أكد مسؤولو شركات تقنية عالمية كبرى، قدرة الإمارات على التحول للاستثمار في البيانات والدخول إلى حقبة «النفط الرقمي» بجدارة اعتماداً على استراتيجية ورؤية الدولة في التحول الرقمي والذكي في جميع المجالات. وشدد المسؤولون، على أن الإمارات لديها بنية تقنية تحتية فائقة الجودة تؤهلها للاستثمار في تخزين وتحليل البيانات وتحويلها إلى قيمة مضافة إلى الاقتصاد الكلي، فضلاً عن خلق منصات تقنية للشركات العاملة في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. قال مسؤولو الشركات ل«الخليج»: إن الإمارات لديها مناطق متكاملة تساهم في نمو وتوسيع أعمال الشركات التقنية العالمية الكبرى، فيما تدعم هذه المناطق الشركات التقنية الناشئة لوضعها على المسار الصحيح للتطور والانتقال إلى العالمية.
قال سيد حشيش، المدير العام الإقليمي لشركة «مايكروسوفت الخليج»: إن دولة الإمارات نجحت في إقامة بنية تقنية تحتية قوية، تمكنها من بناء استثمارات كبيرة في مراكز متكاملة لتخزين وإدارة وتحليل البيانات وتحويلها إلى قيمة مضافة للجهات الحكومية والشركات، للاستفادة منها في تطوير الخدمات الحكومية أو تسويقها وبيعها للشركات، ما يعود بالفائدة الكبيرة على الاقتصاد الكلي للدولة. وأضاف حشيش: إن المهم في صناعة البيانات الكبيرة حالياً ليس تخزينها، وإنما طرق الاستفادة من هذه البيانات بطريقة مثلى، تسهم في رفد القطاعات الاقتصادية ببيانات ودراسات موثقة ومعمقة يمكن الاعتماد عليها في الجهات الحكومية والقطاع الخاص.
مشاريع فعلية
وأوضح حشيش أن الإمارات لديها مشاريع فعلية في مراكز البيانات على المستوى الحكومي و قطاعات الأعمال، على رأسها القطاع المالي والاتصالات والنفط والغاز والتجزئة يمكن أن تتحول لمرحلة توليد استثمارات جديدة، كما أن للدولة مشاريع وطنية كبيرة يشار إليها عالمياً بالبنان، مثل مشاريع الحكومة والمدينة الذكية، فضلاً عن مبادرات المستقبل المتعلقة بالفضاء والتعليم والتقنيات الحكومية مثل x10 و«بلوك تشين» وغيرها من مشاريع التحول الرقمي والذكي. وأكد حشيش أن قطاع تقنية المعلومات في الإمارات يحقق معدلات نمو جيدة سنوياً، بالتزامن مع زيادة الإنفاق الحكومي والأعمال على التقنيات والاتصالات، عاصرتها «مايكروسوفت الخليج» منذ نحو 28 عاماً، حيث تتوافر في الدولة فرص استثمارية قوية تمكنها من تصدر المرتبة الأولى في هذا القطاع، فضلاً عن قدرة الدولة لسد الفجوة الرقمية في المنطقة ونقل تجاربها الناجحة للدول المحيطة.
استثمار في البيانات
من جانبه، قال محمد أمين، نائب رئيس أول «دل إي إم سي»، الشرق الأوسط وتركيا وإفريقيا: إن الإمارات تحولت فعلياً للاستثمار في البيانات وليس مجرد تخزينها ضمن توجهات الدولة استعداداً لمرحلة ما بعد النفط عبر الاستثمار في قطاعات جديدة منها تقنية المعلومات. وأضاف أمين: إن استثمار الإمارات في الحكومة والمدينة الذكية، فضلاً عن المبادرات العديدة التي أطلقتها الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية بهدف التحول للاقتصاد المعرفي ستنعكس إيجاباً على جذب الشركات للاستثمار في قطاعات جديدة تماماً، منها صناعة الفضاء والطباعة ثلاثية الأبعاد والسيارات ذاتية القيادة والتقنيات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء.
نمو متوقع
وتابع أمين أن قطاع تقنية المعلومات والاتصالات يتحرك في الإمارات بصورة أكثر فعالية، مقارنة بدول المنطقة بل وتتصدر المراتب الأولى عالمياً في القطاع، حيث نرى نمواً في القطاع خلال النصف الأول من 2017 ونتوقع أن يكون النمو خلال النصف الثاني أفضل، بما فيها أعمال «دل إي إم سي» التي حققت معدلات نمو جيدة حتى الآن. وأوضح أمين أن «دل إي إم سي» لديها علاقات قوية مع عدد كبير من الجهات الحكومية، حيث تساهم في تطوير البنى التحتية في مراكز البيانات وخوادم التخزين والمحاكاة الافتراضية والأمن والبنية التحتية للسحابة.
