطرت هذه النزعة بشقّيها في عقودها الأُولى، بل تكونت إلى جانبها ثم في مواجهتها ميول ومشروعات للتجديد والإصلاح، كانت وراء الحركات التي كافحت الاستعمار، وسعت لإقامة الدولة أو الكيانات الوطنية الطامحة للاستقلال والتقدم. وقد حققت الدولة الوطنية في عقودها الأولى نجاحات معتبرة، وامتلكت طموحات قصّرت دونها، ولذلك حسمت نُخَبُها العسكرية والثقافية الأمر لصالحها في مطلع الخمسينيات، فأقصت فريقين: البورجوازيات الكبرى التي تعاملت مع المستعمرين من موقع الدونية، والإسلاميين الصاعدين تخوفاً من تشددهم واستخدامهم للدين…
الجمعة ٠٢ أغسطس ٢٠١٣
ما كادت دول الاتحاد الأوروبي تصدر قرارها باعتبار «الجناح العسكري» في حزب الله تنظيما إرهابيا، حتى سارع الطرفان (الاتحاد الأوروبي والحزب)، كل على طريقته إلى التقليل والتهوين من شأن ذاك القرار: ممثلة الاتحاد الأوروبي في بيروت طافت على كل من يريد الاستماع ومن لا يريد من حزب الله وغيره لتخبرهم أن القرار لا يعني الكثير، وأن لبنان لن يتضرر أبدا وسيظل شريكا مهما للاتحاد. وللبرهنة على عدم أهمية القرار فإنها لم تكتف بعدم تضرر لبنان رغم أن الحزب يحكمه الآن، بل أخذت على المعارضة اللبنانية عدم تشكيلها حكومة «وحدة وطنية» مع الحزب الآن فورا. وكانت قد أظهرت انزعاجها قبل شهور عندما تفككت حكومة ميقاتي التي كان الحزب قد شكلها في مطلع العام 2011! وعندما تشارك حزب الله والجيش اللبناني في إنهاء «المجمع الأمني» لأحمد الأسير في صيدا، سارعت سفيرة الاتحاد الأوروبي في لبنان أنجيلينا أيخهورست إلى زيارة مخابرات الجيش بالمدينة، رغم اتهام نواب صيدا وأهلها لذاك الجهاز بانتهاكات واسعة فيها! أما إجابة حزب الله عن القرار فقد كانت من ثلاثة أجزاء: التهوين من شأن القرار والقول إنه سيرتد على أصحابه - رغم نفي أن يكون هناك فرق بين الجسم السياسي والجسم العسكري للحزب، وهذا صحيح، لأن قيادة الحزب واحدة وهي تمارس الأعمال العسكرية والأمنية والسياسية - وأخيرا مطالبة الاتحاد الأوروبي…
الأحد ٢٨ يوليو ٢٠١٣
اختلفت ردود الفعل على الحدث المصري اختلافاً كبيراً بين إيران وتركيا، فبينما صبرت إيران مُبْدية بعض الأسى والأسف على ما حصل لمرسي و«الإخوان»، سارعت وسائل إعلامها في سوريا ولبنان إلى دعم الثورة الثانية، واتهام «الإخوان» بالتعاون مع أميركا وإسرائيل! والمفارقة أن هذا التردد الإيراني المخلوط بالرضا، قابله سخط شديد من جانب الأتراك على «الانقلاب» وعلى إسقاط الشرعية الدستورية! ولا تزال التصريحات التركية تتوالى في دعم الرئيس السابق، وفي تجفيف العلاقات مع مصر الثورية، مثل إيقاف تصدير السلع التركية إلى الخليج عبر مصر، ودعوة دول الاتحاد الأوروبي لإنكار الخروج على الشرعية، ودعوة الأمانة العامة لمجلس التعاون الإسلامي للإنكار أيضاً. وقد بلغ من خبث الإيرانيين أن أرسلوا وزير خارجيتهم صالحي إلى أنقرة لينصحوا تركيا بعدة نصائح ملغومة منها التهدئة مع العسكر بمصر، والتهدئة مع نظام الأسد، والانصراف عن الاتفاق مع الأكراد! فما هو السبب الحقيقي لذلك الثوران الأردوجاني؟ وهل الإيرانيون وحلفاؤهم بالشام راضون حقاً عن انهدام حكم «الإخوان»؟ ما كان «الإخوان» المصريون شديدي الانبساط من أردوجان، فقد اعتبروا صيغته غير ممكنة لمصر، أي صيغة الجمع بين العلمانية والإسلام. و«الإخوان» يعتبرون دولتهم دولة مدنية، لكن نموذجهم المعاصر هو دولة الولي الفقيه بإيران. وعندما يجادلون في ذلك، يقولون إنه لابد من تطبيق الشريعة لكي تكون الدولة إسلامية، فهم ليسوا مع الفقيه وولايته لأنهم سنة،…
الجمعة ٢٦ يوليو ٢٠١٣
