حاورته: بيان السطري
بين قصبات خشبية، تراه يبحر في عالم الأحبار والألوان ليخرج بدراما فنية أبطالها حروفٌ وحركاتٌ ونقاطٌ التأمت لتسرد وريقاتٍ من عبقريةٍ وإبداع. وما أن يقف المشاهد أمام أعماله، حتى تنفرج أساريره برؤية الجمال يخطُّ على أوراق وقماش تدفع الأول إلى إطالة النظر والتحليق بعيدا إلى عالم اكتنفته الموهبة ورصعته الخبرة وعانقه الهدوء والسلام. دعونا ننتقل سويا إلى ومضاتٍ من إبداع الفنان ماجد اليوسف.
هل لك أن تعرفنا عن نفسك؟
سعودي الجنسية عراقي الهوية ولدت وترعرعت في العراق وعشت هناك إلى أن أكملت دراستي الجامعية في مجال الفنون الجميلة. منذ الصغر، كان الفن هو نافذتي التي أطل بها على العالم من حولي حيث أظهرت اهتماما شديدا بالخط العربي والرسم وسعيت على قدم وساق لتطوير مواهبي وميولي الفنية برعاية وتشجيع من والداي. ظروف الدراسة والعمل دفعتني إلى الترحال إلى على عدة بلدان فأنهيت الماجستير في التصميم التفاعلي وتطوير الألعاب من جامعة سافانا للفن والتصميم في الولايات المتحدة. بدأت عملي في الأردن ثم انتقلت إلى المملكة العربية السعودية إلى أن انتهى بي المطاف في دبي منذ عام 2002. حب المعرفة كان دافعا مستمرا لي لاستكشاف العالم من حولي وتطوير مهاراتي كي أرتكز على سلالم النجاح.
– أدخلت الخط العربي على الديكور المنزلي، هل لك أن تحدثنا عن هذه الفكرة المبتكرة؟
قديما، كان الخط العربي جزءا من العمارة الإسلامية والزينة إلا أنه اختفى ليصبح بعد ذلك ومع مرور الأزمنة مرتبطا فقط باللوحات. أعمل الآن على إعادة إدخال الخط العربي على الديكور المنزلي لكن بأسلوب وتقنيات حديثة ليست كتلك التي تستخدم في الجواهر والتي تتسم بالتعقيد. أسعى إلى تصميم ديكورات خطية ثلاثية الأبعاد تتصف بالبساطة لتناسب الجو المنزلي وتزيِّن الحائط والسقف كمحاولة لدمج الخط العربي مع أوساط جديدة وتفاصيل الحياة اليومية.
– للمرة الأولى، يتجلى جمال الخط العربي بظهوره على علب الكلينكس، هل لك أن تخبرنا عن التعاون بينك وبين الكلينكس من خلال عمل “من جال نال”؟ |
|
المشروع تم عن طريق الوكالة المتخصصة بتصميم علب الكلينكس حيث طلبوا استخدام بعض اعمالي في تصميم العلب الجديدة و هي ضمن حملة ترويجية ركزت على اضفاء الجاذبية على تصميم العلب نفسها و جعلها قريبة من ثقافة المجتمع العربي فكان الخط ابرز الوسائل لتحقيق هذا الهدف.المشروع كان ناجحا جدا وحصل على جائزة لينكس مؤخرا في دبي. | |
-تجمع في أعمالك بين الخط الكلاسيكي والمعاصر، أيهما أبلغ في عكس جمال الحرف وأيهما تفضل؟ | |
أرى أن للخط الكلاسيكي القدرة على إبراز جمال الحرف بشكل أكبر كونه مدروس وناضج وخلاصة مئات السنين التي جرى فيها تطوير الحرف حتى وصل لهذه الدرجه. لذا، أرى أن للخط الكلاسيكي قيمة أكبر وسحر خاص فهو أغنى بصريا. بالنسبة للخط المعاصر، نحاول كخطاطين تطوير هذا الخط بالنظر إليه من زاوية جديدة وإيصاله لمرحلة يتماوج فيها النضج والجمال الحركي بالقواعد. |
– تحمل مجموعة من أعمالك اسم “سلسلة موندريان”، أخبرنا عن هذا العمل الفريد؟
من باب حبي الدائم للتجريب، حاولت أن أدخل اللغة الحديثة على الخط العربي للتواصل مع الفن الغربي وخلق جسر بينهما. ألهمتني أعمال الفنان الهولندي موندريان والذي يعتبر من أعلام الفن التجريدي الحديث منذ بداية القرن العشرين، لذا أردت محاكاة الأسلوب التجريدي العالي الذي يعتمد على الألوان والأشكال المحددة والبسيطة بإدخال الخط العربي عليه بطريقة جديدة كما يظهر في عمل”سلسلة موندريان”. بوسعي أن اقول أن التجربة كانت ناجحة وأرى أنه يمكن تطويرها بشكل أكبر.
– انقطعت عن الخط العربي لفترة ليست بالقصيرة ثم عدت له قبل عدة سنوات، مالسبب وراء ذلك؟
في الحقيقة، ظروف الدراسة والسفر من بلد لآخر أبعدتني عن الخط العربي بعض الشيء إلا أن هذا لم ينهِ حبي واهتمامي بالخط العربي حتى عدت أتمرن عام 2007.
