ناقشت ندوة «آفاق استشراف المستقبل في الإمارات في 2030» والتي عقدها مركز الخليج للدراسات بدار الخليج للصحافة والطباعة والنشر، بالتعاون مع مركز بحوث شرطة الشارقة عبر 3 محاور رئيسية، رسم ما هو مطلوب في استشراف المستقبل، كل حسب مجاله واختصاصاته.
تناولت الندوة في المحور الأول بعنوان «بيئة التفكير المستقبلي في مؤسسات الدولة الطرق والوسائل» الطرق الكفيلة بتعزيز تفكير الجهات المعنية بالجانب الاجتماعي، والاقتصادي، والسياسي، والبيئي، والتقني، والأمني بطريقة مستقبلية واستشراف المستقبل من خلال إجراء الدراسات ورسم السيناريوهات للتوجهات المستقبلية والعمل على تحويلها إلى مبادرات يتم إدراجها في الخطط والسياسات حسب الأولويات الاستراتيجية، بالإضافة إلى الوسائل المُعينة التي تُمكن تلك المؤسسات من تحويلها إلى نموذج مؤسسات المستقبل عبر تبادل المعرفة في مجال المستقبل، وإطلاق واستضافة مبادرات عالمية جديدة، فضلاً عن تطوير شراكات استراتيجية مع المنتديات ومراكز الفكر المستقبلية والجامعات داخل الدولة وخارجها.
أما المحور الثاني: بعنوان «متطلبات بناء المستقبل» فيتساءل عن مستلزمات وضع بنية تحتية تنظيمية ومادية قوية لبناء المستقبل إلى جانب المستلزمات المطلوبة التي تُعين في الاستثمار في الكوادر الوطنية.
والمحور الثالث «رؤى حول الإمارات 2030» تناول الخطط الاستراتيجية المختلفة التي أطلقتها الدولة مثل رؤية 2021، والأجندة الوطنية والسياسة العليا للعلوم والتكنولوجيا والابتكار، ومنظومة التميز الحكومي، خدمات السبع نجوم، والحكومة الذكية، بهدف تمكين وتعزيز التنمية المستدامة لمقدرات البلد من أجل المحافظة على المكتسبات الوطنية من جهة، ومن جهة أخرى العمل على رُقيها وازدهارها في المستقبل.
استكمالاً لتلك الأهداف والرؤى، اعتمد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي رعاه الله، «استراتيجية الإمارات لاستشراف المستقبل» والتي تهدف إلى استشراف مبكر للفرص والتحديات وتحليلها ووضع الخطط الاستباقية بعيدة المدى لها على كافة المستويات لتحقيق إنجازات نوعية لخدمة مصالح الدولة ووضع أنظمة حكومية تجعل من استشراف المستقبل مظلة يعمل تحتها التخطيط الاستراتيجي في الجهات الحكومية ليضع خططه وسياساته بناء على ذلك وتوحيد الجهود وحشد الطاقات باتجاه العمل الحكومي في إطار واضح يسهل على الجميع التعامل مع المستقبل ضمن محاور محددة وأسلوب عمل واضح فيعمل على تجاوز أساليب ووسائل التفكير النمطية والتقليدية إلى الأساليب المستقبلية.
المجتمعات المتقدمة
الندوة التي حضرها خبراء وباحثون ورجال أمن أدارها محمد حسين الشعالي وزير الدولة للشؤون الخارجية سابقاً، وأكد في البداية أن الأدوار العلمية بين الدراسات المستقبلية والدراسات الاستراتيجية تتكامل بما يخدم الإنسان في حاضره ومستقبله على حد سواء، وانطلاقاً من وعي قيادتنا الرشيدة بأن محور بناء الوطن وتنميته ينبع من تكامل كافة الأدوار في شتى المجالات الاجتماعية منها، والاقتصادية، والسياسية، والبيئية، والتقنية، والأمنية، فقد سخرت القيادة كل الإمكانيات المتاحة في العصر الراهن في سبيل تقدم ورقي البلد، وجعله في مصاف المجتمعات المتقدمة المبنية أساسياتها على الأسس العلمية الرصينة التي تعينه في أوقات الرخاء والأزمات على الصمود بوجهها والمضي قدماً بأجياله إلى بر الأمان، فعبّدت طريق تقدمها نحو المستقبل بالدراسات والخطط الاستراتيجية التي تكفل لها ازدهارها في الوقت الراهن، وتطلعت إلى المساهمة في بناء مستقبلها وفق القيم والمبادئ التي تعزز هويتها.