مؤشر التحول الرقمي
وبحسب مؤشر التحول الرقمي الصادر عن «دل»، يتطلع الباحثون إلى العام 2030 حيث سيتم خلق ما يقدر بنحو 85 % من فرص العمل بالتزامن مع ظهور التكنولوجيا التحويلية وتشمل هذه التقنيات الناشئة، الذكاء الاصطناعي الذي سيتوسع ليصل حجمه إلى 153 مليار دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة، والدور البارز للإنسان الآلي في أماكن العمل، والواقع المعزز والواقع الافتراضي حيث من المتوقع ارتفاع إيراداتها لتصل إلى 90 ملياراً و 30 مليار دولار على التوالي في السنوات الثلاث المقبلة، والحوسبة السحابية وإنترنت الأشياء حيث سيكون هناك 50 مليار جهاز متصل بحلول عام 2020.
وقال أمين: إن الإمارات سبقت دول المنطقة في إقامة مراكز بيانات كبيرة ساهمت في تطوير التحول الرقمي للدولة، كما أسهمت في إنجاح مشروعات الحكومة والمدينة الذكية والمشاريع المتعلقة بالذكاء الاصطناعي و«إنترنت الأشياء» وصولاً إلى تعزيز ملاءة الدولة لدخول عصر «الثورة الصناعية الرابعة» بثبات، وتعتبر «دل إي إم سي» شريكاً قوياً لربط التكنولوجيا بالواقع.
حماية البيانات
بدوره قال طارق عباس، مدير هندسة النظم في الأسواق الصاعدة لدى شركة «بالو ألتو نتوركس»: إن حجة تخزين البيانات في مركز خارج حدود الدول باتت من الماضي، حيث تستطيع الدول حالياً إقامة مراكز البيانات في جميع البيئات وتحت أية ظروف مناخية، كما تستطيع الدول حمايتها من الاختراق وهو ما يحدث حالياً في الإمارات. وتعمل السحابة على دفع مسيرة عمليات التحول الرقمي، والقدرة التنافسية للشركات على امتداد منطقة الشرق الأوسط. ولتتمكن الشركات من الحد من مستوى المخاطر الإلكترونية، وحماية بياناتها، فإنها بحاجة إلى تطبيق ضوابط متكاملة، ومؤتمتة، وفعالة للكشف عن التهديدات المعروفة والمجهولة منها، ومنعها على امتداد كامل البنية بدءاً من الأجهزة الطرفية، مروراً بالشبكة، وصولاً إلى السحابة.
وعي كبير
من جانبه أكد محمد جويعد المفلح، مدير تطوير الأعمال في «لينوفو – مجموعة مراكز البيانات» في المنطقة وأفريقيا وتركيا: أن دولة الإمارات لديها وعي كبير جداً بأهمية البيانات واستثمارها للاستفادة منها على المستوى الاقتصادي، حيث استطاعت الدولة إقامة مراكز بيانات ضمن حدودها الجغرافية بهدف الاستفادة منها في القطاعين الحكومي والخاص. وأضاف المفلح، استطاعت الإمارات الخروج عن المألوف في تخزين المعلومات الحكومية والاستراتيجية داخل حدود الدولة مع الإشراف على إدارتها بشكل كامل، ما يجعلها قادرة على إدارة هذه البيانات وتحليلها والاستفادة منها.
حلول جديدة
وأوضح المفلح أن شركة «لينوفو – مجموعة مراكز البيانات» لها مشاريع في الإمارات، ولديها حلول جديدة لمراكز البيانات من نوعي «ثنك سيستم» و« ثنك أجاي» ThinkSystem و ThinkAgile، والتي تحدث طفرة في طريقة عمل الجهات الحكومية والشركات، حيث تكرّس تكنولوجيا مركز البيانات «ثنك سيستم»، المصممة حديثاً، معياراً ذهبياً جديداً للقطاع، تحت علامة تجارية موحدة تشمل الخوادم ووحدات التخزين وأنظمة الشبكات، كما يأتي «ثنك أجاي»، الذي يندرج ضمن محفظة المنتجات المعرفة بالبرمجيات لتعزيز مقاييس مراكز البيانات بعيدة الأمد، مثل معدلات الاستخدام المحسنة وعمليات النشر السريعة والبسيطة وخفض كلفة التشغيل ومستويات المخاطر. وقال: «لاحظنا اهتمام متزايد في الإمارات بإقامة مراكز بيانات وفق المعدلات العالمية لخدمة التوجهات الحكومية الاتحادية والمحلية، وهو ما تقوم على تنفيذه الشركة حالياً لمواكبة التطورات التقنية التي تشهدها الدولة على كافة الأصعدة».