– ما هي الصعوبات التي واجهتها في بداية مشوارك المهني كخطاط؟
بوسعي أن أشبه تجربتي بتجربة الرياضي الذي يحاول أن يدخل مباراة في نصفها إذ يتوجب عليه أن يكون في أهبة الاستعداد وملما بكافة المهارات والقواعد الرياضية على أرض الملعب. ينعكس هذا المثال عل تجربتي فعندما عدت إلى الخط العربي لاحترافه كمجال عمل إلى جانب عملي في الفن الرقمي، وجدت أن ساحة الخط العربي مليئة بالمعارض والخطاطين الذين يملكون باع طويل في المجال. نتيجة لذلك، كان علي أن أتحرك بسرعة وبذكاء حتى أصل إلى مستوى عالٍ يخولني مجاراة ومنافسة من هم في الساحة. والحمدلله، استطعت في فترة قصيرة أن أعوض ما فاتني واستعادت يداي الليونة والموهبة بعد سنين من عدم ممارسة الخط العربي.
– حصلت على جائزة الاتجاه الأصيل في مهرجان الفنون الإسلامية بالشارقة2011 عن عمل ” إنه كان وعده مأتيا”، هلا أخبرتنا عن هذه الجائزة؟ | ||
يعد مهرجان الشارقة من أحد أهم وأشهر المهرجانات كونه يعود للتسعينات. يقدم المهرجان عددا من الجوائز كجائزة الواعد للناشئين وجائزة الفن الحديث وجائزة الاتجاه الأصيل التي فزت بها، والتي تقدم للعمل الكلاسيكي. تعتبر أعمال الاتجاه الأصيل الأكثر صعوبة وتعقيدا. كانت هذه التجربة جيدة وقوية في الوقت نفسه لاحتدام المنافسة بين العديد من الخطاطين وجودة الأعمال المشاركة. بالإضافة إلى ذلك، كانت هذه هي المرة الأولى التي أشارك فيها بمسابقة للخط لعربي بعد عودتي له عام 2007، لذا كانت دافعا مهما لي لإكمال مشواري في الخط العربي بنجاح وتصميم. |
– بين نجاحك المستمر وإصرارك على الريادة، ما هو الهدف الذي تصبو اليوم لتحقيقه ؟
أطمح أن أكون مِمَن يتركون بصمة كبيرة في تاريخ الخط العربي وذلك عن طريق الدراسة والتحصيل الذاتي فأنا لا أنتظر شيئا أن يقدم لي من أحد. بل أحاول أن أطور وأبحث في الشيء الذي أسعى لتحقيقه حتى أصله. الوصول إلى العالمية هو أحد أهدافي أيضا فبعد تحقيق النجاح المحلي تصبح أبواب العالمية قريبة المنال.
-ما هي الرسالة التي تحاول إيصالها من خلال أعمالك؟
رسالتي الأساسية هي نقل عمل فني عالي الجودة إلى المشاهد إضافة إلى تصحيح الأخطاء التي تظهر في بعض الأعمال و يغفل عنها الشخص العادي الذي يفتقر إلى الخبرة في مجال الخط. أيضا، أسعى لعكس الجمال من خلال أعمالي المتنوعة بحيث تسر الناظر وتخلد في ذهنه.
-في ظل الوضع السياسي الغير مستقر الذي يعصف بالعالم العربي، هل للفن القدرة على التغيير والتأثير بجانب دوره في توثيق ؟
لكي يفكر أي شخص في هذا الموضوع، يجب أن يكون لديه مرجعية تاريخية. بالنسبة للفن العربي، المرجعية التي يمتلكها هي أوروبا والتي ساهم فيها الفن في التغيير خلال الحرب العالمية الأولى والثانية. من بعد الثورة الفرنسية، ظهرت مدارس الكلاسيكية الحديثة والواقعية والتكعيبة والتجريدية والسريالية التي رافقت التغييرات السياسية الحادة التي كانت تحدث في أوروبا في تلك الفترة. لكن السؤال، هل الفن ساهم في التغيير أم أن التغيير هو الذي أثر على الفن؟ أرى أنّ العملية متبادلة والمعادلة متوازنة الطرفين فكل من الفن والتغيير احتاج الآخر للبقاء. حقيقةً، الفن العربي البصري غير ناضج بشكل كبير فهو حديث التكوين إذ أنّ معظم الرسامين العرب يرجعون لعشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين والذين درسوا في أوروبا وعادوا إلى العالم العربي. أعتقد أن بيد الكتّاب والأدباء التّغيير بشكل أكبر في العمق الثقافي لأي مجتمع على خلاف الرسامين والخطاطين لقدم تاريخ الأدب العربي وتأصل الرواية والقصة في حياة الناس.
– تشارك حاليا في معرض “فنون إسلامية” بتنظيم صالة” آرا” والذي سيستمر حتى 31 أغسطس مع نخبة من الخطاطين المرموقين، ما المميز والجديد في هذا التجربة؟
التجربة هي جديدة لصالة “آرا” حيث تحاول بشكل مستمر استضافة معارض وتجارب جديدة. أتعاون مع صالة “آرا” للمرة الأولى من خلال هذا المعرض وسعدت بهذه المشاركة. شاركت بأربع لوحات مختلفة وبودي القول أنّ هذه التجربة كانت ناجحة إذ استقطب المعرض زوارًا من جنسياتٍ مختلفةٍ لفتتهم أساليب وأنواع الخطوط المستخدمة.
– في النهاية، ما هي المعارض القادمة أو المناسبات الفنية التي تعتزم المشاركة بها؟
بعد هذا المعرض، سأشارك في شهر أكتوبر القادم بجائزة البردة في أبوظبي والتي تتمحور حول نصوص وأعمال فنية خاصة للرسول (صلى الله عليه وسلم).
خاص لـ ( الهتلان بوست )