تبذل جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا جهوداً كبيرة في عملية بناء جيل جديد وواعد من الشباب الإماراتي في قطاع الفضاء والطيران، حتى تتمكن من رفدهم للانخراط في هذا المجال الحيوي الذي يسهم في ازدهار مستقبل الدولة، ويساعد في تحويل الاقتصاد الإماراتي من اقتصاد يعتمد على النفط إلى اقتصاد قائم على المعرفة، ولذلك فقد أحدثت الجامعة قطاعات عدة في مجال الفضاء، ومنها، هندسة الطيران والفضاء، فيما أحدثت مختبراً للفضاء يعمل على محاكاة حركة المركبات الفضائية والأجسام بطريقة تشبه حركتها في الفضاء. «الخليج» التقت الدكتور عارف سلطان الحمادي، مدير الجامعة، للتعرف إلى دورها في عملية إدخال الشباب في مجال الفضاء، حيث قال «سعت الجامعة منذ تأسيسها الى تأهيل جيل من المواطنين في مختلف المجالات العلمية والهندسية عن طريق البحث العلمي، وكانت هندسة الطيران والفضاء أحد أهمها لمستقبل الدولة، ولذلك أنشأت قسماً خاصاً بهندسة الطيران والفضاء لتكون الجامعة الأولى في الدولة ضمن هذا المجال، كما خرّجت عددا من المهندسين المواطنين والمواطنات، وستخرّج المزيد في مختلف المجالات خلال الأعوام القليلة القادمة».
أكد الحمادي، أن الجامعة «ضمت مركز أبحاث متخصصا في هندسة الطيران والفضاء سيؤسس للإبداع في الدولة، في خطوة تؤكد ريادة الإمارات في مختلف المجالات وتعزز موقعها عربياً وعالمياً، حيث نفخر بأن تكون الجامعة ممن ترفد المبادرات الحكومية المختلفة بسواعد إماراتية مؤهلة على أعلى مستوى، وقادرة على دعم مسيرة التطور والبحوث العلمية التي تتعدى كوكب الأرض، وستصل إلى المريخ».
هندسة الطيران والفضاء
وأوضح الدكتور كين لياو، رئيس قسم هندسة الطيران والفضاء بالإنابة في الجامعة أن «قسم الهندسة يتكون من أعضاء هيئة أكاديمية وبحثية من ذوي الخبرة، يشاركون بفاعلية في مشاريع البحث والتطوير، في مجالات متعددة، تشمل، تصميم هياكل الطيران، والتصنيع، والمواد المتقدمة، وعلوم الفضاء، فقد ضم في العام الدراسي المنتهي 30 طالباً و78 طالبة، وخرّج 68 طالباً وطالبة منذ عام 2013». مضيفاً أن الجامعة «تضم مركزين بحثيين يرتبطان بشكل وثيق بالقسم، وتتمحور الأنشطة الرئيسية لمركز بحوث وابتكار الطيران في الجامعة حول تصنيع المواد المركبة للطائرات، فيما يجري الباحثون في مختبر أبحاث الفضاء أبحاثاً متعلقة بحركة الأجسام الكبيرة في الفضاء والملاحة والدقة».
محاكاة
وقال الدكتور أحمد بني يونس، الأستاذ المساعد في قسم هندسة الطيران والفضاء، والمشرف على مختبر الفضاء، «يعمل المختبر على محاكاة حركة المركبات الفضائية والأجسام، ما يعطي رسماً توضيحياً لها، حيث يختبر العاملون فيه البرامج التي يبنونها ويصممونها على الأرض، ويحاولون تجربتها للتأكد من أنها صحيحة وتعطي النتائج المطلوبة والقادرة على إنهاء المهمات المصممة لها في الفضاء».وأوضح، «نصمّم داخل المختبر البرامج والأنظمة على الأجهزة الموجودة، ونعمل تجارب بحثية؛ تشكل حركة ذات 6 درجات حركية»DOF 6«، ترصد حركة الأجسام، وكيفية التحكم والسيطرة بها، التي ستمثل حركة المركبات الفضائية، حيث إن الباحثين يسيطرون على الأجهزة في المختبر ويتحكمون بها بالطريقة ذاتها التي تتحكم بها في الفضاء؛ بهدف إلغاء مكون الجاذبية».