وأشار إلى أن هذه المبادرة التي أطلقتها الدولة وهي عنوان ندوتنا تأتي في وقتها وزمانها، خاصة بالنسبة للتطورات التي تشهدها الإمارات في الوقت الحاضر، وهناك مجموعة كبيرة من المبادرات والاجتماعات التي تبحث في المستقبل، والبحث في المستقبل هو قضية ارتبطت بالإنسان منذ وجوده على هذه الأرض، فكان دائماً قلقاً حول الغد والمستقبل، والإنسان بحث عن هذا المستقبل عن طريق الأديان والعلم والخرافة والتنجيم، واستخدم جميع الطرق حتى يتمكن من معرفة ماذا سيحدث في المستقبل، والأساس هو القلق من شيئين أساسيين، الأول القلق الأمني والقصد بذلك إرادة الإنسان أن يكون مطمئناً وآمناً على مستقبله، والقلق الاقتصادي وهو الاطمئنان على معيشة الإنسان واستقراره الاقتصادي، وتدخل في ذلك أمور كثيرة، وحدثنا التاريخ عن الكثير من قضايا استشراف المستقبل، وجميع الدول والشعوب تشترك في القلق حول المستقبل، والإمارات بما تقوم به في الوقت الحاضر بقيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وهو صاحب المبادرات الكبيرة في هذا المجال، وأيضاً صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وخاصة بالنسبة للمشروعات التي بدأت تنضج في أبوظبي وجميعها تتعاطى مع المستقبل، سواء مستقبل الطاقة أو الاقتصاد.
على أننا في استشراف المستقبل هل نتجاوز الحاضر؟ وهل نتحدث عن قضايا المستقبل وننسى مشاكل الحاضر؟
ملاحظات مهمة
وقال العقيد الدكتور خالد حمد الحمادي، مدير مركز بحوث شرطة الشارقة، إن الاستشراف هو القدرة على معرفة الاحتمالات التي يمكن أن تحدث في المستقبل من خلال أدوات وتقنيات، والاستعداد بتلك الاحتمالات لوضع خطط تنفيذية، ولدي هنا ملاحظات مهمة بموضوع الاستشراف، إذ إنه بالنسبة للموضوعات المؤكدة أو شبه المؤكدة، فإنها بعيدة عن موضوع الاستشراف، وفي المقابل لو خمّن الشخص أن قضية ستحصل بعد سنوات فإن ذلك لا يعد استشرافاً وإنما تنجيماً، والاستشراف لابد أن يبنى على خطوات علمية ودراسات استشرافية حتى يمكن أن نقول إن ذلك استشراف، كما أن هناك بعض المفاهيم ترتبط بالاستشراف، إلا أنها تختلف عنه ولا يميزها الكثيرون مع الأسف، من بينها الخلط بين دراسات استشراف المستقبل والدراسات الاستراتيجية، وهذا الخلط له تبعاته التي تؤثر في مسار المجالين، والخلط يكون من حيث الفهم وبناء السيناريوهات والتخطيط، كذلك الخلط بين دراسات استشراف المستقبل والرؤية المستقبلية، إلى جانب الخلط بين دراسات استشراف المستقبل والتنبؤ، فهما يتشابهان في صفتين ويختلفان فيهما أيضاً وهما الفهم المستقبلي والتوقع المستقبلي.
وعندما نقول إن علينا معرفة احتمالية المستقبل عبر أدوات وتقنيات فهي متعارف إليها وتشكل أكثر من 36 أداة، وفي القيادة العامة لشرطة الشارقة اعتمدنا أربعة محاور، الأول بناء قاعدة إدراك الواقع والثاني فحص الممكنات، والثالث التخطيط بالسيناريو والرابع التنفيذ، واستعنا بأربع أدوات هي مسح الأفق وتقنية «دلفي» ودولاب المستقبل والتخطيط بالسيناريو، وهذا لا يمنع أن تطور أي جهة من أداة جديدة لاستشراف المستقبل وبالنسبة لنا جار تطوير أداة لاستشراف المستقبل، وكذلك لدينا دراسة نعكف على الانتهاء منها قريباً وتتصل بمستقبل الحالة الأمنية في إمارة الشارقة 2030.
