مدون سعودي، بكالوريوس لغة عربية من كلية المعلمين بالأحساء، حاصل على جائزة الأمير محمد بن فهد للتفوق العلمي، له مؤلف جديد تحت الطبع حاليا
كيف تتم عملية ملاحقة الفساد والفاسدين في الدول الأقل فسادا حسب مؤشر الفساد؟! العملية سهلة وبسيطة؛ فأول مبدأ لتعزيز النزاهة والقضاء على سبل الفساد هو مبدأ الشفافية، فالفساد لا يرتع وينمو إلا في الجوانب المعتمة، كما هو مشاهد في الدول النامية؛ فمبدأ الشفافية يضمن تكافؤ الفرص، ويضمن أيضا إطلاع الرأي العام ووسائل الإعلام على سير الأعمال الإدارية والمالية، وبالتالي لا يستطيع أحد أن يجرؤ على تجاوز القوانين على مرأى ومسمع من الجميع.
وما يعزز من سيادة مبدأ الشفافية هو تفعيل الرقابة الشعبية عبر التمثيل النيابي، وتفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني.
ووسائل الإعلام الحرة، التي تمثل السلطة الرابعة، تؤدي دورا بارزا في الدول المتقدمة والأقل فسادا في العالم.
ونحن في الدول النامية لدينا خطأ شائع، وهو أننا نطالب وسائل الإعلام (السلطة الرابعة) بحل المشكلات التي تسلط الضوء عليها! والحقيقة أن هذا الدور ليس من مهام وسائل الإعلام، وإنما هو من صميم عمل السلطات الثلاث بحسب نوع التجاوز؛ فإن كان قصورٌ في الأداء الحكومي فهو من واجب الحكومة التي يناط بها إصلاح الخلل، وإن كان قصورٌ تنظيمي أو خلل قانوني فهو من صميم عمل السلطة التشريعية المتمثلة في مجلس الشعب والبرلمان، وإن كان فساد مالي أو إداري أو أي شكل من أشكال تجاوزات القانون، فهو من اختصاص السلطة القضائية.
فبمجرد الإعلان عن حالة فساد مالي أو إداري وجب على القضاء أن يتحرك ويتخذ الإجراءات المناسبة لتقصي التجاوزات، وبالطبع فإن الجهة القضائية المخولة بتحريك الدعاوى، وتوجيه التهم، وفتح هذه الملفات، هي النيابة العامة (المدعي العام) الذي يمثل الدولة والمجتمع، وينوب عنهما في توجيه التهم ضد متجاوزي القانون، كما أن له كامل الصلاحية في التقصي والتحقيق، وإذا ما ثبت براءة المتهم فإنه يحق له رفع دعوى ضد الوسيلة الإعلامية التي في هذه الحالة قامت بالتشهير به.
هذا هو الجو العام للدول الأقل فسادا في العالم.
أما نحن في الدول النامية التي تعاني من الفساد فيبدو المشهد مؤسفا، فالشفافية تكاد تكون معدومة، ما يسهم جليا في انتشار الفساد، والحكومات تمارس الدور الرقابي عوضا عن مجالس الشعب ومؤسسات المجتمع المدني المعطلة أو غير الموجودة، وبالتالي تمارس الحكومات أداء رقابيا ضعيفا على نفسها.
ووسائل الإعلام إما مقيدة، وإما تحرث في الماء.
فمع نشر قضايا الفساد وفضح الفاسدين إعلاميا، المدعي العام لا يحرك ساكنا، ويقف موقف المتفرج إزاء قضايا الفساد، وبالتالي يتحول المشهد الإعلامي إلى حفلة صاخبة ضمن حفلات الردح المعتادة.
في ماليزيا سرد محاضر محمد تجربته في القضاء على الفساد وتطوير الدولة، فذكر أن أهم خطوة اتخذها هي سيادة القضاء على المشهد العام فألغى «الفيتو الملكي» الممنوح للنخب السياسية وبطانتها، وبالتالي وجد الفاسدون أنفسهم تلقائيا أمام القضاء.
المصدر: صحيفة الشرق