وأضاف، «عند التأكد من أن البرامج التي دمجت وركّبت على الأجهزة تعطي النتائج المطلوبة والصحيحة، تكون هذه الأجهزة جاهزة لاختيار حالات أو دراسات معينة، بحيث تكون شاملة لجميع الحركات المتوقعة للمركبة في الفضاء، حيث إن الباحثين يوجدون حلولا وأساليب في حال حدوث أي خلل في تلك البرامج، وهذه الدراسة تقع تحت بند«التحكم والتوجيه»، مؤكداً أن التجارب تهدف إلى تتبع ورصد الشوائب في المدارات الأرضية التي تسبب مشكلات عدّة لمعظم الأقمار الصناعية الموجودة حول الأرض، وكذلك التجارب التي تقع ضمن نطاق«الالتحام في الفضاء ضمن المركبات والأقمار الصناعية»بشكل تلقائي لإنجاز مهام معينة دون تدخل الإنسان، بحيث تقلل مخاطر العمليات أثناء القيام بالتجارب، خاصة أنها تخضع لدراسة دقيقة كافية بأن تعطي الثقة التامة بأن البرامج التي أنجزت وطوّرت جاهزة للعمل في الفضاء، وأن عملية إجراء التجارب توفر الكثير من الكلفة مقابل القيام بها في محطات الفضاء.
تجارب عملية
وبين أن هذا المختبر مزود بنظام تحديد المواقع VICON، المزود بست كاميرات، كل منها تعمل بدقة تصل إلى 16 ميجا بيكسل، حيث إنها تراقب في الوقت ذاته وترصد أي جسم عرّف داخل المختبر بسرعة عالية، كما أنها تزود معلومات كافية بإحداثيات الحركة والسرعات، ويُعرّف هذا الجسم قبل عمل التجربة، موضحاً أنه يوجد أنماط معينة من التصاميم لكل تجربة، وعند تحضير الأدوات والأجهزة المطلوبة نعمل عملية معايرة أحادية بشكل مستقل، ثم نحضّر التجربة.
ويعمل ضمن نطاق المختبر نحو 20 طالباً وطالبة من تخصص هندسة الطيران والفضاء في كل المراحل الجامعية؛ البكالوريوس، والماجستير، والدكتوراه، وتكون بذلك جامعة خليفة هي الوحيدة في المنطقة التي تمنح درجة هندسة الطيران والفضاء في كل المراحل الأكاديمية للطلبة، ما يعطيهم الفرصة لأن يكونوا من الرواد والقيادات المهمة في هذا المجال، وهو ما يأتي تماشياً مع خطة أبوظبي 2030 تحت نطاق بند «النقل الجوي»، كما أنه يدعم الخطة الأكاديمية لطلبة قسم هندسة الطيران والفضاء، عبر مساقات عدة، أهمها، مادة«ديناميكية الفضاء والتحكم».
مشاريع
حصل عدد من الطلبة في المختبر خلال العام الماضي على دعم المشاريع العلمية، حيث عرض مشروع«بناء نموذج ديناميكي لفحص وتوضيح الحركة الدورانية للأقمار الصناعية الصغيرة»بمقر شركة«بوينج»في مدينة سياتل بالولايات المتحدة، ولاقى استحساناً كبيراً، ما جعل الشركة تطوّر العلاقة في المشاريع المستقبلية، كما حصلوا على موافقة لإجراء أبحاث تمتد سنوات بينهم، فضلا عن أخذ الطلبة في زيارة ل«مصنع تصنيع الأقمار الصناعية»التابع لشركة«برينج»في كاليفورنيا ضمن فعاليات هذه الرحلة.
ويدعم المختبر مجموعة شركاء للجامعة جزءا أول للدعم المباشر، ويضم أبحاثاً مدعومة من شركة«بوينج»، منها، مشروع بناء قمر اصطناعي مصغر»CubeSat 2U«بحجم 10 سم x 10 سم x 20 سم، وهو مشروع يضم خمسة فرق من طلاب الجامعة بخطة عمل مقسمة على ثلاث سنوات، يتكون كل فريق من 4 إلى 5 طلاب متخصصين بمهام معينة تحت إشراف الدكتور أحمد بني يونس، والمشرف على مختبر الفضاء والدكتور شادي بلعاوي، إذ سيطلق، بعد الانتهاء منه، للعمل في مدارات أرضية منخفضة، ويهدف إلى رصد الإشعاعات الشمسية في الغلاف الجوي، كما يتوقع أن يستمر في الخدمة مدة 90 يوماً.
وأكد الدكتور بني يونس، أن هذا العمل يمثل نواة لمشاريع تخرج الطلبة المشاركين؛ متطلب كلية الهندسة للتخرج، فهو تدعه شركة«بوينج»ضمن الاتفاقية مع جامعة خليفة لدعم وتطوير مشاريع ومساقات قسم هندسة الطيران والفضاء في الجامعة، وجاء امتداداً لمشروع سابق مع الشركة وهو«محاكٍ للأقمار الصناعية المصغرة».