إن الإحصاء مهم جداً لأن أهميته تكمن في اعتباره مؤشرات لمراكز البحوث، ومن المهم ضم الإحصائيات لمراكز البحوث ودعم اتخاذ القرار، أضف إلى ذلك أن مراكز البحوث لا تتخذ القرار، وإنما تدرس المشكلات وتعطي حلولاً للاسترشاد بها.
آليات وغايات
واستطرد الدكتور خليفة راشد الشعالي عميد الكلية الجامعية للأم والعلوم الأسرية: إذا أردنا أن نستشرف أو نتنبأ فإن علينا أن نبتعد عن التوتر، وعلينا أن نفكر في المنهج، وأتحدث هنا عن المنهج الذي أتبع حول هل القيادة التي تخطط أم الوحدة التي تخطط، والحقيقة أن الواقع الملموس الذي نراه هو أن القيادة التي تخطط وما دونها يقوم بالتنفيذ، وتذهب وحدات الاستشراف والدراسات مع القيادة السياسية ويضيع موضوع الاستشراف والتنبؤ وما نسميه التخطيط للمستقبل والتخطيط الاستراتيجي، والقيادات السياسية في كثير من الدول تخطط لأهداف غير التي يسعى لها المخطط الاستراتيجي، وبالتالي يجب أن يراعى المنهج وأن تكون الأهداف واضحة حتى نتمكن من التخطيط الاستراتيجي، وبعد المنهج والهدف ينبغي الأخذ بعين الاعتبار آليات وغايات الاستشراف الوقائية والدفاعية.
وأعتقد أن التخطيط السليم يقود إلى أهمية توفير معلومات سليمة والاستناد إليها، وأرى أن المعلومة جد مهمة وتعتبر إلى جانب المنهج والهدف ركائز أساسية للتنبؤ بالمستقبل.
الحكومة والفرد
وأشار المستشار الدكتور أنور حاميم بن سليم مستشار ومدرب تنمية بشرية وإبداع وابتكار، إلى أن استشراف المستقبل هو الصعود إلى أعلى منطقة والنظر إلى أبعد نقطة ممكنة، وهو سلوك وثقافة إيجابية قد تتأخر نتائجها، لكنها مهمة جداً للتقدم والنمو والتطور، وشتان ما بين من ينتظر ماذا سيأتي به المستقبل، ومن يبادر ويسارع إلى أن يأتي بالمستقبل، وقد قالها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، «المستقبل لا ينتظر المترددين ونحن من يصنع المستقبل»، ونحتاج إلى الوعي بالمستقبل، وحسب تعريف العالم توماس لامباردو فإن استشراف المستقبل هو مجموعة متكاملة من القابليات والخبرات والعمليات التي يستخدمها الفرد في استشرافه وتفهمه للمستقبل والتعامل معه، وإذا تحدثنا عن استشراف المستقبل فإننا نتحدث عن قوة التغيير التي هي الانتقال من الواقع الحالي إلى الطموح المنشود، وهذا ما تسعى إليه الإمارات بأن تحقق الريادة والتميز، أي الاستشراف المبكر للفرص والتحديات في كافة القطاعات، ولابد أن نتطرق إلى البدايات منذ أواخر الثمانينات من القرن الماضي حين بدأ التميز، ثم عام 1992 بدأ النموذج الأوروبي للتميز، وخلال هذه الفترة تم تحديثه إلى غاية عام 2013، وظهرت في هذه الفترة إدارة الجودة الشاملة، وأطلقت دبي عام 1994 جائزة دبي للجودة الشاملة، وعام 1999 استبدلت كلمة جودة بكلمة تميز، وهذا كله جاء لأن غاية استشراف المستقبل هي تحقيق الريادة والتميز والتطور.
المدينة العالمية
وقال الدكتور أحمد النصيرات المنسق العام لبرنامج دبي للأداء الحكومي المتميز: إننا محظوظون في الإمارات بوجود قيادة ملهمة تستشرف المستقبل وتسعى إلى صنعه، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، قدم للفكر الإنساني والإداري تحديداً، الكثير من المفاهيم الإدارية الحديثة، ومصطلح التميز الحكومي كانت الإمارات الدولة السباقة على مستوى العالم إلى إطلاق هذا التعبير، وقضية الحكومة الذكية والتحول من الحكومة الإلكترونية إلى الحكومة الذكية رعاها سموه، والتخطيط الاستراتيجي أول من تحدث فيه، واستشراف المستقبل والعديد من المفاهيم والمتطلبات التي تجعلنا نتخيل المستقبل ونذهب إليه لنصنعه، كانت من توجيهات سموه، وله الشكر الجزيل على هذا الموضوع، وأذكر أنه في العام 1999 جمع مديري الدوائر في دبي وتحدث لهم عن رؤية دبي بأن تكون المدينة العالمية المفضلة للمال والأعمال خلال الخمسين عاماً المقبلة، وطلب منهم في ذلك الوقت وخلال ستة أشهر إعداد خطط استراتيجية، وكان المديرون ينظرون في وجوه بعضهم البعض حول الرؤية والرسالة… إلخ، وهذا الفكر ترسخ الآن، وبالتالي هذه المفاهيم إلى جانب إسعاد الناس، جعلت قادتنا ودوائرنا الحكومية يسعون وراء الأفكار المتجددة والابتكارية التي تسعى لخدمة الإنسان.
