كاتبة سعودية
كلما كبُر هذا العالم وتوسع، ورُدمت بحار أو شُقت طرق جديدة نتيهُ فيها ونحيا، يعتري الإنسان أمر غريب. فمهما بدت تلك الأراضي الجديدة صلبة، توخزهُ دبابيس الشك، لتوقظ الخوف النائم داخله. وتبدأ موجة من التساؤلات، هل تلك الأراضي آمنة، أم ما إن يُبنى فوقها، حتى تغرق ويبتلعها البحر الغاضب، الذي حتماً سيحاول الانتقام، والعودة لاسترجاع مكانه الطبيعي. وهل تلك الطرق الجديدة الجذابة، ستوصله إلى غايته، أم ستأخذه إلى مصير غامض!
ومنذ زمن هابيل وقابيل، والإنسان عبر التاريخ، يسرد لنفسه وللأجيال دروسا وحكما، عن تأثير وجوده إيجابياً وسلبياً في المكان حوله. وأثبت لنا التاريخ أيضاً، أن الإنسان إن لم يتوف وفاة طبيعية، أو يذهب ضحية للكوارث الطبيعية، يقتله إنسان آخر إما طمعاً أو إهمالاً أو بالعلم. والعلم الذي يقتل لا يصبح علمًا، بل أداة جريمة. وشاهدنا في كثير من الأفلام الخيالية، أن فكرة استخدام العلم في الشر، لإلحاق الأذى بالآخرين أو للسيطرة عليهم، فكرة واردة كانت تلح على الإنسان في أكثر من سيناريو. وإذا مر هذا على عقل الإنسان، فتأكدوا أن في أماكن مختلفة لا نعلمها، تدور الكثير من الأبحاث العلمية، الذي يتم تسخيرها الآن من أجل الشر والجريمة.
وهذا التقدم العلمي، أحدث ثورة تقنية ضخمة، نمت بشكل سريع وغير متوقع، أسرع من أن يمنح نظام التعليم فرصة لتدريسه للطلاب، فغيرت في الكثير من تفاصيل الحياة البشرية، خاصة في المجتمعات العربية، وأثبتت بطء وضعف مواكبة التعليم العام للمتغيرات حول العالم.
فمنذ ثلاث سنوات تقريباً، طورت شركة أجنبية مطبخاً آلياً، مكونا من ذراعين، وفرنا ومنضدة، مبرمجة لتحضير الوجبات، فلا يحتاج الأمر سوى معايرة التوقيت، واختيار الوجبة من ضمن القائمة والضغط على زر التشغيل، لتجد الوجبة جاهزة. واختراع مثل هذا، ربما يوفر الطعام، ولكن لا يستطيع أن يضيف عليها النكهة التي يجيدها الإنسان. وشجع هذا الاختراع بعض الدول مثل الصين، على الاستغناء عن الأيدي العاملة في بعض المطاعم، بعد أن تم استبدالهم بالنادل الآلي لتقديم الطعام للزبائن!
وبدأت اليابان منذ سنوات، بالترويج لأنواع مختلفة من الإنسان الآلي، الذي تفوقت في تصنيعه، آخرها تلك المذيعة الآلية، التي عكفوا على تطوير ذكائها الاصطناعي في السنوات الأربع الماضية، لتبدأ بقراءة نشرة الأخبار قريباً. وكل هذا يبدو للوهلة الأولى جميل، ولكن يثير عاصفة من التساؤلات، ماذا ستفعل الثورة التقنية الرابعة بالإنسان، وكيف سيتعامل معها الفرد في العالم العربي!
وبالعودة إلى الثورات الصناعية الثلاث السابقة، نجد أنها لم تمر بهذه السرعة التي تشهدها الثورة الصناعية الحالية، فالأولى بدأت في القرن الثامن عشر والتاسع عشر باختراع الآلة البخارية. وبعدها بمئة عام بدأت الثانية، بانتشار الطاقة الكهربائية. التي غيرت حياة الناس، وبدأت الثالثة، بعد اختراع الحاسوب عام 1969 ودخوله إلى جميع المجالات الصناعية والاجتماعية والثقافية.
وأكثر ما يميز التطور الصناعي الحالي، ليس فقط السرعة، بل تضافر وتعاون جميع العلوم الحديثة والتقنية العلمية والرقمية، ومساهمتها في تطور بعضها بعضا، مثل التطوير الذي طرأ على تقنية النانو، والطباعة الثلاثية الأبعاد، التي امتد تعاونها في العمل مع التقنية الحيوية والإنسان الآلي، والاستمرار في عملية رفع مستوى الذكاء الاصطناعي له. وهذا يكفي لجعل الإنسان، يشعر بأن كل أفلام الخيال العلمي التي شاهدها، لم تنجح في فك صمامات المستحيل في عقله، ولم تُرخ شدتها إلا بعد أن رآها حقيقة تتحرك أمامه.
وأكثر ما أخشاه، أن تتبنى بعض الوزارات التي مازالت تعمل بشكل تقليدي، هذه التقنية الحديثة، بدافع مواكبة التطوير، فتقضي على فرص الإنسان في العمل والعيش في مجتمعه.
لذلك نعول على ذكاء وحصافة الجيل الجديد، الذي يرسم اليوم عملية التغيير القادم، ويؤسس لنقلة حضارية ضخمة، فرضتها علينا سرعة نمو التقنية، التي تبدو أنها لن تُهدِئ من سرعتها، بل من المتوقع أن تشتد المنافسة بعد دخول المملكة السباق. لذا نطمح بأن يصنع المخترع والعالم السعودي، ذلك التوازن الإنساني، الذي يتناسب مع مجتمعنا وهويتنا العربية، أثناء تطويره لهذه التقنية، وأن يرفق بأخيه الإنسان على الأرض. فلا نريد أن تأخذ الآلة مكان الإنسان في وطنه، فقط لأن تجارب الغرب وجدتها أقل تكلفة، من تلك التي يديرها أو يُشغلها الإنسان. ولا ينبغي أن تُصمم التقنية، بطريقة جارحه تقضي على أمله في فرص العيش والعمل. بل نحتاج أن نسخر هذه التقنية لتخدمه، في اختراع نظام آلي يقضي على الفساد مثلاً، ويتعقب كل ريال يخرج من خزينة الدولة، ويكشف أي عملية تلاعب لا أخلاقية، من أول تغيير في السيناريو المخطط للصرف مسبقاً. ونحتاج الكثير من الإصرار والجدية، لتسخير هذه التقنية، بتطوير نظام آلي، يطلق تنبيها لوزارة التعليم، بأن المنهج العلمي الفلاني، انتهت صلاحيته لعدم مواكبته تطورات العصر، ويطالب بتحديثه، قبل أن يُدمر النظام المنهج، ويحذفه آلياً من النظام التعليمي. لأنه بتطور العلم تزدهر الأوطان.
المصدر: الوطن السعودية