التاريخ هو الهوية الحقيقية للأمم والشعوب، وهناك علامات فارقة في تاريخ الشعوب والدول لا يتشابه ما قبلها مع ما بعدها، كما في تاريخ الثاني من ديسمبر 1971، الذي يمثل في حقيقته جوهر تاريخ دولة الإمارات، واللبنة الأساسية التي بنيت عليها أسس قيام الدولة وتطورها ونموها، واستناداً إلى أهمية هذا التاريخ، وإلى حقيقة أن «تاريخ الإمارات المشرق لا يقل أهمية عن حاضرها الزاهي»،
جاءت مبادرة «1971»، التي أطلقها سموّ الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي، بهدف الإسهام في توثيق تاريخ الدولة في جميع المجالات.
واستلهاماً لهذه المبادرة المهمة، تأتي هذه الصفحة الأسبوعية التي تقدمها «الإمارات اليوم»، بالتعاون مع «الأرشيف الوطني»، التابع لوزارة شؤون الرئاسة، للتعريف بشكل الحياة في الإمارات قبل الاتحاد، وخلال بداياته الأولى، والجهد الكبير الذي بذله الآباء المؤسسون للدولة من أجل قيامها.
ارتباطه الوثيق بتراث وطنه، وإدراكه العميق لأهمية الحفاظ عليه وإحيائه، كانا من أبرز السمات التي تتمتع بها شخصية المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، إذ كان حريصاً على أن تظل مفردات التراث حاضرة في المجتمع الإماراتي، خصوصاً تلك التي ترتبط بعادات وتقاليد وآداب متوارثة عن الآباء والأجداد؛ مثل رياضة الصيد بالصقور التي ارتبط بها المغفور له الشيخ زايد، وكان خبيراً بفنونها وأصولها، ومرجعاً مهماً في تاريخها وما يتعلق بها من معلومات، نظراً لأنه بدأ ممارستها من عمر 12 عاماً. هذه الخبرة وضعها الشيخ زايد في كتابه «رياضة الصيد بالصقور» الصادر عام 1976، والذي يعد مرجعاً في هذه الرياضة.
ويبدأ كتاب «رياضة الصيد بالصقور» بما يشبه سيرة ذاتية مختصرة، تتناول علاقة الشيخ زايد بالصيد بالصقور، قبل أن يقدم في بقية الكتاب فيضاً من المعلومات حول تاريخ هذه الرياضة، وأصولها وقواعدها وآدابها، بالإضافة إلى معلومات عن الصقور وأنواعها وخصائصها وصفاتها.
ويشير المغفور له الشيخ زايد في الكتاب إلى أنه عندما كان في الـ12 من عمره كان يحب الصيد كثيراً، ويخرج في رحلات مع من هم أكبر منه سناً ليتعلم منهم، وكان يصيد بالبندقية، ولصغر سنه كان يعتمد حينما يضرب البندقية على ساتر أو أي شيء آخر، وحينما بلغ الـ16، كان قد تعلم الصيد بالصقور، فشرع يزاول الصيد بالاثنين معاً البندقية حيناً والصقر حيناً.
ويضيف: «حينما بلغت من العمر الـ25 كنت قد تعلمت أصول الصيد وفنونه، في هذا الوقت فضلت الصيد بالصقر على ما عداه، وأقلعت عن استخدام البندقية في صيد الحيوان، وكان لهذا التحول سبب في نفسي، فذات يوم ذهبت لرحلة صيد في البراري وكانت الطرائد قطيعاً وافراً من الظباء يملأ المكان من كل ناحية، فجعلت أطارد الظباء وأرميها وبعد نحو ثلاث ساعات قمت أعد ما رميته من الظباء فوجدتها 14 ظبياً، عندئذ فكرت في الأمر طويلاً وأحسست أن الصيد بالبندقية إنما هو حملة على الحيوان وسبب سريع يؤدي إلى انقراضه، فعدلت عن هذا الأمر واكتفيت بالصيد بالصقر».
إن اهتمام المغفور له الشيخ زايد بالصيد بالصقور له جانب آخر يصب في حرصه الشديد كحاكم على الاطلاع على ما يدور في بلده، والاقتراب من كل فئات المجتمع والاستماع لهم مباشرة، وهو ما يوضحه في كتابه: «شيء آخر مهم جداً أغراني بحب هذه الرياضة، ذلك أنها رياضة جماعية أكثر من كل أنواع الرياضات الأخرى، فرحلة الصيد بالصقر تضم مجموعة من الرجال لا تزيد على 60 شخصاً، ولا تقل عن 10 أشخاص، وتكون الرحلة الطويلة أحياناً لا تقل عن أسبوع أو أكثر، وهؤلاء الرجال بينهم الملك أو الحاكم أو الأمير، ومنهم التاجر الكبير، ومنهم أيضاً الرجل العادي، ولكن جمع بينهم حب الهواية والألفة والرغبة في التمتع بالقنص، واختلاط هذه المجموعة من الناس ببعضهم بعضاً، ثم اختلاطهم بولي الأمر الذي معهم سواء كان ملكاً أو حاكماً أو أميراً ومجالسته لهم ومعايشته اليومية معهم؛ يأكلون من طعام واحد ويشربون ويتحركون معاً في كل مكان، هذا الاختلاط يتيح لكل فرد من أفراد المجموعة أن يتكلم بما يريد ويعبر عن أفكاره وخواطره دون تكلف أو قيود، فيتاح للمسؤول أن يتعرف إلى رغبات شعبه، ويدرك ما يجول في نفوسهم، ويقف على حقيقة آرائهم فيحيط بها، ويبادر إلى إصلاح شأن الناس عن دراية وفهم وعن معرفة صادقة وعميقة بأحوال الناس». وتابع: «في رحلات القنص هذه تبدو الطباع على حقيقتها فتظهر السجايا النبيلة والخصال الطيبة والأخلاق الحميدة، كما تظهر الطباع السيئة والأخلاق الرديئة، فيكون هذا الاختلاط في رحلات القنص مجالاً واسعاً لاختبار الرجال وتمييز الطيب عنغيره من الناس، يضاف إلى ذلك ما يجنيه القانص من الرياضة النفسية والبدنية والأنس الذي لا ينسى».
