كاتب اماراتي
تحولت مواقع التواصل الاجتماعي إلى كنز لا ينضب من الكهوف المعرفية التي لا يعلم إن كانت تحتوي كنزاً أو ستسقط على رؤوس أصحابها، فغدت هذه المواقع مكتباً لاستيراد وتصدير المعلومات بجميع أنواعها الحقيقية والمزيفة، وأحياناً – وبسبب تراكمها وانتشارها – تبلغ مرتبة التواتر الذي لا يجرؤ أحد على تكذيبه. وكثيراً ما أرى تداول معلومات مغلوطة مثل أن فيتامين سي يقي من نزلات البرد أو أن شرب الماء واقفاً يمنع تليف الكبد أو أن ربطة البقدونس تفتك بالخلايا السرطانية مثلها مثل العلاج بالكيماوي ولا أظن أن أحداً منا لم تمر عليه قصة الشيخ أحمد حارس القبر النبوي والذي رأى في المنام الرسول عليه السلام وهو يأمره بتحذير الأمة من الفساد وأمره بنشر هذه الرسالة بين الناس وكل من يمتنع عن نشرها فسيحرم من شفاعة النبي عليه السلام وبعد مرور أكثر من 100 عام على تاريخ ولادة هذه الأقصوصة إلا أنك ستظل تراها في قائمة الرسائل الأكثر انتشاراً بين الناس.
صار أحد أشكال تصدير المعلومة وإثبات مصداقيتها هو إضافة اسم أحد الخواجات من ذوي الأسماء الأجنبية التي لا يمكن قراءتها إلا بعد أخذ شهيق وزفير لأن القاعدة الشعبية تقول إن الحق ما شهد به الأعداء، فأصبحت أسماء مجهولة مثل و«خرتشوف» و«أوكوياما» و«نفرتيتي» هي الدليل بحد ذاته وخصوصاً إذا تعلق الأمر بالإعجاز العلمي في القرآن حيث تقحم أسماء أجنبية في صدر الموضوع حتى يكون للمعلومة مناعة لا يمكن اختراقها، مع أن القاعدة تقول إن قول العالم يستدل له ولا يستدل به وقد حصل مثل هذا في الماضي حينما وضعت الروايات على لسان رسول الله ليكون للقول مصداقية مطلقة فيقول المفسر جمال الدين القاسمي في كتابه (محاسن التأويل) «وتهويل بعضهم بأنها مقتبسة من مشكاة النبوة، إذ أخرجها فلان وفلان، من تنميق الألفاظ لتمزيق المعاني، فإن المشكاة النبوية أجلُ من أن يقتبس منها إلا كل ما عرفت جودته».
فنلفترض أن أحدهم قال لك إن الفلكي العالمي «أرنولد» يرى أن الكرة الأرضية تطفو على ظهر سلحفاة أولاً – وقبل السؤال عن تاريخ ميلاد السلحفاة – من هو أرنولد هذا؟ وماذا يملك من مؤهلات علمية؟ قد يكون أرنولد متخصصاً في علم السلاحف البرية في مدينة ليفربول البريطانية ومن قائمة هواياته استخدام التلسكوب لمراقبة النجوم لكن هل هذا كاف ليجعل منه مفتي فضاء؟
قد يكون ما يقوله الخواجات ليس مجانباً للصواب فقط بل كارثة بحد ذاتها، ولنأخذ مثالاً قصة عالم الأحياء السوفييتي الذي صدرت به المقال، (تروفيم دينيسوفتش ليسنكو)، والذي نقلت اسمه بشق الأنفس حيث يبدو الاسم مرعباً من الخارج وكافياً لتكبيت أكبر رأس مخالف بل قد يستخدمه البعض كتعويذة علمية لنفثها على المعارضين كان «ليسنكو» يؤمن بأن المؤثرات البيئية قد تنتقل من جيل لآخر، فعند تغيير الظروف البيئية للنبات كدرجة الحرارة ليعطي نتاجاً أفضل، فإن هذه التغيرات ستنتقل إلى الجيل الذي يليه وستعطي هي الأخرى نتاجاً محسناً مع ظروف البيئة الجديدة، وطبعاً هذه النظرية ضد نظرية مندل الوراثية – عراب علم الوراثة – والتي تقول إن الجين هو المسؤول عن نقل الصفات الوراثية للأجيال التالية وليس الظروف البيئية.
قام ستالين رئيس الاتحاد السوفييتي بتبني هذه النظرية لأسباب تخدم فكره الشيوعي حيث تصور أنه بإمكانه جعل الشيوعية تورث للأجيال القادمة بالفطرة. وجعل «ليسنكو» من المقربين والأولين، واضطهد كل من خالف رأيه من أمثال العالم الكبير «لافلوف» الذي سجن إلى أن وافته المنية في سجنه بتهمة العمالة لبريطانيا وأدى تطبيق نظرية ليسنكو إلى حدوث أضرار جسيمة بالزراعة السوفييتية حيث ألحقت أضراراً اقتصادية كبيرة بالفلاحين البسطاء الذين لا يعرفون لا «مندل» ولا «ليسنكو» ولا «لافلوف» ولا الجني الأزرق فكل ما كانوا يريدونه هو لقمة عيش حلال، وكان مصدر بؤس هؤلاء المساكين هو الخواجة تروفيم دينيسوفتش ليسنكو صاحب لقب رائد البيولوجيا السوفييتية.
المصدر: صحيفة الرؤية