باحث إماراتي
جاء 24 نوفمبر (تشرين الثاني) وسط سباق ماراثوني بين إيران و«5+1» للوصول إلى اتفاق نهائي بشأن البرنامج النووي، ولكن أبت التباينات الكبيرة بين الطرفين إلا أن تدفع بهذه المباحثات إلى تاريخ آخر حُدد أن يكون في يونيو (حزيران) 2015 للوصول إلى اتفاق نهائي يسبقه اجتماع في مارس (آذار) 2015.
وما بين منتقد لهذا التمديد ومرحب به يتبادر السؤال هنا، وهو هل هناك خاسر ورابح من نتيجة التمديد وكيف يمكن أن يُقرأ هذا الأمر؟
بداية لا تزال هناك قضايا محل تباين كبير بين الطرفين بدءا من مسألة التخصيب، وما يلازمها من العدد المسموح به لأجهزة الطرد المركزي، مروراً برفع العقوبات، وانتهاء بالمدة الزمنية التي يجب أن يستمر فيها الاتفاق الشامل. هذه القضايا جاءت بوصفها معاضل حقيقية بين الطرفين، ليس فقط لمجرد التوصل إلى تفاهمات حيالها، وإنما لكيفية خلق مسار لها والتأكد من التزام كل طرف بما تم الاتفاق عليه.
ففي الوقت الذي تسعى فيه إيران للاحتفاظ بأجهزة الطرد المركزي التي بحوزتها، بل وتسعى لرفعها إلى ما يقارب 190 ألف جهاز طرد مركزي نوع IR1 وتطوير نوعيات متقدمة منها، تسعى «5+1» إلى خفض هذا العدد إلى مستويات متدنية، ربما لا يتجاوز 3 إلى 4 آلاف جهاز طرد مركزي من هذا النوع. ويعتبر رفع العقوبات وليس مجرد تعليقها أمرا مُلحا لإيران، ويتوجب أن يتم بشكل فوري، في حين أن الطرف الآخر يعتقد أنه أمر غير منطقي ويتوجب أن يسير بصورة يتزامن معها التأكد من استمرار الجانب الإيراني بالإيفاء بالتزاماته، وهو ما يقودنا بدوره إلى المعضلة الأخيرة والمتمثلة في مدة العقد. فالتأكد من التزام إيران بالإيفاء بما هو مطلوب منها يحتاج، من منظور «5+1»، إلى مدة من الزمن قد تصل إلى أكثر من 10 سنوات أو أكثر، وهو ما يعارضه الجانب الإيراني بحكم رغبته في أن تُعامَل إيران كبقية الدول الأخرى الموقِعة على اتفاقية الحد من انتشار الأسلحة النووية.
استمر التباين في هذه المسائل فدفع الأمر، كما أشار كبير المفاوضين الإيرانيين عباس عراقجي بأن يكون «اتفاق جنيف اتفاقا للهدنة، غير أن الاتفاق الشامل الذي نسعى للوصول إليه هو بمعنى اتفاق السلام، ومن الطبيعي أن نحتاج إلى مزيد من الوقت للوصول إليه». يشاطره في الأمر وزير الخارجية الأميركي بقوله: «نسعى للتوصل لاتفاق جيد وهذا يتطلب وقتا».
إذن فالهدف الرئيسي من تلك المباحثات هو الوصول إلى اتفاق سلام جيد. وحتى الوصول إلى ذلك الاتفاق نتساءل هنا ما الذي جناه الطرفان حتى الآن؟
يحدثنا وزير الخارجية الأميركي جون كيري لنستشف ما الذي جنته «5+1» حتى الآن:
1. وقف تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المائة.
2. وصول احتياطي إيران من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المائة إلى صفر.
3. أنشطة إيران النووية تخضع للمزيد من الرقابة.
4. العقوبات ظلت على وضعها.
5. وقف البحوث النووية بشكل كامل.
وفي مقابل ما ذكره كيري من نجاحات حققها، يشير إلى أن إيران كذلك ستعود لها نتائج إيجابية من هذه المباحثات.
فما الذي حققته إيران وستجنيه خلال الفترة الممتدة للمباحثات؟
يمكن إجمال ما حققته إيران حتى الآن في التالي:
1. وقف فرض مزيد من العقوبات.
2. رفع العقوبات عن قطاع البتروكيماويات وقطاع السيارات.
3. الإفراج عن بعض الأرصدة الإيرانية.
4. الاحتفاظ بحقها في عملية التخصيب بنسبة 5 في المائة.