ويشير الكتاب إلى أن الصيد بالصقور من أهم الرياضات العربية في منطقة الخليج العربي، ولها قواعدها وأصولها في التدريب والتي تختلف عن التدريب بالغرب، والتدريب معناه تأنيس الطير الجارح وتحويله إلى طير أليف مطيع لمدربه؛ وتعليمه كيف يصيد وهو أمر ليس سهلاً، فهي رحلة شاقة تحتاج من المدرب إلى الصبر والحنكة، والرفق في معاملة الصقر حتى يصل إلى الغاية المنشودة. وأوضح أن الأهالي في دولة الإمارات ومنطقة الخليج يحبون الصيد بالحر الشاهين إلى جانب الفصائل الأخرى التابعة لهما. وجنس الحر يتبعه وكري الحرار والجرموشة وتبع الحرار، وجنس الشاهين تابع له وكري الشواهين وتبع الشواهين وهذه الفصائل تختلف عن بعضها من حيث الشكل والحجم والعينين ولون الريش ولون الأرجل. والحر والشاهين بارعان في اقتناص طير الحبارى والكروان والأرنب، ولكن كل صقر يجيد المهاجمة بطريقة تختلف عن الآخر، وكل منها يختلف حسب قدرته، وحسب ما اكتسب من ميزات في التدريب.
مستشفى
يعد مستشفى أبوظبي للصقور أول منشأة عامة في دولة الإمارات تقدم خدمات الرعاية الصحية البيطرية الشاملة للصقور فقط، وجرى افتتاحه في الثالث من أكتوبر عام 1999، كمنشأة تابعة لهيئة البيئة في أبوظبي، ليصبح أكبر مستشفى للصقور في العالم؛ إذ تعامل المستشفى مع 50 ألف صقر مريض في الـ12 عاماً الأولى من إنشائه، ويستقبل سنوياً أكثر من 6000 صقر لفحصها ومعالجتها. وبرز مستشفى أبوظبي للصقور من إنشائه كواحد من أفضل مستشفيات الصقور سمعة في منطقة الخليج، وأكبر مستشفى للصقور في العالم، ومركز رائد في طب الصقور على المستوى الدولي، حتى تمكن المستشفى على مر السنوات من تكوين قاعدة عريضة ووفية من المرضى، ليس في الإمارات العربية المتحدة فحسب، بل وأيضاً في دول مثل المملكة العربية السعودية وقطر والكويت والبحرين.
مدرسة محمد بن زايد للصقارة
أعلن سمو الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان، ممثل الحاكم في المنطقة الغربية رئيس نادي صقاري الإمارات، العام الماضي، خلال افتتاح مهرجان الصداقة الدولي الثالث للبيزرة، عن إطلاق مدرسة محمد بن زايد للصقارة وفراسة الصحراء والتي ستسهم في زيادة الوعي بقيمة الصقارة كتراث وفن إنساني مشترك. وتهدف المدرسة إلى غرس المبادئ والممارسات الصحيحة للصقارة العربية في النشء، والترويج للتقاليد المستدامة للصقارة العربية ونشر مبادئ وأخلاقيات الصقارة العربية على المستوى العالمي، وتعزيز الطابع التراثي للصقارة، وتقديمها كواجهة تراثية وثقافية مهمة في إمارة أبوظبي.
متحف
يعد متحف الصقور، التابع لبلدية دبي، أحد مظاهر اهتمام دولة الإمارات بالصقور. ويقع المتحف في منطقة ند الشبا، وبني على الطراز التقليدي القديم، باستخدام المواد المعمارية السائدة في المنطقة، منها الأحجار الطبيعية والأخشاب وسعف النخيل والجندل، ليعكس صوراً حية من البيئة التي يتم فيها الصيد من خلال العديد من المجسمات، وأحدث التقنيات وأجهزة العرض الخاصة التي تعطي الزوار بالصوت والصورة كل ما يحتاجون إليه من معلومات عن أنواع الصقور، وطرق الصيد، والأدوات المستخدمة فيه قديماً وحديثاً. ويتكون المتحف من أربع صالات رئيسة هي: أنواع الصقور، وتشريح الصقور، والصيد، وثقافة القنص.
تراث إنساني
توجت الجهود الدولية التي قادتها دولة الإمارات، بمبادرة من هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، في إطار سعيها لصون الصقارة وتشجيع مبدأ الصيد المستدام، بإعلان منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) في نوفمبر 2010 عنتسجيل ملف الصقارة كتراث إنساني حي في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية. وتكريماً لهذا الدور الكبير، حلت الإمارات «ضيف الشرف الأول» في الجمعية العمومية الـ85 للمجلس العالمي للحفاظ على الصيد والحياة البرية، التي انعقدت في سان بطرسبرغ في روسيا في مايو 2011. كما جاء مهرجان الصداقة الدولي الثاني للبيزرة، الذي استضافته هيئة أبوظبي للثقافة والتراث بالتعاون مع نادي صقاري الإمارات في شهر ديسمبر 2011 في مدينة العين، احتفاء بهذا الإنجاز الاستثنائي، وشهد هذا المهرجان مشاركة أكثر من 700 صقار وخبير ومسؤول من المؤسسات الدولية من 75 دولة.
المصدر: الإمارات اليوم