مازن العليوي
مازن العليوي
كاتب سوري في صحيفة الرؤية الإماراتية، ويعمل حاليا في مجال إعداد البرامج الحوارية الفضائية ، رئيس قسمي الثقافة والرأي في صحيفة "الوطن" السعودية اعتبارا من عام 2001 ولغاية 2010 ، عضو اتحاد الكتاب العرب (جمعية الشعر)، واتحاد الصحفيين العرب، بكالوريوس في الهندسة الكهربائية والإلكترونية، وبكالوريوس في اللغة العربية وآدابها، لديه 3 مجموعات شعرية مطبوعة

السخرية والضحك والذائقة الجمعية

آراء

حكى لي أحد الكتاب الساخرين أنه شارك ذات مرة في ندوة حوارية مع اثنين من الساخرين مثله، محورها النمط الكتابي الخاص بهم، أي الكتابة الساخرة.. وبعد نهاية الندوة أبدى عدد من الحضور امتعاضهم من المشاركين لأنهم لم يضحكوهم، ما يعني أن قسماً من الجمهور جاء ليضحك على اعتبار أن الكاتب الساخر قادر على تحريض هذا الفعل لديهم.

وذات مهرجان مسرحي في أبها أيام مسرحها المكشوف في المفتاحة، قدمت إحدى الفرق مسرحية جادة بإمكاناتها البسيطة، وبعد فترة من بدء العرض شرع معظم الحضور بالمغادرة.. سألت البعض ممن كانوا يجلسون جواري عن سبب مغادرتهم، فكان الرد: “ما فيها شي يضحك”..

وزرت قبل صدور “الوطن” بشهور مع صديقي فنان الكاريكاتير مديرَ بنكٍ في المنطقة، وما إن عرف أن ضيفه رسام كاريكاتير حتى بدأ يرمي النكات واحدة تلو الأخرى.. وصديقي عبدالهادي شماع يكتفي بالابتسامات، فاللهجة كانت جديدة عليه وقتها، ما أثار استغراب المدير من فنان الكاريكاتير الذي لم يستلقِ على قفاه من الضحك لنكاته الرائعة.. وضاع موضوع فتح الحساب حتى تذكرناه ونحن نصافح المدير للمغادرة، وهنا ضحك شماع من أعماقه على المفارقة..

إشكالية الكثير من الناس أنهم يتبنون فكرة اختُزنت في ذاكرتهم ولا ينحازون إلى غيرها، ويأخذون المفردة كما هي ولا يبحثون في مدلولاتها وما تقود إليه، كما في الحالات التي سبق ذكرها. ولذلك فالقناعة لديهم أن الكاتب الساخر مرح بطبيعته وصاحب “نكتة”، والمسرح ليس فيه إلا كوميديا مضحكة، أما فنان الكاريكاتير فلأنه يسخر بالرسم فلا بد أن يكون بدوره ساخراً في حديثه ويضحك دائماً…

لو ناقشنا الحالة الجمعية العربية بتجرد، لوجدناها لا تختلف عن الإطار المذكور، فالمعطيات لدى المجموع تقود إلى ذلك، والإعلام من جهته لم يحاول أن يدعم النماذج الأخرى التي يقدمها المسرح مثلاً من تراجيديا وميلودراما وغيرهما… ما يشير إلى خلل تراكبي أسهم في تكوين انطباع نمطي يصعب زحزحته إلا مع التقادم الزمني عبر استمرارية طرح النماذج المتنوعة للفنون الإبداعية. ففي الفن التشكيلي كحالة إضافية لم تتغير الذائقة الجمعية عن قبولها للمدرستين الكلاسيكية والواقعية، فيما يطلق كثير من الناس على اللوحات المنتمية للمدارس الأخرى كالتجريد والتكعيبية والسريالية مصطلح “فن تشكيلي”، وكأن الكلاسيكية والواقعية فن غير تشكيلي. ما يعيدنا إلى الفكرة التي تقول بأهمية مشاركة الإعلام بطرح فنون الإبداع المختلفة وتحليلها، فربما تتزحزح الذائقة الجمعية عن موضع تمركزها، وتتقبل ما لا تتقبله اليوم.

المصدر: الوطن اون لاين