أجيال وخصال

آراء

خاص لـ هات بوست:

في حديث صريح جمعني بسيدات بلغن الستين أو تجاوزنها، قلت فيما يشبه “فشة الخلق” إنني أجدهم جيلًا يشعر بالاستحقاق والتميز، لديه شعور دائم بأنه مناضل وقدم العديد من التضحيات، وكاد أن يستشهد على أرض معارك العزة والكرامة والجهاد.. في حين أنه في الواقع جيل مدلل، ابتعث لأفضل الجامعات والتخصصات في الخارج بمجموع متواضع في الثانوية العامة، وتعين بمناصب عالية فور تخرجه من الجامعة، حتى وإن بتقدير مقبول!

جيل حصد التكريم والجوائز والمنح، رغم تطرفه في كل الاتجاهات، تاركًا وسطيتنا غارقة في بحر من الذهول! وكان جدير بي أن أحزرَ أنه سيتوج “كبار مواطنين” عندما يبلغ الستين، ويحظى بالدلال والتميز والعناية الاجتماعية والصحية، والإعفاءات المالية، وتذاكر الدخول المجانية للمتاحف والمعارض والمناسبات العامة، وغيرها من مزايا.. دعونا نأمل ونتفاءل أن يحظى بها أو ببعضها جيلي وما يليه من أجيال عندما تبلغ السن ذاتها.

المفارقة هي أن ما ظننته أنا ملاحظة واستنتاجًا شخصيًا على جيل سابق، تبين أنه حقيقة ديموغرافية، حيث يرمز لجيل مواليد ما بعد الحرب العالمية الثانية، في الحقبة من 1946 – 1964 بمسمى Baby Boomers أو طفرة المواليد، وإن كان هذا المسمى قد ظهر في الولايات المتحدة، فإنه ينطبق على جيل بأكمله في معظم بقاع العالم، ارتبط بالامتيازات الحكومية والدعم في مجال الصحة والرعاية الاجتماعية والتعليم والفرص.. وله خصائص نفسية واجتماعية، حيث يشعر بالتميز والاختلاف والاستحقاق بأعلى معانيه!

وعلى الرغم مما يلحق بشتى أشكال التعميم من إجحاف وتبسيط لحقيقة كون كل إنسان حالة فريدة عصية على التكرار، فقد دفعني ذلك للبحث في الأجيال وخصالها وصفاتها:

أنتمي للجيل إكس X حوالي الفترة 1965 – 1980، الجيل المنسي؛ الذي جاء بالطفرة النفطية ولم يتقلب في عرصات نعيمها، يوصف بأنه يميل إلى الاستقلالية والوسطية والاعتماد على النفس، ويجد صعوبة في طلب المساعدة، يسعى لأن يوازن بين العمل والحياة الشخصية، ولديه حنين دائم للماضي بما يحمله من بساطة، ويُعدّ الجسرَ بين العالم التقليدي والرقمي.

تبعه جيل الألفية Millennials تقريبًا بين 1981 – 1996، الذي وُلد في بدايات الثورة الرقمية، وحمل معه أحلامًا تتجاوز الواقع المادي. جيل يتعامل مع التكنولوجيا ببداهة، ويوازن بين القيم الإنسانية والتطلعات الحديثة، وإن ظل حائرًا بين ما يُريده وما هو متاح له فعلًا، ويشعر أنه لم يبدأ بعد، ولا يريد أن يكبر.

أما جيل زد Gen Z ما بين 1997 – 2012، والذي يصادف أنه جيل أبنائي الأربعة، فقد نشأ في عالمٍ رقمي منذ ولادته، وتشكّل وعيه على منصات التواصل الاجتماعي، يتميّز بقدرته على التعبير والجدال، قد لا تجده يحمل في يده كتابًا، لكنه أشبه بموسوعة متنقلة، يهتم بالهوية الفردية، ووعيه العالي بالقضايا الاجتماعية، وقبوله للآخر والمختلف، يميل إلى الإبداع والسرعة والاختصار والحذر، لكنه قد يفتقر أحيانًا إلى الصبر في عالم متسارع لا حدود لخياراته.

ويُطل بعده جيل ألفا Generation Alpha حوالي 2013 – 2025، وهؤلاء هم أبناء التقنية الخالصة والذكاء الاصطناعي. جيل يتعلم من الشاشات، ويكوّن صداقاته عبر الواقع المعزز، ويكاد يتوحد به، ومن المقدر أن يعيش في بيئةٍ يتماهى فيها الرقمي مع الإنساني أكثر من أي وقت مضى.

أمدّ الله وبارك في أعمار الجميع، دعونا نُقدّر كل إضافة قدمها جيل بعد جيل، وكل معاناة إنسانية مر بها، وكل مزايا وخصائص تمتع بها، ودعونا نأمل بقادم أجمل نسهم به جميعًا بوعي وإدراك ومسؤولية.