وعليه أقول، إن قضية استشراف المستقبل مهمة وضرورية، وإذا لم تصنع نظامك سوف يستعبدك نظام شخص آخر، ولذلك هذا الفرق بين الأمم الحية والشعوب المتطورة والشعوب المسكينة التي تعيش التخلف، والعالم يتغير واستشراف المستقبل يستلزم قدرة الإنسان على ملاحظة واستشراف المتغيرات التي تؤثر في الحياة البشرية والمجتمعات، والقدرة على اغتنام الفرص من هذه التغيرات وتجنب أي تحديات سلبية، وفي كل متغير هناك فرصة ومشكلة، الأولى كيف تستفيد منها والثانية كيف تتلاشاها، والحمد لله في الإمارات هناك وعي تام بأهمية استدامة النجاح ومواجهة تحديات المستقبل، فحينما يقول صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إنه بعد خمسين عاماً سنحتفل بتصدير آخر برميل بترول، فإن هذا يعد استثماراً، لأنه لم يقل سنصدّر آخر برميل لكننا سنحتفل، وهذا ليس مجرد شعار وإنما نظرة حكيمة للمستقبل وعمل من الآن لمواجهة التحديات والاستجابة للمتغيرات الحاصلة، والعالم مقبل على متغيرات كثيرة، منها التقنيات الحديثة والتغيرات المناخية والصحة والجينات والازدحام المروري والمياه، ومواجهة التحديات تتطلب التكامل والتعاون وعمل الفريق الواحد لتلافي التأثيرات السلبية، ثم إن دورنا أن نبني على ما تحقق من نجاح وأن نجد الحلول لكل التحديات، ومؤشراتنا في التنافسية العالمية تحترم وتقدر وهي تتحسن من عام إلى آخر، وثقتنا بمستقبلنا جزء من نَفَس وعمل المجتمع.
حجر الأساس
وأضاف العقيد الشيخ محمد المعلا مدير الإدارة العامة للجودة الشاملة في شرطة دبي: نحن في الإمارات نحظى بتميز في موضوع الاستشراف المستقبلي، والقيادة الرشيدة انتبهت لهذا الموضوع منذ بداية تأسيس دولة الإمارات، وهم وضعوا حجر الأساس في التخطيط الاستراتيجي واستشراف المستقبل، وكبيئة للتفكير الاستراتيجي لدينا عدد كبير من الدوائر والمؤسسات في القطاعين الاتحادي والمحلي، جميعها تخدم استشراف المستقبل، وكل إمارة لديها مركز للإحصاء أو مركز للدراسات المستقبلية، غير أننا نلاحظ وجود تفاوت في الإحصائيات الموجودة في الدولة، الأمر الذي يدفعني للتأكيد على أهمية وجود قواعد بيانات موحدة على مستوى الدولة. في موضوع التميز يمكن القول إن منظومة الجيل الرابع أفردت معايير مباشرة سواء التخطيط الاستراتيجي أو الاستشراف المستقبلي، وكل دائرة تحلل البيئة لبناء المشاريع المستقبلية، والدولة سبّاقة على مستوى المنطقة كلها في وضع أول خطة استراتيجية وأجندة وطنية واضحة ودقيقة، فيها توزيع للأدوار وتحدد أواصر الترابط بين الحكومة الاتحادية والمحلية، ومؤشرات الأجندة الوطنية أسقطت على طبيعة عمل المؤسسات المحلية.
