كاتب إماراتي
يقول الروائي محمد رضا العبدالله في شرحه لمصطلح «النحت» لغوياً: هو أن تعمد إلى كلمتين أو ثلاث أو إلى جملة، فتؤلف من بعض حروفها كلمة جديدة تكون دلالتها موافقة لدلالة ما أخذت منه.. وهناك نحت اسمي ونحت فعلي.. مثل قولنا «بسمل» أو «البسملة» وهي نحت لجملة «بسم الله الرحمن الرحيم»، وكذلك فعل «حسبل» و«حمدل» و«حوقل».. ثم يستمر الشرح في نحت كلمات عربية جديدة تم اختراعها مثل «السرنمة» وهو الفعل لشرح حالة السائرين نياماً.. و«الركمجة» وهو فعل الوصف للممارسة التي يقوم بها زملاؤنا الذين يركبون الأمواج.. تقول لي: لا؟ ليس لديك زملاء يركبون الأمواج؟! أقصد معناها الاجتماعي وليس الرياضي.. هل رأيت؟ كلنا ذاك الرجل!
الآن لنعد إلى تلك اللعبة اللغوية الجميلة.. حاول الإتيان بنحت لكثير من الأمور حولك.. السيارة التي يمسكها الرادار على سرعة 60 عند مدخل أم القيوين.. الرجل الذي لا يستطيع أكل الكيما دون أن تتسخ كندورته كأي طفل يعرف حقوقه قبل الرابعة من العمر.. الفوضى التي تصيب الطاولة عندما يكتشف أحد الفريقين أن لعيبة «الدومينو» في الفريق الآخر يغشون باستخدام دندنة لحن معين.. صدقني لغتنا ثرية وستخرج بعشرات الأفعال «المنحوتة» التي تستحق الوضع في متحف لغتنا الآيل للسقوط أو للبيع لأي تاجر آثار في أي لحظة.
عن نفسي وبعد مشوار الـ«ويك – إند» الماضي قمت بنحت فعل «السغبنة»، وهو أن تذهب إلى دار السينما وتتفرج على الأفلام بكل غباء دون قراءة ما بين السطور أو ما خلف السطور والاكتفاء بقراءة الترجمة الحرفية التي تضعها «استديوهات أنيس عبيد» بمصطلحاتها الجميلة: تباً.. اذهب إلى الجحيم.. سحقاً لك.. وبالطبع المصطلح الجديد.. فليجحم به!
عندما تمارس «السغبنة» أثناء مشاهدة الأفلام فإنك تريح نفسك من سؤالها عن مدى عبثية أو صدقية الرقابة على ما يشاهده أبناؤنا.. كما أنك ستريح نفسك من الحزن على البون الكبير بين الآلة الإعلامية الصهيونية والآلة الإعلامية العربية التي لا تحسن إلا التوجه إلى الداخل.
عندما تمارس «السغبنة» فإنك لن تقلق لأن رسالة الفيلم الأول هي أنه يجب أن يكون هناك عبقري صهيوني أو يهودي يستبق الأحداث في كل فيلم خيال علمي.. ولن تقلق لأن رسالة الفيلم الثاني هي أننا نعيش مرة واحدة وعلينا تجربة كل شيء وبأي طريقة قبل وفاتنا، لأنه لا شيء بعدها والحياة قصيرة.. ولن تقلق لأن رسالة الفيلم الثالث هي أن المقدسات تختلف باختلاف الثقافات، وأن الدين هو تفسير وضعه الإنسان لتفسير الظواهر التي لم يفهمها، وأن الاستهزاء بكل شيء وأي شيء يندرج تحت باب «قبول الآخر».
عندما «تسغبن».. فلن تستغرب المشاهد التي لو أن أحدنا رآها قبل عشر سنوات فقط لبكى من فرط الألم وهو يقول: «كم تغيرنا»!
«سغبن» يا صديقي العزيز، واطلب «بوب كورن».. وعش الحلم الأميركي بكل لحظاته.. «سغبن.. فما فاز إلا السُّغبن»!
المصدر: الإمارات اليوم