شكلت حركة 30 يونيو (حزيران) 2013 بمصر التغيير الرئيس في العالم العربي بعد نشوب ثورات التغيير في أواخر عام 2010. وقد تزامن تمرد حركة «تمرد» واستجابة الجيش المصري لها مع الانتخابات الرئاسية الإيرانية وفوز حسن روحاني بالرئاسة في إيران في وجه مرشحي الحرس الثوري والمحافظين. وخلال الفترة نفسها تخلى أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني عن السلطة لصالح ولي عهده تميم بن حمد. واتجهت دول مجلس التعاون الخليجي بزعامة السعودية لدعم النظام الجديد بمصر، ولنُصرة الثورة السورية والشعب السوري في وجه نظامه القاتل، وفي مواجهة إيران وحزب الله المتدخلين بالعسكر والعتاد ضد الشعب السوري ولصالح بشار الأسد. وفي حين انطلق الجيش المصري لتحرير سيناء من إرهاب «القاعدة» والجهاديين الآخرين، ووضع بذلك حماس في موقف صعب بين مصر الجديدة من جهة، وجهاديي إيران والإخوان المسلمين من جهة ثانية؛ أنجز جون كيري وزير الخارجية الأميركي خطوات واسعة على طريق العودة للتفاوض بين السلطة الوطنية الفلسطينية وإسرائيل سعيا لإطلاق عملية السلام من جديد. وكان آخر التطورات اللافتة قبل أربعة أيام إعلان الاتحاد الأوروبي عن اعتبار «الجناح العسكري» في حزب الله تنظيما إرهابيا! ما معنى هذه التطورات كلّها في أقل من شهر وفي منطقة واحدة، وهل تمضي في اتجاه واحد؟ بالنسبة لنا نحن العرب، هناك أربعة أمور فيها ذات دلالة: انكسار…
الأحد ٢١ يوليو ٢٠١٣
اعتبر الرئيس الإيراني الجديد نفسَه ذكياً عندما خاطب الأسد قائلاً له: إنه سيظلُّ معه ضدَّ إسرائيل! لكنه يعرف أنّ الأسد ما بقي في السلطة شكلاً حتى الآن، إلا لأنّ إسرائيل وإيران تريدان ذلك، وقد قال لنا نصرالله إنه يتدخل في سوريا ضد التكفيريين ولحماية المزارات الشيعية، بينما قال نائب وزير الخارجية الروسي إنه يتدخل في سوريا لمنع سقوط دمشق! إيران في مأزقٍ مزدوج ولجهتين: لجهة احتياجها لإشعال حروب أهلية في العراق وسوريا ولبنان حفاظاً على مناطق نفوذها، وفي الوقت نفسه فإن روحاني نجح في الانتخابات الرئاسية في مواجهة مرشحي الحرس الثوري، المسؤول عن سياسات الداخل والسياسات العسكرية والأمنية تجاه العرب ودول الجوار الأُخرى خلال العقد المنقضي. وما أزال أذكر أنه قبل عامٍ ونيّف عندما برزت صعوباتٌ مع مجلس الشورى الإيراني في وجه الجنرال قاسم سليماني قائد «فيلق القدس»؛ فإنّ سليماني ما وجد ما يدافع به عن نفسه غير القول إنه إن واجَهَ صعوباتٍ في إيران، فإنّ المصريين والإسلاميين العرب الآخرين سيدافعون عنه، لأنه بنى عشر إيرانات في العالمين العربي والإسلامي! وبسقوط «الإخوان» في مصر، فإنّ سليماني والحرس الثوري و«حزب الله»، أكبر إيرانات ولاية الفقيه في العالم العربي. فطوال سنة ظلّ مرسي، وظلَّ «الإخوان المسلمون» المصريون مصرّين على الاحتفاظ بالقائم بالأعمال المصري في دمشق، وظلّت الزيارات كثيرةً ومتبادلةً بين مصر وإيران.…
الجمعة ١٩ يوليو ٢٠١٣
في الوقت الذي كانت فيه طالبان باكستان تبشرنا أن لديها أو سيكون لديها مقاتلون في سوريا، كان فرعا «القاعدة»: دولة العراق والشام، وجبهة النصرة، يتصارعان على الموارد البترولية وموارد التهريب، وأيهما الأكثر شراسة في تطبيق الأحكام على السكان المدنيين الذين ابتلوا بهم! وفي الوقت نفسه أيضا كان فرعا «القاعدة» هذان يتنافسان: من يقتل أكثر من قادة الجيش الحر وجنوده - بينما كان الائتلافيون لا يزالون يتفاوضون للمرة العاشرة أو العشرين على تشكيلات الائتلاف وتنفيذياته وصلاحيات كل واحد منهم، كأنهم حزب خالد بكداش بعد وفاته، أو «فتح» و«حماس» في صراعهما على جلد الدب قبل صيده! كان هذا الجزء من المشهد المقبض في سوريا وخارجها في الأسبوع الأول من رمضان. لكن الجزء الآخر الباعث أكثر على الانقباض والإحساس بالمأساة: المذابح التي يمارسها جنود النظام الأسدي وشبيحته في حمص وريفها، ودمشق وريفها على وجه الخصوص، وعشرات الأماكن الأخرى في سوريا، سبق أن ثارت وتحررت، وكثير منها يقع اليوم تحت سيطرة إرهابين: إرهاب الأسد وزبانيته، وإرهاب عشرات الكتائب المسلحة والتي لا يدري أحد من أين جاءت؟ وإلى أين هي ذاهبة؟ تعاني الثورة السورية إذن من أربعة جوانب: جانب الأسد وزبانيته وأعوانه بالداخل والخارج، وجانب الفوضى والتآمر وقلة الكفاءة في المناطق التي للثوار سيطرة فيها، وجانب الائتلاف السوري بالخارج أو القيادة السياسية، وجانب الداعمين الدوليين…