أضف إلى ذلك أن استراتيجية الابتكار والاستشراف بحد ذاتها أطلقتها الحكومة، وهناك وزارة تعنى بالمستقبل وأخرى للموارد البشرية والسعادة والتسامح، وهذا لم يأت من فراغ، وبخصوص متطلبات بناء المستقبل من المهم التركيز على البيانات ونتمنى أن يكون لدينا جهة مركزية في الدولة يمكن اللجوء إليها للحصول على المعلومات، وفيما يتعلق برؤية الإمارات فإن المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، كان يمتلك رؤية استشرافية للمستقبل، واليوم نجني ما زرعه والمؤسسون منذ بداية اتحاد الإمارات إلى الآن، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم يرسخ ثقافة القراءة والابتكار والإبداع ورؤيته الاستشرافية أن علينا الوصول إلى المريخ، واليوم هناك مراكز للفضاء ومواطنون خبراء في هذا المجال، أضف إلى ذلك رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان حول احتفالنا بتصدير آخر برميل نفط، وبالتالي الرؤى مستمرة ويحرص على تنفيذها المسؤولون، ثم هناك مبادرة مسرعات المستقبل التي تستهدف الوصول إلى المستقبل المنشود بأقصى سرعة ممكنة، فضلاً عن أن جهاز الشرطة يقوم بالعديد من المشروعات التي تنسجم مع مسرعات المستقبل.
وعليه أقول إنه لابد أن تكون هناك خريطة طريق واضحة للطلبة الموجودين في مقاعد الدراسة، من حيث تحفيزهم للإقبال على تخصصات مهمة وعلمية، وربط تخرجهم بسوق العمل مباشرة، بهدف الاستفادة من خبراتهم وانعكاس ذلك إيجاباً على الدولة.
استقطاب الخريجين
من جانبه أشار حمد أحمد الرحومي عضو المجلس الوطني الاتحادي إلى أنه فيما يتعلق بموضوع الإحصائيات فإنها ضرورية بالفعل، لأنه لا يمكن القيام بأي دراسات استشرافية وغير ذلك دون العودة إلى إحصائيات دقيقة، مع ذلك فإننا فخورون بما أنجزناه من تطور في ميادين كثيرة، مع الأخذ بعين الاعتبار تحقيق التوازن بين التنافسية العالمية والداخلية، بمعنى عدم تحقيق المؤشرات العالمية على حساب الوضع الداخلي، والحكومة تقوم بدورها في قضايا كثيرة، لكن من المهم أيضاً تضافر كافة الجهود الاتحادية والمحلية والمجتمعية للمضي بالتنمية إلى آفاق أرحب، مع أهمية التركيز على استيعاب الخريجين المواطنين في المؤسسات الحكومية والخاصة، وتحقيق التوازن بين المخرجات التعليمية وسوق العمل من حيث استقطاب الخريجين.
ومن المهم أيضاً تقوية المؤسسات الاتحادية وإيجاد محفزات لتحقيق التوازن في المردود الوظيفي بين القطاع الاتحادي والمحلي، ذلك أن الفوارق في الراتب قد تؤدي إلى استقطاب الكفاءات في القطاع الاتحادي إلى المحلي، خصوصاً في التعليم والصحة، وهذا الأمر ينبغي التركيز عليه.
أضف إلى ذلك أن العمل المؤسسي من الضروري أن يبنى على تراكم في الفعل والإنتاج وليس تغيير الاستراتيجية بأخرى مع تغيير الشخص والمسؤول وهكذا دواليك. أضف إلى ذلك أن التعليم ومخرجاته تتبدل كل أربعة أعوام، وهذا يفرض علينا التخطيط لمخرجات تعليم جديدة مرتبطة بسوق العمل، والتركيز على المواطنين والخريجين وتنمية قدراتهم ودمجهم في سوق العمل باعتبارهم أساس التنمية.