ليست رفاهية
وقال خالد إسماعيل، نائب رئيس «أوراكل» لأعمال التطبيقات الرقمية في شرق أوروبا ووسطها والشرق الأوسط وإفريقيا: إن تخزين البيانات وتحليلها وتوظيفها لم يعد رفاهية، كونها باتت عاملاً مهماً في سرعة اتخاذ القرار وما يمثله من فوائد على المستوى الاقتصادي والاستثماري. وأضاف إسماعيل: يوجد طلب متزايد على مركز البيانات الخاصة بالقطاعات الحكومية والشركات الاستثمارية بهدف الاستفادة من البيانات واستخدامها في دعم الأعمال وهو ما نلمسه بقوة في الإمارات خلال الفترة الحالية، سعياً لتعزيز بنيتها التحتية التقنية على المستويين الإقليمي والعالمي.
طلب متزايد
ويشهد الاهتمام بالحوسبة السحابية الفائقة، نمواً كبيراً في الإمارات، لما تتسم به من قدرات عالية من شأنها مساعدة الشركات في مختلف القطاعات، بما في ذلك أعمال التنقيب في قطاع النفط والغاز، والقطاع الأكاديمي وقطاع الدواء وبرامج الفضاء وغيرها من المجالات الحيوية. وقال بيجو فيليب، المدير الإقليمي، في شركة «جنرال إلكتريك كريتيكال باور» الأمريكية: «نشهد اليوم تزايداً هائلاً ومتسارعاً في حجم البيانات سواء على الصعيد الشخصي أو على صعيد المؤسسات. فبتطور التكنولوجيا بجميع مجالاتها يزداد حجم البيانات المستخدمة، وبالتالي فإن كفاءة وفعالية الطاقة المستخدمة وحمايتها يعد أمراً أساسياً لتشغيل مراكز البيانات التي تعتبر المركز الرئيسي المسؤول عن تشغيل وتخزين هذه البيانات». وأضاف فيليب: «تشهد دبي تطوراً هائلاً في تبني أحدث التقنيات الحاصلة في صناعة مراكز البيانات مسبقة الصنع، حيث نرى اليوم مراكز بيانات منظمة ومزودة بأحدث التقنيات تواكب تلك التي نراها في أكثر الدول تطوراً في العالم».
دبي سباقة
كذلك أشاد ماركوز جانش، مدير المبيعات في شركة شتولز الألمانية، بريادة دبي في كافة المجالات التقنية بما فيها مراكز البيانات الحديثة، حيث قال: «تعودنا أن نرى دبي سباقة في تبني كافة التقنيات الحديثة التي من شأنها تطوير البنى التحتية، وهي اليوم من أوائل الدول التي تتبنى استخدام وسائل التكييف المتطورة في مراكز البيانات، بالرغم من التحديات المناخية ودرجات الحرارة المرتفعة التي تشهدها المنطقة وخاصة في فصل الصيف، إلا أننا نرى مراكز البيانات هنا مزودة بأحدث التقنيات التي تضمن تشغيلها بكفاءة عالية».
أسبقية
من جهته قال جون موسلي، المدير التجاري لشركة شتولز تكنولوجي إنتجريشن: «يشهد العالم اليوم تطوراً كبيراً في مجال تطوير البنى التحتية في كافة المجالات، وتعد الإمارات من الدول السباقة في تبني التطور الحاصل في كافة المجالات سواء في مجال الاتصالات، الطيران، المصارف وغيرها من القطاعات وتعد هذه الندوة فرصة مثالية لنا، للتواصل مع الشركات والمؤسسات المحلية، والتعرف إلى آخر احتياجاتها في ما يخص مراكز البيانات».
وأضاف موسلي: «قمنا بتقديم عرض مفصل عن مراكز البيانات مسبقة الصنع التي تعد اقتصادية من حيث الكلفة وتتميز بسرعة التنصيب، وهي قابلة للنقل ومجهزة بكافة التقنيات الحديثة بما فيها تقنيات التكييف الداخلية وتقنيات الاتصال وأنظمة التخزين وتقنيات إخماد الحرائق وإمدادات الطاقة غير المنقطعة. ويتحمل هذا النوع من مراكز البيانات كافة الظروف البيئية وتعمل في كافة الأجواء المناخية ابتداء من درجة حرارة – 45 ولغاية 55 درجة مئوية، وهي مصنوعة من الفولاذ الصلب وقابلة للاستخدام لمدة 25 عاماً».
