خلال عقود لا تحسب من أعمار الدول، تحولت الإمارات من حياة البدو الرحل والإبل، إلى الحياة الحضرية المعاصرة والمركبات الفارهة، وبينما كان أجدادنا يعيشون حياتهم يوما بيوم، بهدف البقاء والاستمرار فقط وفي مناخ صحراوي لا يرحم وأجواء قاسية، نتمتع نحن بقيادة سياراتنا المكيفة للذهاب إلى مراكز تسوقنا المكيفة والمهيئة لكل احتياجاتنا، إلا أننا قد نحتاج، أو ربما الأجيال المقبلة إلى عودة إلى “حياة الإبل” ولو لوهلة قصيرة، لنتمكن من الاستمرار.
للعلم، لست مستعدا لأن أتخلى عن سيارتي الدفع الرباعي بأي شكل من الأشكال، فالتطور قد جلب إلى حياتنا أمورا رائعة ولا تصدق، ولكن، وكما عرف أجدادنا جيدا، فإن مواردنا لن تدوم إلى الأبد، ولابد لنا بأن نخطط ليوم قد تنضب فيه آبار نفطنا، ومن هنا، كان لابد علي أن أنوه إلى مدى أهمية تطوير الصناعات الأخرى، وأهمها السياحة والضيافة واهمها السياحة الثقافية، والتي لا تعمل فقط على التنويع في اقتصادنا وتجديده وتحريكه في اتجاهات متنوعة، بل على حثنا في الوقت ذاته البحث عميقا في تراثنا واستنباط الإلهام منه.
أعتقد بأن دعوة المزيد والمزيد من الغرب إلى دولتنا وتعايشهم معنا هو أمر لا يجر على الإمارات إلا بالنفع، خاصة مع تحول هؤلاء المقيمين في الدولة إلى سفراء لنا في دولهم، ينشرون فيها السمعة الطيبة للدولة وشعبها ومدى احترامنا للحضارات المختلفة، ومدى التزامنا بعاداتنا وديننا، وليس هناك أفضل من الكلمات الإيجابية كتشجيع للأفراد من مختلف دول العالم لزيارة الإمارات وتجربة هذه الثقافة لا متناهية الغنى.
قد لا يشاركني الآخرون تفاؤلي ونظرتي المشرقة للأمر، باعتقادهم بأن دخول التأثيرات الغربية على الدولة قد تهدد طريقة وأسلوب حياتنا هنا، لا يمكنني نكران مدى جهل أغلب الجالية الغربية بثقافتنا في منطقة الخليج، الأمر الذي يمكن ملاحظته بمجرد المرور في أي مركز تسوق في الدولة، حيث تكشف ملابسهم أكثر مما تستر، إضافة إلى استخدام لغة عدائية، وسلوكيات قد تتنافر وتتعارض وتعاليم ديننا وثقافتنا، الأمر الذي قد يجعل من تعايشنا مع حفاظ الشباب تحديدا على أسلوب الحياة الإماراتي الأصيل، تحديا لابد منه، خاصة مع تطور مشاريع عديدة مثل جزيرة السعديات، وجزر النخلة، التي بدأت تجب معها المزيد من التنوع الثقافي، ما يعني أهمية تبيان مدى تفتح دولة الإمارات ومرونتها، وفي الوقت ذاته، مدى تمسكها واحتفاظها الفخور بالعادات والتقاليد وواقع أنها دولة إسلامية.
لا يكمن الحل برأيي في أغلاق الأبواب وعزل الدولة والشعب عن باقي العالم، الذي لم يعد بطبيعة الحال سوى قرية صغيرة لا يمكن سوى أن نكون جزء منها، أو بالأحرى جزء فعالا منها، وبالتالي فإن الحل هو دعوة المزيد من الإماراتيين لدراسة التخصصات المعتمدة على تعددية الثقافات، إضافة إلى الثقافة الاسلامية العربية والإماراتية، ومشاركة هذه المعرفة مع العالم، وتحويلهم إلى سفراء للدولة وخبراء في الإرشاد السياحي والثقافية.
نحن بحاجة أيضا إلى تقبل واعتناق ما يقدمه التأثير الغربي على الحياة هنا من وجهات إيجابية، والتوقف عن المبالغة في تهويل تأثيراته السلبية، فجزء من الحل، كما قلت سابقا، هو البحث عن الإلهام من تاريخ الأجداد وماضينا، فعندما قام والدنا المغفور له الشيخ زايد ببناء هذه الدولة الطموحة، حرص على أن يدعو إليها الكثير من الأجانب للإقامة فيها، وتحديدا الإخوة العرب، الذين أدخلوا أيضا الكثير من ثقافاتهم وحضاراتهم على حياتنا، وخاصة المطبخ الشامي الشهي وأطباقه، بينما يغرم الكثير من الشعب الإماراتي والخليجي بشكل عام بالأفلام البوليوودية، ويحرص على أن يقتني اقتناء السجادات الفارسية والتركية، كل ما هناك هو أننا نأخذ من باقي الحضارات ما نرغب ونحب، ومن ضمنها ثقافة الغرب، ألسنا جميعا نصرخ بقولنا “جووووول” مهما اختلفت جنسياتنا، عند تصويب هدف في مباراة كرة قدم؟
أرجو أن نتمكن جميعا من رؤية المستقبل، كفرصة لتقوية وتعزيز قيمنا، وبأن نكون واثقين بقدرتنا على التعامل المرن مع ثقافتنا وغربلة ما يدخل عليها من تأثيرات، وإن تمكنت كل عائلة بتربية أطفالها على الثقافة العربية والإماراتية الأصيلة، والعودة إلى “الجمل”، وأقصد هنا تراثنا ومعتقداتنا الحقيقية، فلا خوف عليهم من تأثيرات الغرب مهما كثرت، كل ما علينا هو التمسك بالجذور وفتح الأبواب للجديد.
خاص لــ (الهتلان بوست)