حوادث السير
الدكتور قاسم أحمد عامر خبير إحصائي في مركز بحوث شرطة الشارقة، ذكر أن الهدف الرئيسي من الدراسات المستقبلية هو تقليص اللايقين بعد خمس أو عشر سنوات وأكثر، وبالتالي الأدوات مفتوحة والدراسات المستقبلية تبحث عن هوية، فهل استقرت هذه الهوية أم لا وهل هي كمية بحتة أم نوعية بحتة أم هي اندماج من الاثنين، وهل هي علوم إنسانية أم طبيعية، وما وجدته في إعداد البحث في مركز بحوث شرطة الشارقة أنها ممزوجة من كل هذه الجوانب وهي جزء كمي ونوعي، والبحث الذي أجريته وجدت أنه من المهم استخدام بيانات الكمية لنتعرف بعد خمسة أو عشرة أعوام إلى أين تتجه هذه المتغيرات، لكن الأهم من ذلك لابد أن نعرف بعد عشرة أعوام ما هي المتغيرات التي تؤثر في مسارها، وعلى سبيل المثال استخدمت 35 متغيراً، وكل متغير أخذت ستة نماذج وفحصتهم بهدف استخراج النموذج الأفضل في تقليص اللايقين، ومن الاستنتاج في موضوع الجرائم، أن إجمالي الجرائم منذ عشرة أعوام إلى اليوم هو في تناقص وقد تتناقص في المستقبل، وبالتالي لا يمكن الاعتماد على البيانات الإحصائية فقط، وإنما دور الخبراء مهم وضروري جداً، وأنت تبحث في منهجية وخطة البحث، وهذه ترشدك من خلال أدواتك إلى ما هو الأسلوب الأمثل لتحليل هذه النتائج والوصول إلى الهدف وتقليل اللايقين، وفي دراستي ركزت على الجريمة وحوادث السير والازدحامات، وبرأيي من المهم إضافة متغيرين رئيسيين هما الفرص والتحديات، وصممت معادلة رياضية ستنتج رقماً سيحدد السيناريوهات المستقبلية.
وحقيقة أعجبتني التجربة الفنلندية التي تم التطرق إليها، ذلك أنهم أصدروا قانوناً بأن تعد الحكومة دراسة استشرافية كل أربعة أعوام وتعرض على البرلمان، ويقرها ومن ثم تطبق، وبالتالي من المهم الاسترشاد بهذه التجربة.
بناء سيناريوهات
الدكتور نواف الجشعمي: رئيس شعبة دراسات الجريمة في مركز بحوث شرطة الشارقة قال: قد يعتقد البعض أن موضوع الاستشراف هو موضوع جديد قياساً مع بعض العلوم التي عرفها الإنسان، والحقيقة أن موضوع الاستشراف والتطلع للمستقبل ارتبط في البداية بالملائكة تلك الكائنات الحية التي جردها الله عزل وجل من الشهوة والمعصية.
وعودة لموضوع دراسات استشراف المستقبل والدراسات الاستراتيجية نلاحظ أن الكثير من المهتمين والقراء يخلط بين مجال استشراف المستقبل ومجال الدراسات الاستراتيجية، من حيث الفهم وبناء السيناريوهات والتخطيط، وإذا لم نصل إلى المنهج الحقيقي والصحيح في موضوع استشراف المستقبل فإن عواقبه ستكون وخيمة.
أما بخصوص الدراسات الاستراتيجية فإن كل ما قامت به الدولة من برامج إدارية وتميز يدخل ضمن الدراسات الاستراتيجية، ذلك أن الدراسات الاستراتيجية تستخدم المنهج الاستهدافي الذي يقوم على الدراسات والمحركات التي يتحرك فيها الماضي والحاضر، ليس بغرض استكشاف اتجاهات المستقبل ورسم السيناريوهات، وإنما الدراسات الاستراتيجية تدرس الماضي والحاضر من أجل وضع أفضل السيناريوهات، وهذا السيناريو والفهم يؤثر في موضوع التخطيط الاستراتيجي.
وأما دراسات استشراف المستقبل فإنها تعتمد على المنهج الاستكشافي ومعرفة الاتجاهات المستقبلية والسيناريوهات قبل كل شيء، عبر فحص للماضي والحاضر ومن ثم حين نرسم السيناريوهات فإنه ينبغي أن تنبني على ما سيكون عليه المستقبل. وأما الرؤى المستقبلية فإنها تفكير يسبق عملية البدء بعملية التخطيط الاستراتيجي.
المشاركون في الندوة
شارك في ندوة «آفاق استشراف المستقبل في الإمارات في 2030» كل من:
1. محمد حسين الشعالي: وزير الدولة للشؤون الخارجية سابقاً.
2. العقيد الدكتور خالد حمد الحمادي: مدير مركز بحوث شرطة الشارقة.
3. العقيد الشيخ محمد المعلا: مدير الإدارة العامة للجودة الشاملة في شرطة دبي.
4. حمد أحمد الرحومي: عضو المجلس الوطني الاتحادي.
5. الدكتور خليفة راشد الشعالي: عميد الكلية الجامعية للأم والعلوم الأسرية.
6. نجيب عبد الله الشامسي: المدير العام السابق للهيئة الاستشارية للمجلس الأعلى بدول مجلس التعاون الخليجي.