اهتمام المصارف
قال جيراردو أوي، خبير التحليلات والشريك المساعد في مكتب ماكنزي الشرق الأوسط: «بدأت البنوك في المنطقة أيضاً في استخدام تحليلات متقدمة للمحافظة على القيمة وزيادة جمع الأموال وتحديد المنتج المقبل الذي يجب شراؤه. وبدأ تجار البيع بالتجزئة في الشرق الأوسط أيضاً باستخدام التحليلات المتقدمة لتوليد تجربة شخصية متكاملة تتيح للعملاء الحصول على ما يريدون، فمن خلال التنويع والتسعير وتحسين الترويج، ترتفع مبيعات تجار التجزئة 3-4% ويزيد هامش أرباحهم بنسبة 5%».
ومن المتوقع أن يطلق الجيل القادم من تقنيات البيانات وتحليلاتها موجات تغيير أكبر، فمثلًا، بدأت تزدهر مجموعة لا تعد ولا تحصى من تطبيقات التعلم الآلي والتعلم العميق في العديد من قطاعات الاقتصاد الحديثة، والتي تزداد باطراد مع تطور تلك التقنيات. فالنظم القادرة على التعلم الآلي تستطيع أداء وظائف خدمة العملاء، وإدارة الخدمات اللوجستية، وتحليل السجلات الطبية، أو حتى كتابة الأخبار. ويقدم التقرير أمثلة عن استخدام تلك الأدوات في 120 تطبيقاًً ضمن 12 قطاعاً تجارياً.
المنفعة من البيانات
ناقش تقرير صادر عن مركز ماكنزي العالمي للأبحاث وعنوانه «عصر التحليلات: المنافسة في عالم يعتمد على البيانات»، قيمة البيانات والمجالات التي يمكن تحقيقها فيها. ويوضح التقرير مدى التقدم الذي تم تحقيقه للاستفادة من هذه القيمة، وكيف تسهم التطورات في مجال تحليل البيانات في إطلاق نماذج عمل وانطلاق موجات من التحولات الاقتصادية العميقة. فعندما ننظر من حولنا في الشرق الأوسط، وأينما اتجهنا حول العالم، نلاحظ أن تطور التقنيات الرقمية يتسبب في تحولات كبيرة على كافة الصعد في المنظومات التجارية والحكومية والحياة الفردية.
قال فيناي شاندران، الشريك في مكتب ماكنزي الشرق الأوسط وقائد ماكنزي لتحليل البيانات: «كشفت أبحاثنا أن المنفعة من الإمكانات الواسعة للبيانات والتحليلات، التي أوضحناها في تقريرنا الصادر في عام 2011، لم يتم تحقيقها إلا ضمن 5 مجالات محددة، لكن العديد من المؤسسات لم تتمكن حتى الآن من تطبيق تجاربها الجديدة على نطاق كامل لتحسين أدائها بطريقة فعالة». أضاف نعتقد أن البيانات والتحليلات تمثل أكبر فرصة متاحة لفرق الإدارة لتحقيق القيمة وتحسين الأداء وتغيير طبيعة المنافسة، أما أكبر العقبات التي تواجهها الشركات في الاستفادة من البيانات هي تكييف العمليات الأساسية وبناء قدرات جديدة على نطاق واسع. ولا يعني تبني التحليلات مجرد اعتماد تكتيك جديد، بل هو تغيير نموذج عملك وجوهر طريقتك في اتخاذ القرارات.
أما التحدي الثاني الذي ناقشه التقرير فهو استقطاب المواهب البشرية الصحيحة والحفاظ عليها، إذ ما زال الطلب على الخبراء والعلماء في مجال البيانات يتجاوز الأعداد المتوفرة حالياً، وهناك ضيق أكبر في الكفاءات البشرية الذين يعد عملهم مساوياً في الأهمية لخبراء وعلماء البيانات، وهو يتمثل في توفر مترجمي الأعمال الذين يسهمون في ربط الموهبة التحليلية بالأسئلة العملية للشركات، ويجمعون ما بين المعرفة المتميزة في مجال البيانات والخبرات القطاعية أو التشغيلية.
المصدر: الخليج