الشيطان يكمن في الحمام

آراء

خاص لـ هات بوست:

تناولت بعض صفحات مواقع التواصل الاجتماعي باستهجان عدة مقاطع مصورة لـ “مؤثرة” تعطي دروس توجيهية دينية للأطفال، تحذرهم ضمن أحد هذه المقاطع من ترك باب الحمام مفتوحاً لا سيما في الليل، لأن الشياطين ستخرج من الحمام إلى باقي أرجاء المنزل، ولنا أن نتخيل ذهن الطفل الذي سيسمع هذا الكلام ومدى الرعب الذي سينتابه نهاراً وليلاً من وجود الشياطين وأشباهها، ولم أستطع تقدير الهدف من درس كهذا، وما علاقة تربية الطفل أخلاقياً بموضوع باب الحمام؟

صحياً بحثت فوجدت تحذيرات من غلق باب الحمام بعد الاستحمام لما قد ينتج عن الرطوبة من عفن وانتشار للجراثيم، أما “فقهياً” فنتائج البحث تؤدي إلى أن “الرسول حذرنا من ترك باب الحمام مفتوحاً” وأول ما يتبادر إلى الذهن هو سؤال من قبيل “وهل كان لدى الرسول (ص) داخل بيته حماماً؟” لتجد أن الحديث ينص على ما معناه أن الشيطان لا يستطيع فتح الأبواب المغلقة، وبيوت الخلاء هي مساكن للشياطين، وبالتالي تم الاستنتاج بأنه علينا حشر الشياطين في بيوتها وعدم السماح لها بالمغادرة، ومع احترامي لكل مواضيع الطهارة والنظافة الشخصية، لكن أعتقد بعد هكذا درس سيفضل الطفل ألا يخرج فضلاته ولا يدخل إلى الحمام لا ليلاً ولا نهاراً.

لكن ما لفت نظري، هو استهجان الاستهجان، فمن لم يعجبه المقطع المصور للمؤثرة لاقى اعتراضاً شديداً من المتابعين، الذين رأوا أن السيدة لم تأت بحديثها من بنات أفكارها ولم تخترعه، بل هو من صميم “ديننا” والأمثلة كثيرة على الجن التي خرجت من الحمامات، وعلينا اتقاء شرورها، وتحذير أطفالنا منها.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل الإسلام يتدخل بباب الحمام؟ هل أرسل الله تعالى رسوله ليقول لنا أغلقوا باب الحمام؟ أم أنه سبحانه ختم الرسالات برسالة رحمة عالمية شاملة تصلح لكل زمان ومكان { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} (الأنبياء 107)، تنزع الإصر والأغلال التي كانت في سابقاتها، وتوافق العقل ولا تعارضه، بل تدعو للتفكر والتدبر والتفقه، مهمتها تحقيق العيش الأفضل على هذه الأرض، من خلال تفعيل الخير داخل النفوس، والحض على العمل الصالح باعتباره ركن أساسي من أركان الإسلام {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (فصلت 33)، وتكمن عالميتها في أن أحكامها تتوافق مع كل الناس أينما كانوا، فالحرام بيّن لا يختلف عليه اثنان، عقوق الوالدين والفواحش والسرقة والغش وشهادة الزور ونقض العهد وغيرها، والتقرب إلى الله في هذه الرسالة يتم عبر شعائر محددة، تبقى شأن شخصي يحاسبك عليه الله وحده.

مع ذلك، إذا عدنا للتنزيل الحكيم وجدنا أن ذكر عالم الجن موجود لكن لا تأثير لهم على حياتنا ولا تواصل بيننا وبينهم، ولا كلام عن تأثيرهم على رسولنا أو إمكانية وجود تدخل لهم في سيرة حياته. وفي ثقافات أخرى وأفلام هوليوود يختلط الأمر مع الأشباح بكونهم أحياء انتهت حياتهم، إنما في كتابنا الأموات لا يعودون إلا يوم القيامة.

أما الشيطان فهو الوهم الذي يصور لنا الباطل حقيقة، ويبرر لنا أعمالنا الخاطئة، وهذا أمر طبيعي جداً يحصل مع أي إنسان في حياته اليومية، فقد تحدثك نفسك بألا تتواصل مع أبيك لسبب تافه، أو تجعلك تشهد زور في أمر ما، فقراراتك تلك يمكننا وصفها بالشيطانية، ومن غلب الخير على الشر في نفسه، هزم الشيطان، أو الشياطين التي تحضر في باله وتهمس له ليرتكب أخطاءً، فالشيطان متربص بنا {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} (الأعراف 16)، والصراط هو مجموعة الوصايا التي تحكم علاقتنا بالناس إضافة لإيماننا بالله عز وجل، ونحن إذ نستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ندعوه ضمناً أن يهدينا للخير والصواب.

على أن الإيمان والاعتقاد بالأوهام لا يقتصر على أمة دون غيرها، فالأمر موجود لدى مختلف الشعوب، لكن ما يستدعي الانتباه هو اللبوس الديني الذي نضفيه على أوهامنا، ومن ثم تقديم الإسلام بصورة مغايرة لما هو عليه، صورة مجحفة تمهد الطريق أمام المتربصين به، وتنفر من يبحث عن أجوبة لأسئلته، وتتيح المجال أمام التلاعب بأذهان الناس واستغلالهم من قبل الدجالين والمشعوذين وأمثالهم بذرائع قوامها هو التقول على الله وعلى رسوله.

ليست تلك “المؤثرة” حالة فريدة من نوعها، بل هي الحالة الأكثر رواجاً في مجتمعاتنا من حيث الأفكار التي تبثها، والأفكار الراسخة في العقل الجمعي لأمتنا، ويبدو أننا بحاجة للعمل المضاد، إن لم يكن للتنوير، على الأقل لوقف التخريب الذي ما زال ينخر في ديننا ومجتمعاتنا، لتبقى تدور في حلقة مفرغة من التخلف والجهل.