جمال خاشقجي
جمال خاشقجي
كاتب سعودي ويشغل حالياً منصب مدير قناة "العرب" الإخبارية

التجارة العادلة وصديقي فريد

آراء

زمان، قبل نحو ربع قرن، كان هناك رجل نبيل، اسمه الدكتور فريد قرشي، من أهل جدة، نسيناه تماماً، رغم أنه يستحق أن يطلق اسمه على قاعة في جامعته، أو حتى على مسجد، فهو مؤسس العمل الخيري الحديث في المملكة، ولكن هكذا نفعل مع الصالحين، ننساهم بسرعة، ربما هم يريدون ذلك ففريد اختار عمل الخير مع الفقراء والمعوزين، وهؤلاء لا يبحثون عن الشهرة، يكفيهم وعد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يحشروا معه والفقراء والمساكين الذين أحبوهم.

وجد الشاب، الخريج حديثاً من أمريكا، أن أهل بلاده يحبون الخير والتصدق على الفقراء ومساعدتهم، ليس في السعودية فقط وإنما في كل بلاد المسلمين، ذلك أنهم يلتقون المسلمين دوماً وهم يحجون ويعتمرون في ديارهم فيسمعون منهم معاناتهم فيحنون عليهم بما أفاء الله عليهم من فضله، ولكنه لاحظ أن العمل الخيري غالباً ما يكون فردياً فينقطع بعد صاحبه، أو غير منظم فلا يحقق مقاصده.
طرَق فريد البيوت من أبوابها، فبحث عن آلية ما لتنظيم وتشجيع العمل الخيري فوجد أن ثمة إدارة مهملة في رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة تدعى هيئة الإغاثة الإسلامية، أقنع رئيس الهيئة وقتذاك ولا أذكر ما إذا كان الدكتور الفاضل المحب للخير عبدالله نصيف أم غيره، فأخرج الهيئة من غرفة صغيرة وحولها إلى أكبر منظمة إغاثة إسلامية وأضاف إليها صفة «العالمية».

أفكار كثيرة ضخ بها فريد ـ رحمه الله ـ خلال عمره القصير في الهيئة، ذلك أن مرض السرطان داهمه فاختصر أيامه إلى أربعين وبضع سنين فقط، ولكن العقد الذي أمضاه في الهيئة كان ثرياً جداً، ولا تزال آثاره جلية رغم صعوبات اكتنفت طريقها من بعده بسبب 11 سبتمبر ومسائل أخرى.
ولكن الفكرة التي لم يحققها تماماً، أعتقد أنها أفضل أفكاره، هي «متاجر الخير» كان يستشيرني وغيري، ذلك أنني كنت متحمساً للعمل الإغاثي ونشطاً في لجنة إغاثية أخرى، عرض علينا مشروع «سنابل الخير» الذي أطلقه كذراع استثمارية للهيئة، فأصبح ماركة تجارية لشتى السلع الأساسية كالأرز والسكر مدعوماً بحملة إعلانية، لتذهب أرباح المنتجات إلى أعمال الخير.

كان فريد مستعداً لأن يسمع، أيدنا فكرة «العمل الاستثماري» من حيث المبدأ ولكني وغيري تحفظنا على أن تنافس الهيئة التجار في نشاطهم، فهم الداعم الأول للهيئة بزكواتهم وتبرعاتهم، فإن تحولت الهيئة إلى عملاق تجاري فقد تفقد دعمهم.
وبعد نقاش انتهينا إلى فكرة بديلة «متاجر الخير» فتتحول «سنابل الخير» إلى ماركة لمنتجات فقراء المسلمين، مثل أن تبيع منتجات تقليدية صنعتها نساء أفغانيات في معسكرات اللاجئين في باكستان، أو مصنوعات أبدعها مسلمون فيليبينيون، في متاجر نؤسسها في شتى مدن السعودية، لم ترَ فكرتنا النور لتفاصيلها الكثيرة، فثمة دورة إنتاج وتمويل ثم تصدير واستيراد فتوزيع فبيع فجرد فمحاسبة.

تذكرت هذه الفكرة وفريد ـ رحمه الله ـ في متجر سياحي بمدينة هاربر فالي بولاية غرب فرجينيا الأمريكية، حيث قضيت إجازة قصيرة مع أبنائي، دخلت متجراً لفت انتباهي بمنتجاته الأصلية، وجدت هناك قهوة من جنوب أمريكا، وحقائب يد من النيبال، ومجوهرات صنعت في الفيليبين، إنها فكرة فريد قرشي وقد تطورت وتبلورت، المتجر يتبع سلسلة من المتاجر حول العالم تشجعها منظمة خيرية تدعى «التجارة العادلة» Fair Trade ويمكن الاطلاع على تفاصيل أكثر عنها في موقعهم الذي يحمل الاسم نفسه، فكرتهم أن المنتج البائس صانعاً كان أو مزارعاً لا يحصل على حصته العادلة من منتجه بعدما يبيعه لتاجر الجملة المحلي الذي يبيع ما جمع من المنتجين لتاجر أكبر والذي يصدر الأطنان الهائلة عبر البحار ليباع المنتج بأضعاف أضعاف السعر الذي تسلمه المزارع أو الصانع الأصلي.

هم يزعمون أنهم يختصرون المسافة بين المنتج والمستهلك وبذلك يساعدون الفقراء في بلدانهم.
فكرة عظيمة لعل أحداً يتبناها ويسميها مشروع فريد قرشي للتجارة العادلة فتكون صدقة جارية لذلك الرجل النبيل الذي رحل عنّا مبكراً.