رصد النجوم
ومن ضمن البحوث الدراسية في مختبر الفضاء، تصميم تجربة علمية تحاكي عملية رصد النجوم للمركبات الفضائية، لتحديد موقعها واتجاهها في المدارات، فهي تتمثل ببناء نموذج آلي«robot»لمركبة فضائية ذات 6 درجات حركيّة (6DOF) ضمن نمط ميكانيكي محكم قادر على محاكاة حركة ودوران المركبات الحقيقية في الفضاء، ويحمل النموذج كاميرا«ماسح النجوم»ترصد نقاطا منتشرة تشعّ ضوءا دون الحمراء«infrared»توضع على خلفية جدران منطقة العمل.
وأشار، إلى أنه عند حركة نموذج المركبة الدورانية في منطق العمل، فإن كاميرا ماسح النجوم ترصد النجوم الساقطة في اتجاه الرؤية واستخدام هذه القراءات مع العلم المسبق بمواقع النجوم لتحدّد بشكل دقيق وسريع موقع وإحداثيات نموذج المركبة بالنسبة للمحاور الثابتة في الفضاء.
ولفت إلى وجود عدد قليل من المرافق البحثية في العالم والشبيهة لهذا المختبر، فهو واحد من مجموعة قليلة، حيث زار مدير وكالة الفضاء الأمريكية«ناسا»مبنى المختبر للاطلاع عليه وعلى المشاريع التي يقدمها؛ وأبدى إعجابه بمستوى تلك الأبحاث والمشاريع التي تقام داخل أرجاء المختبر، إلى جانب الإمكانات الموجودة والمتوافرة فيه، موضحاً أن الدقة والسرعة داخل المختبر هما عاملان أساسيان في هذه الكواكب، لأن الأخطاء البسيطة في الفضاء تزداد وتمتد لمسافات بين الأجسام، وهي تعني لنا الكثير ونعمل على محاولة تقليلها قدر المستطاع، كما أن السرعة هي عامل أساسي يعمل في الفراغ الفضائي.
وأكد، أن عملية الدمج بين جامعة خليفة، ومعهد مصدر، والمعهد البترولي في أبوظبي، التي تمت الموافقة عليها مؤخراً، ستؤدي إلى استفادة المؤسسات التعليمية الأخرى من مختبر الفضاء في الجامعة، لأن تلك الأبحاث الموجودة يمكن أن يكون لها ارتباطات مع قطاع الفضاء بشكل أو بآخر.
قطاع الفضاء
وأسّّس فرع الجمعية الأمريكية للملاحة والطيران في جامعة خليفة، بالتنسيق مع الجمعية، ويدير نشاطاته مجموعة من طلبة هندسة الطيران والفضاء، حيث ينظم هذا الفرع نشاطات محلية متعلقة بعلوم وهندسة الطيران والفضاء، ومن ضمنها، مشاركة أعضاء الفرع في المسابقة العالمية لتصميم وتصنيع وتطوير الطائرات بدون طيار (DBF)، كما يعد فريق الجامعة«أعضاء الجمعية»من الفرق المنافسة وقد حصلت على مراكز متقدمة في السنوات السابقة، وكان من ضمنها الحصول على المركز السابع عام 2014 عالميا في المسابقة التي تنطلق كل عام في ولاية كانساس الأمريكية.
يذكر أن المختبر أسس منذ نحو 8 شهور، ومازال في مرحلة البناء والتطوير، إذ يوجد الكثير من الأفكار المولودة التي هي بحاجة إلى أشخاص يبنون عليها ويطوّرونها لفائدة المجتمع، كما تقدّم أفكار عدة تخدم قطاع الفضاء في الدولة، وهو قطاع واعد، بعد المبادرات التي قام بها صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في هذا المجال، ويدعم مشروع«مسبار الأمل 2020»، لافتاً إلى أننا في المختبر جاهزون للتعاون مع أي قطاع محلي لتطوير هذا المجال، كما أننا نبحث عن شراكات محلية ودولية للتطوير والتحسين وأفكار جديدة لتكون نواة مشاريع بحثية.
مشروع الدكتوراه
وقدم محمد الهليل، طالب دكتوراه في الجامعة يتخصص في هندسة الطيران والفضاء، تحت إشراف الدكتور أحمد بني يونس، نبذة عن مشروع الدكتوراه؛ وهو تصميم وتطوير العمليات الحسابية الحديثة وتطبيقها على أنظمة تكنولوجيا الفضاء، ومن ضمنها تجربة تتضمن تصميم برنامج الغرض منه تحديد اتجاه الأقمار الصناعية في الفضاء، عبر مراقبة وترصد حركة إحداثيات النجوم في الفضاء، وهذا البرنامج الذي يشكل عاملاً مهماً في سلامة حركة الأقمار الصناعية، وإنجاز المهام المطلوبة بدقة وسرعة، حيث طوّرت وحسّنت تلك العمليات الحسابية الموجودة حالياً؛ لكي تكون عمليات تحديد المواقع وحركة الأقمار الصناعية أكثر دقة، لافتاً إلى أن العمليات الحسابية تختصر الكثير من الوقت، وتساعد في الحصول على دقة المعلومة في أسرع وقت.