7. الدكتور أحمد النصيرات: المنسق العام لبرنامج دبي للأداء الحكومي المتميز.
8. سليمان محمد الكعبي: الرئيس التنفيذي لمؤسسة استشراف المستقبل.
9. المستشار الدكتور أنور حاميم بن سليم: مستشار ومدرب تنمية بشرية وإبداع وابتكار.
10. الدكتور قاسم أحمد عامر: خبير إحصائي في مركز بحوث شرطة الشارقة.
11. الدكتور نواف الجشعمي: رئيس شعبة دراسات الجريمة في مركز بحوث شرطة الشارقة.
إيجابيات وسلبيات
سليمان محمد الكعبي الرئيس التنفيذي لمؤسسة استشراف المستقبل، لفت إلى أن أول ما بدأ التخطيط الاستراتيجي، بدأ القطاع الخاص يذهب إلى المؤسسات الحكومية ويدرب حول التخطيط الاستراتيجي، غير أن كل مركز تدريبي له مدرسة خاصة به ومصطلحات مغايرة، ولذلك نلحظ وجود مصطلحات ومفاهيم مختلفة لدى كل مؤسسة، الأمر الذي يقودني إلى أهمية التأكيد على ضرورة توحيد المفاهيم لاستشراف المستقبل في الإمارات، إلى جانب أن معظم العلماء لم يتفقوا بعد على مستوى معين لاستشراف المستقبل، غير أن مجلس الوزراء حدّد من عام إلى 5 أعوام مستقبل قريب، ومن 5 إلى 10 مستقبل متوسط، ومن 10 سنوات وأكثر هو مستقبل بعيد، وهذا يفيدنا في الإمارات لمعرفة استشراف المستقبل ومداه، كما أنه يساعدنا في خططنا الاستشرافية، وبخصوص أدوات استشراف المستقبل هناك حوالي أكثر من 36 أداة، وتحت كل أداة مجموعة أدوات، ومعظم الدوائر الحكومية التي تمتلك خططاً استشرافية ألاحظ أن الأدوات التي تستخدمها متقاربة من بعضها مثل دولاب المستقبل ومسح الأفق وسيناريوهات «دلفي»، وهذا له إيجابيات وسلبيات.
غير أنه من المهم استخدام أدوات كثيرة تحفز على الابتكار، وبالتالي من المهم نشر الوعي بأنواع الأدوات الموجودة عالمياً ولا نُركّز على أدوات معينة، فضلاً عن دور الجامعات في استحداث برامج تعليمية في استشراف المستقبل، من حيث إن عليها مواكبة ما يحصل في الدولة وما سيحصل في المستقبل والتخصصات الوظيفية، ولذلك لابد أن يكون للجامعات المحلية دور كبير في استحداث تخصصات علمية تواكب الثورة الصناعية الرابعة في الإمارات. أضف إلى ذلك هناك دول كثيرة رائدة في موضوع استشراف المستقبل في القطاع الحكومي، من ضمنها سنغافورة وكندا وفنلندا، وكل دولة لها نموذج خاص بها في استشراف المستقبل، ومن هذه الدول التي أرى من المهم نقل تجربتها إلى الإمارات هي فنلندا، ذلك أنه لديها خطة استشرافية على مدى 30 عاماً، وكل حكومة منتخبة تكمل ما بدأته الحكومة السابقة ولا تستحدث خططاً استراتيجية من جديد.
لدي في خلاصة حديثي ثلاث توصيات، الأولى ضرورة استحداث جمعية ذات نفع عام لاستشراف المستقبل في الإمارات، والثانية تشكيل لجنة عليا للاستشراف الحكومي على مستوى الإمارات تضم ممثلين عن كل وزارة. وعمل دراسة علمية متخصصة للوظائف المستقبلية التي سوف تختفي في الإمارات وتلك التي ستظهر في المستقبل، وربطها مع الجامعات نحو استحداث تخصصات علمية جديدة، ذلك أن تقريراً عالمياً صدر قال إن هناك ملياري وظيفة ستختفي حول العالم، مقابل ظهور ملياري وظيفة جديدة.
