كاتب وأكاديمي سعودي
و العنوان لمن يقرؤه لأول مرة هو ترجمة حرفية لثلاثية روائية للكاتبة البريطانية أي إل جيمس بعنوان: 50 Shades of Grey.
حققت الرواية شهرة كبيرة في الغرب عند صدورها قبل ثلاثة أعوام وبيعت مائة مليون نسخة من جزئها الأول ! واليوم تعرض صالات السينما حول العالم فيلماً يحمل الاسم نفسه و يجسد أحداث و شخصيات الرواية المثيرة للجدل. وقد تزامن توقيت العرض الأول للفيلم في الرابع عشر من الشهر فبراير الماضي – موعد احتفال العاشقين بعيد الحب “الفلانتاين” – وهذا التوقيت في حد ذاته يثير الكثير من علامات الاستفهام!
أما عن الجدلية المثارة حول الفيلم فمردها إلى الفكرة الأساسية للرواية التي تدور أحداثها حول قصة حب تنشأ بين فتاة أمريكية جامعية من الطبقة المتوسطة وشاب ثري و ناجح في مجال الأعمال . لكن الفتاة تُفاجأ بميول سادية وشاذة لدى عشيقها . وهو القالب الرئيسي الذي تدور حوله أحداث الرواية . وقد وصفت الناقدة كلاوديا بويج في صحيفة «يو إس إيه توداي»، الفيلم بأنه «النسخة المنحرفة لأسطورة سندريللا».
ودون الخوض في تفاصيل وأحداث الرواية والفيلم . فأعتقد أن ثمة اتجاه أدبي وفني ليس طارئاً بل له جذوره التاريخية، لكنه سائد وربما آخذ في التنامي اليوم في الأوساط الروائية والفنية. وهو اتجاه يسعى بشكل أو بآخر للنيل من العاطفة النقية وتقديم الحب بصورة ممسوخة مشوهة . اتجاه يلمسه المتابع حتى لدى صناع السينما والدراما العربية التي هي في الأساس ليست بحاجة إلى مزيدٍ من الفشل يضافُ على فشلها الذريع كي تُضيف لأرشيفنا الفني أعمالاً تنطوي على تسويق الخيانة والشذوذ واستخدام قاعدة “كل ممنوع مرغوب” للتسويق وجذب أكبر شريحة من المتابعين . المتابع للأعمال الدرامية المدبلجة عن التركية و بعض الأعمال العربية في السنوات الأخيرة سيجد مفردات “الحرام” و “الممنوع” و “المشبوه” وغيرها وقد باتت مفردات مشتركة في عناوين تلك الأعمال أو أنها على أقل تقدير تتمحور في فكرتها الرئيسية حول ذلك، دون الحاجة لأن أسوق أمثلةً لأسماء أعمال بعينها!
وعودة لرواية خمسون ظلا ل “جراي”. ونظراً للشرخ الكبير الذي أحدثته في النسيج الأسري في المجتمع الغربي. فقد شهد العامان الماضيان نشوء تيارٍ مضاد في الغرب يحمل على عاتقه تصحيح تلك المفاهيم المغلوطة ومحاربة فكرة الشذوذ والسادية الجنسية من خلال كتابات صحفية وبرامج تلفزيونة وجلسات علاجية في المصحات النفسية يقف عليها أطباء وأخصائيون اجتماعيون يخاطبون الأفراد الذين وقع عليهم التأثير في محاولة لمساعدتهم في إعادة علاقاتهم العاطفية إلى مسارها الصحيح. وهذا أمر طبيعي من وجهة نظري. فعلى الرغم من الآفات الاجتماعية التي تفتك بالمجتمعات الغربية إلا أنها تعيش في الوقت ذاته انفتاحاً ثقافياً واجتماعياً يساعدها على تلمس المشكلة فور ظهورها ومحاولة علاجها والتعامل معها كقضايا اجتماعية . ويببقى السؤال المطروح ماذا عن مجتمعاتنا العربية ؟ ففي ظل هذا الضخ الدرامي لأعمال عربية تحاكي المسلسل التركي الشهير”العشق الممنوع” . يقابله انغلاقٌ وخجلٌ وربما تخوف لدى الكثيرين من طرح مثل هذه القضايا ومناقشتها باعتبارها خطوطاً حمراء و “قضايا حساسة جداً” ! فكيف لنا إذاً أن نقيس الأثر ونضع أيدينا على الخلل لمحاولة ترميم وإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان ؟ قد يقول قائلٌ بأن الحل الأجدى هو منع إنتاج و تقديم هذه الأعمال وما على شاكلتها ابتداءاً . وفي ذلك قدرٌ لا بأس به من الصواب . لكن أما وقد “وقع الفأس بالرأس” فلابد من حلول آنية ! قبل أن يستمرئ المشاهد العادي تلك الأيقونات المشوهة للعلاقات العاطفية ويعتبرها مع مرور الوقت شيئاً عادياً جداً!