وأضاف، أنه بعد الانتهاء من تصميم هذا البرنامج وعمل الدراسات والتعديلات عليه، سيعمل على تصميم تجربة في مختبر الفضاء على أجهزة محاكاة الأقمار الصناعية للتمكن من عرض هذا البرنامج على الأرض ودراسته واختبار فعاليته، ونشرت مؤخراً أبحاث عدة في مجلات علمية عالمية.
مشروع «Drone»
ويقدم مشروع تحديد وتتبع مسارات معينة لطائرات «Drone» الطائرات بدون طيار، الذي قام به المهندس محمد صديقي، والمهندسة لينا موفق، والطالب عبدالرحمن الحمادي، والطالب سهيل الشحي، آلية جديدة تفعل نظام تتبع للطائرات بدون طيار لمسارات تحدّد مسبقا لإنهاء مهام معينة، عن طريق التحكم بالتغذية الراجعة بقراءة نظام تحديد حركة الأجسام «VICON»، إذ إن هذا المشروع يهدف إلى ربط جهاز تحديد حركة الأجسام بالآليات المتحركة داخل المجال الفضائي في المختبر، بحيث يمكن لهذه الآليات التعرف إلى حركتها وموقعها في أي وقت. وأوضح طلبة المشروع، أن آلية عمل المشروع تتيح إمكانية القيام بمهام عدة فضائية محكمة ودقيقة، وهذا العمل يهيئ استراتيجية ملائمة لابتكار وتطوير أنظمة جديدة في التحكم والملاحة وهو ما نود الاهتمام به في الفترة القادمة.
تطوير العمليات الحسابية
وقدم الطالب محمد الهليل، والمهندسة لينا موفق، والمهندس عبدالله النقيب، مشروع تطوير العمليات الحسابية والبرامج لإضفاء حلول دقيقة وسريعة يمكن من خلالها تحديد وتتبع حركة الأجسام في الفضاء، فإن الجزيئات البسيطة في الفضاء لها تأثيرات بسيطة اذا ما تم النظر إلى قيمة الأرقام، ولكن هذه الجزيئات البسيطة تسبب تغييرا في تضاريس حلول مشكلات الفضاء مع الزمن.
وأوضح الطلبة، أنه وعلى سبيل المثال، فإن الجاذبية الأرضية تمثل عاملاً مهماً لدوران الأجسام والأقمار الصناعية حول كوكب الأرض، لافتين إلى أنه إذا أخذت نظرة عميقة إلى طبيعة الجاذبية على الأرض، نجد أن الكوكب لا يشكل كرة تامة لأن تضاريس الكوكب من جبال ومحيطات وأودية تجعل قيمة الجاذبية الأرضية متغيرة، وتخلق نظام جاذبية يعتمد على نوع التضاريس في المنطقة، حيث إن الجاذبية الأرضية فوق جبال الهيمالايا تختلف عنها فوق البحر الميت، إذاً فإن حركة الأجسام والأقمار الصناعية تتأثر بهذه الاختلافات البسيطة.
وأكدوا، أن هذه الأبحاث تقوم على اعتماد مثل هذه العوامل على حركة الأجسام والأقمار الصناعية للحصول على حلول دقيقة وبسرعة عالية لتتبع هذه الأجسام.
تصميم وصناعة الطائرات
نفذ خمسة طلبة من الجامعة، هم: عايشة العنتلي، وعنود الجنيبي، وفاطمة البلوشي، ونور بازهير، وراشد الشيباني، مشروع تصميم وصناعة طائرة بدون طيار ذات قدرات تعمل على اختيار المسارات الُمثلى عند تنفيذ المهام، بتقليل استهلاك الطاقة، وقد دعمته شركة «بوينج»، حيث سافر الفريق إلى «سياتل» واشنطن، وعرضت نتائج المشروع في مقر الشركة.
وأكد الطلبة، أن هذا المشروع يمثل آلية جديدة للاستغلال الأمثل للطاقة المتوافرة في الطائرة، من حيث إعادة تصميم وبناء هيكل جديد من مواد مركبة ذات جودة عالية ووزن أقل.
المصدر: الخليج