جعل الرجاجيل للماحي!

آراء

ملايين المشاهدات حققتها أغنية سعودية ساخرة نشرها مبتكرها ومصورها الفنان السعودي الشاب ماجد العيسى على موقع يوتيوب، خلال أسبوع واحد فقط انتشرت فيه الأغنية بين متصفحي الإنترنت السعودية والعرب انتشاراً لفت انتباه بعض الصحف الأجنبية التي أشارت إليها وترجمت كلماتها الطريفة إلى اللغة الإنجليزية بمعان بدت أكثر طرافة لدى متلقينا العربي!

اعتمدت أغنية «هواجيس» على دمج أغنيتين شعبيتين تترددان على ألسنة النساء البدويات في حفلات الأعراس والأفراح بلحن تراثي معتاد وبطريقة ساخرة، وكعادة هذا النوع من الأغاني الشعبية يغيب اسم الشاعر، أو الشاعرة، تماماً عن المشهد غالباً؛ لأنها تمثل من يرددها لاحقاً تمثيلاً ثقافياً بشكل حقيقي أحياناً وبشكل مستعار أحياناً، لكن لا يشك أحد أن كاتب هاتين الأغنيتين الشعبيتين امرأة أو امرأتان ليس فقط لأنهما على لسان امرأة وبلغة نسائية وحسب، ولكن أيضاً لأنهما تعبران عن مكنونات المرأة بدقة شديدة لا يمكن للرجل أن يعبر عنها على هذا النحو من الحميمية.

الأغنية الأولى مكونة من بيتين فقط تقول الشاعرة المجهولة فيهما:

«جعل الرجاجيل للماحي

حطوا بنا أمراض نفسية

يا عنك ما فيهم الصاحي

كل واحدٍ فيه جنية»..

ومن الواضح أن الشاعرة هنا تدعو دعاءً مريراً وقاسياً على كل رجال العالم ب «الماحي»، أي بالموت الذي سيمحيهم من على وجه الأرض محواً تاماً جزاء ما فعلوه بالنساء اللواتي أصبحن يعانين من الأمراض النفسية بسببهم، رغم أنهم، كما ترى في البيت الثاني غير أصحاء عقلياً وليس فيهم واحد فقط يمكن أن يكون طبيعياً؛ ففي كل واحد منه جنية تتلبسه وتملي عليه تصرفاته الحمقاء حتماً»!

أما الجزء الثاني من الأغنية فيعتمد على بيت واحد فقط من أغنية تراثية موغلة في القدم والحزن والتشاؤم وتقول فيها شاعرتها المجهولة أيضاً:

حظي عجاجة والحبايب قراطيس

ومن يمسك القرطاس وقت العجاجة»!

وهي في البيت تشكو من حظها السيئ الذي تشبهه بعاصفة ترابية قوية تهب فجأة لتطير من حولها صديقاتها اللواتي كانت تظن أنهن باقيات لمساندتها دائماً فتكتشف أنه اختفين بفعل تلك العاصفة ذلك أنهن ضعيفات كقصاصات الورق في مواجهتها!

في الأغنية المصورة ببحر ثلاث دقائق تقريباً تظهر ثلاث فتيات يرتدين العباءات ويغطين وجوههن بالبراقع ما يتناسب شكلياً مع نمط الأغنيتين العام إلا أن السخرية تتشكل في المشهد عندما تشرع هؤلاء الفتيات في أداء بعض الحركات التي لا تتناسب والمظهر العام لهن كأن يلعبن كرة السلة ويتزلجن بألواح التزلج ويرقصن بطريقة مضحكة وهن يرتدين أحذية رياضية على ألحان الأغنية الحانقة ضد الرجال الممثلين بشباب يظهرون وكأنهم وجدوا فقط لإغاظتهن ووضع مزيد من العراقيل أمامهن لعدم استمرارهن في ما هن يمضين إليه!

ومن الواضح أن الفنان ماجد العيسى اعتمد في عمله الفني هذا على تحفيز عنصر المفارقة عبر ثلاثة مستويات؛ ما بين الرجال والنساء أولاً في منطقة جغرافية تعج بمظاهر التمايز بينهما، ثم ما بين الشكل والمضمون ثانياً في بيئة تحاسب المرء على مظهره قبل أن تلتفت لموضمونه الأخلاقي! وأخيراً في ما بين أيقونات الحداثة والتراث برموزهما المتنوعة!

سبق لفنانين أن استعانوا بالأغنية الشعبية الأولى في أعمالهم الفكاهية اعتماداً على كلماتها الساخرة لكن تلك الأعمال لم تغادر ظرفها المكاني كما فعل عمل ماجد العيسى الذي لاقى أصداء واسعة عالمياً فأشارت إليه باهتمام عدة صحف ومواقع بريطانية وأمريكية وألمانية ونمساوية وربما غيرها! أما لماذا فلأنه نجح في استدعاء قضية المرأة السعودية تحديداً عبر الإشارة لمطالباتها في قيادة السيارة وإسقاط الولاية الذكورية والحق في التعليم والعمل والسفر بلا إذن من الرجل! ثم إن تطعيم العمل بثيمات فانتازية عالمية كظهور الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب مع ما يمثله رمزيا من تعزيز لحس المفارقات القيمية في العالم المعاصر أسهم أيضاً في ذلك الانتشار السريع لتلك الهواجيس الفنية!

ومرة أخرى يثبت الفن قدرته، عبر هذه الدقائق الثلاث، على أنه قادر على خلق لغته الخاصة للتعبير عن المسكوت عنه بأي لغة متاحة!

المصدر: مجلة اليمامة