زمان، قبل نحو ربع قرن، كان هناك رجل نبيل، اسمه الدكتور فريد قرشي، من أهل جدة، نسيناه تماماً، رغم أنه يستحق أن يطلق اسمه على قاعة في جامعته، أو حتى على مسجد، فهو مؤسس العمل الخيري الحديث في المملكة، ولكن هكذا نفعل مع الصالحين، ننساهم بسرعة، ربما هم يريدون ذلك ففريد اختار عمل الخير مع الفقراء والمعوزين، وهؤلاء لا يبحثون عن الشهرة، يكفيهم وعد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يحشروا معه والفقراء والمساكين الذين أحبوهم.

وجد الشاب، الخريج حديثاً من أمريكا، أن أهل بلاده يحبون الخير والتصدق على الفقراء ومساعدتهم، ليس في السعودية فقط وإنما في كل بلاد المسلمين، ذلك أنهم يلتقون المسلمين دوماً وهم يحجون ويعتمرون في ديارهم فيسمعون منهم معاناتهم فيحنون عليهم بما أفاء الله عليهم من فضله، ولكنه لاحظ أن العمل الخيري غالباً ما يكون فردياً فينقطع بعد صاحبه، أو غير منظم فلا يحقق مقاصده.
طرَق فريد البيوت من أبوابها، فبحث عن آلية ما لتنظيم وتشجيع العمل الخيري فوجد أن ثمة إدارة مهملة في رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة تدعى هيئة الإغاثة الإسلامية، أقنع رئيس الهيئة وقتذاك ولا أذكر ما إذا كان الدكتور الفاضل المحب للخير عبدالله نصيف أم غيره، فأخرج الهيئة من غرفة صغيرة وحولها إلى أكبر منظمة إغاثة إسلامية وأضاف إليها صفة «العالمية».

أفكار كثيرة ضخ بها فريد ـ رحمه الله ـ خلال عمره القصير في الهيئة، ذلك أن مرض السرطان داهمه فاختصر أيامه إلى أربعين وبضع سنين فقط، ولكن العقد الذي أمضاه في الهيئة كان ثرياً جداً، ولا تزال آثاره جلية رغم صعوبات اكتنفت طريقها من بعده بسبب 11 سبتمبر ومسائل أخرى.
ولكن الفكرة التي لم يحققها تماماً، أعتقد أنها أفضل أفكاره، هي «متاجر الخير» كان يستشيرني وغيري، ذلك أنني كنت متحمساً للعمل الإغاثي ونشطاً في لجنة إغاثية أخرى، عرض علينا مشروع «سنابل الخير» الذي أطلقه كذراع استثمارية للهيئة، فأصبح ماركة تجارية لشتى السلع الأساسية كالأرز والسكر مدعوماً بحملة إعلانية، لتذهب أرباح المنتجات إلى أعمال الخير.

كان فريد مستعداً لأن يسمع، أيدنا فكرة «العمل الاستثماري» من حيث المبدأ ولكني وغيري تحفظنا على أن تنافس الهيئة التجار في نشاطهم، فهم الداعم الأول للهيئة بزكواتهم وتبرعاتهم، فإن تحولت الهيئة إلى عملاق تجاري فقد تفقد دعمهم.
وبعد نقاش انتهينا إلى فكرة بديلة «متاجر الخير» فتتحول «سنابل الخير» إلى ماركة لمنتجات فقراء المسلمين، مثل أن تبيع منتجات تقليدية صنعتها نساء أفغانيات في معسكرات اللاجئين في باكستان، أو مصنوعات أبدعها مسلمون فيليبينيون، في متاجر نؤسسها في شتى مدن السعودية، لم ترَ فكرتنا النور لتفاصيلها الكثيرة، فثمة دورة إنتاج وتمويل ثم تصدير واستيراد فتوزيع فبيع فجرد فمحاسبة.

تذكرت هذه الفكرة وفريد ـ رحمه الله ـ في متجر سياحي بمدينة هاربر فالي بولاية غرب فرجينيا الأمريكية، حيث قضيت إجازة قصيرة مع أبنائي، دخلت متجراً لفت انتباهي بمنتجاته الأصلية، وجدت هناك قهوة من جنوب أمريكا، وحقائب يد من النيبال، ومجوهرات صنعت في الفيليبين، إنها فكرة فريد قرشي وقد تطورت وتبلورت، المتجر يتبع سلسلة من المتاجر حول العالم تشجعها منظمة خيرية تدعى «التجارة العادلة» Fair Trade ويمكن الاطلاع على تفاصيل أكثر عنها في موقعهم الذي يحمل الاسم نفسه، فكرتهم أن المنتج البائس صانعاً كان أو مزارعاً لا يحصل على حصته العادلة من منتجه بعدما يبيعه لتاجر الجملة المحلي الذي يبيع ما جمع من المنتجين لتاجر أكبر والذي يصدر الأطنان الهائلة عبر البحار ليباع المنتج بأضعاف أضعاف السعر الذي تسلمه المزارع أو الصانع الأصلي.

هم يزعمون أنهم يختصرون المسافة بين المنتج والمستهلك وبذلك يساعدون الفقراء في بلدانهم.
فكرة عظيمة لعل أحداً يتبناها ويسميها مشروع فريد قرشي للتجارة العادلة فتكون صدقة جارية لذلك الرجل النبيل الذي رحل عنّا مبكراً.

المصدر: مجلة روتانا