رزان خليفة المبارك
رزان خليفة المبارك
الأمين عام لهيئة البيئة - أبوظبي

التغير المناخي: الحلول العلمية والعملية ‏

آراء

رغم الجهود الحثيثة لتحقيق التنويع الاقتصادي في دول مجلس التعاون الخليجي، فإنه ما زال اقتصاد هذه الدول يعتمد بشكل كبير على استهلاك النفط والغاز الطبيعي مما يؤدي إلى زيادة في انبعاث الغازات الدفيئة ‏في الهواء، وخاصة غاز ثاني أكسيد الكربون. تساهم الغازات الدفيئة في ظاهرة الاحتباس الحراري عن طريق امتصاص الأشعة التي تفقدها الأرض ومنعها من المغادرة إلى الفضاء مما يساعد على تسخين جو الأرض. كما تؤثر هذه الغازات على نوعية الهواء الذي نتنفسه مما يؤدي إلى مشاكل تؤثّر على الصحة العامة.

لقد حذرت مؤخرا الأمم المتحدة من انبعاثات الغازات الدفيئة وشدّدت على أن مستوى ثاني أكسيد الكربون – الغاز الأهم ‏بالنسبة للغازات الدفيئة – تخطى مستوى 400 جزء من المليون لأول مرة منذ أكثر من أربعة ملايين سنة. وتأتي هذه القراءات لتُشير إلى إمكانية حدوث آثار سلبية على سلامة الإنسان وعلى الرعاية الاجتماعية والنمو الاقتصادي. هذا وتؤكد اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية للتغير المناخي بأن الفرصة ما زالت قائمة لمنع حدوث أسوأ التأثيرات للتغير المناخي إذا تكاملت الجهود الدولية لمواجهة هذا الخطر وتفاعلت كل المؤسسات، حكومية كانت أو من القطاع الخاص، لوضع حد لمخاطر التغير المناخي. ونظرا لما تم رصده من قبل العلماء حول العالم من مؤشرات تدل على زيادة تأثير الغازات الدفيئة، قامت الدول والحكومات حول العالم بوضع التغير المناخي كأولوية قصوى في أجندتها «الخضراء». وهذه خطوة مهمة وعلى الطريق الصحيح.

تلتزم دول منطقة الخليج الموقعة على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية للتغير المناخي بدورها في رصد الانبعاثات الكربونية لديها. نحن في دولة الإمارات قد قمنا بمشروع جرد هذه الانبعاثات وذلك بهدف الوصول إلى فهم أعمق حول مستويات استهلاكنا للطاقة وغيرها من الموارد التي تؤدي إلى زيادة نسبة الانبعاثات الكربونية وتأثيرها السلبي على البيئة وتغيّر المناخ، كما يساعدنا هذا المشروع على رصد «المصادر المستهلكة» للكربون مثل التشجير الذي يمكن أن يمتص ما نسبته 6% من كمية الكربون في إمارة أبوظبي. وهذه خطوة ضرورية لنتمكّن من اتخاذ القرار المناسب عند سن القوانين التي من شأنها خفض نسبة الانبعاثات الكربونية.

حين بدأنا في العمل على المشروع قمنا بتنظيم ورش عمل واجتماعات تشاورية مع كل الفرق المعنية من مختلف الجهات الحكومية على المستويين المحلي والاتحادي لإطلاعهم على أدوات قياس انبعاثات الغازات الدفيئة وطرق رصدها. ما أكده لنا هذا المشروع هو أهمية تضافر كل الجهود والعمل سويا لتحقيق غايتنا؛ فلم يكن بالإمكان العمل دون إشراك جميع القطاعات المعنية بظاهرة الانبعاثات والغازات الدفيئة، ولم يكن لهذا المشروع أن ينجح من دون تكامل استراتيجيات الدولة التي تُبنى على أساسها المشاريع التنموية والاجتماعية ومن ضمنها ‏الرؤية البيئية لأبوظبي 2030، والرؤية الاقتصادية 2030، وخطة أبوظبي 2030، وخطة النقل البري الشاملة 2030 و‏استراتيجية إدارة النفايات. فنحن نحرص على أن تنسجم خطط حماية البيئة مع الازدهار الاقتصادي، لذلك اعتمدنا تلاقي أفكار وخطط كل ‏قطاع لنخرج بأفضل النتائج والحلول لأزمة ارتفاع نسبة الغازات الدفيئة في الجو.‏

