كاتبة سعودية
قبل أيام لفتني إعلان على موقع إنجليزي بعنوان فلاشي متحرك يقول: تحوّل إلى الإسلام. فتحت الإعلان فظهرت لي أيقونة دردشة حية. وضعت اسم كاثرين وتحته «رغبة في معرفة المزيد عن الإسلام». تحدث إلي شخص يدعى إبراهيم، الأرجح أنه يعمل في وزارة الأوقاف المصرية كما تقول صفحته على «فيسبوك»، تحدث معي بلغة إنجليزية جيدة، قدم لي حديثا جاهزا عن أصول الإسلام؛ معناه وأساسياته، بينما قفزت على الموضوع وأخبرته باطلاعي على الأساسيات من قراءات الإنترنت وأصدقاء عرب، وأنني أرغب فقط في معرفة ما إذا كانت هناك نماذج مختلفة لصورة الإسلام في العالم، على ضوء ما يحدث من إرهاب في الشرق الأوسط والعالم، وليس آخرها «شارلي إيبدو» أخيرا.
أحببت أن أتأكد أن ما سأدعى إليه هو ليس نموذجا داعشيا ولا قاعديا ولا إخوانيا ولا متطرفا من سني أو شيعي والقائمة تطول. قال الرجل إن الإسلام هو ما بعث به محمد وما يمثله القرآن، وأنه لا ينبغي أن ألتفت إلى من أخضعوا الإسلام إلى أهوائهم ومصالحهم. أعجبني جوابه. سألته عن الإسلام السني والشيعي، فقال لا يوجد إسلام دول، ولا إسلام مناطق، بل إسلام حقيقي فقط، وأن النموذج المتطرف لا يمثل الإسلام، كما أن الكثير من الشيعة انحرفوا عن الدين الصحيح، معللا ذلك بالصور الدامية في عاشوراء وبالتوسل بأهل البيت.
استغرق الحديث نحو 45 دقيقة، ودعته على أمل التواصل بعد أن تحمس لإدخالي الإسلام وترك لي وسائل التواصل به.
أعتقد أن الأزمة الكبرى التي يمر بها الإسلام كصورة عالمية تكمن في عدة أسباب، أهمها تحويله إلى بضاعة سياسية واستثمارية، تارة بإلباسه عمامة الشيخ وأخرى ربطة عنق السياسي. هل هناك أعداء شرسون للإسلام؟ أعتقد أن في ذلك بعض المبالغة، إذا كنا نعتبر العداوة لأتباعه حرفيا فقط دون تبعات لما ذكرت آنفا من تبضيع الإسلام. ما يعني أننا الأعداء الرئيسيون في القائمة، إن كان ثمة قائمة.
ظهر أخيرا سياسي هولندي في البرلمان، وهو ممثل لحزب الحرية، يحمل في يده ملصقا مسيئا للإسلام والرسول، وعبر عن ذلك بأنه ضد الإسلام كـ«فكرة» ومنهج، وذلك لا يعني بالضرورة كراهية أتباعه، بحسب قوله.
وأعتقد أن ذلك يختصر الكثير من الفهم، إذا ما وضعنا على الرف، ولو قليلا، فكرة اللعبة أو المؤامرة السياسية التي تدفع بالمشهد. نحن للأسف ساهمنا، ونحن ليست بالضرورة ذنب أحد ما منا ممن ليس له يد مباشرة في صنع هذا المسخ، لكن في لوم قديم متكرر وهو السماح لهذا المسخ أن يتربى وينمو ويكبر بيننا من خلال النماذج المتطرفة.
للأسف ردود الفعل على الرسوم في كل مرة لا تأخذ طابعا سلميا أو ذكيا، خاصة إذا ما علمنا أن نمط 3 من الصحف الساخرة الفرنسية، وأبرزها الحادة «شارلي إيبدو»، يعيش على تحدي المحرمات السياسية ومعاداة سلطة الكنيسة بشكل شرس، منذ الثورة الفرنسية. وقد هرع البعض منا للمقارنة بين تناول المجلة لليهودية وللإسلام على أساس أن ما يتعلق باليهودية يصنف على أنه معاداة للسامية، وهي مقارنة غير مبررة؛ لأن المجلة تناولت مختلف الأديان والمحرمات بالشراسة ذاتها. ورغم ذلك يتناسى المسلمون أن لدى اليهود في فرنسا لوبيًا سياسيا مؤثرا، في حين أن المسلمين – غالبا – لا ينخرطون في الحياة السياسية إلا فيما يتعلق بحرياتهم. تراهم ينعزلون غالبا في تكتلات، يخلقون هوية خاصة بهم داخل مجتمع علماني كالفرنسي، وبالتالي فلا وجود لجماعات ضغط مسلمة في أوروبا.
أخيرا، وإضافة لمشاركتها في المسيرة، أصدرت وزارة الخارجية السعودية بيانا معتدلا متوازنا في محتواه بين رفض المملكة للإرهاب بكل صوره تماما كما ترفضه المبادئ والتشريعات والقوانين الدولية، في حين يمثل في الوقت ذاته احتواء لمشاعر المسلمين من خلال الدعوة إلى احترام الإسلام ورسوله، تماما كما الأديان السماوية والرسل كافة.
مثل ردود الفعل هذه، وربما ردود فعل أخرى إضافية، من الممكن أن نقول إنها تمثل في دبلوماسيتها السياسية دور جماعات الضغط العالمية، لمواجهة الإرهاب، كما مواجهة الازدراء والكراهية في الوقت ذاته. وقد آن الأوان أن تضطلع الأمم المتحدة بدورها في حفظ الأمن والسلام الدوليين بين الشعوب، وتستصدر قرارا يحترم ثقافاتها ومعتقداتها، ويمنع ازدراء الأديان.
استراتيجيا، لا يمكن تغيير شيء «بمجرد» الثورة عليه؛ لأننا بذلك نخلق صراعات آيديولوجية معقدة. إننا لكي نحدث التغيير لا بد أن نفكر بالنقيضين وبأكثر من رأس، بالجانبين المتوازنين؛ العاطفي والعقلي.
السؤال المهم ربما، هل يمكن اعتبار أن هناك صورة معتدلة للإسلام فعلا في مقابل التشدد والتطرف والغلو، إذا كانت هناك نصوص فقهية تُطبق بحرفية جافة، كقضايا هدر الدم وقتل الكفار وما إلى ذلك؟
ما الذي يجعل فئة مسلمة تطبق بعض النصوص الفقهية في حين تتحفظ تجاهها فئة أخرى، بدعوى أن الأولى متطرفة والأخرى معتدلة؟
إننا إذن، نحتاج في هذه الحالة وبالأساس إلى صحوة دينية تعيد قراءة النصوص الفقهية. ثورة تصحح الانفصام الفكري، ذلك الفكر الذي يؤمن بأن نسف الفكرة التي يُختلف معها يستدعي التصفية الجسدية، وتقديمها بالتالي على هيئة انتصار للمقدس.
وإذا ما تابعنا وراقبنا كم التعاطف مع كثير من الحالات الإرهابية المحلية والعالمية تحت اسم مناصرة الدين، نكتشف عمق المشكلة.
المصدر: الشرق الأوسط
http://www.aawsat.com/