5. انفراجة على مستوى علاقاتها الدولية توجت بزيارات كثيرة على مستوى الرؤساء والوزراء وكذلك البرلمانيين وممثلي الشركات العالمية.
إن المتتبع للمباحثات يدرك أن ما تقدم من نقاط هو أمر حققته إيران منذ بداية الاتفاق. ولذا فإن ما ستحققه خلال فترة التمديد لا يعدو عن أمر واحد فقط، وهو حصول إيران على 700 مليون دولار شهريا من أرصدتها خلال فترة التمديد القادمة. وسيكون الإجمالي 4 مليارات و900 مليون دولار وهو لا شك أنه مبلغ زهيد للغاية في دولة وصلت ميزانية حكومتها إلى أكثر من 220 مليار دولار.
هذا الأمر حدا بموقع «رجا نيوز» الأصولي للتعليق بأن «الصناعة في إيران متوقفة على مدار عامين، وفي المقابل لم تُرفع العقوبات، بل فقدت الكثير من أوراقها الاستراتيجية الرابحة، وتتسلم شهريا 700 مليون دولار من أموالها من عائدات النفط، وهو مبلغ زهيد لا يقدر حتى بقيمة مساعدات للشعب». هذا الامتعاض وصل إلى أروقة البرلمان الإيراني الذي ضج بصيحات حناجر نوابه مرددين: «الموت لأميركا». ويأتي المرشد ليتوج الموقف بتأكيده بأن إيران لن تركع للغرب.
وإذا أردنا أن نكون أكثر دقة في تحليلنا فإنه يمكن القول إن «5+1» هي الرابح خلال الفترة الماضية وكذلك خلال فترة التمديد.
ولكن هل يعني هذا أن إيران هي الخاسر؟
كي نضع الأمر في إطاره الموضوعي، فإنه يمكن القول إن مسألة الربح والخسارة بالنسبة لإيران يتوجب النظر لها من منظورين؛ الأول قريب، والآخر بعيد.
ففي المنظور القريب، لن تحقق إيران سوى المبلغ الشهري الذي ستحصل عليه كما أسلفنا القول. وبالتالي فهذا الأمر يأتي كما يقال: «فوز بطعم الخسارة».
فما الذي يحدو بإيران للموافقة على ذلك سوى أنها ليس لديها طريق آخر. فأي تراجع وانسحاب من المباحثات يعني مزيدا من العقوبات. ولعلنا نستذكر أن هناك مسودة مشروع من الكونغرس السابق الذي كان يضم عددا من الأعضاء الديمقراطيين شكلوا أغلبية فيه بفرض مزيد من العقوبات على قطاع النفط الإيراني، فكيف بالكونغرس الحالي وأغلبيته الجمهورية.
وهنا يأتي المنظور البعيد لتأتي معه المنطقية في تصريحات المسؤولين الإيرانيين. فالرئيس الإيراني حسن روحاني أشار إلى أن عملية التفاوض ستتمخض عن الاتفاق النهائي عاجلا أم آجلا، ويرى علاء الدين بروجردي، رئيس اللجنة الأمنية والسياسات في البرلمان الإيراني أن التمديد لمواصلة المفاوضات كان السبيل الوحيد لإخراج المفاوضات من الطريق المسدود، وأن موافقة إيران على التمديد وإبداء المرونة لا يعني، كما يرى جواد ظريف، الاستسلام، بل يعني حسن النيات.
إذن، فالمنظور البعيد يقول بأن إيران ستكون هي الأخرى رابحة في حال التوصل إلى اتفاق شامل، تجلت صوره بدايةً مع توقيع الاتفاق المبدئي مع «5+1»، ولعل الصورة الأكثر وضوحا هي ما قالته كبيرة المفاوضين الأميركيين ويندي شيرمن بأنه مجرد رفع العقوبات الأميركية عن إيران، فإن العالم كله سوف يتدفق عليها.
الصورة المستقبلية للمباحثات تتجلى في أن المباحثات لن تستمر للأبد، وستظل المباحثات شاقة باعتراف الطرفين، وفي انتظار كل طرف للآخر وما يمكن أن يقدمه من تنازلات. وتبقى سلمية البرنامج النووي الإيراني مطلبا للعالم أجمع. كما أن للشعب الإيراني الحق في الحصول على هذه التقنية وفق أغراضها السلمية البحتة، ورفع العقوبات عن كاهله.
المصدر: الشرق الأوسط
http://classic.aawsat.com/leader.asp?article=796056