لقد استطعنا الحصول على البيانات عن طريق تطبيق استراتيجية دولة الإمارات التي تتوافق مع التزام الدولة بمشروع ‏الأمم المتحدة ورؤية إمارة أبوظبي البيئية لعام 2030، ففي عام 2011 وبرعاية وزارة الخارجية ووزارة المياه والبيئة، أعلنا ‏عن هذا المشروع الذي يهدف إلى جمع المعلومات الكافية واللازمة لمعرفة الوضع البيئي ومدى خطورة ‏هذه الانبعاثات. إننا ندرك جيدا أهمية تصدر المراكز الأولى في الإنتاج والاقتصاد لكننا معنيون بمعرفة أن هناك عواقب لهذا النشاط من المهم وضعها دائما في عين الاعتبار. لذلك يعتبر تحليل هذا الجرد أداة تساعدنا نحن كمختصين في البيئة على فهم الوضع البيئي، الذي بدوره يساعدنا على اتخاذ إجراءات لازمة تتوافق مع ثقافة الدولة وطموحاتها وخططها البيئية والاقتصادية والتزامها باتفاقية ‏الأمم المتحدة، وتتوافق مع القطاع الصناعي وخططه لوضع الإمارات في مجال المنافسة الاقتصادية مع التركيز على تعزيز الاستدامة.‏

إن هذه الاستراتيجيات مثل مشروع جرد الانبعاثات هي طريقتنا في اعتماد منهج علمي لتحديد بصمتنا البيئية. تكمن أهمية الطريقة ‏العلمية في أنها تساعد وتوجه القطاعات المختلفة في اتخاذ القرار بشأن التغير المناخي. فكل قطاع ينظر إلى حل المشكلة ‏بمنظور مختلف قد يتوافق معه ويختلف مع قطاع آخر رغم وجود هدف واحد. لذلك، فإن الطريقة العلمية تساعد الجهات ‏المختلفة على اعتماد طريقة منهجية تساعدهم للوصول إلى حل مشترك لمشكلة التغيير المناخي. ‏

هذا المخطط الإداري والتنفيذي هو خطوة لدولة الإمارات في مجال المكافحة البيئية محليا ومشاركة معلومات هذا الجرد دوليا. ومن جهتنا، فنحن متفائلون بأن ‏نتائج هذا الجرد ستساهم في تحقيق مساعي الحكومة تجاه دمج الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والبيئية في إعداد الاستراتيجية ‏وصنع القرار. إن معرفة ما نحن عليه اليوم هو عنصر حيوي في جهود تطوير النمو الأخضر وبالتالي ‏زيادة التنافسية الاقتصادية الشاملة للدولة. وأنا على يقين من أننا قادرون على اعتماد نهج يهدف إلى تقليل انبعاثات ‏الغازات الدفيئة من خلال المعلومات التي وفرها لنا هذا الجرد والشراكات التي أسسناها والقدرات الوطنية التي ساهمنا في ‏تطويرها لتحديث البيانات لاستخدامها في التقارير المستقبلية. ‏

إن المعرفة هي مصدر للقوة وفي ذات الوقت مسؤولية. وعلينا في المنطقة العربية أن نبذل كل جهد ممكن من أجل الحصول على المعرفة الضرورية لكل ما يمكن أن يهدد أمننا البيئي، كما علينا أيضا أن نعمل معا ‏من أجل تحديد ما يجب أن نقوم به للتصدي للتغير المناخي. ‏

المصدر: صحيفة الشرق الأوسط