توصيات الندوة
خرجت الندوة بعد مناقشات مستفيضة بعدة توصيات أهمها تضافر جهود القطاعين الحكومي والخاص لمواجهة التحديات المستقبلية، إيجاد جهة مركزية أو بنك للإحصاء يوفر بيانات دقيقة تسهم في وضع تصورات مستقبلية لقضايا كثيرة، توحيد مفاهيم استشراف المستقبل في الإمارات، نشر الوعي بأنواع الأدوات الاستشرافية الموجودة عالمياً، دراسة تجارب الدول المهتمة في موضوع استشراف المستقبل مثل فنلندا وكندا على سبيل المثال، وحدة تنظيمية لكل مؤسسة من المؤسسات الحكومية تصب جهودها في خدمة الخطة الاستراتيجية الاستشرافية للدولة.
كما أوصت باستحداث برامج تخصصية علمية تلبي أسواق العمل، تحديث البرامج والتخصصات العلمية حتى تكون منسجمة مع حركة التغير التكنولوجي والتقني التي تفرض نفسها على العالم، إيجاد مؤسسات علمية متخصصة في استشراف المستقبل تقدم التدريب اللازم والاستشارات نحو صناعة المستقبل، استحداث جمعية ذات نفع عام تعنى باستشراف المستقبل، تشكيل لجنة عليا للاستشراف الحكومي على مستوى الدولة تضم ممثلين عن الإمارات، وضع الخطط والمنهجيات لاستقطاب الخريجين للتوجه إلى المستقبل بسلاح المعرفة والعلم، الاستثمار في الأنترنت والهواتف المتحركة والطباعة ثلاثية الأبعاد والروبوتات في الابتكار واستشراف المستقبل.
بيئة استثمارية
أكد نجيب عبد الله الشامسي المدير العام السابق للهيئة الاستشارية للمجلس الأعلى بدول مجلس التعاون الخليجي، أن دولة الإمارات حققت إنجازات كثيرة خلال 45 عاماً، لم تحققها العديد من الدول خلال فترات زمنية طويلة، وتتميز الإمارات ببنية تحتية متطورة وهناك تشريعات وقوانين أسهمت في تعزيز البنية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية، وأصبحت في ظل هذه المعطيات بيئة استثمارية تنافسية وقطباً مهماً جداً في جذب الاستثمارات العربية والأجنبية، وتبوأت المركز الأول من حيث الكفاءة الحكومية والثالثة عالمياً على مستوى الأداء الاقتصادي والشفافية وقوة التجارة الدولية والسياسة المالية الحكومية، وهذه الإنجازات هي حصيلة جهود القيادة السياسية والسلطات الحكومية والمؤسسات المحلية والاتحادية، واقتصاد الإمارات هو ثاني اقتصاد عربي بعد الاقتصاد السعودي، ووجهة استثمارية عالمية، والإمارات بحكم الأجهزة الرقابية والتشريعات والقوانين حمت المؤسسات الاقتصادية والمالية، ولدينا من أكبر الصناديق السيادية على مستوى العالم.
كما أن الإمارات الدولة الأولى عربياً من حيث استقطاب السياحة، ووجهة سياحية مهمة للسائحين العرب والأجانب، والإمارات مركز للطاقة النووية «إيرينا» وهذا يدل على ثقة العالم بالإمارات، واستضافتها إكسبو 2020 يدل على هذه الثقة العالمية بأهمية دولتنا.
غير أن هناك تحديات تواجهنا حيث إننا بحاجة إلى تنويع اقتصادنا الوطني، أضف إلى ذلك أن المؤسسات المحلية باتت أقوى من المؤسسات الاتحادية، ثم هناك التفشي في النزعة الاستهلاكية وهذا ينعكس على وضعنا، والتمكين الأجنبي في رأس المال أو الأيدي العاملة وأقصد منافسة الأيدي العاملة الأجنبية للوطنية، وتفاقم القروض الشخصية لدى الأفراد وتراجع دور المؤسسات الإعلامية التي يفترض أن تُشخّص الواقع وتعطي رؤية مستقبلية لما يحصل، ثم إنه لابد حتى نقوى ونُعضّد ونُحصّن مجتمعاتنا أن نقرأ ما يحدث في العالم.
والحقيقة بدون تشخيص الواقع بطريقة علمية ومشاركة الجميع، فإننا ندور في حلقة مفرغة ولن نصل إلى المستقبل، وبالتالي نحن جزء من المنظومة العالمية ومن الضروري استشراف المستقبل لمواجهة أي تحديات، وأقصد هنا أن على القطاعين الحكومي والخاص المشاركة في وضع رؤية استراتيجية على مستوى الدولة لبناء مستقبلها.
المصدر: الخليج